-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

حتى لا ننسى..


في منشور اختار له عنوان "حتى لا ننسى"، أعاد الدكتور محيي الدين عميمور، مستشار الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، نشر مقطع من كتاب للكاتب المصري الشهير هيكل جاء كالآتي:
من كتاب محمد حسنين هيكل - عواصف الحرب والسلام
بوتفليقة مع عميمورالصورة من تلوين عمر العنقاوي
*****
كان هم السادات الأول بالتالي حلّ المشكلة المصرية الاقتصادية التي تهدد بتكرار ما حدث في بداية عام 1977.
وفجأة تسرب إلى فكره اقتراح كان الوفد الإسرائيلي قد همس به إلى الوفد المصري في لقاء جنيف أواخر 1973، وكان محوره أن على مصر ألا تنظر شرقا، حيث المشاكل كثيرة والمردود محدود، لكن عليها أن تنظر غربا لأن الفائدة هناك مضمونة والمخاطر محدودة.
ويقول هيكل (عواصف الحرب والسلام) بأن السادات توصل إلى حلّ بالغ الغرابة فقد خطر له أن يغزو ليبيا، وفي ذهنه أن يحتل الجانب الشرقي من ولاية برقة حيث معظم منابع البترول الليبي (ص 328) وكانت الذريعة صفقة السلاح التي كانت ليبيا قد عقدتها مع الاتحاد السوفيتي بوساطة حافظ الأسد وياسر عرفات.
ولعل السادات نسي هنا أن من أكبر أخطاء أدولف هتلر، الساعي إلى الحصول على مزيد من النفط، هجومه على الاتحاد السوفيتي في 1941، والذي نسي فيه أن ثلوج موسكو أنهت أسطورة نابليون من قبله.
وهكذا أصبحت ليبيا هدفا للنظام المصري، وكانت قوته الرئيسية ترسانة الإعلام الهائلة التي ورثت من مرحلة أحمد سعيد أسوأ ما فيها ولم تأخذ عنها إيجابية رئيسية واحدة.
وكانت بداية التحرك الساداتي التضخيم الإعلامي لصفقة الأسلحة الني اشترتها ليبيا من الاتحاد السوفيتي إرضاء له على استهانة السادات به، وهكذا ضخم الإعلام، أو من زودوه بالمعلومات، حجمها من ملياري دولار إلى الضعف، وقيل أن من بين بنودها قوة مدرعة تصل إلى ألفي دبابة (..) وإقامة قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في ليبيا (..)
واستشهد الإعلام المصري بالمجلة الأمريكية المتخصصة في شؤون الطيران الحربي (Aviation week) مشيرا إلى أن الطائرات التي تملكها ليبيا لا تجد طيارين ليبيين لقيادتها (..) وكان الاستنتاج الآليّ أن من سيقودونها هم السوفييت (..) وكان هذا، كما أكدت أبواق الإعلام المصرية، يُمثل خطرا شديدا على الأمن المصري، المؤكد أنه كان أكثر خطرا، إذا صحّ وجوده، من خطر حماس في العشرية الثانية من الألفية الأولى على الأمن القومي المصري، لأن الدبابات الفلسطينية لا يمكن أن تمر عبر أنفاق رفح !!! وليس هناك في غزة مطار صالح للاستعمال تقلع منه طائرات الفانتوم والميراج الفلسطينية لضرب مصر.
وفي يوم 19 يوليو يُنشر في القاهرة أن قوات ليبية قامت بالإغارة على مواقع مصرية في منطقة السلوم، على الحدود مع ليبيا، ثم يُعلَن أن قوات مصرية ردّت على"العدوان" وقامت بالدخول إلى المواقع التي انطلقت منها العمليات ضد المواقع المصرية، وقامت بتدميرها وعادت إلى قواعدها بعد تنفيذ مهامها ضد القوات الليبية المعتدية!!(..و) عاد النظام الليبي "واستأنف قصف مواقعنا الأمامية بنيران المدفعية (..) وقامت قواتنا بالردّ عليها بالنيران حتى أسكتتها، وفي صباح 22 يوليو قامت الطائرات الحربية الليبية بثلاث غارات جوية (..) ولما كان النظام الليبي مستمرا في اعتداءاته بطريقة تهدد أمن قواتنا وأراضينا (..) قامت قواتنا الجوية بمهاجمة قاعدة "العضم" الجوية (ولم يقل البلاغ المصري أنها أصبحت منذ قيام الثورة الليبية تسمّى قاعدة جمال عبد الناصر، ولم يتذكر أحد أن الهجوم تم خلال أيام الاحتفالات بثورة يوليو) وأسفر هجومنا عن تدمير شديد للقاعدة ومنشآتها وبعض الطائرات فيها"
وكان الهجوم تقليدا هزيلا للهجوم الإسرائيلي صباح 5 يونيو 1967 على القواعد الجوية المصرية، تماما كما كانت عملية لارناكا في قبرص فيما بعد تقليدا سخيفا ومأساويا لعملية "عنتيبي" الإسرائيلية، ولكن ما حدث قدمه الإعلام المصري كانتصارات ساداتية، قامت فيها القوات المصرية بعملية تعويض نفسي للجماهير على الانسحاب المخزي في منطقة القناة.
وفيما بعد قرأنا في الألفية الجديدة سطورا لكتبة مصريين لم يسمع بهم أحد تطالب مصر باسترجاع أمجاد السادات الذي أدّب المتطاولين على كرامة أرض الكنانة، وكان المقصود بذلك التغطية على هزيمة كروية عادية في ملعب المريخ بالسودان.
****
كان الهجوم على ليبيا، كما قلت، تقليدا هزيلا للهجوم الإسرائيلي صباح 5 يونيو 1967 على القواعد الجوية المصرية، ويقول السفير الأمريكي في القاهرة هرمان آيلتس بأنه : "أطلع على صور استكشافٍ قامت به الأقمار الصناعية فوق منطقة العمليات، واتضح منها أن ناقلات الجنود المصرية إلى الحدود الليبية تعطلت على الطرقات، وبأن عدم نجاح العملية العسكرية قد يؤدي إلى فقدان الجيش المصري ثقته بنفسه (..) والنقطة المركزية هنا هي أن أرض العمليات واسعة جدا، والسيطرة عليها شاقة، خصوصا إذا لجأت ليبيا إلى المقاومة على طريقة حرب العصابات".
وأحدث الهجوم على القاعدة الليبية خسائر كبيرة، ومن المُحزن أن الجرحى نقلوا إلى مستشفى طبرق الذي كان يضم مجموعة من الأطباء المصريين العاملين في إطار القوات الليبية، كان تصرفهم رائعا ونبيلا، ليس فقط من الناحية المهنية بل من الناحية الوطنية، ويقول هيكل(ص 331) أن : "الصورة كانت مأساوية لدرجة أن الجراح المصري الدكتور مصطفي الشربيني بعث ببرقية إلى الرئيس السادات يقول له فيها أنه كان يُجري العمليات للجرحى من الضباط والجنود الليبيين وهو لا يكاد يرى مواقع جراحهم، لأن الدموع كانت تملأ عينيه".
وكان الهجوم المصري صدمة هائلة للرئيس هواري بو مدين، فتوجه فورا، على رأس وفد محدود، إلى طرابلس ثم إلى الإسكندرية ، حيث كان السادات يقضي أيام الصيف في أحد القصور الملكية، قد يكون قصر المنتزه ( على ما أتذكر) وتوجه الرئيس إثر وصوله لمقابلة السادات مرفوقا بوزير الخارجية عبد العزيز بو تفليقة، بالإضافة إلى الأخ مولود حمروش مدير التشريفات الرئاسية، وقيل لنا آنذاك أن الجانب المصري أصرّ على ضغط العدد، وهكذا ظللنا في الفندق، ورحنا، الأخ عبد الملك كركب مدير الأمن الرئاسي وأنا، نضرب أخماسا في أسداس في مقر إقامتنا، وعرفنا فيما بعد أن اللقاء بين الرئيسين كان بالغ التوتر، وهو ما أكده هيكل (ص 333) وراح السادات يُعدد مبرراته قائلا بأن : "القذافي كان يتحرك بمخطط مرسوم له من موسكو، وهو يقوم ضده بحملة كراهية ويُعبّئ الشعب الليبي ضده للتغطية على مشاكل ليبيا الداخلية، وهكذا افتعل مشكلة مع مصر ولم يكن أمام السادات إلا الرد عليها، خصوصا عندما بدأ القذافي يستعمل وسائل الحرب البكتيريولوجية ضد القوات المصرية ( !!!) وقام بتسميم عدد من الآبار التي تعتمد عليها القوات المصرية للحصول على ماء الشرب".
وراح السادات يُردد أمام بومدين : سيبوني أأدّبه.
*****
النتيجة : الأطماع قديمة ، والمشير واحد على الأقل
وارجع إلى بداية المقال

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020