تضمن العدد الأخير من أسبوعية البصائر ـ الصادر يوم 01 جوان 2020 ـ وهي لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مقالاً بعنوان الــــود الفــــرنســـــي الـمستحيــــل بقلم رئيس الجمعية الدكتور عبد الرزاق قسوم، جاء فيه:
بيننا، وبين الاستعمار الفرنسي البغيض نهر من الدماء، لا يتوقف، ولا يجف، وبيننا وبينه جبل من العداء، لا يذوب ولا يخف، وبركان من الغضب الدفين، لا يهدأ ولا يعف.
وكلّما حاول الخونة والعملاء، محو هذا الإرث الأسود الثقيل، بالمعاهدات والمؤامرات، من ذاكرتنا، جاءت الأيام المشؤومة بجرائمه لتذكرنا، وانفجرت الألغام المردومة في أرضنا، لتوقظنا من غفلتنا، واستيقظت الآلام المزروعة في مخيلتنا، وفي أبداننا، لتوعينا.
فلو كان جرما واحدا لا ستصغته **** ولكنه، جرم، وثان، وعاشر
ذلك أنّ جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا تحدّ بزمان، ولا يحصرها مكان، ولا يمكن أن تقتصر على صنف واحد من الإنسان. فكلّ بيت جزائري أصيل، يحمل بين جدرانه، وفي تاريخ إنسانه، أمثلة مخزية على التخريب، والتعذيب، والترويع، والترهيب، ولم يشذّ عن هذه القاعدة إلاّ بعض العملاء، وأبناء العملاء، الذين تحوّلوا اليوم، في عصر قلب المفاهيم، إلى مجاهدين، وليتجرأوا على الحكم بالعمالة على المجاهدين الحقيقيين.
إنّ كلّ من واكب جهاد الثورة الجزائرية، واكتوى بنارها وأوارها، يمكنه أن «يعمّر ألف كتاب»، كما يقول المغني الشعبي عندنا.
وأنا كشاهد على عصر الثورة أسوق نموذجا مؤلما، عن تجربة بيتنا الخاص، فقد هجم الاستعمار ذات يوم من أيامه السود، على بيتنا، بوشاية من أحد العملاء، فطوقوا بيتنا، بحثا عن الوالد «الإرهابي»، فوجدوا أخوي إبراهيم، وعمر -رحمهما الله – فاقتادوهما إلى السجن لينالا من العذاب ما نالا، ولم يتورعوا عن اعتقال زوجة الأب، المرحومة «الفائزة» لتنال هي الأخرى نصيبها من العذاب، انتقاما من الوالد.
أضرموا النّار في البيت، وألقوا فيها بكلّ وحشية، بالقليل من المؤونة الغذائية وسك النّار المشتعلة فأحرقوها، ولم تسلم أختي «المرحومة حفصة» ذات العشر سنوات من الجريمة، فبينما هي واقفة ذاهلة ذهول براءة الأطفال، مندهشة ممّا يقع، دون أن تجد له تفسيرا، جاء أحد الحركى المعروفين عندنا، ونزع الخمار من رأسها وألقى به في النّار.
ووسط حيرة وذهول الجميع مما يحدث وصل ابن عمتي الشهيد، عبد الرحمان جابو، وكان شابا، جاء ليتبين حقيقة ما يحدث، فأخذه الجنود الفرنسيون وقتلوه انتقاما من خاله. ولم يقتصروا على هذا، بل أنهم وجدوا مبلغا من المال، كان أمانة عند الوالد -رحمه الله – ائتمنه عليه بعض أقاربنا المغتربين في فرنسا، ليوزعه على أهاليهم، أخذوه بزعمهم أن هذا «مال الفلاقة».
ولم يسلم بالصدقة إلاّ والدي الذي كان على بعد أمتار من المنزل، فتكفل به التنظيم الثوري وأخذوه إلى الجبل، وكذلك أخي محمد الطاهر الذي كان خارج المنزل، فصعد مباشرة إلى الجبل، أما أنا، فقد كلفت بالسفر إلى الجزائر، لاقتناء الأدوات المدرسية للدخول المدرسي، حيث كلفت من الأخ المجاهد عبد السلام لمباركية بالإشراف على التعليم، والعمل السياسي، فطلب مني الأهل أن لا أعود.
هذه –إذن- عينة بسيطة من معاناة الأحرار الجزائريين في زمن الثوار والاستعمار، وأن الصفحة التاريخية لم تطو.
ويأتي الاستعمار اليوم ليعيد عدوانه المتعدد الأبعاد، على ذاكرتنا، وسيادتنا، وسياستنا، وثقافتنا، واقتصادنا، فيزرع فينا ألغاما من العملاء، يبشرون بفكره، ويلهجون بذكره، ويحنّون لعصره.
وما نعانيه اليوم من ويلات الاستعمار هو أثر من آثار ما زرع فينا من العملاء، والدخلاء، والغرباء، فلجأوا إلى نهر ثورتنا العذب الصافي فحولوه عن مجراه الصحيح، ولوّثوه بمختلف فيروسات التشويه والتقبيح.
إنّ من علامات قيام الساعة في الجزائر أن يمرق من صفوف الجزائريين الأحرار من يسبح بحمد الاستعمار، ويسعى إلى إصابة الجزائر بكلّ أنواع الأضرار، ويسلّط على الشرفاء منهم حكم الفجار، الأشرار.
وإن من أشدّ أنواع الخيانة لدماء الشهداء أن يبرز خلف يتنكر لتراث السلف، فيكفر بالنوفمبرية الباديسية، ويلوح بشعارات، الانفصالية، العنصرية الجاهلية.
وثالثة الأثافي، ما أقدم عليه الإعلام الفرنسي المعادي، الذي اقتحم الدار، واستنجد بالعصابة من الأغرار، والأشرار، فنفث في استقرارنا، شرارات فتنة النار.
والسؤال الذي يحيرنا، أين كان حماة الديار، والمؤتمنين على شرف وإرث الأحرار، أين كان هؤلاء، حينما هجم الإعلاميون الفجار، فجمعوا حثالة المجتمع ليشوهوا صورة الحراك، ويختزلوا مطالبه في الفسق، والفجور، والإلحاد والإشراك؟.
هل معنى هذا أنّ الجزائر، صارت هدفا لكل جائر ولكل حائر، يلحق بها ما شاء من الأضرار والخسائر؟.
لطالما حذرنا، ونبهنا، من هذا المنبر، إياكم أن يسطو على نهر الحراك، مغامرون، متآمرون، مكلفون بمهمة التقبيح والتجريح، ويدعون إلى التجنيس والتبئيس، ذلك أن إيماننا بأنّ الحراك نهر ظاهر مقدس، ولا يحق أن يسبح فيه إلاّ ذوو الأجسام والعقول الطاهرة الوطنية السليمة.
ولكننا، نعاني اليوم من سطو ذوي التوجهات المشبوهة، الغريبة، عن طموحاتنا، ومبادئ شعاراتنا، وقيم معتقداتنا، ووطنيتنا، وشهدائنا، وشهيداتنا.
ولطالما نبهنا أيضا، ومن هذا المنبر بالذات، بأن الصفحة الاستعمارية لم تطو، وأن المحاولات للغزو من جديد، ولو بأسلوب جديد، ستتواصل، وإن لم يتصد لها عقلاء قوم، ووطنيو أمة، وعلماء مجتمع، فسنطعن من ظهورنا، بسبب بعض المارقين منا.
إنّ ما هو موكول للدولة، من الوقوف في وجه الغزو السياسي، والاقتصادي والثقافي لشعبنا، ومنظومتنا التربوية والثقافية، يحاسب عليه القائمين على الشأن عندنا، ولكن تبقى مسؤولية الجماهير الواعية، أو ما يسمونه بالمجتمع المدني، إنّ عليه مسؤولية تقبله، وتتمثل هذه المسؤولية في تحصين الذات، ضد الفتن والمحن، والتشبث بقيم العقيدة الصحيحة، ومبادئ نوفمبر الصريحة، وثوابت ابن باديس الصريحة، ففي هذه المواقف يكمن صمام الأمان، للتصدي، بكل أصناف اللئام.
حذار، فإن الوطن أمانة، إنه أمانة العلماء والشهداء، وارث المجاهدين والنبلاء، ووديعة الحكماء والأمراء، ويا ويح من يخون هذه الأمانة، ويعرض الوطن للخيانة والإهانة.
فالتاريخ لا يرحم أحدا، وويل الجميع من حكم التاريخ.
ويسألونك في ضوء هذا كله، عن العلاقات الجزائرية، الفرنسية، فقل يحكمها تاريخ دموي طويل، وود فرنسي، مستحيل؟.
بيننا، وبين الاستعمار الفرنسي البغيض نهر من الدماء، لا يتوقف، ولا يجف، وبيننا وبينه جبل من العداء، لا يذوب ولا يخف، وبركان من الغضب الدفين، لا يهدأ ولا يعف.
وكلّما حاول الخونة والعملاء، محو هذا الإرث الأسود الثقيل، بالمعاهدات والمؤامرات، من ذاكرتنا، جاءت الأيام المشؤومة بجرائمه لتذكرنا، وانفجرت الألغام المردومة في أرضنا، لتوقظنا من غفلتنا، واستيقظت الآلام المزروعة في مخيلتنا، وفي أبداننا، لتوعينا.
فلو كان جرما واحدا لا ستصغته **** ولكنه، جرم، وثان، وعاشر
ذلك أنّ جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا تحدّ بزمان، ولا يحصرها مكان، ولا يمكن أن تقتصر على صنف واحد من الإنسان. فكلّ بيت جزائري أصيل، يحمل بين جدرانه، وفي تاريخ إنسانه، أمثلة مخزية على التخريب، والتعذيب، والترويع، والترهيب، ولم يشذّ عن هذه القاعدة إلاّ بعض العملاء، وأبناء العملاء، الذين تحوّلوا اليوم، في عصر قلب المفاهيم، إلى مجاهدين، وليتجرأوا على الحكم بالعمالة على المجاهدين الحقيقيين.
إنّ كلّ من واكب جهاد الثورة الجزائرية، واكتوى بنارها وأوارها، يمكنه أن «يعمّر ألف كتاب»، كما يقول المغني الشعبي عندنا.
وأنا كشاهد على عصر الثورة أسوق نموذجا مؤلما، عن تجربة بيتنا الخاص، فقد هجم الاستعمار ذات يوم من أيامه السود، على بيتنا، بوشاية من أحد العملاء، فطوقوا بيتنا، بحثا عن الوالد «الإرهابي»، فوجدوا أخوي إبراهيم، وعمر -رحمهما الله – فاقتادوهما إلى السجن لينالا من العذاب ما نالا، ولم يتورعوا عن اعتقال زوجة الأب، المرحومة «الفائزة» لتنال هي الأخرى نصيبها من العذاب، انتقاما من الوالد.
أضرموا النّار في البيت، وألقوا فيها بكلّ وحشية، بالقليل من المؤونة الغذائية وسك النّار المشتعلة فأحرقوها، ولم تسلم أختي «المرحومة حفصة» ذات العشر سنوات من الجريمة، فبينما هي واقفة ذاهلة ذهول براءة الأطفال، مندهشة ممّا يقع، دون أن تجد له تفسيرا، جاء أحد الحركى المعروفين عندنا، ونزع الخمار من رأسها وألقى به في النّار.
ووسط حيرة وذهول الجميع مما يحدث وصل ابن عمتي الشهيد، عبد الرحمان جابو، وكان شابا، جاء ليتبين حقيقة ما يحدث، فأخذه الجنود الفرنسيون وقتلوه انتقاما من خاله. ولم يقتصروا على هذا، بل أنهم وجدوا مبلغا من المال، كان أمانة عند الوالد -رحمه الله – ائتمنه عليه بعض أقاربنا المغتربين في فرنسا، ليوزعه على أهاليهم، أخذوه بزعمهم أن هذا «مال الفلاقة».
ولم يسلم بالصدقة إلاّ والدي الذي كان على بعد أمتار من المنزل، فتكفل به التنظيم الثوري وأخذوه إلى الجبل، وكذلك أخي محمد الطاهر الذي كان خارج المنزل، فصعد مباشرة إلى الجبل، أما أنا، فقد كلفت بالسفر إلى الجزائر، لاقتناء الأدوات المدرسية للدخول المدرسي، حيث كلفت من الأخ المجاهد عبد السلام لمباركية بالإشراف على التعليم، والعمل السياسي، فطلب مني الأهل أن لا أعود.
هذه –إذن- عينة بسيطة من معاناة الأحرار الجزائريين في زمن الثوار والاستعمار، وأن الصفحة التاريخية لم تطو.
ويأتي الاستعمار اليوم ليعيد عدوانه المتعدد الأبعاد، على ذاكرتنا، وسيادتنا، وسياستنا، وثقافتنا، واقتصادنا، فيزرع فينا ألغاما من العملاء، يبشرون بفكره، ويلهجون بذكره، ويحنّون لعصره.
وما نعانيه اليوم من ويلات الاستعمار هو أثر من آثار ما زرع فينا من العملاء، والدخلاء، والغرباء، فلجأوا إلى نهر ثورتنا العذب الصافي فحولوه عن مجراه الصحيح، ولوّثوه بمختلف فيروسات التشويه والتقبيح.
إنّ من علامات قيام الساعة في الجزائر أن يمرق من صفوف الجزائريين الأحرار من يسبح بحمد الاستعمار، ويسعى إلى إصابة الجزائر بكلّ أنواع الأضرار، ويسلّط على الشرفاء منهم حكم الفجار، الأشرار.
وإن من أشدّ أنواع الخيانة لدماء الشهداء أن يبرز خلف يتنكر لتراث السلف، فيكفر بالنوفمبرية الباديسية، ويلوح بشعارات، الانفصالية، العنصرية الجاهلية.
وثالثة الأثافي، ما أقدم عليه الإعلام الفرنسي المعادي، الذي اقتحم الدار، واستنجد بالعصابة من الأغرار، والأشرار، فنفث في استقرارنا، شرارات فتنة النار.
والسؤال الذي يحيرنا، أين كان حماة الديار، والمؤتمنين على شرف وإرث الأحرار، أين كان هؤلاء، حينما هجم الإعلاميون الفجار، فجمعوا حثالة المجتمع ليشوهوا صورة الحراك، ويختزلوا مطالبه في الفسق، والفجور، والإلحاد والإشراك؟.
هل معنى هذا أنّ الجزائر، صارت هدفا لكل جائر ولكل حائر، يلحق بها ما شاء من الأضرار والخسائر؟.
لطالما حذرنا، ونبهنا، من هذا المنبر، إياكم أن يسطو على نهر الحراك، مغامرون، متآمرون، مكلفون بمهمة التقبيح والتجريح، ويدعون إلى التجنيس والتبئيس، ذلك أن إيماننا بأنّ الحراك نهر ظاهر مقدس، ولا يحق أن يسبح فيه إلاّ ذوو الأجسام والعقول الطاهرة الوطنية السليمة.
ولكننا، نعاني اليوم من سطو ذوي التوجهات المشبوهة، الغريبة، عن طموحاتنا، ومبادئ شعاراتنا، وقيم معتقداتنا، ووطنيتنا، وشهدائنا، وشهيداتنا.
ولطالما نبهنا أيضا، ومن هذا المنبر بالذات، بأن الصفحة الاستعمارية لم تطو، وأن المحاولات للغزو من جديد، ولو بأسلوب جديد، ستتواصل، وإن لم يتصد لها عقلاء قوم، ووطنيو أمة، وعلماء مجتمع، فسنطعن من ظهورنا، بسبب بعض المارقين منا.
إنّ ما هو موكول للدولة، من الوقوف في وجه الغزو السياسي، والاقتصادي والثقافي لشعبنا، ومنظومتنا التربوية والثقافية، يحاسب عليه القائمين على الشأن عندنا، ولكن تبقى مسؤولية الجماهير الواعية، أو ما يسمونه بالمجتمع المدني، إنّ عليه مسؤولية تقبله، وتتمثل هذه المسؤولية في تحصين الذات، ضد الفتن والمحن، والتشبث بقيم العقيدة الصحيحة، ومبادئ نوفمبر الصريحة، وثوابت ابن باديس الصريحة، ففي هذه المواقف يكمن صمام الأمان، للتصدي، بكل أصناف اللئام.
حذار، فإن الوطن أمانة، إنه أمانة العلماء والشهداء، وارث المجاهدين والنبلاء، ووديعة الحكماء والأمراء، ويا ويح من يخون هذه الأمانة، ويعرض الوطن للخيانة والإهانة.
فالتاريخ لا يرحم أحدا، وويل الجميع من حكم التاريخ.
ويسألونك في ضوء هذا كله، عن العلاقات الجزائرية، الفرنسية، فقل يحكمها تاريخ دموي طويل، وود فرنسي، مستحيل؟.