في يوم عرفة
عَرَفَاتُ قَلْبِي لَجَّ بِالشَّكْوَى * دَوَّى بِصَرْخَتِـهِ وَكَمْ دَوَّى
هَاجَ الفُؤَادُ تَمَلَّكَتْنِي عَبْرَةٌ * لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ وَالنَّجْوَى
تتشوق النفوس وهي تشاهد عبر الشاشات تنقّلات الحجيج وهم يملؤون فجاج عرفة والمشاعر بالتلبية والتهليل والتحميد، إنَّه بحقٍّ مشهدٌ يُهيج العَبَرات، ويسكب الدمعات...
إلى أسماعنا تصل الهتافات، بل حتى أعماق قلوبنا..
لبيك اللهم لبييك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك..
قال عليه الصلاة والسلام: "ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء ؟!. رواه مسلم .
يقول الملا على القاري رحمه الله: (ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ )، أي شيء أراد هؤلاء، حيث تركوا أهلهم وأوطانهم، وصرفوا أموالهم وأتعبوا أبدانهم، أي ما أرادوا إلا المغفرة والرضا والقرب واللقاء، ومن جاء هذا الباب لا يخشى الرد، أو التقدير ما أراد هؤلاء فهو حاصل لهم، ودرجاتهم على قدر مراداتهم ونياتهم.. ".
يوم عرفة فرصة تاريخية ولحظة ذهبية للنجاة من النار، والسلامة من نكبات الجحيم، وسؤال الله العتق والتجاوز ، لا سيما والمشهد المهيب يُذكركم بعرصات القيامة وما فيها من أهوال ، عافانا الله وإياكم .
فهنيئًا لمن وردَ مشارِعَ القبول، وخيَّم بمنازل الرحمة، ونزلَ بحرمِ الله الذي أوسعَه كرامةً وجلالاً ومهابةً.
قال ابن المبارك: جئت الى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن ان الله لا يغفر له.
وإني لأدعو الله أطلب عفوه * وأعلم أن الله يعفو ويغفر
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها * وإن عظمت في رحمة الله تصغر
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم تقبل منهم واجعل عملهم مشكورا، وأعنهم على أداء مناسكهم، وتمّم لهم مرادهم، وأقسم لنا مما تنزّله على حجاج بيتك، واجعلنا وإياهم في اليوم من عتقائك يا رحيم يا رحمن..
نستغفرك ربنا استغفاراً يطِّهر النفوس من أوزارها، ونشهد لك شهادة نُحشر تحت ظلالها، فارزقنا حمداً يملأ الميزان، وشكراً يزيدنا في اﻻحسان، وتوبةً صادقةً تدخلنا بها الجنان، ونوراً وهدايةً بالإيمان، وصحةً وعافيةً في الأبدان، برحمتك ياعزيز يارحمن، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..