نحو تسجيل موجة خطيرة من المجاعة قرب الجزائر
تنذر الأوضاع المأساوية في منطقة شمال مالي، غير بعيد عن
التراب الجزائري، بتسجيل موجة خطيرة من المجاعة قد تأتي على ما تبقى من يابس تركته
الحرب المدمرة التي عاشتها وتعيشها دولة مالي الجارة الجنوبية لبلادنا، وهي حرب
متعددة الأطراف لا يبدو أنها ستضع أوزارها بمجرد شروع فرنسا في سحب غالبية قواتها
من المنطقة.
وتشير أصداء رصدتها بعض وكالات الأنباء إلى أن القتال
المستمر والخوف من أعمال القتل الانتقامية قد أديا إلى تعطيل أنماط الهجرة
المعتادة للرعاة في شمال مالي بشكل كبير، مما وضعهم وأسرهم في خطر انعدام الأمن
الغذائي والفقر الشديد مع اقتراب موسم العجاف.
وما تزال منطقتا غاو وتمبكتو مضطربتين مع وقوع هجمات
متفرقة وحدوث عمليات سرقة. وكانت أحدث الهجمات التي وقعت في 30 مارس في تمبكتو
وشملت محاولة تفجير انتحاري. كما انتهت العمليات العسكرية في جبال افوغاس في منطقة
كيدال الشمالية، لكن المنطقة ما تزال غير آمنة إلى حد كبير بالإضافة إلى استمرار
التوترات حول السيطرة على بلدة كيدال من قبل الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وهي
مجموعة الطوارق التي تدعو إلى الاستقلال.
حدود مغلقة.. وشلل في أسواق الماشية
ويعني إغلاق الحدود الجزائرية توقف العمل في أسواق
الماشية التي تقع على مسافة 50 كيلومتراً شمال النهر في تمبكتو وغاو. وتحدث جميع
التبادلات التجارية تقريباً بين صغار التجار الذي يبادلون الغذاء بالماشية.
وعلى الرغم من أن أسعار الماشية في ارتفاع على نحو معتاد
في هذا الوقت من العام، إلا أنه لا يمكنه مواكبة الارتفاع في أسعار الحبوب وهو ما
يخلق معدلات تبادل تجاري متردية. وطبقاً لآخر التقييمات، فإن أسعار الحبوب أعلى
بنسبة 70 بالمائة من متوسط أسعارها منذ خمس سنوات في بعض المناطق في الشمال وهو ما
يثير القلق من تفاقم انعدام الأمن الغذائي.
ويقول الرعاة الذين قصدوا الأسواق في بلدة غاو أنهم لم
يتمكنوا من بيع ماشيتهم لأنه لا يوجد في الأسواق من يستطيع شراءها.
وقد قام الرعاة بتخفيض استهلاكهم من اللحوم والألبان
بشكل كبير، كما أفاد برنامج الأغذية العالمي، دون أن يقدم أرقاماً حول ذلك.
وحتى في العام الطبيعي تبدأ مصاعب الرعاة في أبريل أو
مايو عندما تبدأ المراعي في النفاد في حين يتفاقم موسم العجاف بالنسبة للمزارعين
بين أبريل ويونيو.
وقال ريسا: "نشعر بأنه قد تم التخلي عنا. لا أحد
يساعدنا. تقدم المنظمات غير الحكومية الطعام للناس لكنها لا تفكر بنا وكذلك
الحكومة. سوف تصبح الثروة الحيوانية قريباً قطاعاً للأشباح".
هجرة محدودة وتوتر متصاعد
وقد تسبب انعدام الآمن في تفريق الرعاة على نطاق واسع
عبر الشمال، لكنه أدى أيضاً إلى الحد من طرق الهجرة للبعض خوفاً من العنف. فقد لجا
الآلاف من الرعاة العرب والطوارق إلى الدول المجاورة بسبب خوفهم الشديد من حدوث
هجمات انتقامية إذا ما عادوا إلى مناطق مالي الرعوية التي تقع شمال نهر النيجر.
ووفقاً لفرانك فاناتيلي، مدير منظمة "العمل ضد
الجوع" غير الحكومية في مالي، توجه الرعاة إلى الشمال نحو كيدال أو غاو
الشمالية أو مكثوا على ضفاف النهر في غاو وتمبكتو. ووفقاً لمنظمة مهندسين زراعيين
وأطباء بيطريين بلا حدود، لا يزال معدل الأعمال الإجرامية والسرقة مرتفعاً جداً في
مناطق الأسواق في هذه المنطقة.
وقال مارك شابون، رئيس منظمة مهندسين زراعيين وأطباء
بيطريين بلا حدود، أن الرعاة يتجمعون بالقرب من الحدود الموريتانية مع بوركينافاسو
في الشرق وهو ما يزيد التوترات بين الرعاة والمزارعين.
ويخشى الخبراء من أن تؤدي الحركة نحو الجنوب من قبل
القوات المسلحة الفرنسية إلى المناطق الرعوية المطلة على النهر في غاو وتمبكتو إلى
زيادة تقييد تحركات الرعاة أثناء فرارهم من العنف المحتمل.
نهب المخزونات وصعوبة الحصول على الأعلاف
وخلال عام 2012، فقد الرعاة في الشمال المحتل مخزونات
ضخمة حيث قامت الجماعات الإسلامية بالاستيلاء على ماشيتهم أو شرائها بأثمان بخسة.
وقال محمد ولد ريسا، وهو راع في تمبكتو لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين):
"لقد فقدت نصف ما أملك من ماشية خلال فترة الاحتلال (للشمال). كان لدي أكثر من
200 رأس وأصبح لدي الآن حوالي 50 فقط. كان الجهاديون يأتون كل أسبوع ويأخذون ما
يشاؤون من الماشية".
وقال ريسا أنه لم يعد يستطيع إطعام الخمسين رأساً من
الماشية المتبقية لديه، فقد ارتفع سعر كيس العلف من 15 دولاراً قبل الاحتلال إلى
40 دولاراً الآن ولا يوجد مراعٍ كافية خارج تمبكتو لإطعام ماشيته الموجودة هناك.
وأضاف قائلاً: "لا أعرف ماذا أفعل، فمن الصعب العثور على مياه ومراع وأشخاص
لديهم المال لشراء الماشية. لا أستطيع الهجرة بسبب انعدام الأمن. الأمر محزن
حقاً".
كما أن الأعلاف غير متوفرة لأن العديد من كبار تجار
العلف قد فروا من البلاد. وطبقاً لما ذكرته شبكة نظم الإنذار المبكر من المجاعة،
فإن الموردين الآخرين الذين يأتون عادة من جنوب نيجريا لمبادلة العلف بالغذاء لم
يأتوا هذا العام.
نشعر بأنه قد تم التخلي عنا. لا أحد يساعدنا. تقدم
المنظمات غير الحكومية الطعام للناس لكنها لا تفكر بنا وكذلك الحكومة. سوف تصبح
الثروة الحيوانية قريباً قطاعاً للأشباح، وقال أومارو أج من، وهو من سكان غاو، في
تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن بعض الرعاة يقومون بإعطاء ماشيتهم إلى
الجيش لأنهم لا يستطيعون تحمل نفقات إطعامها. وبعض هؤلاء الرعاة الذين نجحوا في
الهجرة إلى الجنوب إلى وادي النهر المحيط بموبتي اضطروا إلى بيع ماشيتهم بأسعار
بخسة جداً.
وأضاف أج أن "قطاع الثروة الحيوانية في غاو يحتاج
إلى تطوير شامل وإلا سنواجه كارثة".
أين الحكومة؟
وعلى مدار العام الماضي كانت الحكومة بصورة أكثر أو أقل
غائبة من الشمال بمعنى أن جميع الأنشطة الرسمية لدعم الماشية قد توقفت. وطبقاً لما
ذكره مارك شابون، رئيس منظمة مهندسين زراعيين وأطباء بيطريين بلا حدود، فإن
العمليات البيطرية والتطعيمات الوحيدة التي أجريت في الشمال- في غاو وتمبكتو
الشماليتين- نفذت من قبل منظمته، أي أن التغطية الإجمالية للماشية كانت منخفضة
جداً.
وقال شابون أن "التجمعات الكبيرة للماشية في وديان
معينة والمناطق القريبة من البحيرات وغيرها من المسطحات المائية يعني أنه هناك
خطورة كبيرة لتفشي الأمراض". وقد ناشد شابون المنظمات والحكومة اتخاذ قرار
بشأن جدوى إجراء حملة تطعيم شاملة في عام 2013. لكن الانقطاع المستمر للتيار
الكهربائي في الشمال سيعرقل تغطية حملة التطعيمات وهو ما يجعل من الصعب والمكلف
الحفاظ على اللقاحات في سلسلة التبريد.
وتقوم منظمة مهندسين زراعيين وأطباء بيطريين بلا حدود
بإنشاء ثلاث فرق صحية متنقلة للأفراد والماشية في منطقتي تمبكتو وغاو الشماليتين
بالإضافة إلى ستة مراكز صحية. وتقوم المنظمة غير الحكومية أيضاً بالنظر في إعادة
تزويد الأسر بالماشية وخاصة تلك التي فقدت الكثير من ثروتها الحيوانية إما من خلال
عمليات النهب أو نتيجة لأزمة عام 2011-2012 أو لأن أفرادها فروا تاركين خلفهم
ماشيتهم.