تحدث المؤرّخ الفرنسي ـ اليهودي، الجزائري المولد، بنيامين سطورا في حوار مثير وجريء لوكالة الأنباء الفرنسية عن دوافع أخذ جماجم القادة المقاومين إلى فرنسا بعد قطعها، زاعماً: لقد أخذوا رؤوس المقاومين الجزائريين وشرّحوها لمعرفة أسباب مقاومتهم للاستعمار، أسباب رفضهم "الحضارة" حسب الاستعمار آنذاك، لمعرفة "لماذا لا يفهمون؟"
وهذا نص الحوار كاملا دون تصرف:
المؤرخ بنيامين سطورا: "فرنسا تعيد اكتشاف تاريخها" بإعادة رفات مقاتلين جزائريين
يعتبر المؤرخ بنيامين ستورا أن إعادة رفات 24 مقاتلا جزائريا ضد الاستعمار، قتلوا في القرن التاسع عشر خلال الغزو الدامي للجزائر، تمثّل فرصة لفرنسا لإعادة اكتشاف فصل قاتم من تاريخها.
ما دلالة استعادة الجزائر رفات 24 مقاتلا ضد الاستعمار كان محفوظا في متحف الإنسان بباريس؟
عبر هذا النوع من الخطوات، تعيد فرنسا اكتشاف تاريخها. يساهم ذلك في إخراج صفحات قاتمة من تاريخنا من النسيان. كان لدينا شعور بأن الغزو الاستعماري كان قصيرا، لكن بناء مدن كبرى وفق الطراز الهوسماني (نسبة إلى جورج أوجين هوسمان) على غرار العاصمة الجزائر ووهران، وطرق ومستشفيات إلخ، قام على مجازر وأشياء رهيبة.
استمر الغزو فترة طويلة. بصفة عامة، كنا نظن أن الغزو بدأ عام 1830 وانتهى مع استسلام الأمير عبد القادر عام 1847، لكننا لم نعلم أن هذه الحرب استمرت فعليا فترة أطول بكثير.
نُقل هذا التاريخ الرهيب من جيل إلى جيل داخل العائلات الجزائرية. العلاقة مع فرنسا مؤلمة للغاية، ولا يمكن أن يمر ذلك مرور الكرام. ثمة حركة عالمية لاستعادة تاريخ الشعوب، ولا يمكن أن تبقى فرنسا في منأى منها.

من هم المقاتلون ضد الاستعمار الذين سُلم رفاتهم إلى الجزائر؟
خلال الغزو الاستعماري حصل عنف عسكري ومصادرة للأراضي، وكان يسود حينها انطباع علمي زائف يتمثل في إقامة تراتبية بين الأعراق والأجناس. نقل رفات المقاتلين إلى فرنسا (جرى تقطيع أجسادهم بعد إطلاق النار عليهم) لمعرفة لماذا مانعوا إلى هذه الدرجة +دخول الحضارة+. كان هناك رغبة في فهم لماذا +لا يفهمون+.
وضع الرفات في متحف الإنسان وطواه النسيان. فقط اعتبارا من التسعينات، جرت في الجزائر وفرنسا عودة إلى التاريخ، إلى الذاكرة، وبرزت رغبة لدى الأجيال الشابة لمعرفة ما جرى.
أدركنا أن العنف لم يحصل فقط أثناء حرب الجزائر (1954-1962). اكتشفنا وجود عنف آخر أشد جنونا هزّ المجتمع الجزائري من 1830 حتى 1902 مع غزو كامل الصحراء.
عبر البحث في حرب الجزائر، اكتشفنا الحرب الأولى، حرب الغزو. المعارك في الزعاطشة (منطقة شرق الجزائر شهدت انتفاضة عام 1849 قادها الأمير بوزيان الذي جمجمته بين الرفات الذي أعيد الى الجزائر) تُظهر بشكل جليّ صلابة الممانعة للحضور الفرنسي وامتدادها الزمنيّ. وقعت معارك رهيبة أخرى في توغورت جنوب البلاد ومنطقة القبائل في 1854 و1871 وغيرها، وانتفاضة المقراني (آذار/مارس 1871).
كان الغزو فظيعا وشهد مجازر وعمليات حرق. نتحدث كثيرا عن توماس روبير بيجو، لكن هناك أيضا لويس أوجين كافينياك وجاك لروا سان أرنو وفرانسوا كيرتا دى كانروبير وهيربيون وغيرهم، هذه أسماء رهيبة. لقد كانت حربا فظيعة لأنها حرب بلا أسرى. حتى النساء قتلن بالأسلحة. كان الغزو في الحقيقة حرب الجزائر الأولى.
نشهد هجوما حول العالم على وجوه من الماضي. هل يجب التخلص من آثار الجنرالات الذين شاركوا في غزو الجزائر؟
لا أظن ذلك. في ما يخص لويس لاموريسيير وكافينياك وكانروبير وسان أرنو والدوق دومال وغيرهم، من الأجدر ربما تخصيص مكان، فضاء أو متحف، نجمع فيه الأجيال الشابة ونشرح لهم من هذه الشخصيات وهذا التاريخ الفرنسي.
أدعم الحفاظ على الآثار لشرح هذا التاريخ. لا أدعم تحطيم التماثيل، وإلاّ فإننا سنمحو كل شيء ونبدأ من جديد. يجب إبقاؤها والشرح.