يا اللي وانت بعيد معايا.. نفسي يوم تسمع ندايا
ـ إعداد: الشيخ. ب/ مصادر مختلفة ـ
"يا اللي وانت بعيد معايا.. نفسي يوم تسمع ندايا".. هكذا
دندن يوما.. تاركا نداء الحب يدوي بين العشاق.. لم أكن قد جئت إلى هذه الدنيا بعد
حين رحل.. لكنه أصبح فيما بعد مطربي المفضل..
إنه صاحب "أي دمعة حزن
لا".. "حاول تفتكرني.." "رسالة من تحت الماء"..
"موعود".. "زي الهوى".. "نبتدي منين الحكاية".. "أسمر
يا أسمراني" و"على قد الشوق" و"صافيني مرّة" و"فاتت
جنبنا".. "أهواك"، "توبة".. "حبيبها"وغيرها.. أكثر
من 230 أغنية تنوّعت بين العاطفية والوطنية، فضلاً عن الابتهالات الدينية أنجزها
عبد الحليم حافظ (1929 ــ 30/3/ 1977) خلال مسيرته. إنجازات لم تنحصر بالموسيقى،
بل شملت مجموعة كبيرة من الأفلام أبرزها «لحن الوفاء» (1955) لإبراهيم عمارة،
و«موعد غرام» (1956) لهنري بركات، وفيلم عز الدين ذو الفقار «شارع الحب» (1958)، إضافة
إلى «معبودة الجماهير» (1967) إخراج حلمي رفلة وغيرها.
عبد الحليم صلى داخل
الكعبة..
أكدت الحاجة "زينب
الشناوى"، ابنة الحاجة "علية"، شقيقة المطرب المصري الراحل "عبد
الحليم حافظ"، لموقع "صدى البلد": عبد الحليم "اعتمر"
كثيرًا ولكن لا أستطيع تحديد عدد المرات بالضبط.. لأنه في زياراته الكثيرة إلى
السعودية كان يحرص على أداء العمرة.
وأضافت: دخل حليم الكعبة
المشرفة من الداخل وصلي بها من خلال بعض أصدقائه السعوديين أثناء عملية غسيل
الكعبة، وأذكر أننا وقتها سألناه عمّا بداخلها فقال: لن أتكلم في هذا الموضوع.
وتابعت: كما أنه دومًا كان
يقوم بالذبح وتفريق اللحوم على المحتاجين، خاصة وهو في الأساس من عائلة متدينة،
فوالده كان رجلا صالح يقرأ القرآن الكريم والحاج إسماعيل آيضا يرحمهم الله جميعا
كان من حملة كتاب الله العزيز، بالإضافة إلى أن الشيخ محمد درويش "قارىء
البيت" كان يأتى الى بيت عبد الحليم دوما ويقرأ القرآن لمدة ساعتين أو أكثر،
وأحيانًا كان يصطحب معه بعض المشايخ لقراءة القرآن أيضا والدعاء لأهل البيت كل
فترة وكان حليم يعد لهم موائد الفتة واللحمة.
كان عنوانا للإخلاص
رغم رحيله قبل 36 عاما، إلا أن
صوته لا يزال يشع في فضاء «الثورات العربية»، ولا تزال تردد الجماهير وراءه «يا
بركان الغضب يا موحد العرب». فلم يكن العندليب عبد الحليم حافظ مجرد فنان مر
«صدفة»، بل كان رائدا من رواد الطرب، صنع مدرسة فنية بإحساسه وصوته العذب، شعارها
«يا مركبي سيري».
«في يوم» 30، «في شهر» مارس "في
سنة" 1977، رحل ذلك الفتى اليتيم «مداح القمر»، الذي كان «في يوم من الأيام»
بالمجد «موعود»، فرغم المرض وجسده النحيل المثير للتعاطف رفع شعار «أي دمعة حزن
لا»، ليبدأ صوته الرائق المملوء بالحزن وإحساسه المفرط بالشجن يتسلل تحت «ضي
القناديل» إلى جمهوره، وهم يستقبلونه بترحاب «نعم يا حبيبي نعم».
ورغم مرور 36 عاما على رحيل
العندليب، إلا أنه لا يزال يعيش داخل قلوب جمهور «الوطن الأكبر» من المحيط للخليج،
لسان حالهم «عاش اللي قال» فلا يشعر أحد بغيابه، فأعماله الفنية مادة ثرية
للفضائيات والإذاعات، ولا تخلو منها ذاكرة أجهزة الجوال والحاسبات الشخصية. ولا
تزال طقوس الاحتفال بذكرى رحيله قائمة عاما وراء عام، يفتح فيها باب منزله بحي
الزمالك بالقاهرة لجمهوره، مع تسابق وسائل الإعلام على بث أعماله في هذا اليوم.
اهتم حليم بتطوير الأغنية
الوطنية والشعبية، حيث تمتع بفكر سبق عصره، غنى كل الألوان الرومانسية
والاجتماعية، والوطنية والقومية، كما غنى الابتهالات الدينية.
قدم عبد الحليم 16 عملا
سينمائيا كانت في الصدارة في ذلك الوقت، فقدم أول أفلامه «لحن الوفاء» مع الفنانة
شادية ليضع قدمه على أول سلم عالم التمثيل، ثم تعددت نجاحاته بعد ذلك في أعمال
سينمائية كبرى مثل «بنات اليوم» و«أيامنا الحلوة» و«الخطايا» و«دليلة» و«البنات
والصيف» و«معبودة الجماهير»، إلى أن وصل إلى محطته الأخيرة في فيلم «أبي فوق
الشجرة». كما قام عبد الحليم ببطولة المسلسل الإذاعي «أرجوك لا تفهمني بسرعة»، وهو
المسلسل الوحيد الذي شارك فيه عبد الحليم بطلا للحلقات، بمشاركة نجلاء فتحي وعادل
إمام.
و«على قد الشوق» للعودة إلى
زمن العندليب في ذكرى رحيله، يسأل كثير من جمهوره «قارئة الفنجان».. لماذا لم يمت
صوت عبد الحليم رغم مرور كل هذه السنوات؟!.
السؤال حملته صحيفة «الشرق
الأوسط» إلى الموسيقار «محمد سلطان»، الذي عاصر زمن العندليب، فأجاب: «الفن المخلص
الحقيقي وليس المزيف يظل ساكنا داخل قلوب الجمهور، وعبد الحليم كان عنوانا للإخلاص
في عمله، ولديه الوفاء الكافي لعمله ويقدم كل شيء بإتقان دون اللجوء إلى الابتذال
أو الاستسهال كما يحدث الآن، ولذلك ستظل أعماله خالدة وشامخة للأبد ولن تموت، فهي
أعمال ذات قيمه حقيقة، وهذا هو حال القمم الفنية لا تموت وتظل مهما مر من وقت، لذا
يستحق منا عبد الحليم كل الحب والتقدير».
وإذا كان جمهور العندليب يعيش
حاليا ما يسمى بزمن الربيع العربي، فإن صوت عبد الحليم حافظ كان مرتبطا بالتاريخ
الانتقالي للأمة العربية. هذا ما يراه سلطان، متابعا: «كان صوته لسان حال الثورات،
بدءا من ثورة جويلية في مصر ومرورا بثورة الجزائر واليمن، فالأغنية الوطنية هنا
لعبت دورا رياديا في قيادة الشعوب وأسهمت في إثراء الوعي الثقافي والسياسي».
وعن ذكرياته مع العندليب،
يقول: «أتذكر أنه جاء لي في بيتي في الساعة الرابعة صباحا قبل رحلته الأخيرة إلى
لندن وهو في عز مرضه، ليطلب مني تلحين أغنية بعنوان (أحلى طريق)، وأعطاني كلمات
الأغنية على شريط مسجل وطلب مني تلحينها لكي يغنيها في عيد الربيع، ولكن القدر كان
أسرع مني ومنه فمات قبل أن يغنيها، وقامت بغنائها زوجتي الفنانة فايزة أحمد».
وأوضح أنه تعاون مع حليم في
أغنية واحدة، حيث طلب منه العندليب أن يلحن أغنية للملك محمد السادس ملك المغرب
أثناء وجودهم في عيد ميلاده وكانت بعنوان «محمد مبروك ألف مبروك». ويتحدث سلطان عن
حليم الإنسان قائلا: «كان إنسانا كله حب وعشق للحياة رغم علمه بمرضه، وكان كريما
بلا نهاية، ودليل إنسانيته أنه وقت مرضه كان يظل طوال الليل لا ينام خوفا من حدوث
نزيف له، وكان يرفض أن يجلس أحد بجواره وهو نائم خوفا عليهم».
العندليب بين «ناصر»
و«الإخوان»
مازال الغموض يسيطر على تفاصيل
كثيرة من حياة «العندليب»، وكل عام تظهرأسرار جديدة، هذه المرة حاولنا الغوص في
جانب آخر في حياة «عبد الحليم»، الناصرى، الذى غنى لـ«جمال» وللاشتراكية. فكيف كان
موقف الإخوان المسلمون منه ومن أغانيه؟
عبد الرحمن الأبنودى، قال: «عبد
الحليم» كان شاباً ناصرياً، شكل مسيرة للغناء الوطنى لـ«عبدالناصر» مع كمال الطويل
وصلاح جاهين، وأظن أن مواويله في الشعر الصوفي مع الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفي،
الذى لم يأخذ حقة، و«الموجى» - تعتبر قمة الغناء، ولم يصنعها لحاكم أو جماعة، إنما
لإيمانه الخاص، والتزام بعادات وتقاليد العائلة، فلم نر السيدة «علية»، شقيقته،
عندما كانت ترسل لنا الغذاء، لذلك هو متحفظ، وليس متزمتاً دينياً، وكان يضع المصحف
إلى جوار سريره، حتى الأغنيات الوطنية كان بها دعاء ثورى للبلد ولنصرة مصر والفقراء،
أما الإخوان فهم لا يعرفون الفن، وليس بينهم فنان ولا شاعر ولا ملحن عظيم، لأنهم
بلا خيال، وفي زمن «عبد الحليم» لم يكن هناك إخوان، لأنهم كانوا في معتقلات
«عبدالناصر»، ومن كان منهم في الخارج كان مختبئاً، ينكر إخوانيته، ولم يشكلوا أى
إعاقة للمسيرة، كما هو حادث الآن.
وأضاف «الأبنودى»: أولاً علينا
أن نفرق بين الوضع الحالى وزمن «عبدالناصر»، ففي زمن «ناصر» لم نكن نصادف مثل هذه
الحالات الشاذة التى ترتدى ثياب الدين وتتفوه بأفظع الألفاظ التى هى ضد الدين،
وتسلك كما الوحوش، وقد كنا ضد حبس الإخوان المسلمين في ذلك الوقت، أما حالياً
فأقول لولا سجن الإخوان لما استطاع «ناصر» أن يبنى مصر، أما ما حدث معنا في تجربته
مع أغنية «المسيح»، فهذه الأغنية جاءت بعد «عدى النهار»، حين كان «عبد الحليم» مع
«أم كلثوم» يسهمان في جمع التبرعات من الدول العربية للمجهود الحربى لتعويض ما
فقدناه من أسلحة على رمال سيناء بعد نكسة 67، وكان في طريقه إلى لندن ليغنى في
«ألبرت هول»، أكبر قاعة للغناء هناك، وكان معروف أن كل العرب المقيمين في الخارج
سوف يحضرون هذه الحفلة دعما لـ«عبد الحليم»، وكانوا يعرفون جيداً أنه لن يضع
مليماً من ريعها في جيبه، وقال لى «حليم» في ذلك الوقت: هل أذهب إلى لندن، وليس معى
غير «عدى النهار»، لأنه أخذ عهداً على نفسه أن يبدأ كل حفل بأغنية «أحلف بسماها
وبترابها»، قلت هناك موضوع يلح في كل هزيمة ونكسة نجد الآلاف من الفلســـطينيين
يزحفون من بلادهم التى استولت عليها القوات الصهيونية، وهذه البلاد هى بلاد
«المسيح»، وإن هؤلاء يعذبون كما عُذب «المسيح». فقال لى: لو سمحت اكتب. وبالفعل
بدأت الكتابة في ظل وجود كمال الطويل، وبمجرد انتهائى من كل مقطع يلحنه «الطويل»
فوراً.. لذلك اللحن اكتمل مع الكلام، ثم جاء دور الرقابة في الإذاعة التى أكدت
أنها لن تجيز النص دون الرجوع إلى الأزهر، فطلب منى «حليم» أن أذهب معه إلى
الأزهر. فقلت له: أنا حاد ولو اعترضوا على شىء سوف أفسد الأمر، وأنت دبلوماسى
ولديك أساليبك، ثم اتصل بى وأخبرنى أن رقابة الأزهر اعترضت على كلمة «صلب المسيح»،
لأنه لم يصلب. فقلت له أنا أقصد الشباب الفلسطينى، فرد على قائلاً: لكن قد يحدث لبس
لدى المستمعين ومنحونا إذناً لغنائها في الخارج وألا تغنى في مصر، وبعد نجاحها
انتشرت في العالم العربى وفك سجنها.
وجدى الحكيم قال: «عبد الحليم»
لم يكن متزمتاً في حياته، وعندما اهتم بتطوير الأغنية الوطنية والشعبية كان حريصاً
على أن يحافظ على القيم، وفرصة ألا تتم مهاجمته مثل «أم كلثوم» في الجوامع، مثلما
كان يفعل «الشيخ كشك»، الذى كان يهاجم الفن والفنانين، وحتى يؤمن نفسة كان يلتزم
بنوعية من الأغانى لا تثير حفيظتهم ضده، وكان حريصاً على عمل الموشحات القريبة من
الإيقاع الدينى وتجربته الوحيدة التى قدم فيها لحناً واحداً بكلمات متغيرة مع
عبدالفتاح مصطفي.
وأضاف: وقف الإخوان ضده في
أغنية «المسيح» وحرضوا الأزهر ضده لمنعها، وكانت هذه الأغنية تمثل تحدياً له عندما
غناها في «ألبرت هول» وأذاعتها محطات العالم، وتراجع الأزهر بعد ذلك، وسمح
بإذاعتها في مصر، ووقف بجواره «الأبنودى» وحمى «عبد الحليم» من الموجة المعادية،
وكان «عبد الحليم» يتمتع بفكر عصرى جداً مؤمن بالأغنية المصرية والتجمع العربى، أو
الدولة العربية العميقة، وهذه مسألة تتعارض مع الإخوان، ولم يكن له علاقة بهم
مباشرة ولا يضع لهم أى اعتبار، لكن كان يقدم فناً جيداً ولا يخضع لأى مواصفات،
ورغم أنه كان عصرياً في أغنياته وأفلامه وفي داخله رجل متصوف ملتزم دينياً، فكان
حريصاً على الالتزام بتقاليد مجتمعه، وقد عشت 24 عاماً مع «عبد الحليم» لم نر
شقيقته «علية»، إلا بعد عودتها مع جثمانه من لندن.
موسيقار الأجيال: "عبد
الحليم كان قطعة مني"
في تسجيل نادر بثته قناة
"روتانا كلاسيك" احتفالا بذكرى وفاة العندليب الأسمر الـ36، ذكر موسيقار
الأجيال محمد عبد الوهاب، أن عبد الحليم حافظ كان يمثل شيئا كبيرا لديه، بمثابة
قطعة منه.
وأضاف موسيقار الأجيال أثناء
اللقاء قائلا "عبد الحليم كان مهتما بى جدا، وكانت لديه رغبة في أن يشاهد ما
أفعله ليفعل مثله، وهو ما قرّبنى إليه أكثر".
ست سنوات منسية وأغنيات
مجهولة
كان مرآة "أيامنا
الحلوة"، تلك التي نستعيدها الآن مثل نسمة عليلة في ليالي الصيف، نعود ونشتاق
إليها كلما هبت الذكرى وأمطرت علينا جوانب من أغنياته التي تدور معانيها حول الحب
والعشق والحنين، وتهبط علينا كهديل حمام مع إشراقة شمس من حقبة رومانسية كانت
الأجمل في تاريخ الأغنية المصرية المعاصرة.
عبد الحليم حافظ "أيقونة
الرومانسية" الذي غني للحب أجمل خفقات القلب، وأنشد للمجد والحرية أغلى معاني
الوطنية، مشى على أشواك الألم، وتجرع مرارة المرض العضال، وبين الحب والحرية كان
مشواره الممزوج بالألم والأمل في ترابط عضوي يندر تكراره.
36 عاما منذ ان هجر طائر
"العندليب" شجرة الغناء ورحل، وكل يوم يمر على رحيلة يؤكد حضوره، فهو
النغم الخالد، وصوت القلب العربي في اروع دقاته.
ولد عبد الحليم حافظ في 21
يونيو 1929 ووافته المنية في 30 مارس 1977 وبين تاريخين صنع أسطورته الغنائية
الخاصة جدا متوجة بالخلود، وأستنهض مشاعر أبناء جيله، والأجيال التالية، وصولا
للجيل الحالي الذى مازال يردد أغنياته، وفي هذا " الملف" نزيح الستار عن
"6 سنوات منسية في حياة العندليب"، لم يقترب منها أحد، وقد يكون السبب
في إخفاء هذا الجانب الذي لا يعلمه أحد على الإطلاق هو عبد الحليم نفسه، رغم أنه
جانب مشرف لا يقلل منه، ولا أحد يدري سبب إخفاء حليم لهذه السنوات الست الفنية
التي بدأت عام 1948 وانتهت عام 1953، ربما لأنه في هذه السنوات لم يحقق أي نجاح
يذكر، لكنه على العكس حقق تواجدا مهما ووضع الأساس الذى جعله اسما معروفا في الوسط
الفني الغنائي.
بدأ عبد الحليم مشواره الفني
عام 1945 من غرفة بسيطة تجمعه مع شقيقيه إسماعيل ومحمد شبانة، وفي هذا الوقت التحق
بقسم الأصوات بمعهد الموسيقى العربية، وقبل أن ينتهي عامه الدراسي الثاني فتح
المعهد العالي للموسيقى المسرحية، ونصحه كثير من المقربين منه ومنهم شقيقه المطرب
إسماعيل شبانة بالالتحاق بالمعهد الجديد كعازف كلارنيت، وبالفعل دخل المعهد، لكن
نصحه الراحل محمد حسن الشجاعي رئيس لجنة القبول بالمعهد بدراسة آلة
"الأبوا" لأن قسم "الكلارنيت" فيه وحوش مثل: ميشيل يوسف وحلمي
عبده، وفي المعهد تعرف على زملائه الجدد فايدة كامل، عبدالعظيم عبدالحق،أحمد فؤاد
حسن، علي إسماعيل وغيرهم فضلا عن صديقه كمال الطويل الذي تعرف عليه في معهد
الموسيقى العربية، وانتقل معه للمعهد الجديد.
مرت سنوات الدراسة سريعا
وتوطدت خلالها علاقته بزميله كمال الطويل، الذي كان يراه يوميا حتى في أيام
الاجازات، وبعد تخرج حليم في المعهد العالي للموسيقى المسرحية عام 1948 بتفوق، كان
ينتظر سفره لإيطاليا لاستكمال دراسته لـ"الأبوا"، لكن البعثة التي كان
من المفروض أن يسافر فيها تم إلغاؤها، وبدلا من سفره لإيطاليا فوجئ بتعيينه في
ثلاث مدارس للبنات دفعة واحدة، يومان في طنطا، ويومان في المحلة، ويومان في سمنود،
وبعد مرور عدة أشهر لم يستطع مواصلة مشوار التدريس، حيث كان يتأخر كثيرا على
المدارس التي يعمل بها، بسبب سفره اليومي من القاهرة إلى المدارس، لكنه كان في
حاجة إلى الراتب الذي يحصل عليه، وأكمل العام الدراسي على مضض، لكنه طلب من بعض
الأصدقاء التدخل لنقله لمدرسة في القاهرة، لكن ظهرت حركة التنقلات ووجد اسمه مدرسا
في مدرسة البنات بالزقازيق، فقرر العيش في الزقازيق لعدم قدرته على السفر يوميا،
وشجعه على ذلك أن الزقازيق فيها كثير من أقاربه وزملائه القدامى، لكن لسوء حظه
صادف أن كل من يعرفهم سافروا للقاهرة، أو بلاد أخرى بحثا عن الرزق، فعانى من
الوحدة، ونظرا لتعلقه بالوسط الفني وزملائه لم يستطع العيش كثيرا في الزقازيق
فانتقل إلى مدرسة في القاهرة، وفي أحد الأيام كان يزور صديقه كمال الطويل في
الإذاعة فعرض عليه الطويل بحماس شديد العمل في "أوركسترا الإذاعة الجديد
" كعازف على آلة "الأبوا" لقاء 25 جنيه، عندئذ طار حليم من السعادة،
وقدم استقالته من التدريس غير آسف عليه، والتحق بأوركسترا الأذاعة، وكانت هذه
الفترة فرصة ليعرف اسباب نجاح وفشل المطربين الذين يعزف خلفهم، حيث عزف مع كل
مطربي مصر باستثناء "أم كلثوم وعبدالوهاب"، وكان يدندن طول الوقت ببعض
أغنيات مطربه المفضل محمد عبدالوهاب، وكذلك بعض أغنيات أم كلثوم، حتى اشتهر صوته
بين زملائه.
في أحد الأيام وأثناء استعداده
للعزف وراء المطرب كارم محمود لحنه الجديد "يا سلام" تأليف المخرج حسن
الإمام وألحان عبدالحميد توفيق زكي، وقبل إذاعة اللحن على الهواء بعشر دقائق اعتذر
كارم لظروف طارئة، جعلته لا يستطيع الوصول في موعده، وكان عبد الحليم يحفظ اللحن
عن ظهر قلب وحتى ينقذ توفيق الموقف طلب من عبد الحليم شبانة الذي كان معجبا بصوته
ان يترك آلة "الأبوا" ويغني اللحن الجديد الذي يقول مطلعه: "ياللي
حبك في فؤادي شيء مالوش أبدا مثيل أنت روحي بس لو قلبك يميل يا سلام يا سلام"،
ونجح عبد الحليم في أداء اللحن، ولم يغضب المسؤولين في الإذاعة خاصة حافظ
عبدالوهاب مراقب الموسيقى والغناء لاستبدال المطرب بعازف الأبوا الذي لم تعتمده
لجنة الاستماع، على العكس تحمس له، وفي أثناء ذلك كانت الإذاعية ثريا نجم تستمع
إلى المطرب الجديد أثناء غنائه تانغو "يا سلام"، وأعجبت بصوته، وطلبت من
عبدالحميد توفيق زكي أن يعطيه لحنه الجديد "بدلتي الزرقا" الذي كان من
المقرر أن يغنيه محمد رشدي، وبالفعل غنى عبد الحليم "بدلتي الزرقا"
لتكون هذه الأغنية أول مختارات إذاعية له.
وبحكم الصداقة التي تربطه
بالملحن كمال الطويل كان يحفظ كل ما يلحنه، وفي أحد الأيام لحن الطويل قصيدة
" لقاء" لتغنيها المطربة مديحة عبد الحليم، ولأن القصيدة قام بتوزيعها
فؤاد الظاهري، فشلت المطربة الشابة صاحبة الصوت العذب في غنائها، وحاول الطويل مع
المطربة أكثر من مرة لكنه فشل، وهنا تقدم حليم واقترح غناء القصيدة على أن يغنيها
بعد ذلك مطرب معروف ومعتمد في الإذاعة، وفوجئ الطويل أن صديقه عازف
"الأبوا" يغني القصيدة الموزعة بطريقة جيدة من المرة الأولى، ما جعله
يقول له :" أسمع يا عبد الحليم أنت عندك استعداد رائع للغناء"،ولم يكتف
بذلك وبنفس الحماس الذي أبداه لعمل صديقه في أوركسترا الاذاعة، بدت عليه بوادر
حماس آخر أن يتجه حليم للغناء، وكتب له طلبا لاعتماده في الإذاعة كمطرب، وتقدم عبد
الحليم لكنه فشل واعترضت اللجنة على طريقة أدائه، خاصة مصطفي رضا مدير معهد
الموسيقى العربية، الذي طلب منه الابتعاد عن غناء الخواجات وأن يقدم غناء شرقيا
خالصا، كذلك نقيب الموسيقيين عبدالحميد عبدالرحمن، ولكن لم ييأس الطويل ووجد نفس
الحماس عند حافظ عبدالوهاب، فطلب من حليم أن يتقدم مرة أخرى إلى لجنة الاستماع،
وفي المرة الثانية كانت لجنة الاستماع مكونة من محمد عبدالوهاب، أم كلثوم، محمد
القصبجي، رياض السنباطي، حافظ عبدالوهاب، وأثنى الجميع على موهبة وإحساس المطرب
الجديد عبد الحليم شبانة الذى سعد بالنجاح، وكان لابد أن يغير اسمه، نظرا لوجود
شقيقه المطرب إسماعيل شبانة ووفاء منه وتقديرا لمساعدات حافظ عبدالوهاب، غير اسمه
إلى عبد الحليم حافظ، وبدأ مشواره مع الغناء، وكانت "لقاء" هي أول قصيدة
يغنيها بعد اعتماده في الإذاعة، بعدها غنى لحنا آخر لصديقه كمال الطويل بعنوان
" أشكي" ثم قدم "دويتو" من ألحان كمال الطويل أيضا مع سعاد
مكاوي بعنوان " أنا ولا أنت"، وكان من الصعب أن يعتمد على ملحن واحد هو
كمال الطويل خاصة أنه "موسوس"، وشخصية قلقة جدا، ولا يرضى بسهولة عن
ألحانه فكان عليه البحث عن ملحنين آخرين.
تم اعتماد عبد الحليم حافظ
كمطرب في الإذاعة وحاول كمال الطويل أن يقنع بعض الملحنين ان يعطوا صديقه المطرب
الجديد ألحانهم، لكنهم في معظم الأحيان كانوا يهربون ويماطلون ويتفننون في
الاعتذار إلا عدد قليل منهم مثل الموسيقار علي إسماعيل زميلهم في معهد الموسيقى،
الذي أعطى عبد الحليم العديد من الألحان التي طبعتها شركة صوت القاهرة منذ سنوات
قليلة هذه الألحان هي "يا مغرمين يا عاشقين- أصيل ونحيل- الجدول- مركب
الأحلام- "في سكون الليل" والعيون بتناجيك وجميعها من كلمات الشاعر إمام
الصفطاوي و"فرحتي وهنايا" لمحمود علي اسماعيل،"ماتصدقنيش"لإبراهيم
كامل، "حبيبي في عينيه" كلمات إبراهيم رجب، لكن هذه الألحان الجديدة
المبتكرة التي لايتعدى اللحن فيها ثلاث دقائق لم تحقق نجاحاً، وفي نفس الفترة قدم
له الملحن خليل المصري لحناً بعنوان "بيني وبين قلبي حكاية"، وقدم له
الموسيقار عبدالحميد توفيق زكي ألحان " ياللي أنت نجوى حياتي" كلمات
إبراهيم محمد نجا، "هل الربيع" كلمات إبراهيم رجب، "الأصيل
الذهبي" كلمات عبدالرحمن الخميسي، "أنشودة الحياة" كلمات مرسي جميل
عزيز، وكل هذه الألحان لم تحقق أي نجاح.
وفي فترة البدايات هذه كانت
الإذاعة تقدم كثيراً من الصور الغنائية والأوبريتات فشارك عبد الحليم في العديد
منها، ومن الأعمال التي لا يعرف أحد عنها شيئا ونذكرها هنا للمرة الأولى مسرحية
"مجنون ليلى" تأليف الشاعر أحمد شوقي، تمثيل أمينة رزق، حسني الحديدي،
محمد الطوخي، محمد السبع، محمد توفيق وغناء كارم محمود، عباس البليدي، إبراهيم
حمودة،نجاة الصغيرة ووضع لها الألحان عبدالحميد عبدالرحمن، كما قام بغناء
"أبناء الفنون" تأليف الشاعر أحمد مخيمر، ألحان محمود كامل، توزيع فؤاد
الظاهري، إخراج السيد بدير، ومن الصور المجهولة له أيضا "الباني طالع"
تأليف إبراهيم رجب، ألحان أحمد صبرة، توزيع فؤاد الظاهري، إخراج عثمان أباظة، غناء
الشيخ يوسف البهتيمي، ومديحة عبد الحليم، وفي مجال الألحان نذكر هذه الألحان التي
لحنها له الموسيقار عبدالحميد توفيق زكي بعضها كان لإذاعة القاهرة، والبعض الآخر
لإذاعة "صوت أميركا"، والثالث ل¯"إذاعة الشرق الأدنى" والأخير
لـ"إذاعة باريس"، فلإذاعة القاهرة قدم دويتو " ما أحلاها
الدنيا" مع فايدة كامل،كلمات عبدالفتاح عبدالمقصود، "لو كنت تقدر
تنساني" كلمات محمد قاسم، "نشيد مصطفي كامل" كلمات صالح جودت،
"نشيد محمد فريد" كلمات المستشار عبدالوهاب الحناوي، "أنت
حبي" قدمها بالاشتراك مع المطربة نادية فهمي، كلمات محمد جلال الدين، ومع نفس
المطربة قدم " العهد الجديد" كلمات محمود عبدالحي، ولإذاعة "صوت
أميركا" غنى أوبريت " غيبة الشاعر في موكب الربيع" تأليف الدكتور
محمد عبده عزام، وأغنية " أصيل ونحيل"كلمات إمام الصفتاوي وقد قام
بتلحينها على إسماعيل أيضا،" ناوي تعاتبني" كلمات الدكتور محمد جلال
الدين، "اصالحك في سكون الليل" كلمات عبدالله أحمد عبدالله، ولإذاعة
"الشرق الأدنى" دويتو" ليلة في الصحراء" مع المطربة التونسية
حسيبة رشدي، كلمات إبراهيم محمد نجا، "يا عيوني" كلمات الدكتور محمد
متولى، ولإذاعة باريس " الذكرى أبقى لي" كلمات المذيع حسن عبد الوهاب،
ولا تقتصر الأعمال المجهولة على هذه الألحان، فهناك العديد من الثنائيات الغنائية
التي قدمها مع مطربات غير معروفات مثل " أنا أهواك" مع برلنتي حسن،
و" دايما طمني" " شجرة الود" "ما أحلى القمر"،
" الحلوة" مع يسر توفيق، ولا أحد يعرف من هي هذه المطربة ولا متى ظهرت
ولا أين اختفت..
ومرت السنوات منذ تخرج عام
1948 ووصولاً لعام 1953، ورغم غزارة ما قدمه عبد الحليم حافظ وتعاونه مع كل
الملحنين الموجودين على الساحة باستثناء عبدالوهاب وأحمد صدقي وزكريا أحمد، إلا
أنه لم يحقق أي شهرة، وكل ما حققه هو معرفة الوسط الغنائي به، وبدأ يضيق ويمل مما
يقدمه، لكن كان لديه إصرار على النجاح، وفي وسط هذه الدوامة التقى حافظ عبدالوهاب
الذي طلب منه مقابلة ملحن شاب يدعى محمد الموجي في ركن الأغاني الشعبية، أعجب
بصوته وهو يغني قصيدة " لقاء" لكمال الطويل، ويذهب حليم لمقابلة الملحن
الشاب الذي يتميز بالطيبة والأدب الجم، ويسمعه الموجي لحنا شعبيا بعنوان "عين
يا عيني"، لكن اللحن لا يعجب المطرب الطموح، لكنه يشعر أن وراء هذا اللحن
ملحن موهوب ونغمة جديدة عن كل النغمات التي استمع إليها من قبل، فيسأله عن ألحان
أخرى? فيرد الملحن الطيب عندي ألحان كثيرة عاطفية وليست شعبية، فيطلب العندليب أن
يستمع إليها فيغني له "صافيني مرة" كلمات سمير محبوب، وينال اللحن إعجاب
حليم، ويطلب سماع ألحان آخرى فيسمعه "يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا
أسمر" لنفس الشاعر، "وظالم" و" بتقولي بكره"، ويقرر حليم
أن يكون ثنائيا مع هذا الملحن الموهوب.
وفي الفترة التي غنى فيها
"صافيني مرة" غنى أيضا لصديقه كمال الطويل لحنه الجديد "على قد
الشوق" ليغزو عبد الحليم بهذين اللحنين عالم الغناء، ويصبح بين ليلة وضحاها
النجم الأسمر ويصعد بسرعة الصاروخ، بعد ست سنوات من الشقاء والتعب، ويصبح اسم عبد
الحليم مرادفاً للنجاح بعد ارتباط اسمه بالموجي وكمال الطويل وبعدهما منير مراد
وبليغ حمدي إلى آخر من تعامل معهم من الملحنين والمؤلفين الذين صاغوا أسطورته
الرومانسية في الغناء حتى رحيله يوم 30 مارس 1977.