تشير
أحدث المعطيات والأرقام الخاصة بالأمن الوطني إلى أن المجتمع الجزائري بات على
أعتاب كارثة أخلاقية وشيكة، ما لم تسارع الأسرة إلى استعادة زمام الأمور، بعد أن أصبحت
"تنتج أطفالا مجرمين"، بسبب تخلي الآباء والأمهات عن لعب دور المربي،
وهو الدور الذي صار الشارع يتولى القيام به، والنتيجة قرابة الستة آلاف "مجرم
صغير" في الجزائر خلال 10 أشهر فقط، وما خفي أعظم!..
مما لا شك فيه أن القلم مرفوع عن الصبي حتى يحتلم، ولذلك لا
يمكن أن الحكم بالإعدام على طفل قام بقتل شخص، واللوم يقع عادة على عاتق والديه
اللذين لم يحسنا تربيته فقام بجريمته..
وحتى وقت قريب كان إجرام الأطفال من النوادر التي لا تتكرر
إلا قليلا في مجتمعنا الجزائري المسلم، ولكن الأرقام المعلن عنها مؤخرا بخصوص جنوح
الصغار وانحرافهم وارتكابه لحماقات من الوزن الكبير.. كل ذلك يؤكد "استقالة
الأسرة"، بعد عجزها عن القيام بتكوين النشء الصالح، واكتفائها بالتفرج على
أبنائها وهم يرتكبون الجنح والجرائم..
الأرقام تتكلم..
معطيات
مصالح الأمن الوطني التي تدق نواقيس الخطر وأجراس التحذير تكشف توجه آلاف الأطفال
الجزائريين نحو الإجرام بمختلف أشكاله، وهو ما يؤكد تراجع دور الأسرة في تربية
الأبناء، حيث أحصت المديرية العامة للأمن الوطني 5729 حدثا متورطا في 4327 قضية
معالجة خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى نهاية أكتوبر 2013.
وحسب ما أفادت به رئيسة مكتب حماية الطفولة والمرأة
بمديرية الشرطة القضائية عميد أول للشرطة خيرة مسعودان، فإن "الجنوح عند
الاحداث عرف خلال الـ10 أشهر الأولى من السنة الحالية ارتفاعا طفيفا بنسبة 3
بالمائة"، علما أن الذكور ليسوا وحدهم "الجناة"، حيث تم إحصاء 244
فتاة يمكن وصفها بالمجرمة الصغيرة.
وحسب المصدر نفسه فإن جرائم السرقة تحتل المرتبة
الأولى بنسبة 35.57 بالمائة من جنوح الأحداث خلال نفس الفترة، تليها قضايا تتعلق
بتكوين جمعيات أشرار ـ أي أطفال على رأس أو ضمن عصابات! ـ
بـ249 قضية معالجة، وشكلت جرائم المساس بالعائلة والأداب العامة 363 قضية معالجة،
وتحطيم الأملاك بـ178 قضية بالاضافة إلى تورط 12 حدث في 12 قضية متعلقة بجرائم
القتل العمدي، فيما سجل تورط 4 أحداث في جرائم الضرب العمدي المفضي إلى الوفاة.
وبخصوص التكفل بالأطفال "في حالة خطر معنوي"
من قبل مصالح الشرطة، كشفت مسعودان عن توقيف 2281 طفل خلال نفس الفترة، تم تسليم
1753 منهم لذويهم فيما تم تقديم 422 طفل لقضاة التحقيق الذين أمروا بوضعهم في
المراكز المختصة.
أطفال مجرمون.. وآخرون ضحايا!
وإذا
كانت الأرقام السابقة تشير إلى ارتفاع عدد الأطفال المجرمين في بلادنا، فمن المؤكد
أن الطفل ضحية ـ حتى ولو كان مجرما ـ سواء في حالة قيامه باعتداء، أو تعرضه لذلك،
علما أن مصالح المديرية العامة للأمن الوطني سجلت خلال الشهور العشرة الأولى من
هذه السنة 5304 طفل ضحية لمختلف أنواع الجرائم في مقدمتها جرائم الضرب والجرح
العمدي بـ3045 ضحية، ما يمثل نسبة 57.41 بالمائة.
وإضافة إلى تلك المعطيات، تم تسجيل 1510 طفل
ضحية اعتداء جنسي و252 أخر ضحية سوء معاملة و209 أخر ضحية جرائم اختطاف والتحويل
فيما تم تسجيل 11 طفل ضحية جرائم القتل العمدي واخرين ضحايا الضرب والجرح العمدي
المفضي إلى وفاة.
وفي
الإطار ذاته، سجلت مصالح الدرك الوطني خلال العشر أشهر الأولى من سنة 2013 أكثر من
1500 قاصر ضحية عنف من بينهم 430 طفلة وفتاة.
وحسب المصدر نفسه يأتي الأطفال ضحايا الضرب
والجرح العمدي في مقدمة الضحايا بـ807 حالة، تليها جرائم الأفعال المخلة بالحياء بـ526
حالة، ثم جرائم الاغتصاب بـ89 حالة، وجرائم القتل العمدي بـ23 حالة.
وتثير
الأرقام المذكورة تساؤلات جدية ملحة حول نجاعة الآليات المستخدمة لحماية الأطفال
من المجتمع، ولحماية المجتمع من الأطفال الجانحين.. فآلاف الأطفال الجزائريين
صاروا اليوم في موقع المعتدي أو المعتدى عليه، والواقع لا يبشر بالخير، حيث تبدو
ظاهرة عنف وإجرام الأطفال في تصاعد، وهو ما ينطبق أيضا على ظاهرة الاعتداء على
الأطفال.
مشكلة المشاكل
مشكلة
المشاكل في الموضوع برمته أن من يمكن وينبغي التعويل عليهم في مسألة تربية الأطفال
وإبعادهم عن عوالم الإجرام، ونتحدث عن الأولياء بالدرجة الأولى، بات كثير منهم
بحاجة إلى إعادة تربية، في ظل الإفلاس الأخلاقي الذي يعيشه مجتمهنا منذ سنوات..
ولما
كان رب البيت للدف ضاربا، فمن غير المعقول أن نلوم الأولاد على الرقص، والإجرام..
ونخشى
أن نتحول من نداء الآباء إلى تربية أبنائهم إلى ندائهم لتربية أنفسهم أولا..
والإصلاح الحقيقي يبدأ من إصلاح المرء لنفسه، قبل إصلاح أولاده وأقربائه..