صِِل أرحامك.. وإنْ قطعوك..
إن صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم، ودفع ما أمكن من الشر عنهم. وقطيعة الرحم تعني عدم الإحسان إلى الأقارب، وقيل بل هي الإساءة إليهم.
وفيه فرق بين المعنيين، فالمعنى الأول يرى أنه يلزم من نفي الصلة ثبوت القطيعة، والمعنى الثاني يرى أن هناك ثلاث درجات:
1- واصل وهو من يحسن إلى الأقارب.
2- قاطع وهو من يسيء إليهم.
3- لا واصل ولا قاطع وهو من لا يحسن ولا يسيء، وربما يسمى المكافئ وهو الذي لا يحسن إلى أقاربه إلا إذا أحسنوا إليه، ولكنه لا يصل إلى درجة الإساءة إليهم.
قال صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها"، متفق عليه،
وللأسف.. في دنيانا اليوم كثيرمن الناس من لا يَصِل أقاربه إلا إذا وصلوه، وهذا في الحقيقة ليس بصلة إنما هو مكافأة، إذ أن المروءة والفطرة السليمة مكافأة من أحسن إليك قريبًا كان أم بعيدًا. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي. فقال: "إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهم الملّ - أي الرماد الحار - ولا يزال معك من الله ظهير عليهم - أي معين عليهم - ما دمت على ذلك". رواه مسلم.
فيا غفر الله لي ولكم: انظروا في حال أقاربكم هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة؟.
هل ألنتم لهم الجانب؟.
هل أطلقتم الوجوه لهم؟.
وهل شرحتم الصدور عند لقائهم؟.
هل قمتم بما يجب لهم من محبة وتكريم واحترام؟.
هل زرتموهم في صحتهم توددًا؟.
وهل عدتموهم في مرضهم احتفاء وسؤالًا؟.
هل بذلتم ما يجب بذله لهم من نفقة وسداد حاجة؟.
ألا فاحرصوا ـ رحمكم الله: على صلة أرحامكم واحذروا من قطعها. فقد ورد الوعيد الشديد في ذلك فإن قطيعة الرحم سبب للعنة الله وعقابه، قال الله تعالى: "فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم". محمد: 22-23. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم متعلقة بالعرش تعدل من وصلني وصلة الله ومن قطعني قطعه الله" متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع"، يعني قاطع رحم.. متفق عليه..
ومن منا يكره محبة الأهل وبسط الرزق وبركة العمر ودفع ميتة السوء وإجابة الدعاء؟.
إن ذلك كلَه حاصل لمن انعم الله عليه بصلة رحمه والإحسان إليهم، وإليكم مصداق ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسى له في أثره فليصل رحمه" رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتتة السوء ليتقي الله وليصل رحمه". أخرجه احمد وغيره. قال ابن التين رحمه الله: "صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق والطاعة، والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت"..
فيا أخي الكريم... أختي الكريمة: هيا استعذ بالله من الشيطان الرجيم ومن وساوس النفس وصل رحمك وأبق على الود، واحفظ العهد، وأنثر المحبة والسعادة والسلام، فَصلْ من قطعك وأَعْط من حرمك وأعفُ عمن ظلمك.
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا * بالطوب يرمى فيعطي أطيب
وفقنا الله جميعًا لصلة أرحامنا، ورزقنا في ذلك الإخلاص وحسن القصد والسداد، إنه جواد كريم..
ـ الشيخ أبو إسماعيل خليفة