عن الإسلام الجزائري...
تحت هذا العنوان، نشر الأستاذ الجامعي جمال ضو، ابن الجزائر المعروف بأفكاره المتميزة، تدوينة على صفحته بموقع الفيسبوك، يوم 30 أكتوبر 2020، جاء فيها:
وأنا أتابع بعض ما يقال وينشر بشكل رسمي عشية افتتاح جامع الجزائر الأكبر..لاحظت تردد كلمة المرجعية الجزائرية والوسطية ومذهبنا المالكي وغيرها...وضمنيا الحديث عن إسلام جزائري..وبما أن هذا الموضوع ليس وليد الساعة..ومع كل أسف أنخرط فيه كثير من المخلصين عن حسن نية دون أن يدركوا المرمى النهائي لهذا الخطاب والدعوات...
منذ ازيد من سنتين كتبت رأيا عن قصة المرجعية الجزائرية...وارى أنه لا بأس من إعادة نشره ..لأن الوضع لم يتغير...
--------
المرجعية الزائفة..
راجت مؤخرا بشكل رسمي وأيضا على مستوى الافراد فكرة المرجعية الدينية في الجزائر والمذهب المالكي .إلخ..واصبحنا نرى الملتقيات لحماية هذه المرجعية والتعريف بها..وآخرها ربما ذلك الملتقى الذي عقد بجامعة الوادي منذ شهور قليلة...
الحديث عن المرجعية الدينية للجزائريين نسعمه من وزير الشؤون الدينية تارة ومن الزوايا الطرقية تارة أخرى..وأيضا يلمسه المرء لدى كثير من النشطاء على الفضاء الأزرق ....بل حتى أحمد جبار وواسيني لعرج ورفقائهم الذين كتبوا مقالة يدافعون فيها عن بن غبريط دافعوا عما سموه المرجعية الدينية للجزائريين!...
لطالما كانت لي حساسية من الحديث عن المرجعيات في الاسلام وتقزيمها وحصرها وتأطيرها..إما في مذهب ( المالكي ) أو طريقة أو مذهب عقائدي من المذاهب..( أشاعرة أو غيره)...لأن قناعتي أن الاسلام مرجعيته الجق الذي يدركه الباحث عنه وليس الرجال والأسماء...
بل إنني أعتقد أن سر قوة هذا الدين تكمن في أن مرجعيته هو الإسلام نفسه..كتاب الله بالدرجة الأولى وما ثبت من سنة رسوله...إنها المحجة البيضاء والنبع الصافي...إنها قيم الحق والعدل ودفع الظلم...إنها الأخلاق ومكارم الأخلاق...
إن السبب الرئيس ( أعتقد ذلك) وراء عدم قدرة الحضارة الغربية المادية المتوحشة على ترويض الاسلام الحقيقي أنه دين بلا مرجعية مادية..أي لا يوجد للمسلمين شخصية مرجعية يتبعون فيما تقول من أمر أو نهي..
فأمريكا عندما أرادت احتلال العراق لم تحتج أن تخاطب شيعة العراق كشعب بل كان يكفي أن تستصدر فتوى من المرجع السيستاني ..وكان لهم ذلك...واستكان الجميع تقريبا ودخلت أمريكا لتحتل العراق وتستنفذ ثرواته بمباركة دينية من المراجع الشيعية في ايران ضمنيا وفي العراق تصريحا...
وكذلك فعل المستعمر الفرنسي والبريطاني في دول اسلامية كثيرة مع الطرق الصوفية ( الضالة والتي تشكل أغلب الطرق) حيث يكفي أن تشتري ولاء شيخ الطريقة لتشتري ولاء أتباعه.. في باكستان ( الهند سابقا) عندما لم تجد بريطانيا مرجعية تحرم الجهاد أخرجت لهم نبيا جديدا ...
ولهذا تعمل الامارات اليوم ومن ورائها الغرب وأيضا الأنظمة الاسلامية الفاسدة على تشجيع هذه الطرق ودعمها..فهي أحد أهم الأدوات للسيطرة على الشعوب..لأن السيطرة على الجموع فيها تكون بالسيطرة على الرأس وشراء ذمته وولائه..وهذا ليس بالأمر الصعب، بل في ظل فساد عقائد وأعمال شيوخ الطرائق اليوم فإن الأمر ليس سهلا فقط بل يجدون هؤلاء الشيوخ سباقين للولاء إما للحاكم الفاسد أو المستعمر..
وتاريخيا نجد أن كثير من الثورات أو الانتفاضات التي حدثت ضد المستعمرين من بعض فئات المجتمع الخاضعة لسلطة الطرقية لم تكن بدافع تحرير الأرض واسترداد الحرية بل بسبب أن مصالح شيخ الطريقة مست..والأمثلة عديدة ولكن الأفضل عدم النبش في مثل هذه القضايا الآن..
وفي العقود الماضية شهدنا ميلاد طرق جديدة تختلف في ظاهرها وتعادي الطرق الصوفية الضالة ولكنها بنفس المنطق تسير وتسير أتباعها...وهنا نقصد السلفية المدخلية وما حولها و قبلها السلفية الوهابية الآل سعودية..
بينما يبقى جموع المسلمين في الحقيقة غير خاضعين لأي مرجعية مقدسة...فالعلماء والشيوخ الذي يحظون بمكانة واحترام في أوساط الناس لا يملكون صكا على بياض لاستصدار ما شاءوا من فتاوى...فالشيخ والعالم الذي يحظى باحترام الناس اليوم ويؤخذ منه قد ينقلب الناس عليه بين عشية وضحاها ويصبح لا قيمة لفتواه أو رأيه..والأمثلة كثيرة لشيوخ كان لهم احترام وكلمة في أوساط فئات عريضة من الشعوب الاسلامية ولكن بمجرد مواقف لهم وفتاوى بخصوص العراق أوحرب الكويت أوسوريا أومصر.. تحولوا إلى شخصيات يستصغرها الناس ويزدرون فتواهم...
قد يرى البعض أن غياب المرجعيات نقطة ضعف للمسلمين لأنها تمنع تجميعهم بسهولة...ولكن في الواقع هي نقطة قوة، لأن ما يفترض أن يجمع المسلمين هو الحق وليس الشخص ورأيه..وأن المسلمين عبر تاريخهم كانوا أميل إلى العالم المُبتلى والصادع بكلمة الحق في وجه السلطان وهؤلاء العلماء هم من خلدهم التاريخ.....
ولهذا فإن محاولة البعض تقزيم الاسلام في مرجعيات مذهبية أو فكرية هي محاولة فاشلة وتعد على الاسلام ذاته..فالاسلام أكبر من أن يتم سجنه في مذهب من المذاهب أو طريقة من الطرق ...والله أعلم
