حوار مطول رائع مع الشيخ كشك رحمه الله:
"من أنا حتى أحّل دم مسلم؟!"
* "أكرمني الله بفقد البصر حتى لا أرى ما يُغضبه"!
* "النقاب قد يكون واجبا على المرأة.. إذا.."
• ولد الشيخ عبد الحميد كشك في العاشر من مارس 1933م في بلدة شبراخيت، إحدى مراكز محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية.
• كان ترتيبه الثالث بين ستة من الإخوة، وكان سليمًا معافى من الأمراض.
• وعندما بلغ السادسة من عمره، أصيبت عيناه برمدٍ صديدي، فحملته أمه إلى ((الحلاق)) فأخذ يعبث في عينيه حتى أضاع عينه اليسرى.
• كان والده تاجرًا في محل صغير، وألحق ولده بجمعية تحفيظ القرآن الكريم؛ ليعوضه عن نور البصر بنور من كتاب الله، وما إن انتهى من حفظ كتاب الله حتى ألحقه بمعهد الإسكندرية الديني.
• خلال هذه الفترة أُجريت له عملية جراحية في عينيه، ولم تكن موفقة، وشاء الله أن يكف بصره.
• توالت الأحداث بعد ذلك متمثلة في انقطاعه عن الدراسة لمدة عامين كاملين، ومرض والده ورحيله، وضيق ذات اليد.
• كان يتمنى من الله أن يمنَّ عليه بالنجاح بنسبة مائة بالمائة، فقد علمنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن نسأل الله الفردوس الأعلى.
• استطاع بتوفيق من الله أن يلتحق بمعهد القاهرة الديني، وحصل على الشهادة الثانوية الأزهرية، وكان ترتيبه الأول على طلبة الشهادات الثانوية بنسبة 99 بالمائة.
• التحق بكلية أصول الدين، وتخرج فيها، ورُشِّح للعمل بالأوقاف وبالتحديد في مسجد ((الطيبي)) بالقرب من حي زين العابدين.
• خلال عمله بمسجد ((الطيبي)) حصل على العالمية مع تخصص التدريس، وهى شهادة تتيح لحاملها أن يعمل مدرسًا بالأزهر.
• كان ينتدب لإلقاء خطبة الجمعة والدروس الدينية في عدد من المساجد، من بينها ((مسجد صلاح الدين)) بالمنيل، ومسجد ((الحبيبي)) بحي السيدة، ومسجد السيدة زينب.
• كان ـ رحمه الله ـ يرى أن خطبة الجمعة تؤدي رسالتها المنشودة إذا كانت موجِّهة (بكسر الجيم) ولكنها تصاب بالعرج والعقم إذا كانت موجَّهة (بفتح الجيم) فالخطبة الناجحة هى التي تنبع من مناهل الإسلام العذبة.
• انتقل بعد ذلك ـ بناءً على رغبته ـ إلى ((جامع الملك المسمى أيضًا ((عين الحياة)) بشارع مصر والسودان بحي حدائق القبة، وذلك لقربه من منزله، ولأنه من العلماء المجاهدين في الله حق جهاده، ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فقد كان يصول ويجول كالأسد الهصور محاربًا للفساد أينما وجد، لا يخشى في الله لومة لائم.. فغضب عليه الحاكم ((جمال عبد الناصر)) ورجاله، وزج به في سجون (القلعة) و(طرة) و(أبي زعبل) وكان ذلك في الستينات والسبعينات وأوائل الثمانيات.
• حياته الأولى كانت مليئة بالنجاح والتفوق رغم المعاناة، وفقد البصر مبكرًا، فقد كان ترتيبه الأول في كل المراحل التعليمية حتى تخرج في كلية أصول الدين.
• حصل على جائزة في عيد العلم سنة 1962م وعمره وقتها 28 سنة.
• أنعم الله عليه بنعمة الزواج في شتاء عام 1965م.
• بعد تكريم جمال عبد الناصر له، اعتقله في أفريل عام 1966م وأفرج عنه في مارس 1968م، واعتقل ثانية في عهد السادات في سبتمبر 1981م.
• منذ أُفرج عنه في 27/1/1982 ومعه كل الذين تم القبض عليهم في 5/9/1981م خرج الشيخ كشك من السجن إلى البيت، ولم يعتقل بعد ذلك إلى أن مات ـ رحمه الله ـ.
• كان يرى أن أخطر أمراض المجتمع النفاق، إذا ابتليت به أُمَّة أضحى الذلُّ رائدَها، والهزيمةُ عاقبتَها، وأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
• خلال هذه الفترة تمكن من إنجاز الكثير من المؤلفات منها على سبيل المثال لا الحصر: ((في رحاب التفسير)) وأكمل به تفسير القرآن الكريم، ((الخطب المنبرية))، ((دور المسجد في المجتمع))، ((في رحاب السنة))، ((الوصايا العشر في القرآن الكريم))، ((طريق النجاة))، ((البطولة في ظل العقيدة))، ((صرخات من فوق المنبر))، ((رياض الجنة))، ((نفحات من الدراسات الإسلامية))، ((بناء النفوس))، ((اليوم الحق))، ((صور من عظمة الإسلام))، ((إرشاد العباد))، ((أضواء من الشريعة الغراء))، ((الإسلام وأصول التربية))، ((من جوار الخلق إلى رحاب الحق))، ((الصلح مع الله))، ((كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا))، ((فضل القرآن يوم الحشر))، ((مصارع الظالمين))... إلخ.
بالإضافة إلى المئات من أشرطة التسجيل، وقد تجاوزت مؤلفاته المائة.
• كان ـ رحمه الله ـ يعيش هموم وطنه، ومشاكل مجتمعه، حيث كان يقوم في خطبه بتحليل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه الأمة، ويدعو إلى التكامل الاقتصادي بين البلدان الإسلامية والعربية، وإلى استثمار أموال العرب في بلاد الإسلام، بدلاً من الاتجاه بها إلى الغرب، وتُتْخَمُ بها بنوك اليهود.
• خلص ـ رحمه الله ـ من هذه التجارب إلى أن الدنيا ما هي إلا مزرعة للآخرة، فعلى العاقل أن يغتنم خمسًا قبل خمس: شبابه قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وغناه قبل فقره، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته.. فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.
غدًا تُوفَّى النفوسُ ما كسبت
ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم
وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
• كان ـ رحمه الله ـ يركز دائمًا على أن السعادة في تلك المملكة التي أقامها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) في قوله: ((ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)).
وبالنظر إلى الشعبية الكبيرة لهذا الرجل الذي لقب بـ"فارس المنابر" والأثر الكبير لمواعظه الرائعة، نتشرف في هذه المدونة المتواضعة بإعادة نشر حوار صحفي مطول تم إجراؤه معه رحمه الله، مع الإشارة إلى عدم التمكن من توثيق مصدر هذا الحوار القيّم الذي نسأل الله أن يجعله في ميزان حسنات شيخنا الراحل عبد الحميد كشك ومن حاوره..
** هل لنا أن نعرف (سيناريو) يوم كامل في حياة الشيخ كشك؟
• أحافظ ـ بإذن الله ـ دائمًا على قيام الليل قبل الفجر بساعة، ثم أصلي الفجر، ثم إن عليّ وردًا من الذكر والقرآن أقرأ فيه ثلاثة أجزاء، ثم بعد ذلك أستمع إلى نشرات الأخبار، وبعد الاستماع إلى نشرات الأخبار أصلي الضحى بعد ارتفاع الشمس في حدود نصف الساعة، وهي إما ركعتين أو ثمانٍ، ثم أتوجه بالقراءة في بعض الكتب.
ثم بعد ذلك أنام قليلاً بعد الظهر لكي أستريح، ثم أستيقظ لأصلي العصر، وبعد أن أصلي العشاء أجلس لأقرأ في الكتب وفي العلم، بحيث لا يمضي على يوم إلا وأكون قد قرأت فيه ما قرأت، فما طلعت على شمس يوم لم أستفد فيه علمًا جديدًا.
** وما هي عادتكم في قراءة الكتب؟
• في الواقع أنني لا أقرأ في كتاب واحد، وإنما أجمع بين ثلاثة كتب على الأقل، لأن الاستمرار في كتاب واحد قد يكون مملاً بعض الشيء !
** وماذا تقرأ في هذه الأيام؟
• في هذه الأيام أقرأ كتاب سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وأقرأ غيره من الكتب القديمة.. ككتاب التمهيد لابن عبد البر.
** وماذا يطالع فضيلة الشيخ كشك من الكتب الحديثة؟
• أقرأ من الكتب الحديثة بعض الكتب التي تتحدث عن الأوضاع السياسية على مستوي العالم.
** وما البرامج التي تعجبك وتجلس أمام التليفزيون لمتابعتها؟
أولاً: أنا لا أجلس أمام التليفزيون إلا للضرورة السياسية كخطاب سياسي، أما غير ذلك فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ أكرمني بفقد البصر حتى لا أرى ما يغضبه.
رأيت العمى أجرًا وزخرًا وعصمة
وإني إلى تلك الثلاث فقير
يُعيرّني الأعداء والعيب فيهم
وليس بعيب أن يقال ضرير
إذا أبصر المرء المروءة والوفا
فإن عمى العينين ليس يضير
** فضيلة الشيخ.. في مصر مسموح بدخول الدش (البرابول) في أي بيت ولكن بعض الدول الإسلامية الأخرى منعت دخول بعض المحطات التي تثير الجنس، أو المحطات الغربية.. فما رأي فضيلتكم؟ وأيها أسلم.. أن ندخل الفكر الغربي بدعوى الحرية، أم نقف أما هذا الغزو المرئي الذي يجتاح العالم؟
• مما لاشك فيه أن (الدش) والفيديو والتلفيزيون وغيرها من وسائل الإعلام ما هي إلا آلات صماء لا تسمع ولا تعي، إنما المسؤول عنها من يستعملها.. سواء كان ذلك إرسالاً أم استقبالاً.. وأنا أرى لكي نبني الأخلاق، ولكي نكون صادقين يجب أن نعمل دائمًا على عوامل البناء لا على معاول الهدم.. ولا أنسي هذا الحادث الأليم الذي تكلمت عنه بعض الصحف أن أحد الرجال دخل فوجد ابنه مع أخته يشاهدان الفيديو في مسألة جنسية، وقد أدى ذلك إلى ما لا يرضي الله، ويستحيي الإنسان أن يذكره، فما كان من الأب إلا أن صعد إلى الدور السابع من العمارة وألقي بنفسه فمات.
إننا أمة إسلامية يقول رسولها الكريم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. يجب أن نملأ هذا الفراغ بما يؤدي إلى سعادة المجتمع وبناء الفرد بحيث نخرج بأمة شرفها الله في قوله:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (110) سورة آل عمران، فهناك غزو ثقافي لا نستطيع أن ننكر هذا.. والغزو منتشر، لكن يجب أن يعامل بمثله، فكل فعل له رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، فيجب أن تملأ مثل هذه القنوات بما يؤدي إلى البناء لا بما يؤدي إلى الهدم.
هذا رأي الشيخ كشف في محاولة قتل نجيب محفوظ
** ما رأي فضيلتكم في محاولة اغتيال نجيب محفوظ؟! وكيف استقبلت هذا النبأ؟
• والله كنت أسمع النشرة في الراديو ـ الذي تربينا عليه منذ القدم ـ في آخر الأنباء الساعة الواحدة والنصف في موجز الأنباء الأخير فوجئت بهذا الخبر.. وعندما سمعت هذا الخبر قلت: يا رب سلم.. يا رب سلم.. لأنه قد يؤدي إلى فتنة، والفتنة نائمة.
فأنا لا أحب العدوان.. والرجل إذا قال كلمة يُرد عليها بكلمة وإلا ما قال تعالى: {بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وقد كان هذا كله شعاري في كتاب (كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا) أسلوب هادئ ومؤدب ومهذب، ولكنه مقنع، بحيث من قرأه يقتنع بما فيه، أما أن يقال: إنني أبحت دمه.. من أنا حتى أحل دم مسلم؟!
إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: (من أعان على قتل مسلم ولو بنصف كلمة أو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة الله).
** وما رأي فضيلتكم في ظواهر القَتْل والتَّفْجِير التي انتشرت في هذه الأيام؟ وكيف يتلقى جهازك العصبي كل صباح الأخبار عن القتلى من الأبرياء، وكذلك مصرع العديد من رجال الشرطة؟
• هؤلاء إخوتنا وأولئك إخوتنا.. وهؤلاء أبناؤنا وأولئك أبناؤنا.. ولقد كنت قد اقترحت فيما مضي أن نقوم بعمل حوار بين هؤلاء وأولئك.. وظللت أقول: إنني مستعد أن أبذل وقتي وجهدي في سبيل هذا الحوار؛ لأن مصر ما هي إلا معيار سليم وميزان دقيق للإسلام، فإذا ما قضي عليها بوسيلة أو بأخرى وجد الأعداء في ذلك معبرًا يعبرون عليه إلى القضاء على الإسلام.. فقد خسرنا الدنيا والآخرة.. فمصر كما كانت دائمًا ترمومتر الإسلام، ثم إن أبنائنا لا يليق بهم أن يقتل بعضهم بعضًا، إنما تعالوا إلى كلمة سواء، والعقل بيننا في نور القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.. أما الدماء فإنها تفزعني كثيرًا.. وكم قضت على أُناس، وكم دمرت من إمبراطوريات.. واسألوا التاريخ عن تاريخ المسلمين فيما مضي.. إن الذين قتلوا في الفتوحات الإسلامية.{فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (100) سورة المائدة
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) سورة المائدة
** فضيلة الشيخ.. جرت محاولات من وزارة الداخلية المصرية في الآونة الأخيرة لاستقطاب بعض من هؤلاء الشباب المعتقلين بتهمة التطرف والحوار معهم.. فما رأيك في هذه التجربة؟
• والله تجربة ناجحة، ولقد جُرِّبتْ فيما مضي ونجحت، فلماذا لا نكررها ثم نكررها.. لاسيما أن شبابنا.. نحن مأمورون بالحفاظ عليهم، فالشباب فيه الكثير من الأبرياء، وإذا وجد الطريق المستقيم، فإنه لن يتأخر، وسيكون منتجًا ثم منتجًا بإذن الله.
لقد شهدنا سنة 1965م شبابًا في السجون فيه طاقات غريبة لدرجة أن أحد حراس السجن الحربي صاح: هل فيكم سمكري ليصلح حنفية السجن؟! إن كان هناك سمكري فليخرج.. فلم يخرج أحد: أفيكم سباك؟! فلم يخرج أحد، أفيكم مهندس؟! فخرج ألف مهندس! ومهندسون متخصصون في الطاقة الذرية.. فهذا جهد نسأل الله ألا يضيع سدي، فالشباب في أمسّ الحاجة إلى أن يعرف دينه.. فلنعمل على التوعية شرط أن يكون الذين يقومون بالتوعية رجالاً مشهودًا لهم بالحيدة أولاً، وبالإخلاص وبالقدوة الحسنة، وبالعلم الغزير وبالشجاعة في الحق ثانيًا.
** فضيلة الشيخ.. هناك موضوع ظهر مؤخرًا على الساحة من خلال مؤتمر السكان الذي عقد بالقاهرة يتعلق بختان البنات، بين مؤيد ومعارض.. فما رأي شيخنا الجليل؟!
• ختان البنات عندما حدد موقفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لخاتنة البنات ـ واسمها أم عطية ـ: (اخفضي ولا تنهكي) فالإسلام دين الوسط في كل شيء؛ لأنه فضيلة، والفضيلة وسط رذيلتين، فختان البنات سنة، ويجب أن يكون الختان كما أوصي بذلك رسول الله.. لا هو استئصال، ولا هو ترك، وعندما يجعله النبي (صلى الله عليه وسلم) سنة، فليس كلام النبي خاليًا من الحكمة.
فالمرأة لو تركت دون ختان، قد يعرضها ذلك لبعض الأشياء التي لا ترضي، وإذا استؤصل أدى ذلك إلى برود شهوتها.. فلا هذا ولا ذاك، وإنما هو الوسط.
** فضيلة الشيخ.. قضية الحجاب والنقاب.. فالحجاب أمره معروف، ولكن بالنسبة للنقاب.. فهناك جدل كثير حوله في الآونة الأخيرة.. فما رأي فضيلتكم في هذا؟
• والله.. الكلمة الحق التي اعتقدها هي أن النقاب قد يجب، وقد يكون سنة، فهو يجب خشية الفتنة، فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، أما إذا أمنت الفتنة، فإن النقاب يأخذ حكم السنة.
** ألا تذكر فضيلتكم أول جمعة خطبتها في هذا المسجد المبارك (مسجد المنوفي)؟
• نعم، ما زلت أذكر أول جمعة خطبتها في هذا المسجد المبارك، وكانت في موسم الحج، وأذكر أنني بدأت هذه الخطبة بما ورد أن أعرابيًّا سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ وإذا بسفير الأنبياء، وكبير أمناء وحي السماء يجوب الآفاق، ويطوي بأجنحته السبع بقوله جل شأنه:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (186) سورة البقرة.
ثم أخذت في تفسير هذه الآية، وبينت ما فيها من أسرار بلاغية، وقضايا تتعلق بالعقيدة.
** ما المساجد التي ترددت عليها في حياتك لإلقاء خطبة الجمعة؟ وما ذكرياتك فيها؟!
* في أثناء عملي بمسجد (الطيبي) كنت أنتدب لإلقاء خطبة الجمعة ودروس المساء في عدد من المساجد، ومن هذه المساجد مسجد صلاح الدين بالمنيل، ومسجد (الحبيبي) بحي السيدة، ومسجد السيدة زينب، حيث كنت أقوم بإلقاء دروس بعد صلاة التراويح في رمضان، وفي الانتقال خير، حيث إن معرفة الناس كنز، والاتصال بهم قوة، والوقوف على مشاكلهم، وإبداء الحلول لها سعادة، وإن كان الحنين دائمًا يشدني إلى مسجد (الطيبي)، حيث لا أنسي هذه الأوقات الطيبة التي كنت أقضيها مع إخوة فقراء تتخلل مجالستهم أذكار وصلوات على النبي المختار، لا يتحدثون بلغة البنوك، أو تشييد القصور، أو أنواع السيارات الفارهة، إنهم الذين قال الله تعالى فيهم لرسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم):{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف.
لقد كان الصادق المعصوم يبسط لهم رداءه ويجلسهم عليه ويقول لهم: (مرحبًا بمن أوصاني ربي بهم خيرًا).
** لعل من أشهر المساجد التي عملت فيها في مجال الدعوة (مسجد الملك) بحدائق القبة.. ما ذكرياتك.. وما مواقفك فيه؟
• في اليوم الخامس من شهر ماي 1964م بدأت العمل خطيبًا ومدرسًا وإمامًا في هذا المسجد، ويقع هذا المسجد في منطقة حدائق القبة في شارع مصر والسودان، وفي حي دير الملاك تحيط به مجموعات كثيرة من النصارى، والمسجد في بنائه فخم ضخم، فرشت أرضه بسجاد فاخر، ونقش سقفه نقشًا بديعًا، وجاز الصوت فيه قوي، وأجهزة التهوية والنوافذ تنعش النفوس، وذكرني هذا بحال المساجد في فجر الإسلام، وحالها في أيامنا هذه.. ففي فجر الإسلام كانت المساجد في غاية البساطة والتواضع، ومسجد الصادق المعصوم خير شاهد على هذا، فقد كان سقفه الجريد، وكانت أرضه الحصباء، ولكنه خرّج العمالقة، فقد تخرج فيه المصلح العظيم (كأبي بكر)، والزعيم الملهم كعمر، والخيّر الكريم كعثمان، والعبقري الفذ كعلي، والقائد الجبار كخالد، والمفتي الخبير كابن عباس، والمحدث الجليل كأبي هريرة، وأستاذ الزهد كأبي ذر، والفيلسوف البارع كسلمان الفارسي.. فاسألوا التاريخ في أي الجامعات تخرج هؤلاء؟!
لم يتخرجوا في جامعات الشرق أو الغرب، إنما تخرجوا في جامعة عميدها المصطفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعلي امتداد العصور والدهور خرّجت المساجد عباقرة البشر وأساطين الفكر، وجهابذة العلوم، وأساتذة الأخلاق والحضارة والثقافة.. فابن سينا والفارابي، وابن البيطار، والحسن بن الهيثم، وجابر بن حيان، والخوارزمي، وثابت بن قرة، والجاحظ، والبناني، هؤلاء جميعًا نجوم لمعت وسطعت في سماء الدنيا في الكيمياء والفيزياء والأحياء والطب والرياضة والفلسفة والفلك، ونقل الغرب عنها وأقام حضارته على ما أبدعت وأنجزت.
ونظرت إلى حال المساجد في عصرنا هذا، وكيف صارت عملاقة شامخة البناء، ولكن بناء القلوب والنفوس يمثل النزر اليسير، فماذا حدث؟! لقد حذر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من زخرفة المساجد حتى لا يكون ذلك على حساب الجوهر الأصيل، فقال: (إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم)، ذلك لأن كثيرًا من الناس قد شغله الظاهر فينصرف إليه، وتشغله القشرة عن اللب، فيغفل عن رسالة المساجد التي قال الله تعالى فيها:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (36ـ37) سورة النــور.
وكان الجمع الذي يصلي في جامع (الملك) غير كثير، ولقد كنت أتردد على هذا المسجد وأنا طالب بالأزهر قبل أن أعمل بالمساجد الأهلية، وكان الحاضرون في صلاة الجمعة يقفون في صفوف متباعدة، بحيث يكون بين الصفين مكان يتسع لصفين آخرين، وكانت التوعية التي تؤم هذا المسجد من الطبقة المثقفة، وفيه من السجاد والنظافة ما يغري هؤلاء بالذهاب إليه، وكان بالمسجد حديقة غنّاء ملحقة به، وقد اعتمدت على الله تبارك وتعالى ودعوت إليه على بصيرة، وأقبل الناس على الدروس والخطب، وأخذ العدد يزداد في دروس المساء التي كانت تمتد من المغرب إلى ما بعد العشاء كل يوم، وقد تنوعت مواد الدراسة فيها من تفسير إلى حديث إلى فقه إلى تاريخ إلى عقيدة إلى أخلاق، بالإضافة إلى خطبة الجمعة ودرس بعدها، وخصصت الوقت من بعد صلاة العصر إلى أذان المغرب للإجابة عن الأسئلة والفتاوى وحل المشكلات، كما قمت بالإشراف على المدرسة المخصصة لتحفيظ القرآن الكريم، ولما كان الكثير من الطلبة في حاجة إلى دروس التقوية في المواد ولا يجدون ما ينفقون، فقد دعوت إلى التدريس للكبار والصغار في دروس التقوية، وفي مختلف المراحل الدراسية حتى الشهادة الثانوية، واشترطت أن يكون ذلك بالمجان، وقد اخترت لذلك إخوة نذروا أنفسهم لله، وكنت أقوم بتدريس اللغة العربية لطلبة الثانوية، ويقوم أخي الفاضل عبد الرحمن الزيني بتدريس اللغة الإنجليزية، ويقوم إخوة آخرون بتدريس بقية المواد، وسارت الأمور في جو معتدل بجد وحزم واجتهاد، كما سارت أمور المسجد بنظام وجد وضاق المسجد بالمصلين يوم الجمعة، فتبرع أحد رواد المسجد بتشييد بناء على أرض الحديقة يقي المصلين شدة الحر والبرد والمطر، وضاق البناء بالمصلين، ولم يبق هناك موضع قدم في أرض الحديقة، فقمنا بشراء كميات هائلة من الحصير، وحيث فرشنا بها الشوارع المحيطة بالمسجد حتى ضاقت هي الأخرى مما كان يؤدي إلى تحويل مرور السيارات من شارع الملك إلى شارع آخر.
** وما هي عادة الشيخ كشك في الخطابة؟
• من عادتي في الخطابة أنني بمقدمة تشد السامع شدًّا قويًّا مؤثرًا؛ حتى أوقظ الوسنان وأنبه الغافل، ويكون ذلك بمثابة استحضار للشعور، فإن هناك من يجلس معي بجسمه، وقلبه كما قال شوقي: لقد أنلتُك أذنًا غير واعية
ورُبَّ مستمعٍ والقلب في صمم
السيف قد يفتح البلاد، ولكنه لا يفتح القلوب
** كلنا يعلم اهتمام الشيخ كشك بالسياسة.. فما رأيك في الخطب السياسية التي تسمعها؟
• إن الخطاب السياسي يحتاج محللاً سياسيًا.. لكنني أسمع لأري كيف تدور الأحداث.. والأحداث في هذه الأيام لابد لنا من تعليق ووقفة عليها.. فأنا مؤمن كل الإيمان كل الإيمان أن الحوار لابد له من حوار، ولا أؤمن بأن القضايا الفكرية تعامل بالعنف، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرد على القضايا الفكرية، فقال تعالى:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ}، بماذا؟ بالحكمة أولاً، والموعظة الحسنة ثانيًا، والجدال بالتي هي أحسن ثالثًا.. مخطئ من قال: إن الإسلام رفع السيف في القضايا الفكرية.. إن الإسلام انتشر بسيف العقل لا بحد السيف، فالسيف قد يفتح البلاد، ولكنه لا يفتح القلوب.
** وما الرسالة التي أردت أن تؤديها في هذا المسجد (مسجد الملك)؟
• رأيت أن أجمل رسالة المسجد رسالة عامة لتنظيم أنشطة المجتمع، فجعلته يمثل خمس وزارات: الثقافة والإرشاد في خطبة الجمعة، ودروس المساء، التربية والتعليم في التدريس للطلبة، الصحة وذلك عندما دعوت الأطباء لعلاج الفقراء بالمجان، فلبي عدد كبير منهم النداء، فأرسلوا إلينا بتذاكر العلاج في مختلف التخصصات الطبية، فكان الفقير يأخذ التذكرة الخاصة بمرضه ويذهب بها إلى عيادة الطبيب مرفوع الرأس مرفوع الكرامة، ولقد تقدم بعض الصيادلة لصرف الدواء مجانًا، وكان المسجد أيضًا يمثل وزارة العدل.
وقد كونت لجنة للمصالحات وفض المنازعات، والفصل في الخصومات، وكم من المشاكل حلت بإذن الله.
كذلك قامت بالمسجد لجنة تمثل الشئون الاجتماعية تبحث أحوال الأسر الفقيرة، فتجري عليها المعونات الشهرية، والكسوة في الشتاء والصيف، بالإضافة إلى المواد التموينية في الأعياد والمواسم، وتوزيع اللحوم في عيد الأضحى، فقد تكون هناك بيوت لا تري اللحم إلا قليلاً، يقول فيها شاعر النيل حافظ إبراهيم:
عزّتِ السّلعة الذليلة حتى
باتَ مسح الحذاء خطبًا جساما
وغدا القوت في يد النّاس كالياقوت
حتى نَوَى الفقير الصياما
ويَخال الرّغيف في البعد بدرًا
ويظنّ اللحوم صيدًا حرامَا
إن أصاب الرّغيف من بعد كَدّ
صاح من لي أصيب الإداما
أيها المصلحون رفقًا بقومٍ
قيد العجز شَيْخَهُمْ والغلاما
وأغيثوا من النُّفوس غلاءً
قد تمنت مع الغلاءِ الحماما
أنقذوا أنفسًا أضرّ بها الفقر
وأحيا بموتها الآثاما
** الشيخ كشك.. لاشك أنك إمام المساجد المصرية، فما فضل المساجد؟
• قال الله تبارك وتعالى في الصفة الأولي للمؤمنين:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) سورة المؤمنون، ثم أكد معني الإيمان في قوله جل شأنه:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (18) سورة التوبة.
وفي قوله تبارك اسمه:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (36ـ37) سورة النــور.
وفي قوله تعالى:{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (108) سورة التوبة.
هذه آيات قرآنية أردنا بذكرها أن نبين فضل المساجد في الإسلام وأنها البيوت التي تربي فيها النفوس تربية صحيحة، لا تعرف الانحراف، ولا تميل إلى الزلل.
** وما فضل تنظيف المساجد؟
• أمر الشرع بتنظيف المساجد وتطهيرها، وقد أوصي الحبيب المصطفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك، وبين ما لهذا العمل الجليل من فضل.
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة سوداء كانت تقم بالمسجد، ففقدها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت
فقال: فهلا آذنتموني ! فأتي قبرها، فصلي عليها.
وروي الطبراني في الكبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (أن امرأة كانت تلتقط القذى من المسجد فتوفيت فلم يؤذن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدفنها، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا مات لكم ميت فأذنوني، وصلي عليها وقال: إني رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد).
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(من أخرج أذي من المسجد بني الله له بيتًا في الجنة).
طريق الدعوة ليس مفروشًا بالورود
** وهل كانت هناك عراقيل وعقبات أمامك وقتها في مجال الدعوة؟
• ما من عمل ناجح في الحياة إلا وتكتنفه شدائد ومحن، فالحاسدون في الدنيا كثيرون، والنفوس المريضة تملأ جنبات الحياة، وتنفث سمومها الناقعات، وخفافيش الظلام تعمي عن رؤية الأجسام البينة لنا في ضوء الشمس، وقد جعلت شعاري دائمًا في الحياة قول الله جل شأنه:{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (51) سورة التوبة
** ماذا يقول الشيخ كشك لكل من يعمل في ميدان الدعوة؟
• على كل إنسان يعمل في ميدان الدعوة أن يتحلى بالصدق والأمانة والصبر والشجاعة، وأن يقول الحق ولو كان مرًّا، ولا يخشى في الله لومة لائم.
اصبرْ على كيدِ
فإن صَبْرَك قاتِلُه
فالنَّار تأكلُ بعضها
إن لم تجدْ ما تأكله
وعلي الداعية ألا يضيق صدرًا بالأمور، فالليل مهما طال، فلابد من طلوع الفجر، وكلما اشتد الكرب هان، والعظائم كفؤها العظماء، فلا يكن في صدره حرجٌ من قول الأعداء وتقول الشامتين:
ولا تجزعْ لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاءُ
وكن رجلاً على الأهوال جلدًا
وشيمتُكَ السَّماحة والوفاءُ
يغطَّي بالسّماحة كلُّ عيب
وكم عيب يغطيه الحياءُ
إذا كنت ذا قلب قَنوعٍ
فأنت ومالك الدنيا سَواءُ
ومن نزلتْ بساحته المنايا
فلا أرض تَقِيه ولا سماءُ
وأرض الله واسعةٌ ولكن
إذا نزل القضاء ضاقَ الفضاءُ
وليعلم الدعاة إلى أن طريق الدعوة ليس مفروشًا بالورود والأزهار، إنما الطريق صعب تحفه الشدائد والمحن.
** وهل أفادتك دراستك في تخصص التدريس في مجال الدعوة؟
• نعم.. لقد حصلت على تخصص التدريس وهو إحدى الشهادات الأزهرية التي تسمي (العالمية) مع تخصص التدريس.. وهي شهادة تخول حاملها أن يعمل مدرسًا بالأزهر، وكان حصولي عليها في أثناء عملي بمسجد الطيبي، ولكنني قد أخذت طريقي إلى الله بالدعوة في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
الاقتصاد لا يصان إلا بالوازع الديني، وبتعليم الأمانة
** ما السبيل إلى الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تواجه الوطن العربي بأسره؟
• عندما تولي الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) حكم الولايات المتحدة الأمريكية، ألقى خطابًا ما زال صداه يرن في أُذني.. قال: إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعاني أزمة اقتصادية، إنما تعاني أزمة روحانية.. لقد وجدنا أنفسنا أغنياء في السلع، ولكننا فقراء في الروح.
ومن هنا نعلم أن الاقتصاد لا يصان إلا بالوازع الديني، وبتعليم الأمانة.. وإلا فإن بناء المصانع قد يكون سهلاً.. وبناء ناطحات السحاب قد يكون سهلاً.. أما بناء النفوس فهو عقبة العقبات.
لذلك وقف عمر بن الخطاب ذات يوم في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطرح سؤالاً على الصحابة، فقال لهم: ماذا تتمني يا فُلان؟
فقال: أتمنى ملء المدينة خيلاً أغزو بها في سبيل الله..
وماذا تتمنى أنت؟
فقال: أتمنى ملء المدينة عبيدًا أعتقهم ابتغاء رضوان الله تعالى..
فسألوا عمر: ماذا تتمنى أنت؟
فأنصت قليلاً ثم قال: أتمنى ملء هذا المسجد رجالاً أمثال أبي بكر.
** ما رأي فضيلتكم في ظاهرة التكاسل وهروب الموظفين قبل المواعيد المحددة لوظائفهم والنوم على المكاتب.. وما إلى ذلك من الظواهر السلبية التي تفشت بصورة كبيرة في المؤسسات على المستوي العربي الآن؟ وما الحل الناجح لها؟
• علاج هذه الظاهرة في الإسلام ـ وكل مشكلة لها في الإسلام حل ـ يكون بتربية الضمير الديني، وتعليم الناس ما هو الحلال وما هو الحرام، وتعليم الناس الصدق والأمانة.
وهناك تحذير قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ينام الرجل النومة فتنزع الأمانة من قلبه، حتى يأتي على الناس زمان إذا رأوا فيه رجلاً أمينًا عجبوا وقالوا: إن في بني فلان رجلاً أمينًا).
فالتوعية الدينية لها المكانة العليا.. أما الرقابة سواء كانت رقابة عسكرية أو رقابة لمكافحة التهرب، أو لمحاربة المخدرات والسموم البيضاء فكل هذا جانب، لكنه لا يغني عن الجانب الحقيقي.. فالعقوبة أو التربية في الإسلام تقوم على تلك الخطط.. الأولي قبل كل شيء القدوة، ثم بعد ذلك الأسرة، ثم المسجد، ثم المدرسة، ثم بعد ذلك المجتمع.. ثم بعد ذلك وهو عنصر مهم (الإعلام) بمعناه الواسع معروضًا ومقروءًا ومسموعًا ومرئيًّا.
ولابد من ربط الناس ووصلهم بالله تعالى: (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
** فضيلة الشيخ.. شتان بين حضارة وحضارة.. فما الفرق بين الحضارة الإسلامية، والحضارة الغربية المادية؟
• (روجي غارودي) هو واحد من ثلاثة من أكبر شراح الماركسية وطليعة الفكر الشيوعي في أوروبا، وعلم من أعلام الفلسفة في فرنسا، ومكافح حمل العلم والبندقية في وجه الظلم طوال حياته، هذا الفارس المقاتل والملاح الذي طوّف البحار السبعة قد ألقي مراسيه على شاطئ الإسلام، ورفع راية (لا إله إلا الله).
وقد كتب (جارودي) عن الحضارة التي تنتحر، تلك الحضارة المادية التي خلعت الله عن عرشه، وأقامت الإنسان مكانه، وجعلت من الإنسان إلها وسيدًا على الكون والطبيعة.. وفي تحليل دقيق حاول أن يضع يده على ثغرات هذه الحضارة.
إن النموذج السوفيتي والنموذج الأمريكي كلاهما وجهان لعملة واحدة، وحضارة مادية واحدة تقدس الفرد، وهذا التقديس أدي إلى ظهور أباطرة رأس المال والاحتكار في أمريكا، وفي الناحية الأخرى أدي إلى النظم الشمولية والدكتاتوريات التي أصبح الفرد فيها طاغية يبتلع المجتمع كله في داخله.
والعلاقات الاجتماعية في هذا اللون من الحضارة المادية واحدة وهي علاقات عمودية التسلسل من الاستعباد والسخرة في المجتمعات الشيوعية، أو علاقات أفقية من المنافسة والصراع في المجتمعات الرأسمالية، ولذا كان طابع الحياة في الاثنين هو العنف، وتصادم المصالح، وإرادة الهيمنة والقوة.
والاقتصاد في هذه الحضارة المادية لا يهدف إلى نمو صحي، بل يخدم نوعًا من النمو الوحشي هدفه مجرد تشغيل الآلة حتى ولو كانت تنتج أشياء بلا فائدة، أو أشياء ضارة، أو أشياء مدمرة.
أما الثقافة والفكر والفن والبرامج التعليمية، فهي مجندة مسخرة لإعادة ترويح وتصنيع وطبع نسخ أخرى من هذه المجتمعات الفاسدة.
والعلم في هذه الحضارة هو علم للعلم، وفن للفن، وحياة لمجرد الحياة بلا معني أو حكمة.
أما النظرة الإسلامية فهي نظرة جامعة بين العلم والحكمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} والمسلم ينظر إلى كل شيء على أنه آية فيها شواهد الحكمة والعناية والقدرة الإلهية.
والإسلام يعلمنا أنه في ضوء الإيمان بالله يبدو لكل شيء حكمته، ولكل حدث غاية خيّرة وإن خفيت
والإنسان في الإسلام خليفة لله في الأرض؛ لمواصلة الخلق والإبداع والعمارة، وإفشاء السلام والمحبة والرحمة والخير، والعلم في الإسلام لا ينفصل عن الحكمة، ولا عن الإيمان، كما لا ينفصل الدين عن السياسة، ولا الدين عن الاقتصاد.
نحن هنا أمام حضارة مختلفة، وإنسان مختلف، هكذا يعلن (غارودي).
إن الحضارة الإسلامية تعطينا إنسانًا تخطي حاجاته، وتجاوز رغباته ثم بدأ يعلو على ذاته نفسها، ثم بدأ يعلو على الزمن ليبني المساجد، ويخاطب الأزل، ويناجي الأبد.
بهذا الوضوح المبهر يرى (غارودي) الإسلام من الشاطئ الآخر من البحر، وهو يري فيه دين المستقبل ونظام المستقبل، ويري فيه طوق النجاة للعالم، وهو يري المسلمين قادرين على حمل هذا المشعل، شريطة أن يفتحوا باب الاجتهاد ويعودوا للتفاعل مع العصر، ويتخطوا الحرفية السلفية إلى فهم حركي لكل المتغيرات التي جدت على الساحة
عدونا ضعيف، ولكنه قوي بوحدته
** فضيلة الشيخ.. تفيض قلوبنا حسرًة وألمًا على الكثير من البلاد الإسلامية التي تتعرض للعذاب والاضطهاد.. فكيف السبيل إلى إنقاذ البوسنة والشيشان وغيرها؟
• والله.. السبيل يتلخص في تلك الخطوات:
توحيد الكلمة على كلمة التوحيد، وتوحيد المسلمين صفًّا وهدفًا.. أما أن نكون كما نحن عليه كالغنمة الشريدة في الليلة الشاتية.. نحن لسنا ضعفاء.. نحن أقوياء.. ولكننا ضعفاء بفرقتنا؟
وعدونا ضعيف، ولكنه قوي بوحدته.
صلاح الدين عندما أراد أن يخوض الحروب الصليبية وحّد الأمة أولاً ـ وحّد الشام، ووحّد مصر، ووحّد الجزيرة العربية.. ثم ضرب ضربته بعد احتلال المسجد الأقصى بـ91 يومًا، ونصره الله، لدرجة أنه جلس مع هيئة أركان حربه ذات يوم فدارت بينهم دعابة.. فضحكوا ولم يبتسم.. قيل له: أيها القائد، لم لا تبتسم؟!
قال: أستحيي من الله أن يراني وأنا مبتسم والمسجد الأقصى في أيدي الصليبيين.. هذا قول فصل، وما هو بالهزل!
** وما ذكرياتك عن الأيام التي قضيتها في المعتقل؟
• لقد ذقت الأمرين في المعتقل، وعندما دخلت المعتقل لأول مرة في عام 1965م إلى عام 1968م لم أُسْأَلْ إلا عن اسمي.. ما اسمك؟ وخرجت من المعتقل لم أسأل إلا عن اسمي.. حتى سألت لماذا دخلت.. وبأي ذنب اعتقلت؟ لم أجد سؤالاً أو جوابًا عن هذا.
فأنا من الذين عانوا كثيرًا من التهم، ومن الرمي بالتهم!!
** هل حقيقة أن يوم الجمعة هو سيد الأيام.. وما فضائله؟
• لو ظللت العمر كله أكتب عن فضائل هذا اليوم (يوم الجمعة) لنفد العمر قبل أن ينفد الحديث عن خصائص هذا اليوم المشهود، إنه ركن ركين وحصن مكين من أركان الإسلام العظيم.
سيدي أبا القاسم:
فكم زالتْ رياض من رُباها
وكم بادت نخيل في العوادي
ولكن نخلة الإسلام تنمو
علي مرّ العواصف والعوادي
ومجدك في حمي الإسلام باقٍ
بقاءَ الشمس والسّبع الشِّدادِ
ألست أنت يا سيدي الذي قلت: (إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفي الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل اللهَ فيها العبدُ شيئًا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة.
ولقد جعل الله تعالى يوم الجمعة عيدًا للمسلمين، وجعل فيه من النفحات والرحمات والبركات، فمن بركات هذا اليوم، وهي بركات تعم الموتى بعد أن ينتقلوا من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جوار الخلق إلى رحاب الحق، وإن من مات يومها أو ليلتها فلا يسأل في قبره.
أخرج الترمذي وحسنه، والبيهقي، وابن أبي الدنيا وغيرهم عن ابن عمر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ما من مسلم يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر).
** وهل حقيقة أن يوم الجمعة فيه ساعة إجابة؟
• روى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر يوم الجمعة، فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقبلها).
ولمسلم عنه: (إن في الجمعة لَساعةً لا يوافقها مسلم سأل اللهَ فيه خيرًا إلا أعطاه إياه ـ هي ساعة خفية).
والحكمة في إخفائها حث العباد على الاجتهاد في الطلب، واستيعاب الوقت بالعبادة.
وقد اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة، فقيل: هي عند أذان المؤذن لصلاة الغداة، أخرجه ابن أبي شيبة عن عائشة.
وقيل: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. رواه ابن عساكر عن أبي هريرة.
وقيل: هي أول ساعة بعد طلوع الشمس. حكاه الجبلي والمحب الطبري.
وقيل: هي إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة. والله أعلم.
** فضيلة الشيخ.. كثيرًا ما سمعنا عن سجود التلاوة، فماذا يعني ذلك؟ وما كيفية السجود؟
• في القرآن الكريم آيات يستحب للمسلم إذا قرأها أن يسجد سجدة تسمي (سجدة التلاوة).
ومن قرأ آية السجدة أو سمعها يستحب أن يكبر ويسجد سجدة، ثم يكبر للرفع من السجود، وهذ يسمي (سجود التلاوة)، ولا تَشَهُّد فيه ولا تسليم، فعن نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنها ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبَّر وسجد وسجدنا.
ولاشك أن لسجدة التلاوة فضلاً عظيمًا، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي، أمر بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فعصيت فلي النار).
** وما مواضع السجود في القرآن؟
• مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعًا:
فعن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في (المفصل) وسجدتان في الحج، وهاهي ذي المواضع التي يسن للقارئ أو المستمع أن يسجد عند قراءتها أو سماعها:
1ـ قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (206) سورة الأعراف.
2ـ{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (15) سورة الرعد.
3ـ{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (49) سورة النحل.
4ـ{قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} (107) سورة الإسراء.
5ـ{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (58) سورة مريم.
6ـ{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} (18) سورة الحـج.
7ـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (77) سورة الحـج.
8ـ{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (60) سورة الفرقان.
9ـ{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} (25) سورة النمل.
10ـ{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (15) سورة السجدة.
11ـ{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }(24) سورة ص.
12ـ{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (37) سورة فصلت.
13ـ{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (62) سورة النجم.
14ـ{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (21) سورة الانشقاق.
15ـ{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (19) سورة العلق.
** فضيلة الشيخ.. كثيرًا ما نسمع عن فضل بعض سور القرآن الكريم ومنها سورة الفاتحة.. فما أفضالها؟
• سورة الفاتحة تعتبر (أم الكتاب)؛ لاشتمالها على الخطوط العريضة للمنهج القرآني الرفيع.
فقد اشتملت هذه السورة الكريمة على العقيدة والجزاء والعبادة والأخلاق والتاريخ.
ففي قوله ـ جل شأنه ـ:{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يتمثل جانب العقيدة.
وفي قوله ـ سبحانه وتعالى ـ:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يتمثل جانب الجزاء.
وفي قوله ـ جل شأنه ـ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يتجلي جانب العبادة.
وفي قوله ـ تبارك وتعالى ـ:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} يتضح المنهج الأخلاق.
وفي قوله ـ عز وجل ـ:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} يظهر بجلاء الجانب التاريخي.
وعلي هذه المبادئ الكريمة سارت نجوم القرآن في أفلاكه.
فعن ابن سعيد بن المعلي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أصلي بالمسجد فدعاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم أجبه، ثم أتيته، فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي
فقال: ألم يقل الله تعالى:{اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} ثم قال:
(لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن نخرج من المسجد، فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن
قال: الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته).
***
"هذا فضل سورة البقرة وآية الكرسي"
* "الإسلام وهو يعالج الفرد راعى ثلاثة جوانب.."
** ما فضل سورة البقرة، ومكانتها عند الله؟
• يكفي في فضلها أنها إذا قُرئت في البيت تنظفه وتطهره من أرجاس الشيطان وأنجاسه ووساوسه ومكايده وأولى بالذين يضلون ويطرقون أبواب السحرة والكهنة والدجالين والعرافين، أولي بهم جميعًا أن يفيقوا من غفوتهم، ويستيقظوا من غفلتهم، ويسلكوا هذا الطريق، فإنه طريق الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وَحيٌ يُوحي.
أولي بهؤلاء أن يقفوا على قول الرسول الأعظم والنبي الأكرم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة).
أما عن مكانتها عند الله، فيجيب عن هذا نبي الرحمة المهداة، في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكًا، واسْتُخْرجتْ{اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} من تحت العرش، فوصلت بها أو فَوُصِلَتْ بسورة البقرة).
ومن هذا الحديث نعلم ما لهذه السورة من مكانة.. فهي السنام والذروة والقمة الشامخة.
ويكفي كذلك من فضلها ومكانتها أن كل آية من آياتها شيعتها بعثة شرف ملائكية، قدرت بثمانين ملكًا.
** وما فضل آية الكرسي؟
• إنه مما يزيد سورة البقرة تشريفًا أنها اشتملت آية الكرسي{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) سورة البقرة.
• يقول العلامة ابن كثير ـ رحمه الله ـ: (هذه آية الكرسي، ولها شأن عظيم، وقد صح الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنها أفضل آية في كتاب الله).
وقد روي أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطي، وما دعي به إلا أجاب.
وروي الإمام أحمد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأل رجلاً من صحابته فقال: أي فلان: هل تزوجت؟
قال: لا وليس عندي ما أتزوج به
قال أو ليس معك{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؟)
قال: بلي
قال: (ربع القرآن).
قال: (أليس معك:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}؟)
قال: بلي
قال: (ربع القرآن).
قال: (أليس معك{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟)
قال: بلي
قال: (ربع القرآن).
قال: (أليس معك آية الكرسي: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}؟)
قال: بلي
قال: (ربع القرآن).
** وما فضل قراءتها بعد الصلاة؟
• عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة (آية الكرسي) لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت).
وقد ذكر العلامة (ابن كثير) أن هذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة، ثم أخذ يفصل هذه الجمل، فقال ـ رحمه الله ـ:
أولاً:{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} إخبار بأنه المنفرد بالألوهية لجميع الخلائق.
ثانيًا:{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا، القيم لغيره، وكان عمر يقرأ: القيام، فجميع الموجودات مفتقرة إليه.
ثالثًا:{لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم، فقوله{لاَ تَأْخُذُهُ} أي لا تغلبه سِنة وهي الوسن والنعاس، ولهذا قال:{وَلاَ نَوْمٌ}لأنه أقوي من السِّنِة.
رابعًا:{لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}إخبار بأن جميع عبيده في ملكه تحت قهره وسلطانه، كقوله{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (93ـ95) سورة مريم.
خامسًا:{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}كقوله:{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} (26) سورة النجم، وكقوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (28) سورة الأنبياء، وهذه من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة.
سادسًا:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
سابعًا:{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه.
ثامنًا:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن إدريس عن مطرف بن طريف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}قال: (علمه).
تاسعًا:{وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}أي لا يثقله ولا يكترثه لحفظ السموات والأرض ومن فيهما وما بينهما، بل ذلك سهل عليه، يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء.
عاشرًا:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}كقوله:{وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}سبحانك ربي تنزهَتْ عن الشريك ذاتُك، وتقدَّستْ عن مشابهة الأغيارِ صفاتُك، إنك الموجود لا من علة، الواحد لا من قلة.. بالبر معروف، وبالإحسان موصوف، كل شيء قائم بك.. وكل شيء خاشع لك.. سبحانك ربي.. لا إله إلا أنت سبحانك
** وماذا عن ذكرياتك في شهر رمضان المبارك؟
• كان لرمضان ولا يزال، وسيظل له وقع طيب في نفسي ونفس كل مسلم، إلا أنني أذكر هنا ما كان لرمضان في نفسي من أثر وأنا طالب:
كنت أخرج من مسكني بدير الملاك في الثامنة صباحًا متجهًا مع مرافقي إلى أصول الدين بشبرا سيرًا على الأقدام، فأصل في التاسعة إلا ربعًا، حيث تبدأ الدراسة في التاسعة، وفي الواحدة والنصف من بعد الظهر كنت أعود لا إلى مسكني، إنما إلى بيت الله تعالى في حي الشرابية في مسجد يسمي المنوفي.
ولهذا المسجد ذكريات طيبة في نفسي، فقد كنت فيه أدعو إلى الله تعالى على بصيرة من عام 1954م إلى أن عُينت بوزارة الأوقاف بعد تخرجي في عام 1962م، وما زلت أذكر أنني قضيت في هذا الحي سنين كانت أفضل أيام حياتي في الدعوة، فقد كان أهله رجالاً والرجال قليل، كانوا كرامًا طيبين.
وكنت إذا فرغت من الدراسة في الكلية أعود إلى هذا المسجد قبيل العصر في رمضان، وبعد صلاة العصر أجلس بين المصلين، فألقي الدرس اليومي من بعد صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، وأذكر ذات يوم في رمضان أن تكاثرت أسئلة المصلين أثناء الدرس، فاستمعت إليهم جميعًا وكانت تزيد على العشرين سؤالاً، ومن بركات هذا المسجد أنني أجبت عنها جميعًا سؤالاً سؤالاً،
وبالترتيب كأني أمام إحدى لجان الامتحان، ثم نذهب بعد الدرس نتناول طعام الإفطار على موائد الكرم عند إخوان امتلأت قلوبهم بحب الله ورسوله.
وبعد أن أصلي المغرب أتوجه إلى كوبري القبة لأدرك صلاة العشاء في مسجد هناك كانت تغشانا فيه الرحمات.
وبعد صلاة العشاء كنت أقرأ في القيام جزءًا كاملاً كل ليلة، ويتخلل صلاة القيام درس من العلم يستمر نصف ساعة، وكنت أعود بعد صلاة القيام إلى مسكني بدير الملاك، وقد أوشك ليل القاهرة أن ينتصف، وما هي إلا سويعات ويأتي وقت السحور، فصلاة الفجر، فشروق الشمس، فيوم جديد ينادي فيه المنادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلي عملك شهيد، فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
** وماذا يقول الطب عن الصيام؟
• لقد قام الصيام بدور عظيم في الطب بقسميه: القسم الوقائي، والقسم العلاجي، ومن الناس من يتوهم أن في الصيام مضرة تلحق بالصائم، لما يصيب الجهاز الهضمي خاصة، وغيره عامة،
ولمَا يكون من بعض الصائمين من انفعال وغضب، وهذا خطأ؛ لأن ما ذهبوا إليه ليس من الصيام في شيء، ولكنه من ترك الاعتدال في طعام الإفطار والسحور.
لقد ظهر أن الصيام يفيد في حالات كثيرة، وهو العلاج الوحيد في أحوال أخرى، وهو أهم علاج إن لم يكن العلاج الوحيد للوقاية من أمراض كثيرة منها: اضطرابات الأمعاء المزمنة
المصحوبة بتخمر في المواد الزلالية والنشوية، وهنا ينجح الصيام وخصوصًا مع عدم شرب الماء بين الأكلتين، وأن تكون بين الأكلة والأخرى مدة طويلة كما في صيام رمضان.
كما أن الصيام مفيد في علاج التهاب المفاصل المزمن، والتهاب الكلي الحاد والمزمن والضغط المرتفع.
والصيام الذي كتب على المسلمين إنما كتب على الأصحاء.. وهذا صحيح ولكن فائدة الصيام للأصحاء هي الوقاية من هذه الأمراض، بل إن الوقاية فعالة جدًّا قبل ظهور أعراض المرض
بوضوح، والصيام مدة شهر في السنة هو خير وقاية من كل هذه الأمراض.
** فضيلة الشيخ.. قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "ما ملأ ابن آدم وعاءً قط شرًّا من بطنه.. فإن كان لا محالة فاعلاً.. فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لِنَفَسِهِ.." ما المعني المراد من حديث الرسول الكريم؟
• هذه الحكمة بالغة نطق بها طبيب القلوب والأبدان، ومعالج الأرواح والأجساد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وإذا كنا سنجلس أمام رمضان طبيبًا، فإنه طبيب للقلوب والأبدان والنفوس والأخلاق والمجتمع، إلا أننا في هذا المقام سنتعلم منه طب الأبدان على أن تكون لنا دعوة أخرى إن شاء الله تعالى.
إن الإسلام وهو يعالج الفرد راعى في ذلك ثلاثة جوانب: الحس، والعقل، والقلب.
ومن الحقائق الثابتة أن البطنة بيت الداء، وأن الحمية أصل الدواء.
ومن ثم تتبين لنا الحكمة البالغة عندما أهدي المقوقس عظيم مصر إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هدية كانت عبارة عن جاريتين هما: مارية وأختها سيرين، وبعض العسل، ودابة يركبها،
وطبيب يقوم على علاج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقبل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الهدية، وأسلمت مارية، وولدت له إبراهيم وأهدي أُختها سيرين الصحابي الجليل حسان بن ثابت،
وشكر الطبيب ورده إلى المقوقس، ولما سأله المقوقس: لماذا ردك محمد؟
قال الطبيب: يا سيدي لقد أرسلتني إلى رجل جمع الطب كله في كلمتين:
(نحن قوم لا نأكل إلا إذا جعنا، وإذا أكلنا لا نشبع).
** هناك ظاهرة انتشرت بين الشباب، ألا وهي المزاح بين الأصدقاء بما يسئ إليهم بإلقاء الشتائم والسباب.. وما إلى ذلك.. على سبيل الدعابة والمزاح.. فما تعليقكم على هذا الأمر؟
• والله لقد حدد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الموقف في قوله: (إن الرجل يتكلم الكلمة من غضب الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا) ولذلك قال: أخوك.. لا تمازحه، ولا تنحني له، ولا تلزمه، ولكن صافحه، ولذلك كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمزح ولا يقول إلا حقًّا.. قالت له امرأة عجوز: يا رسول الله أتراني سيدخلني الله الجنة؟
فقال لها ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الجنة لا يدخلها عجوز) فبكت، فقال لها الرسول الكريم:
إن الله تعالى يقول:{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ} (35ـ38) سورة الواقعة.
***
"الإسلام لا يعترف بالحدود ولا بالأسوار"
* "لِلَّه تعالى في دهره نفحات على المؤمن أن يغتنمها"
** فضيلة الشيخ.. ما الطريق إلى الجنة؟! وهل البداية كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)؟
وما معيار الإيمان الحقيقي؟
• إن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).. هي جنسية كل مسلم، وتحقيق شخصية، كما أنها وطنه، إذ إن الإسلام لا يعترف بالحدود ولا بالأسوار ولا بالحواجز.
ولست أدري سوى الإسلام لي وطنا
الشام فيه ووادي النيل سيان
وكلما ذكر اسم الله في بلد
عددت أرجاءه من لب أوطاني
وكلمة التوحيد هي عزة المسلم وكرامته وتحريره من جميع قيود العبودية لغير الله.
وفي التوحيد خلاص من عذاب النار، وطريق إلى الخلود في الجنة رضوان الله.
وفي الشرك يهوي الإنسان في غياهب الظلمات، ويضيع في شتي المتاهات، ويحيا دنياه ذليلاً، وآخرته معذبًا مهينًا.
وإذا كان التوحيد هو الطريق إلى الجنة، فليس ذلك بكلمات تلوكها الألسنة إنما هو حقيقة لها كيانها، وقضية لها مفاهيمها: (ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل).
وقد سأل أبو هريرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟
فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه).
ومعيار الإيمان الحقيقي يتمثل في صدق القول، وإخلاص العمل، والثبات على المبدأ، والتمرس بالشدائد، والصمود للأحداث مهما عصفت ريحها، وهاجت ثائرتها.
اسمع إلى هذا السؤال يلقيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه: (أمؤمنون أنتم)؟
قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: نعم يا رسول الله
قال الرسول الكريم: (فما حقيقة إيمانكم)؟
قال الفاروق: نصبر على البلاء، نرضي بالقضاء، ونشكر في الرخاء.
فأصدر سيد الخلق حكمه النافذ العميق قائلاً.. (مؤمنون ورب الكعبة).
إن الإيمان لا يتفق مع الكذب، ولا يقبل الخداع، ولا يعرف الغش.
إن الإيمان الصحيح هو القدوة السليمة السوية، وهذا هو القرآن الكريم يقول على لسان نبي الله شعيب، وهو يخاطب قومه:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) سورة هود.
والإيمان يثمر ثمرته، ويؤتي أكله إذا كان أساسه صدقًا في القلب، وتطبيقًا صحيحًا في العمل
** وماذا عن خالد بن الوليد؟
• خالد بن الوليد يخوض معارك شرسة وضارية، ويقاتل كل الأمم من فرس وروم وعرب، ولا يهن ولا يضعف، ولا يتخوف بل يبارز الموت ويسعي إليه في لهفة وشوق، والموت يفر منه.
لقد رفض ـ وهو يحارب (طلحة الأسدي) زعيم المرتدين ـ أن يتراجع قليلاً إلى الوراء ليلوذ بجبال طيئ، ويستعصم بها.
ولقد صاح قائلاً: كلا، لا أعتصم بغير الله، إنه يتحدي الموت، والموت لا يجرؤ على مواجهته.
إنهم رجال صنعهم الإيمان، ففر منهم الموت، وتهيب لقائهم.
** وكيف ترى الآن البراء بن معرور؟
• لقد كان يتحدى الموت في حرب مسيلمة الكذاب، ويُصِرُّ على أن يلتقي به فيعمد إلى خطة انتحارية.. يشير إلى أصحابه أن يحملوه ويرفعوه على تروس من جلد، ويقذفوا به من فوق حائط الحديقة التي لجأ إليها مسيلمة وجنوده خائفًا مذعورًا أمام جحافل الإيمان المنتفضة يقودهم خالد.
وحين يلقي بالبطل المؤمن، يعالج ـ مع بعض رفاقه ـ فتح باب الحديقة من الداخل في سرعة ومهارة، فينفتح الباب، لتنقض جموع من المسلمين من الخارج إلى داخل الحديقة، فيعملون السيف في مسيلمة وأتباعه، فيأتون عليهم جميعًا.
وتلقب هذه الحديقة منذ هذا اليوم (بحديقة الموت) لكثرة القتلى داخلها، ومن بينهم (مسيلمة الأفاك) حتى ليقال إن عدد القتلى بلغ ستين ألفًا.
** وكيف ترى الشهيد عكرمة بن أبي جهل؟
• إنه البطل الذي صنعه الإيمان من مفرق رأسه إلى أخمص قدمه.. يقف في حرب الروم، في معركة (اليرموك) يقاتل بحماسة وإيمان مصرًّا على الموت في سبيل الله، ويرى بعض إخوانه يفرون من شدة القتال، فينكر عليهم موقفهم المتخاذل، ويتعاهد مع مجموعة من رفاقه على الثبات حتى الموت، وقد مات عكرمة شهيدًا، وهو يدافع عن عقيدة الإيمان، وكان يقول وهو مندفع إلى قلب المعركة: (لقد قاتلت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قبل فما فررت، أأفر اليوم بعد أن شرح الله صدري بالإيمان؟ إنها لمهزلة، ويمضي في كر متتابع الحملات، وحركة منقطعة النظير يضرب في رقاب العدو، فيطيح بالرؤوس والهامات، ثم يخر في النهاية شهيدًا في سبيل الله، كما كان يؤمل.
** وكيف ترى المسلم الشجاع ثابت بن قيس؟
• إنه لثابت بن قيس الذي رئي في حرب الردة، وقد حفر لنفسه حفرة في الرمل، وثبت فيها بعد أن أهال التراب على ساقيه، حتى يثبت في موقعه، ولا يفر حتى الموت.
كان يحمل كفنه وحنوطه على كتفيه حتى يلقي الله على الإيمان.. وقد رزق الشهادة في هذا الموقف الجليل.
وهكذا نري أن القلوب المؤمنة المناضلة لا يرهبها الباطل، لأنها في حمى الله، ولأنها أزهد النفوس كلها في متاع الحياة.. وإذا رخصت النفوس في محال البذل، ذهب الخوف من القلب وحلت محله شجاعة ليس لها حدود.
** فضيلة الشيخ.. مما لاشك فيه أن ملامح البطولة الإسلامية لا حد لها ابتداءً من الخليفة الأول أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ، ومرورًا بأبي الشهداء الحسين بن علي، وخالد بن الوليد، وعقبة بن نافع وغيرهم من العظماء.. فكيف يرى الآن مرصد الشيخ كشك القائد الجليل عقبة ابن نافع؟
• يرحم الله ذلك البطل الجليل (عقبة بن نافع) الذي شب على الجهاد والتضحية والثبات على المبدأ، وتربي في مدرسة كان الله ناصرَها، والرسول أُستاذَها، والقرآن العظيم منهجها، والجهاد سبيل الحق أعز أُمنية لها.
وعقبة بن نافع رجل دخل التاريخ من أوسع أبوابه وأشرفها، فهو فاتح شمال إفريقيا، ويسميه المؤرخون (قاهر أفريقيا) وقد بني مدينة (القيروان) في (تونس).
وقد وقف ذلك البطل على فرسه، على شاطئ المحيط الأطلسي يقول يا رب، لو علمت أو وراء هذا البحر غزوًا، لخضته غازيًا في سبيلك).
حقًّا إنه نموذج صادق من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
** فضيلة الشيخ.. ما أنوار القرآن، وبركات الأوقات؟
• لِلَّه تعالى في دهره نفحات على المؤمن أن يغتنمها، ففيها الخير كله، وللأزمان أوقات مباركة، وفي تلك الأوقات نفحات يتجلي الله فيها برحمته ومغفرته على خلقه، فيوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس، ويوم عرفات خير أيام السنة، وليلة القدر في رمضان خير من ألف شهر.
وساعة الإجابة يوم الجمعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل حرامًا.
وكل هذه الأوقات وتلك النفحات إذا اقترنت بقراءة القرآن اجتمع نور القرآن وبركات تلك الأوقات، فكان النور فيها مضاعفًا، والخير لا حدود له.. ولن يضيع الإسلام أبدًا مهما اشتدت به المحن، إذ إن هناك قواعد لا يمكن أن يصيبها خلل مهما ادلهمت الخطوب.
أولى هذه القواعد: القرآن{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر.
والقاعدة الثانية: صلاة الجمعة، فيوم الجمعة كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9) سورة الجمعة.
والقاعدة الثالثة التي لا تنتهي أبدًا: اجتماع الناس في المسجد الحرام أيام الحج والعمرة{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (96ـ97) سورة آل عمران.
والقاعدة الرابعة من هذه القواعد: عرفات، وما أدراك ما عرفات!
ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود..
إنه لمن فضل الله علينا أنه يعطي الجزيل من الأجر، إذا ما استقبل المسلم نفحات الله في أيام دهره.
** وما جزاء المسلم إذا تلا في هذه الأوقات سورًا من القرآن الكريم؟
• يقول الصادق المصدوق في هذا المقام مقالاً تنشرح له الصدور، وتبتهج له القلوب.
فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(من قرأ حم الدخان في يوم الجمعة غفر له).
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من قرأ ليلة الجمعة حم الدخان، ويس أصبح مغفورًا له).
وأخرج الدارمي في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق).
وأخرج أبو عبيدة وابن الضريس في فضائل القرآن عن أسماء بنت أبي بكر قالت: (من صلي الجمعة، ثم قرأ بعدها (قل هو أحد) والمعوذتين، والحمد سبعًا سبعًا، حفظ من مجلسه ذلك إلى مثله).
** فضيلة الشيخ.. عندما يقرأ الإنسان القرآن الكريم يشعر بالراحة النفسية.. فهل حقًّا أن القرآن يشفي النفوس المتعبة؟
• القرآن العظيم طبيب النفوس ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها، ونور الأبصار وضياؤها
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}
(57) سورة يونس.
فمن الحقائق الثابتة أن الأمراض النفسية، وما لها من تأثير وخيم وعواقب سيئة، إنما يكون منشؤها القلق والاضطراب والانفعالات والغضب، وهذه الأمراض كثيرًا ما تكون سببًا في الأمراض العضوية الخطيرة.
ولقد عالج القرآن الكريم هذه الأمراض، وبيّن طرق الوقاية منها، فركز على الإيمان بالقدر خيره وشره، والتسليم لله في كل ما يبتلي به العبد، فمن ذلك قوله تعالى:{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (51) سورة التوبة، وقوله جل شأنه:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) سورة القمر.
وهكذا يتدرج القرآن مع العبد شيئًا فشيئًا حتى يبلغ به أعلي قمم المعرفة وأرفع ذري الاعتقاد في الله، فيقف أمام أحداث الأيام صامدًا ثابتًا، ثبات الشُّمِّ الرواسي، والجبال الشوامخ، لا تحركه القواصف، ولا تؤثر فيه أشد العواصف.
لقد قرأت مؤخرًا بحثًا لطبيب مسلم تحت عنوان: (الإسلام والصحة النفسية) يقول فيه ما معناه: (من بديع صنع الله في الإنسان ما أودع فيه من القوي النفسية والجسدية التي كانت مثار تفكير الباحثين من بدء الخليقة حتى يومنا هذا: كيف يفكر هذا الإنسان؟
وكيف يتحرك؟ وكيف ينمو؟ وكيف يصح؟
ومهما وصل العلم من الكشف عن الأسرار الإلهية في هذا المخلوق العجيب، فإنه سيظل إلى أن تقوم الساعة محكومًا بهذه الآية الشريفة:{رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}، ومن هذا القليل الذي آتاه الله لخلقه ما تحدث فيه علماء النفس عن الآثار الجسدية للأمراض النفسية، فلقد كان من الطبيعي في الإنسان، وقد امتزجت فيه القوي النفسية بالجسدية أتم الامتزاج أن يتأثر جسمه بنفسه والعكس، فكلما كان هادئ النفس مسرورًا، بدت على جسمه آثار النشاط والقوة، وإذا ما حزن أو غضب ارتسمت على بدنه مظاهر الضعف والاضطراب.
ويسمي علماء النفس المحدثون هذا الفن الذي يبحث في الأمراض الجسدية الناشئة عن الحالات النفسية بالطب (السيكوسوماني) عن كثير من الأمراض الجسمية التي تحدث الانفعالات النفسية كالقلق والخوف والبغضاء والحقد والهم والكبت والشك والغيرة، فأثبت أن الحزن الشديد وخاصة المفاجئ يتسبب في تصلب الشرايين، والجلطة الدموية، والشلل وأمراض الدم مثل الضغط والسكر وغيرها.
** وهل يكون علاج النفس بالتوبة؟
• الإسلام شرع لنا التوبة، وهي اعتراف صادق من العبد لربه بالأخطاء والذنوب، ووثوق التائب بعفو الله ومغفرته يريح نفسه، ويسكب عليها السكينة والاطمئنان، فتهدأ نفسه وتزول عقده.
وإذا كانت الأمراض النفسية كثيرًا ما تنشأ عن القلق والخوف والبغضاء والحقد والكبت والشك والغيرة، فإن الإسلام هو الدين الذي يعالج ما أصاب المرء من ذلك، بل ويقيه من التردي في هذه الآفات إن هو اتبع هواه.
فراحة النفس في هدي الإسلام، ومن هدي الإسلام: الرضا بالقضاء والقدر، والاطمئنان والثقة بوعد الله، والاعتقاد بأن ما أصاب المسلم لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فأني يجد القلق والخوف والهم سبيلا إلى نفسه؟
وكيف يتمكن الحقد من قلبه وهو لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟
ولاشك أن المسلم بممارسته لألوان العبادات، واتصاله الدائم بالله، لا تتعقد نفسه، ولا تضطرب أعصابه، وهذه حقيقة اعترف بها علماء النفس الأجانب أنفسهم، فقد قال الدكتور(بريل): إن المرء المتدين حقًّا لا يعاني ـ قطُّ ـ مرضًا نفسيًا.
وقال (ديل كارنيجي): إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي يقهر القلق والتوتر العصبي.
والصلاة ـ كذلك ـ في حقيقة الأمر علاج للأمراض كلها، ولقد كان الرسول ـ صلوات الله عليه ـ إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة، وكان يقول لمؤذنه بلال: (أرحنا بها يا بلال). ولذلك اعترف بفضلها كبار المتخصصين في الدراسات النفسية.
ولقد قال (الكسيس كاريل): لقد رأيت ـ بوصفي طبيبًا ـ كثيرًا من المرضي فشلت العقاقير في علاجهم، فلما رفع الطب يديه عجزًا وتسليمًا، تدخلت الصلاة فأبرأتهم من عللهم؟
ومن أجمل ما في الإسلام أنه يربط المسلم بالقوة العظمي المسيطرة على هذا الكون.
وأشهد أن القرآن الكريم جليس لا يمل حديثه، لاسيما في أوقات الشدائد، عندما تستشعر النفس أن الأرض قد ضاقت بما رحبت، وكيف لا يكون القرآن الكريم تفريجًا للكروب، وأهل همم أهل الله خاصته؟!
ودليل ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن لله أهلين من الناس)
قالوا: من هم يا رسول الله؟
قال: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).
***
"حذار الإفتاء بغير علم"..
* "القرآن والسنة خير علاج للنفس"
كان الشيخ عبد الحميد كشك ـ رحمه الله ـ يعيش هموم وطنه، ومشاكل مجتمعه، حيث كان يقوم في خطبه بتحليل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه الأمة، ويدعو إلى التكامل الاقتصادي بين البلدان الإسلامية والعربية، وإلى استثمار أموال العرب في بلاد الإسلام، بدلاً من الاتجاه بها إلى الغرب، وتُتْخَمُ بها بنوك اليهود.
• خلص ـ رحمه الله ـ من هذه التجارب إلى أن الدنيا ما هي إلا مزرعة للآخرة، فعلى العاقل أن يغتنم خمسًا قبل خمس: شبابه قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وغناه قبل فقره، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته.. فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.
غدًا تُوفَّى النفوسُ ما كسبت
ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم
وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
• كان ـ رحمه الله ـ يركز دائمًا على أن السعادة في تلك المملكة التي أقامها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) في قوله: ((ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)).
وبالنظر إلى الشعبية الكبيرة لهذا الرجل الذي لقب بـ"فارس المنابر"، وبالنظر أيضا للأثر الكبير الإيجابي لمواعظه ودروسه وأفكاره، تتشرف "أخبار الأسبوع" بإعادة نشر حوار صحفي مطول تم إجراؤه معه رحمه الله، ونصل في عدد هذا الأسبوع إلى الحلقة السادسة والأخيرة من هذا الحوار الممتع، راجين أن تكونا قد انتفعتم بما ورد فيه، وأن يجعله الله في ميزان حسنات الشيخ الراحل عبد الحميد كشك رحمه الله..
** ما علاج الغضب على هدي السنة المحمدية؟
• من العلاج الذي جاءت به السنة المطهرة لحالة الغضب أن يغير الغاضب من وضعه، فإن كان قائمًا قعد، وإن كان جالسًا اتكأ، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الغضب جمرة توقد في القلب، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه؟ فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئًا فإن كان قائمًا فليجلس، وإن كان جالسًا فليقم ـ أو كما يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن لم يزل ذلك من نفسه، فليتوضأ بالماء البارد، أو يغتسل، فإن النار لا يطفئها إلا الماء).
ومن العلاج العملي الذي مارسه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه قصة أبي أُمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ فقد روي أبو سعيد الخدري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له: أبو أُمامة، فقال يا أبا أُمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟
فقال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله
فقال: أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك، وقضي عنك دَيْنك؟
قلت: بلي يا رسول الله
قال: (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)
ففعلت، فأذهب الله همي، وقضي دَيْنِي.
ولاشك أن العزلة وما صاحبها من همّ وحزن من الحالات النفسية التي تترك أثرها السيئ في الجسم من الكآبة والانقباض وهزال الجسم وضعفه، فكان العلاج لذلك: أن سقاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جرعة الأمل والعزم والنشاط، أوصلته بالقوة العليا التي لا يخيب من توجه إليها، ولا ييأس من ناجاها، ولا يحزن من لجأ إليه، فذلك اللجوء إلى الله ـ وهو القادر على كل شيء ـ يعطي المؤمن المزيد من الثقة والرجاء في الله، حتى يوقن أن الله سينجده ويخرجه مما تردي فيه.
** وما موقف الإسلام من هذا النوع المهم في الطب؟
• إنه يحث عليه، ويدعو المسلم إلى البحث فيه؛ لأنه يعتبره مسؤولاً عن تطوير الحياة في كل الميادين بما لا يخالف نصًّا في الكتاب والسنة، وقد حثنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ على البحث في النفس بقوله:{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (21) سورة الذاريات.
وليس ذلك محدودًا بعصر دون عصر، ولا مقصورًا على مجال دون مجال، بل يشمل البحث عن النفس في أمراضها والوقاية منها وعلاجها وهدايتها وإرشادها، والسمو بها إلى أوج الرفعة والكمال
ولا أكون مبالغًا إذا قلت: إن ما ورد في الكتاب والسنة من علاج للنفس هو أغزر وأعمق وأصح من كل ما ورد في أبحاث علماء النفس من بدء الخليقة حتى يومنا هذا.
فقد جاء القرآن الكريم يوضح لنا العلاقة بين الحالة النفسية والمرض الجسمي، فيذكر عن يعقوب عليه السلام أنه لما فقد ابنه يوسف عليه السلام حزن حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، فقال تعالى:
{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} (84) سورة يوسف، ولما أن جاءته البشري بولده، وفرح الفرح الشديد أبصر في الحال، قال تعالى:{فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا}(96) سورة يوسف.
وكذلك جاء وصف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للغضبان بما يوضح الأثر الجسمي لذلك الانفعال أدق توضيح: من حمرة العينين، والوجه، وانتفاخ في الأوداج، وتغيير للهيئة.
وإذا كان هذا هو الأثر الجسمي، فهناك آثار أخرى للغضب تظهر في تصرفات الغضبان كعدم الفهم والتعقل حتى يبلغ الغاضب في تصرفه أحيانًا مبلغ المجنون الذي لا يدري ما يأتي وما يذر.
من أجل ذلك نهي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الحكم بين الناس في حال الغضب، فقال:
(لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان).
** فضيلة الشيخ.. كثيرًا ما يشكو الإنسان نسيانه للقرآن الكريم.. ما العلاج؟
• نعم كثيرًا ما يشكو بعض الناس من نسيانهم للقرآن، وهو لاشك شيء شديد الأسف، وإننا إذْ نصف هذا الداء يسرنا أن نقدم له الدواء من صيدلية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ففيها الشفاء لكل داء، إذ إنها تستمد دواءها من كتاب كريم هو كتاب الله العلي العظيم.
أخرج الترمذي والحاكم والبيهقي في الدعوات عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن عليًّا ـ رضي الله عنه ـ قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: تفلَّتَ هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه
فقال: ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وتنفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟
(إذا كان ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الأخير فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي، بقول حتى يأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها، فصل أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولي بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) سورة الملك، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله، وأحسن الثناء على الله، وصل على وعلي سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، وقل في آخر ذلك:
اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدًا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السموات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني.. اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وأن تحمي به بدني، فإنه لا يُعِينني على الحق إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) تفعل ذلك ثلاث جُمع أو خمسًا أو سبعًا بإذن الله تعالى، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمن قط.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: فوالله ما لبثت على إلا خمسًا أو سبعًا حتى جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيمثل ذلك المجلس فقال: يا رسول الله، إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات ونحوهن، فإذا قرأتهن على نفسي، فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا أرددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا تحدثت بها لم أنس منها حرفًا، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ذلك: (مؤمن ورب الكعبة).
فعليك يا أخي باستذكار القرآن، حتى تلقي الله وهو على صدرك، فكيف لك شفيعًا.
** كثر الحديث عن الشفاء بعسل النحل.. فما حقيقة ذلك؟
• يقول عز من قائل:{يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} (69) سورة النحل.
فاعلم أن هذا المشهد القرآني الذي نحن بصدده ـ من أول قوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} إلى قوله تعالى:{يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} اشتمل على ثلاثة أنواع من الأغذية:
أولها: هو اللبن.
ثانيها: غذاء نباتي وهو المتمثل في قوله تعالى:{وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (67) سورة النحل.
ثالثًا: أنواع من الأغذية: غذاء حشري وهو عسل النحل، فماذا يقول الطب في هذا الأخير؟
إن عسل النحل فوق كونه غذاء، فإنه أيضًا فيه شفاء، وأهم ما في العسل: نوعا السكر المذكوران، وهذان النوعان لا يحتاجان لهضم كسكر القصب، بل يمران من القناة الهضمية إلى الدم بدون تغير، وهذه ميزة كبري لعسل النحل.
وقد أثبت الطب الحديث أن في عسل النحل شفاء من الكثير من الأمراض.
** فضيلة الشيخ.. ما الحقائق العلمية في كيفية بناء النحل لبيوته؟
• إن مملكة النحل عجيبة الصنع، محكمة الإتقان، ولقد أراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ توجيه نظر العباد إلى بيوت النحل التي تعتبر أحسن مثل لهندسة المباني وتعاون أفراد النحل.. فيقول عز من قائل في سورة النحل:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (68) سورة النحل.
وقد أثبت التاريخ أن النحل اتخذ بيوته في الجبال أولاً، ثم في الأشجار ثانيًا، ثم في الأعراش والخلايا بعد ذلك.
خبرني بربك في أي الجامعات تخرجت هذه المخلوقات العجيبة؟!
وفي أي أقسام المعمار تخرج عباقرة المهندسين في النحل؟!
وعلي أي الأساتذة درسوا علم التفاضل والتكامل ليخرجوا لنا أعظم إنتاج بأقل تكاليف لازمة؟
ومن الذي ألهمهم إلهام الغريزة أن يشيدوا تلك البيوت العجيبة: أهي الطبيعة الصماء أم الصدفة العمياء؟
والله ما هذا ولا ذاك، وإنما هو الله العزيز الحكيم:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (68) سورة النحل.
يقولون: أين الله، أين عجائبه؟
وذا الكون سِفْرٌ ناطق وهو كاتبه!
يشكون والإيمان ملء قلوبهم
ويُبدون ما كل العقول تكذّبه!
عجائب ربي في الأنام كثيرة
ولكن جهل المرء ـ لاشك ـ غالبه
إن بيوت النحل إنما هي مصانع من طراز (كن فيكون) أبدعتها يد القدرة لتكون آية لقوم يتفكرون.
** فضيلة الشيخ.. من الدعاوي التي يشنها المستشرقون وأذنابهم من المستغربين، ومن سار في فلكهم من ضعاف العقول والمخدوعين منهم زعمهم أن الاقتصار على القرآن يكفي دون الاحتياج إلى السنة.. فما جاء في القرآن اتبعناه، وليس بنا حاجة إلى إتباع ما جاءت به السنة ـ على حد زعمهم ـ فما الرد على أصحاب تلك الدعاوي الباطلة؟
• المقصود بالسنة هو كل ما جاء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قول أو فعل أو تقرير، وهؤلاء الذين ينادون بهذه الدعوي المسمومة لهم من ورائها غرض وهدف، ذلك أنهم عجزوا وخابت حيلهم في أن يوجهوا أي طعن إلى القرآن العظيم، وهو الأصل الأول في التشريع، فأرادوا أن ينثروا التراب على السنة المطهرة.
والواقع أن مثل هؤلاء كمثل قوم أرادوا أن يثيروا التراب على السماء فأثاروا على أنفسهم، وبقيت السماء هي السماء.. وقد بلغ من جرأة هؤلاء أنهم تطاولوا على أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين اختارهم الله لصحبته، والذين حذر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من التطاول عليهم، فقال: (الله الله في أصحابي)، وقال: (لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم أو نصيفه)
إن دعوى هؤلاء في عدم الأخذ بالسنة ظاهر البطلان، بل إن بطلانها من بدائة الأمور، ماذا يقولون في قوله تعالى وهو يخاطب الرسول ـ صلي اله عليه وسلم ـ:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وهل يكون التبيين إلا بالسنة؟
وماذا يقولون في قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر.
وماذا يقولون في الآيات التي قرنت طاعة الله بطاعة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}.
وماذا يقولون في هذه الآية الكريمة التي جعلت محبة الله متوقفة على إتباع رسوله وهي قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} كيف يتبعونه وقد عطلوا سنته؟
** فضيلة الشيخ.. الإفتاء مسؤولية كبيرة في الإسلام فمن له حق الفتوى الآن؟
• الفتوى في الإسلام مسؤولية كبرى، لأن المفتي إنما يوقّع عن الله تبارك وتعالى، فهو في فتواه يجب أن يكون صريحًا في الحق، قويًّا لا يخشي في الله لومة لائم، كما يجب أن يصدر عن علم ودراية بالكتاب والسنة، وكيف لا، وقد ورد في سنن أبي داود من حديث مسلم بن يسار، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من قال على ما لم أقل فليتبوأ بيتًا في جهنم، ومن أفتي بغير علم، فعمل بفتواه كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد في غيره فقد خانه).
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السموات والأرض).
وبعد.. فقد ظهر أمامنا جليًّا ما للفتوى من أثر عظيم، ولقد حملها بعد الصحابة كثير من التابعين لا يكاد يحصي عددهم.
فعليك أيها الأخ المسلم أن تقف على حقيقة دينك، فدينك لحمك، دمك، (ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين).
فاللهم فقهنا في ديننا، وزهدنا في دنيانا، وبصرنا بعيوبنا آمين.