فتحت صحيفة
"أخبار اليوم" الجزائرية في عددها الصادر يوم الخميس 03 جانفي 2019،
النار على من أسمتهم بجنرالات التخلاط، وكتبت في مقال تصدر صفحتها الرئيسية ما
يلي:
جاء البيان الأخير لوزارة الدفاع الوطني الذي صنع الحدث مع
نهاية العام المنقضي ليضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بـ"جنرالات
التخلاط" الذين تقاعدوا من العمل ضمن المؤسسة العسكرية، قبل أن يوجهوا سهامهم
إليها بطريقة منافية للقانون الذي يُلزمهم بواجب التحفظ، ومخالفة للأعراف التي
تقتضي أن لا يعضّوا اليد التي امتدت إليهم بإحسانها سابقا وصنعت لهم اسماً..
وزارة الدفاع ردّت بقوة على هؤلاء الضباط المتقاعدين الذين
يشتد "تخلاطهم" مع اقتراب كل استحقاق سياسي أو اجتماعي هام، فها هم
يطلون برؤوسهم مع اقتراب موعد رئاسيات 2019، غير مكترثين بالعواقب الوخيمة
لخرجاتهم التي تضعهم تحت طائلة القانون، وتمس باستقرار البلاد وتماسك مؤسساتها.
من ضباط سامين.. إلى "خلاطين"
"بعض العسكريين المتقاعدين الذين، وبعد أن خدموا مطولا
ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي، التحقوا بتلك الدوائر المريبة والخفية، قصد الوصول
إلى أطماع شخصية وطموحات جامحة لم يتمكنوا من تحقيقها داخل المؤسسة".. بهذه
اللهجة القوية والدقيقة، عبّرت وزارة الدفاع الوطني في توضيحها المنشور يوم الأحد
الماضي عن انزعاجها الشديد من جنرالات "التخلاط"، وممن يقف وراءهم
أيضا.. فمن الواضح أن المؤسسة العسكرية تدرك أبعاد ومآلات الحملة التي تشنها
"خفافيش" يحلو لها العبث في صالونات مغلقة وخلف ستائر معتمة، وتسعى
لـ"أكل الشوك" بأفواه ضباط متقاعدين بعضهم برتبة جنرالات نزلوا بمستواهم
إلى "رتبة الخلاطين"، بدءا من الجنرال حسين بن حديد الذي خرق واجب
التحفظ وأدانه القضاء العسكري سنة 2015، بتهمة "إهانة هيئة نظامية" وخرق
واجب التحفظ بالنسبة للعسكريين، ليقضي نحو 10 أشهر في السجن، قبل أن يتم الإفراج
عنه لأسباب صحية في جويلية 2016، ليدان مجددا في مارس 2018 بسنة حبسا غير نافذ.
ولا يستبعد متتبعون أن تنفذ وزارة الدفاع الوطني تهديدها
بحق الجنرال المتقاعد علي لغديري وتقوم بمقاضاته، وهو الذي لم يتردد في محاولة
الصيد في المياه العكرة من خلال مقالات نشرها هنا وهناك، ثم رسالة له نشرتها صحيفة
ناطقة بالفرنسية دعا فيها المؤسسة العسكرية إلى "تخطي" صلاحياتها
الدستورية، وإعادة صياغة المشهد السياسي..
وقبل لغديري وبن حديد، كان الجنرال المتقاعد، محمد الطاهر
يعلى، قد حاول "التشويش" على انتخابات 2014 الرئاسية، بعد أن زعم أنه
أحد مرشحيها، قبل انسحابه، ودعا حينها "العسكر" للتدخل في السياسة ووقف
المسار الانتخابي.
سياسيون ضد "التخلاط".. ووزارة الدفاع بالمرصاد
من المؤكد أن غالبية العسكريين المتقاعدين يلتزمون واجب
التحفظ، ويحتفظون بانضباطهم المشهود حتى بعد مغادرتهم أسوار المؤسسة العسكرية، غير
أن الأمر لا ينطبق على الجميع، حيث لا يتوانى بعضهم في التطاول على مؤسسات
الجمهورية، عند أول سانحة، ويستغلون حساسية الظروف التي تمر بها البلاد بين الفينة
والأخرى لنفث سمومهم التي تثير انزعاج المواطنين، مثلما تثير استهجان كثير من
السياسيين الذين يعبّرون عن رفضهم لخرجات "جنرالات التخلاط" ومحاولات
"حشر" المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي..
وفي هذا السياق، كان رئيس حزب تجمع أمل الجزائر "تاج"
عمار غول قد تأسف لكون بعض العسكريين السابقين يعملون على زرع الإشاعات والمغالطات
للتأثير على سير الرئاسيات المقبلة، وقال أن رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
الأخيرة أسقطت العديد من الأقنعة، حين حذر من المغامرين الذين يهدفون للزج بالبلاد
نحو المجهول على مقربة من محطة سياسية حاسمة.
وقال غول إن بعض المسؤولين السابقين المدنيين والعسكريين
يعملون على زرع الإشاعات والمغالطات لمحاولة السطو على الرئاسيات من خلال الابتزاز
السياسوي، مضيفا: «وهذا ما أدى إلى اضطراب بوصلة الكثير من السياسيين في الآونة
الأخيرة"، وموضحا أن «الابتزاز السياسوي يتم من خلال صالونات زرع الإشاعات
والمغالطات التي تتغذى منها المواقع الالكترونية وبعض من يريدون المتاجرة
بالرئاسيات».
وليست هذه المرة الأولى التي يفتح فيها زعيم حزب سياسي
النار على عسكريين سابقين متهما إياهم بممارسة الابتزاز والتخلاط، فقد كان الأمين
العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني سباقا إلى ذلك قبل سنوات، حين اتهم
مسؤول جهاز المخابرات سابقا الفريق محمد مدين المعروف باسم "توفيق"،
بالوقوف وراء كل محاولات «التخلاط» التي حدثت في العديد من الولايات، كما حمّله
مسؤولية تشويه سمعة محيط الرئيس بوتفليقة، وقال إنه يقف وراء الانشطارات
والانقسامات التي عرفتها الأحزاب السياسية.
وبدورها، ترفض المؤسسة العسكرية "تخلاط"
المنتسبين السابقين لها، وتتبرّأ من تصريحاتهم المشبوهة، وتعلن في كل مرة تمسكها
بأداء واجباتها المنصوص عليها دستورياً، وهو ما يضع "جنرالات التخلاط"
في موقع "تسلل"، لاسيما بعد أن تفطن الجميع لأبعاد ما يقومون به، حيث أن
خرجاتهم تشترك في الدعوة إلى حشر المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي من جهة، ومن
جهة أخرى تأتي غالبا في سياق ظرف حساس تمر به الجزائر أو قبيل استحقاق سياسي مهم
جدا، من أجل التشويش وزرع البلبلة بين مؤسسات الدولة وضرب تماسكها، وتحقيق مصالح
ضيّقة على حساب استقرار البلاد.
هذا ما يقوله القانون..
يتيح القانون لوزارة الدفاع الوطني متابعة ضباط الجيش
الوطني المتقاعدين أمام القضاء في حالة انتهاك ما أسمته "واجب التحفظ"،
إلى جانب عقوبة التنزيل في الرتبة.
وكرّست التعديلات المقترحة على الأمر 06-02 الصادر في 2006
المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين، واجب التحفظ والصمت على
الضباط المتقاعدين أسوة بالضباط العاملين.
وتنص المادة 24 ضمن التعديلات الجديدة على أحكام عقابية، إذ
تنص على أنه يتعين على العسكري "الالتزام بواجب التحفظ في كل مكان وفي كل
الظروف، وعليه أن يمتنع عن كل عمل أو تصرف من شأنه أن يمس بشرف أو كرامة صفته أو
يخل بسلطة المؤسسة العسكرية وسمعتها المميزة".
وتضيف هذه المادة أنه "بعد التوقف النهائي عن الخدمة،
يظل العسكري ملزما بواجب الاحتراس والتحفظ، وأي إخلال بهذا الواجب من شأنه المساس
بشرف واحترام مؤسسات الدولة".
هكذا ردّت
وزارة الدفاع على "الخلاطين"..
في ردها حول مقالات
صحفية مكتوبة من قبل عسكريين متقاعدين، قالت وزارة الدفاع أن هؤلاء لم يولوا
"أي اعتبار لواجب التحفظ الذي هم ملزمون به"، مشيرة إلى أنها
"تحتفظ بحقها كاملا" في اتخاذ الإجراءات القانونية الملائمة ضدهم، بعد
أن تجاوزت هذه التصرفات المتكررة "بتماديها، حدا لا يمكن السكوت عنه"، حسب
الوزارة.
وقالت وزارة الدفاع في توضيح لها نشرته على موقعها الرسمي، أنه
"مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، يحاول بعض الأشخاص، ممن تحركهم
الطموحات المفرطة والنوايا السيئة، إصدار أحكام مسبقة إزاء مواقف المؤسسة العسكرية
من الانتخابات الرئاسية، ويمنحون أنفسهم حتى الحق في التحدث باسمها، باستغلال كافة
السبل، لاسيما وسائل الإعلام".
وتابعت وزارة الدفاع تقول في ردها على "عسكريين
متقاعدين": "وإذ يتصرفون على هذا النحو، فإن هؤلاء الأشخاص الناقمين
وضيقي الأفق، الذين لن يتوانوا عن استعمال وسائل غير نزيهة، يحاولون، عبثا، التأثير
في الرأي العام وادعاء مصداقية تعوزهم، ولكونهم لم يحققوا أي صدى عقب مداخلاتهم
الكتابية المتكررة عبر وسائل الإعلام، فإنهم إذ يحاولون، دون جدوى، تقمص دور خبراء
متعددي الاختصاصات، فإنه قد تم توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني
الشعبي، كخيار أخير".
وبهذا التصرف
--يضيف توضيح الوزارة-- "فإنهم نسوا أو تناسوا أن المبادئ الراسخة التي، لطالما،
استرشد بها الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، قد جعلت منه مؤسسة في
خدمة الشعب الجزائري وحده دون سواه، الذي بدوره يرى في جيشه ذلك الحصن المنيع الذي
يحمي الجزائر من كل الأخطار ويضمن لها الأمن والسكينة".
وأبدت وزارة الدفاع الوطني تأسفها لكون "هذه الأفعال
من صنيعة بعض العسكريين المتقاعدين الذين، وبعد أن خدموا مطولا ضمن صفوف الجيش
الوطني الشعبي، التحقوا بتلك الدوائر المريبة والخفية، قصد الوصول إلى أطماع شخصية
وطموحات جامحة لم يتمكنوا من تحقيقها داخل المؤسسة"، مضيفة أنه "ولبلوغ
غايتهم، يحاول هؤلاء الأشخاص، الذين لم يولوا أي اعتبار لواجب التحفظ الذي هم
ملزمون به بموجب القانون رقم 16-05 المؤرخ في 03 غشت 2016، والذي يضعهم تحت طائلة
المتابعة أمام العدالة، الخوض في السياسة، يدفعهم في ذلك هوس الانتقام وينصبون
أنفسهم، دون احترام أدنى قيمة أخلاقية، وعاظا يلقنون غيرهم الدروس".
وأكدت الوزارة أن "هؤلاء الذين خانهم حس التقدير
والرصانة، الذين يدّعون حمل رسالة ودور ليسوا أهلا لهما، ويخوضون دون حرج ولا ضمير،
في ترّهات وخرافات تنبع من نرجسية مرضية تدفعهم لحد الادعاء بالمعرفة الجيدة
للقيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، وبقدرتهم على استقراء موقفها تجاه الانتخابات
الرئاسية، وهو ما يشكل انحرافا جسيما ينّم عن درجة متقدمة وخطيرة من اللاوعي الذي
لا يُحدثه إلا الطموح الأعمى".
وأبرزت في هذا الصدد ضرورة "التنويه بأن الجيش الوطني
الشعبي الذي يستند مسعاه ونهجه إلى طابعه الشرعي والجمهوري في ظل احترام النظام
الدستوري، هو في غنى تامٍ عن أي دروس يُقدمها له أشخاص لا وجود لهم إلا من خلال
الدوائر التي تتحكم فيهم".
وأشارت وزارة الدفاع الوطني إلى أن "عدم الانسجام الذي
يطبع الخطاب الذي يسوقه هؤلاء، لاسيما فيما يتعلق بقضية يتناولونها بإلحاح، مسألة
إتاحة الفرصة للشباب لتبوء مناصب المسؤولية في أعلى هرم الدولة، الذي يمليه عليهم
على الأرجح عرابوهم، إنما هو تضارب يفضح نواياهم الحقيقية ويعري مقاربتهم العرجاء،
ذلك أن هذه المسألة بالذات غير مطروحة أصلا، باعتبار أن غالبية الوظائف العليا في
الدولة يشغلها حاليا إطارات من جيل ما بعد الاستقلال".
أما بخصوص الجيش
الوطني الشعبي، فذكر التوضيح أنه "تم تكريس هذا المبدأ ميدانيا وفعليا، حيث
وحدها معايير الاستحقاق والكفاءة هي المعتمدة في إسناد مختلف المسؤوليات".
وأضاف المصدر نفسه أنه "تجاهلا منهم للمهام الدستورية
للجيش الوطني الشعبي، يُطالب هؤلاء الأشخاص، علنا، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس
أركان الجيش الوطني الشعبي، بتحمل مسؤولياته والتي تكمن، بحسب زعمهم، في تعزيز
المكتسبات الديمقراطية، وذلك من خلال خطاب تهويلي وسيء النية، ويتضح للأسف من خلال
تحامل هؤلاء الأشخاص على المؤسسة، التي كبروا فيها بكل ما تحمله هذه الكلمة من
دلالات، أن مسعاهم، غير الفردي المستند إلى مبررات واهية وزائفة، يبدو جليا أنه
وليد خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة".
وتابعت وزارة الدفاع الوطني بالقول: "وفي محاولة فاشلة
للظهور عبثا في ثوب البراغماتية والواقعية، نجد أن تحليل مكانة الجزائر على
المستوى الإقليمي، الذي يسوقه هؤلاء المحللون المبتدئون، يظهر، على أكثر من صعيد، بأن
معرفتهم بالمجال الجيوسياسي الذي يتشدقون بالإلمام بخباياه، لا تؤهلهم حتى
بالإحاطة بمفهوم الدولة المحورية، كما أنه يميط اللثام عن نواياهم الحقيقية في
تقزيم والتقليل من المكتسبات التي تم تحقيقها بفضل الاستراتيجية الأمنية التي
تتبناها القيادة العليا، بما في ذلك التعاون الإقليمي والدولي الذي يتم تجسيده في
إطار الاحترام التام لنصوص التشريع الوطني".
وأبرزت الوزارة أن "هذه الاستراتيجية المتبصرة، التي
سمحت برفع العديد من التحديات التي تواجهها منطقتنا، خصوصا في ميدان مكافحة
الإرهاب، حيث استحقت مساهمة بلادنا وقواتها المسلحة في إرساء موجبات الاستقرار في
المنطقة، الإشادة على الصعيد الدولي، سيما في مجال مكافحة الإرهاب، حيث أصبحت
الاستراتيجية والأنماط العملياتية المنتهجة مثالا يحتذى به ونموذجا يُدرّس في
المدارس والمعاهد".
وخلصت وزارة الدفاع الوطني إلى أنه "كون هذه التصرفات
المتكررة قد تجاوزت، بتماديها، حدا لا يمكن السكوت عنه، فإن مؤسستنا تحتفظ بحقها
كاملا في اتخاذ الإجراءات القانونية الملائمة ضد هؤلاء".


