المشهد مطبوع في أذهان الملايين..
20 عامًا على استشهاد محمد الدرة في حضن أبيه
"والشهيد محمد يا بشر.. على مرأى الملايين، بصدر أبوه يحتمي، ويموت برصاص لعين، ودمه يطير في الفضاء، وينادي على حطين.. ينادي: وين عمر وين صلاح الدين؟ وينادي: يا عرب أنجدوا فلسطين، قتلونا يا عرب.. في صبرا ودير ياسين.. ولمسرى نبيكم محمد، هبّوا يا مسلمين.."
هكذا غنى المطرب اللبناني وليد توفيق ضمن أغنيته "علي صوت الحجر"، وهو يرثي أحد أشهر شهداء فلسطين والأمة العربية، الطفل محمد الدرة الذي يوافق هذا الأربعاء 30 سبتمبر 2020 الذكرى العشرين لاستشهاده في حضن أبيه برصاص الحقد والغدر الصهيوني بعد يومين فقط من اندلاع انتفاضة الأقصى المبارك يوم 30 سبتمبر 2000.
مشهد استشهاد الطفل الدرة (12 عامًا) لا يزال مطبوعًا في أذهان الفلسطينيين والعرب وملايين الناس عبر العالم أجمع وهو يحتمي بوالده من وابل الرصاص الإسرائيلي الذي انصبّ عليهما كالمطر.
جريمة الإعدام البشعة للطفل الدرة وثّقتها عدسة كاميرا مصور قناة "فرانس 2"، وشاهد العالم أجمع في 63 ثانية نموذجًا وحشيًا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وتحديدًا الأطفال، في انتهاك صارخ للمواثيق والأعراف الدولية.
الكاميرا وثّقت جمال الدرة والد الطفل وهو يحتمي خلف برميل إسمنتي ويضع طفله محمد خلف ظهره ويصرخ بأعلى صوته على جنود الاحتلال بوقف إطلاق النار مردّدًا "مات الولد.. مات الولد".
اخترق الرصاص يد الوالد اليمنى، ثم أصيب محمد بأول طلقة في رجله اليمنى، وفوجئ الأب بعد ذلك بخروج الرصاص من ظهر الصغير، بعدما اخترق الجسم والأقدام والأيدي حتى وصل للبطن والحوض، وما هي إلا لحظات ورقد الصبي شهيدًا على ساق أبيه الذي أصيب بجروح بقي ينزف منها لوقت طويل.
حاولت "إسرائيل" التبرؤ من قتل "الدرة"، الذي اختصر استشهاده آلاف المشاهد والمآسي التي سجلها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، كاشفًا طبيعة الاحتلال في اغتيال الأطفال وأحلامهم.
وقد حاولت جهات يهودية متطرفة التنصل من الجريمة بإلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية، والادعاء أن الطفل محمد قتله فلسطينيون لتشويه صورة الجيش الإسرائيلي لدى الرأي العام الدولي.
غير أن الصحفي أندرلان أورد في كتابه "موت طفل" اعتراف قائد العمليات في الجيش الصهيوني جيورا عيلاد، الذي صرح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في الثالث من أكتوبر 2000، بأن "الطلقات جاءت على ما يبدو من الجنود الإسرائيليين".
جريمة إعدام الطفل محمد الدرة في أحضان أبيه هزّت العالم أجمع، وأثار استشهاده غضبًا فلسطينيًا عارمًا؛ أذكى لهيب "انتفاضة الأقصى" التي لم يكن مرّ يومان على اشتعالها بعدما دنّس رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون ساحات المسجد الأقصى المبارك.
وأصبح الطفل محمد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية ومُلهمها، وصورتها الإنسانية في مشهد لن ينساه العالم.
ووفقًا لأرقام رسمية؛ أسفرت الانتفاضة الثانية التي استمرّت نحو خمس سنوات عن استشهاد 4412 فلسطينيًا إضافة لـ48322 جريحًا، بينما قتل 1069 إسرائيليًا وجرح 4500 آخرون.