-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

مقال متميز عن أردوغان والواقعية السياسية



تحت عنوان "دروس الأعاجم لحكام العرب"، كتب الإعلامي الجزائري المخضرم حبيب راشدين مقالا متميزا نشرته صحيفة الشروق اليومي، يتحدث فيه عن "أردوغان والواقعية السياسية"، جاء فيه:
ما يزال جيران العرب من الأعاجم يلقنوننا الدرس تلو الآخر في فن تربيع الدوائر المفرغة، وتكسير المبادئ الصماء، وتنكيس الشعارات الجوفاء حين تضطرهم مصالح دولهم، فلا شعار "الممانعة" ومحاربة الشيطان الأكبر منع إيران من معانقة أمريكا، وهي تسلمها جمل النووي بما حمل، ولا السلطان العثماني تردد لحظة في الإنحناء حتى الأرض أمام قيصر الروس الجديد، طالبا الود من العدو التاريخي القريب، بعد أن شعر بخيانة الصديق الأمريكي البعيد، وأرسل تغريدة للصديق نتانياهو أعادت المياه إلى مجاريها.
على الصعيد الأخلاقي قد يجد بعضنا في هذا الإنقلاب الدبلوماسي التركي ما ينكت به على السلطان أردوغان، الذي اشترى من قبل ود الجماهير العربية الحمقاء بمسرحية دافوس، وقد "انتفض" وقتها لكرامة العرب أمام الصهيوني بيريس بحضور عمر موسى، وربما كانت النخب الإعلامية العربية لتنصب مشانق لأي زعيم عربي يفعل ما فعله أردوغان، لكن بلغة السياسة يفترض أن نرفع القبعة لرجل دولة مهموم بحماية مصالح بلده أكثر من تلميع صورته لدى الجماهير.
فبين حادث إسقاط الطائرة الذي أوشك أن يشعل الحرب الثالثة عشر بين الروس والأتراك، ولقاء القمة الحميمية بين بوتن بين الحادثين أقل من عامين، كانت تركيا قد سقطت خلالهما بالكامل في الفخ الذي نصبه لها الأمريكان وحلفاؤها في النيتو، فاستخلصت نخبتها الدروس بسرعة، لتعود مجددا إلى سياسة "تصفير المشاكل" مع الجيران: روسيا  وإيران، وعادت لعناق الكيان الصهيوني، ولن يفاجئنا رؤية الأخواني آردوغان يحتضن بحرارة رجل الإنقلاب على إخوان مصر.
هذه الدروس في البراغماتية السياسية و"الريال بوليتيك" هي فوق مستوى فهم وثقافة الزعماء العرب للقوانين وللثقافة المكيافيلية التي تحكم السياسة الدولية، وإلا ما كان للمرحوم صدام ليفقد الدولة، والبلد، ورأسه، لو كان تعامل بقدر من الدهاء في لعبة الأمم، واشترى مثل أردوغان ود العدو دون أن يفقد صداقة الحليف، وما كان للمرحوم القذافي أن يضع بلده الصغير في فوهة مدفع الوحش الأمريكي قبل تأمين الغطاء من الحلفاء الروس، ولكان أمراء وسلاطين الخليج قد اشتروا منذ عقود بوليصة تأمين متينة تقيهم الغدر الأمريكي المعلوم عند الداني والقاصي.
بلغة السياسة ومضامينها الماكيافيلية لا تثريب على سلوك جيراننا الأعاجم وخذلانهم التاريخي للعرب منذ حملات التتار والمغول والصليبيين وحتى بداية الحملات الاستعمارية، كما لا تثريب اليوم على سلوك مرشد إيران وسلطان العثمانيين الجدد، بل اللوم كل اللوم يقع على النخب العربية الحاكمة، التي فشلت في تحويل فضاء ثري ماديا وروحيا مثل الفضاء العربي إلى قوة يحسب لها ألف حساب، وما يزال بوسع من بقي من العرب في المشرق والمغرب قلب الطاولة، إما بأدوات السياسة والدبلوماسية ولغة المصالح، أو في الحد الأدنى بالوقوف على الحياد بين هذه الوحوش التي تنهش لحم العرب، وقوى التوحش التي صنعها السحرة منهم، وقد بدأ السحر ينقلب على السحرة، حتى إن أول هدية قدمها الثعلب أردوغان قبل لقاء القمة مع بوتن كان عرض خدمة الأتراك لحملة الروس على "تنظيم الدولة" وأول رسالة طمأنة للحليف الأمريكي كانت بإعادة تسخين علاقة تركيا مع الكيان.

* المصدر: "الشروق اليومي"/ عدد يوم 13 أوت 2016

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020