إعداد: الشيخ بن خليفة
في حوار خصّ به صحيفة
"القدس العربي" الصادرة بلندن، كشف الوزير والدبلوماسي السابق، الدكتور
محي الدين عميمور، عن الصفات التي كان يتمتع بها الرئيس الراحل هواري بومدين،
وأورد معلومالت قد لا يعرفها كثير من الجزائريين عن "الموسطاش".
وباعتبار أن الدكتور محي الدين
عميمور كان مستشار ملازما للرئيس بومدين، يحمل الرجل في جعبته الكثير مما لا يعرفه
الجزائريون عن رئيسهم الذي غادرهم وفي في الـ 45 من العمر.
وقال عميمور في نفس الحوار
"أعتقد ان أهم صفات بومدين كرجل دولة كانت مقدرته على اختيار البدائل وتحديد
الأسبقيات وتكثيف الاستشارات قبل اتخاذ القرار، وتميز عهده بإعطاء الأولوية
للتعليم، وخصوصا تعليم الأناث، وببرامج التنمية الخاصة للولايات الفقيرة، تحقيقا
للتوازن الجهوي. وعندما أدرك ان قوة البلاد تكمن في التصنيع فاتجه نحو ما سمي
آنذاك بالصناعة المصنعة، ومعناها تفادي تصدير المواد الخام وتحويلها إلى مواد
مصنعة تحقق فائض قيمة وتساهم في حل مشكل البطالة، سواء بشكل مباشر أو بتنشيط
صناعات جانبية موازية، كما تساهم في خلق طبقة عمالية تقوم بأدوار سياسية إلى جانب
الفلاحين.
وأضاف عميمور أن " بو مدين
حرص على بناء الجيش الوطني وتنظيم الممارسة الديموقراطية بأسلوب علمي بدأ من
القاعدة، أي بإنشاء البلديات عبر الانتخابات المباشرة، ثم الصعود بنفس النهج نحو
الانتخابات الولائية ثم نحو البرلمان على مستوى البلاد كلها. أما صفاته الإنسانية
فكانت حسن اختيار إطارات الدولة اعتمادا على الكفاءة وتفادي كل صور المحاباة
والمحسوبية، وعدم إعطاء الفرصة لعائلته للاستفادة من وجوده في السلطة، وكان يعتمد
فيما يرتديه على ما يُصنع في الجزائر، كالملابس والأحذية، باستثناء أربطة العنق
التي كان يتلقاها من رفاقه عند عودتهم من الخارج. وكان بو مدين معتزا بانتمائه
الحضاري العربي الإسلامي، وقارئا نهما بالعربية والفرنسية، ومتابعا دقيقا للأحداث
العالمية، وقادرا على اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب."
وردا على سؤال حول ما اذا كان
بومدين رجلا مثاليا قال عميمور "أبدا، لم يكن يدعي ذلك، وهو كان يعرف انه بشر
يجتهد ويصيب ويجتهد ويخطئ. أعتقد أن أعظم أخطائه هي انه نسي الموت، فتهاون في
القيام بعمليات تطهير إدارية يتخلص فيها ممن حُمّلوا مسؤوليات لم يكونوا أهلا لها،
بحكم وضعية الشغور التي عرفتها الجزائر إثر استرجاع الاستقلال. وربما كانت مطامحه
هائلة بالنسبة للجزائر وللمنطقة وبل وللعالم الثالث، ولم يكن يتصور أن الموت سوف
يختطفه وهو لم يكمل 45 ربيعا."
وفي هذا السياق، أضاف عميمور
قائلا: "إنني لا أستطيع أن أجزم بأن وفاته كانت طبيعية."
رئيس دولة يرفض وساطة والدته!
عادة لا يتردد أي مسؤول يتبوأ
منصبا يتيح له إمكانية خدمة أفراد عائلته، وأهله وذويه، وبنيه والمقربين منه
ومنهم، في تلبية مطالب الأحباب والأقارب والأحباب، ولكن للرئيس الراحل هواري
بومدين فلسفة أخرى، فالرجل نذر نفسه لخدمة بلده إلى درجة أنه رفض تسخير السلطة التي
أتيحت له لخدمة أفراد عائلته، وإلى حد أنه رفض الموافقة على طلب لوالدته، حين يكون
هذا الطلب منافيا لأحكام الدولة، ومخالف لقوانينها.. وقصة بومدين مع شقيقه الذي
رغبت والدته في حصوله على إعفاء ـ أو على الأقل تأجيل ـ لأداء التزامات الخدمة
الوطنية شاهدة على ذلك..
يقول بول بالطا الكاتب الصحفي
الشهير: ”أعرف أن بومدين كان كثير التعلق بوالدته التي كان يمنحها جزءا من راتبه
الشهري، غير أن شهودا أفادوني أنه تشاجر معها عندما كانت في عطلة بالشريعة.. لقد
سبق لوالدته أن طلبت منه إعفاء شقيقه الصغير، السعيد، من واجب الخدمة الوطنية،
وعندما رفض طلبها، هددته بأن تشتكيه إلى الحكومة، فما كان له إلا أن غادرها
منفعلا، قائلا لها: الحكومة ستعود إلي وسأرفض طلبك.. وبعد ذلك بفترة، اضطر شقيقه
إلى أداء واجب الخدمة الوطنية مثله مثل غيره"..
هكذا قُتل بومدين..
تجمعت قرائن ومعطيات
مختلفة لتثبت حقيقة باتت اليوم شبه مؤكدة، تقول أن وفاة الرئيس الراحل هواري
بومدين، الذي غادرنا "رسميا"، قبل 36 سنة من الآن، وبالضبط يوم 27
ديسمبر 1978، لم تكن طبيعية، ولم يكن سببها ذلك المرض الغامض الذي قيل أنه أصيب
به، وإنما كانت نتيجة عملية اغتيال تقف جهات خارجية معادية للجزائر وراءها، وتم
تنفيذها باستخدام سم الثاليوم، وهي المعلومات التي أكدها أكثر من مصدر، ويمكن
الوقوف عند مصدرين يبدوان موثوقين ومطلعين هنا، ويتعلق الأمر بكل من حامد الجبوري،
وزير الخارجية العراق الأسبق، ونايف حواتمة زعيم الجبهة الديمقراطية لتحرير
فلسطين.
حامد الجبوري وزير
الشؤون الخارجية والثقافة والإعلام في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كشف
حقائق مثيرة تتعلق بالرحيل الغامض للرئيس بومدين، وأورد قرائن تؤكد أن هذا الأخير
يكون قد مات مقتولا بسُم الثاليوم.
وذكر الجبوري قبل
بضع سنوات أنه التقى الوزير الجزائري الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي حينها وعرف منه
أعراض مرض موت الرئيس بومدين، التي لخصها في النحول الشديد حتى أصبح الرئيس
الجزائري شبحا على حد تعبيره وتساقط شعر الرأس وحتى شعر الحاجبين والأشفار، الأمر
الذي حيّر الأطباء الروس والفرنسيين والروس على حد سواء ولم يجدوا له تفسيرا حسب
الجبوري، واستنادا إلى شهادات سابقة أيضا تحدثت عن حيرة طبية أمام الحالة المرضية
الغريبة والنادرة للرئيس الراحل.
ولم تتوقف شهادة
الجبوري، الذي بدا مهتما للغاية بالموضوع، ومطلعا بعض الشيء، عند حدود نقل ما سمعه
من وزير تربية حكومة بومدين الإبراهيمي، وإنما أضاف معطيات مثيرة للقضية حينما كشف
أنه اطلع بنفسه على حالتين مماثلتين لحالة الرئيس بومدين، وهما لمريضين عراقيين
قال وزير خارجية صدام أنهما واجها أعراضا مرضية مطابقة تماما للأعراض التي سمع
الجبوري من الإبراهيمي أنها أصابت هواري بومدين قبيل وفاته.
فرضية التسميم.. ليست أسطورة
قال حامد الجبوري أن
الحالتين المرضيتين اللتين قالا أنهما عانتا من نفس الأعراض التي عانى منها بومدين
تم تشخيصهما تشخيصا واحدا وهو الإصابة بتسمم بواسطة سم الثاليوم، ولكن الجبوري
حاول القول بأنه لا يقصد أن بومدين يكون قد مات متسمما بالسم نفسه، ولو أن
المعطيات التي قدمها لا تدع أي مجال للشك بكون نهاية محمد بوخروبة ثاني رئيس في
تاريخ الجزائر كانت قتلا بالسم، والجديد الذي أتى به أن هذا السم يسمى سم
الثاليوم.
وليست هذه المرة
الأولى التي يسمع فيها الجزائريون أن رئيسهم يكون قد مات مقتولا بالسم، ولو أنها
المرة الأولى التي يسمعون فيها أن رئيسهم أصبح شبحا قبل موته، وأن شعر رأسه
وحاجبيه وأشفاره قد سقط بشكل كلي.
وكانت شهادات سابقة
قد كشفت بأن بومدين مات مسموما، ونذكر في هذا الخصوص شهادة زعيم الجبهة
الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة، الذي سبق له بمناسبة ذكرى رحيل الرئيس
الفلسطيني ياسر عرفات القول بأن عرفات مات مسموما مثل بومدين، مضيفا أن لديه
معلومات استقاها من مسؤولين كبار في الدولة الجزائرية، لم يذكرهم بالاسم، تفيد بأن
هناك من وضع السم للرئيس بومدين، وبأن جسد الرئيس لم ين في مقاومة هذا السم، فكانت
النتيجة الحتمية موت الرئيس بومدين. كما أكد عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري
السابق، الفرضية ذاتها، وقال أن بومدين مات مسموما.
من سمّم رئيس الجزائر؟
بدا حامد الجبوري
مستميتا في الدفاع عن براءة بلاده من فرضية تسميم بومدين، أو المشاركة في تسميمه،
حيث لم يترك لمحاوره الصحفي المصري المعروف أحمد منصور في حصة شاهد على العصر أي
مجال للإيحاء أو التلميح لدور عراقي محتمل في عملية التسميم التي تعرض لها الرئيس
الجزائري، على خلفية أن أعراض مرض موت بومدين بدأت في الظهور مباشرة بعد جولة
عربية قادته إلى بعض البلدان العربية، منها العراق .
وزير خارجية العراق
الأسبق قال أن رئيس الجزائر عرّج بعد زيارته للعراق على سوريا، قبل أن يعود إلى
بلاده، فهل أراد الجبوري أن يبرئ بغداد ويورط دمشق؟
وتعيد الحقائق
والمعطيات التي تحدث عنها الجبوري إلى الواجهة قضية ما يمكن وصفه بالاغتيال البطيء
للرئيس بومدين إلى الواجهة، وكذا الجهات التي قد تكون وقفت وراءه.
وكانت أوساط عديدة
قد وضعت ملك دولة عربية في قفص الاتهام نتيجة عبارة يكون قد قالها للرئيس الراحل
بومدين وهي: إذا لم نلتق قبل نهاية هذه السنة.. فقد لن نلتقي أبدا.. وفعلا لم يلتق
رئيسنا وجلالة الملك بعد ذلك في الحياة الدنيا بعد أن أعلن بصفة رسمية عن انتقال
بومدين إلى جوار ربه يوم 27 ديسمبر 1978، لتبقى العديد من الأسئلة حول حيثيات هذا
الانتقال معلقة تبحث لها عن إجابات إلى يومنا.
شهادة نايف حواتمة
شبّه الأمين العام
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة ظروف وفاة الرئيس الفلسطيني السابق
ياسر عرفات بظروف "رحيل" الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، وأكد أن
هذا الأخير قد مات مسموما، وذلك في سياق مطالبته بتشريح جثة عرفات وتشكيل لجنة
طبية وأمنية للتحقيق في ظروف وفاته·
وقال حواتمة في
تصريح صحفي أدلى به قبل فترة: "أعرف أن الرئيس الأسبق للجزائر هواري بومدين
مات مسموما بنفس طريقة موت عرفات"، وحسبه، لم يكن بالإمكان إنقاذ بومدين، فقد
تم الكشف عن الأمر "وهو في طور التدهور أي في وضع المسموم وهو حي قبل أن يصاب
بالغيبوبة"، موضحا أنه "تم إبلاغ عدد من المسؤولين الجزائريين
بذلك"، دون أن يقدم تفاصيل أخرى بشأن "من أبلغ من حول من"، حيث
أبقى الغموض قائما حول الجهة التي أبلغت المسؤولين الجزائريين حول تسمم بومدين،
وأسماء أو مستوى وطبيعة مسؤولية المسؤولين الجزائريين الذين أبلغتهم تلك
"الجهة" بأنه قد تم تسميم الرئيس بومدين وكذا الجهة أو الجهات التي وقفت
وراء عملية التسميم.
وإذا كانت تصريحات
حواتمة الداعمة لفرضية "تسميم عرفات" لم تأت تقريبا بأي جديد في القضية،
خصوصا وأن الجدل لم يتوقف منذ رحيل "أبو عمار"، ولعل "العنصر
الجديد" الوحيد في هذه التصريحات هو الإشارة إلى سبب وفاة الرئيس الجزائري
الأسبق، وهي التصريحات التي من المنتظر أن تعيد -قصدا أو عن غير قصد- فتح النقاش
حول ملف وفاة هواري بومدين، الذي تضاربت الفرضيات بشأن أسباب وكيفية رحيله، الذي
تم الإعلان الرسمي عنه يوم 27 ديسمبر 1978، وكانت فرضية التسميم إحداها.
ما الذي قتل بومدين؟
هذا هو السؤال الذي طرحته قناة
الجزيرة الوثائقية القطرية في ختام فيلمها الوثائقي المتميز الذي أنجزته عن ثاني
رؤساء الجزائر المستقلة الراحل هواري بومدين، وبثته سهرة الجمعة على مدار ساعتين
من الزمن.
وبعد أن استعرضت المسار النضالي
والسياسي لـ"محمد بوخروبة"، وجمعت شهادات عدد من السياسيين والباحثين،
توصلت "الجزيرة الوثائقية" إلى تشابه التقريرين الطبيين للرئيسين الراحلين
الجزائري هواري بومدين والفلسطيني ياسر عرفات، وهو ما يؤكد فرضية تعرضهما للتسميم
التي لم يستبعدها وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي الذي أقر أنها فرضية
واردة جدا، ليتساءل معدو الفيلم المعنون بـ"هواري بومدين.. ثائر يبني
دولة" في النهاية "ما الذي قتل بومدين؟"، بينما يواصل الجزائريون
طرح التساؤل التقليدي: "من قتل بومدين؟".. وربما سنعرف من قتله حين نعرف
ما الذي قتله، أو لماذا قُتل..