ها قد أقبل رمضان.. وعجّت القنوات التلفزيونية والصفحات الإلكترونية بالتهاني والأمنيات.. وبينما كان ملايين المسلمين يتبادلون التهاني بمقدم الضيف المبارك، كانت السيدة "أ" تجلس في ركن من أركان منزلها الأنيق وهي تغرق في حزنها..
لم يكن هذا دأبها، فقد كانت تسعد باستقبال شهر السعد، ولكنها هذا العام تشعر بغربة مُزدوجة.. غربة المكان، فهي بعيدة عن المكان الذي وُلدت وترعرعت به، ودقّ قلبها، حباً، لأول مرة به.. آلاف الكيلومترات، وغربة المشاعر، فلأول مرة ـ غالباً ـ تشعر بأن زوجها لم يعد زوجها.. لم يعد ذلك الرجل الذي كانت واثقة بأنّ قلبه لن يكون إلا لها..
تخنقها هذه الغربة المزدوجة، وتجد في أمواج الأنترنت المتلاطمة التي تبحر بها بعض الأكسجين، وبعض العزاء..
تتصفح هذا الموقع.. تشاهد ذلك الفيديو.. تتوقف عند هذه المدونة.. وتُدرك في النهاية أنّ عليها أن تكون أقوى، وأن تتعايش مع جراحها المفتوحة حتى تُضمّد.. ولعل شهر الرحمة سيساعدها على غسل أحزانها..
تتمنى لو أن بمقدورها التواصل المباشر مع أكثر شخص تشعر بأنه يفهمها أو يشعر بها.. ولكن يبدو لها ذلك غير ممكن، على الأقل في وضعها ذاك.. لكن ماذا عن التواصل الروحي.. التخاطر..؟ أحيانا يصل شعور ذلك الشخص، بأن روحيهما شقيقتان!
زوجها ما زال يُنكر.. لكن ما تملكه من معطيات يُكذّبه.. وهي تعرف ما معنى أن ينتقل من التفكير في الزواج بأخرى إلى التخطيط، ومن التخطيط إلى التنفيذ، في بلد يبيح تعدد العشيقات، ولا يجيز تعدّد الزوجات.. تماما مثل بعض البلدان المحسوبة على أمة الإسلام!
لقد تبلور قرار ما في رأسها.. كانت بحاجة إلى شخص موثوق تستشيره.. هناك صديقتها العزيزة "زهرة".. لكنها لا تكفي على ما يبدو!..
إلى جانب "رائحة رمضان" بمدينتها القديمة، في بلدها الغالي رغم مساوئه وعيوب أهله، كانت "أ" تفتقد السلام الداخلي.. لحسن الحظ أنها تمتلك قلبا لا مثيل له.. حنونا مع أبنائها، ومن تحبهم، صلبا مع من يجب أن يكون صلبا إلى درجة التصلّب والقسوة التي تحميها من الأذى، وتمنحها بعض الرضى، في انتظار أن تنعم بالأمان الذي تستحقه والسكينة التي تبحث عنها.
ـ بقلم: شيخ بن خليفة ـ
ـ مقطع من رواية قد تُنشر يوما إن شاء الله ـ