رثى الدكتور محيي الدين عميمور، الوزير
الأسبق للثقافة، ومستشار الرئيس الراحل هواري بومدين، الفقيد المجاهد قائد أركان
الجيش الوطني الشعبي و نائب وزير الدفاع
الوطني الراحل صالح أحمد قايد، وذلك في مقال نشره على صفحته الخاصة بموقع الفيسبوك
جاء فيه:
شاء المولى عز وجل للفارس أن يترجل بعد مسيرة
أرهقت الفرس ولم تنل من الفارس، وأتذكر قوله تعالى:
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
وتماما، كما يتقدم جندي إلى قائده بعد إتمام
مهمة بالغة الأهمية، فيقف وقف الانتباه ويقول عبارة واحدة: المُهمة أنجزت Mission accomplie.
هذا هو ما أحسست به وأنا اسمع خبر انتقال
الفريق أحمد قايد صالح إلى الرفيق الأعلى بعد أن تلقى من رئيس الجمهورية أرفع
الأوسمة الوطنية، ولم أجد إلا أن أقول .... لله ما أعطى ولله ما أخذ.
لكن الحدث الأليم يفرض وقفة تبتعد به عن منطق
التأبين العاطفي، لأن الفقيد رجل من نوع خاص متميز، لعلنا سنعرف عنه وهو في رحاب
الله أكثر مما عرفنا عنه وهو بيننا، يؤدي مهمة لعلها أصعب مهمة أداها قائد عسكري
في زمن السلم، وأحيا بها صورة تاريخية كانت تجسيدا لروح ثورة نوفمبر المجيدة، صورة
مناضل جبهة التحرير الوطني الأصيلة الذي يرتدي الملابس العسكرية، طبقا للتعبير
الذي سارت عليه الثورة منذ انطلاقتها المباركة في 1954.
ومضمون الوقفة هو أن يدرك الجميع أن المولى
عز وجل أعطى للشعب الجزائري فرصة أخرى ليثبت للعالم أجمع أصالته ونبله ورجولته،
وما الدموع التي سالت والأنّات التي ترددت إلا دليل على أن الشعب الجزائري يعرف
كيف يُثمن رجاله ويُقدر قياداته ويضع كل شيئ حيث يجب أن يوضع.
أهم من هذا أن رحيل "عمّي صالح" هو
فرصة لن تتكرر، منحها ربّ العزة لكل الذين أساءوا له وتقولوا عليه وخوّنوا مسيرته
وارتكبوا كل ما يمكن أن يستفز غضبه ويستنفر سخطه، ولكن الرجل العظيم واصل مسيرته
رافع الرأس مواصلا أداء المهمة التي نذر نفسه لإنجازها، وحريصا على ألا تسيل قطرة
دمٍ واحدة تلوث نصاعة الثورة البيضاء التي عبّر بها الحراك الشعبي الرائع عن إرادة
الجماهير في استرجاع الدولة ممن اختطفوها لسنوات وسنوات.
إنها فرصة لكل أولئك ليراجعوا أنفسهم
وليعترفوا بأنهم أخطأوا في حق الرجل، وهو اعتراف لن يفيده بشيئ فهو في رحاب الله
لا يرجو جزاء ولا شكورا، بقدر ما هو عودة كريمة إلى أحضان الشعب، بعيدا عن منطق
الفرقة وروح الحزبية الضيقة والتزامات الجهوية المقيتة.
إنه باب عريض مفتوح على مصراعيه ليعود كل إلى
قلعة أول نوفمبر التي تحمي الجزائر من أعداء يتربصون بها، ويعدون لها ألف حصان
وحصان من نوع حصان طروادة، وسيكون من المؤلم ألا يدرك هذا بعض أبناء وأحفاد الرجال
الذين أعطوا المستعمر درسا أقسى من دروس فيتنام.
إن وفاة أحمد قايد صالح يجب أن تكون حافزا
لتحقيق اللحمة الوطنية حول الراية الوطنية ووراء القيادة الوطنية وخلف الأهداف
الوطنية، والاختلافات في الرؤى، علينا ألا تظل خلافات في المواقف، تتصاعد لتقود
إلى صدامات نعرف كيف تبدأ لكننا لانعرف متى وكيف وأين ستنتهي.
وهذا هو منطق العقل والحكمة، فكل ابن آدم
خطّاء، وأفضل الفضائل عودة إلى الحق تزداد قيمتها إذا تميزت بقمع النفس الأمّارة
بالسوء، وإذا ابتعدت عن دائرة المجموعة محدودة الأفق لتدخل إلى رابطة الجماعة رحبة
الميدان بعيدة الآفاق، وإذا تناست عواطف الحيّ لتغلب مشاعر الوطن.
نقول للجميع وعبرات فراق "عمّي
صالح" تخنقنا: إن عجلة الزمن لن تعود إلى الوراء، فتعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ
بيننا وبينكم، لأن ما يمكن أن يتحقق اليوم قد نعجز عن تحقيقه غدا، وما هو ممكن
اليوم، ومشاعر الحزن تغمر الجميع، قد يصبح من المستحيلات عندما يفرض النسيان وجوده
على المشاعر والأفكار والتوجهات بفعل الزمن.
لقد عاهد عمّي صالح ووفّى، وبقي علينا جميعا أن
نقتدي برجولته وبوطنيته وبحكمته وبحبه للوطن، الحب الذي جعله يكتم آلامه في نفسه،
ولعلها هي التي أجهزت عليه.
وإذا صحّ أن المسيرة التي كان يدعو لها البعض
اليوم قد ألغيت، فهو دليل على وعيٍ جدير بالتقدير، وهي فرصة لتحية من أدركوا أن كل
ما يمكن أن يثير الفرقة والتنافر هو عمل يخدم أعداء الأمة ويضعف من مقدرة البلاد
على مواجهة الالتزامات الوطنية بكل متطلباتها.
ومسك الختام:
يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية
مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.