-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

هذه قبورنا.. فأين القبور من عهد عاد؟

صَـاحِ  هَـذِي قُبُورُنا فـأينَ  الـقُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ

هذه قصيدة رائعة كان يحبها أخ وصديق راحل، طيّب الله ثراه، وقد ردد عليّ، أكثر من مرة، أبياتا منها، ظل بعضها راسخا في ذاكرتي بعد أكثر من عشرية من رحيل الأخ العزيز والصديق الغالي، رحمة الله عليه، وهي للشاعر العملاق أبي العلاء المعري الذي يعجب لحال الدنيا وما تفعله بأهلها، ويقول في قصيدته تلك..

غَـيْرُ  مُـجْدٍ  في مِلّتي واعْتِقادي      نَــوْحُ بـاكٍ ولا تَـرَنّمُ شـادِ
وشَـبِيهٌ  صَـوْتُ الـنّعيّ إذا قِي      سَ  بِـصَوْتِ الـبَشيرِ في كلّ نادِ
أَبَـكَتْ تِـلْكُمُ الـحَمَامَةُ أمْ غَنْ      نَـت عَـلى فَـرْعِ غُصْنِها المَيّادِ
صَـاحِ  هَـذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْ      بَ  فـأينَ  الـقُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ
خَـفّفِ  الـوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ ال      أرْضِ  إلاّ مِـنْ هَـذِهِ الأجْـسادِ
وقَـبيحٌ  بـنَا  وإنْ قَـدُمَ الـعَهْ      دُ  هَــوَانُ الآبَـاءِ والأجْـدادِ
سِـرْ  إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيداً      لا اخْـتِيالاً عَـلى رُفَـاتِ العِبادِ
رُبّ لَـحْدٍ قَـدْ صَارَ لَحْداً مراراً      ضَـاحِكٍ مِـنْ تَـزَاحُمِ الأضْدادِ
وَدَفِـيـنٍ  عَـلى بَـقايا دَفِـينٍ      فـي طَـويلِ الأزْمـانِ وَالآبـاءِ
فـاسْألِ الـفَرْقَدَينِ عَـمّنْ أحَسّا      مِـنْ  قَـبيلٍ وآنـسا مـن بلادِ
كَـمْ أقـامَا عـلى زَوالِ نَـهارٍ      وَأنــارا لِـمُدْلِجٍ فـي سَـوَادِ
تَـعَبُ كُـلّها الـحَياةُ فَـما أعْ      جَـبُ  إلاّ مِـنْ راغبٍ في ازْديادِ
إنّ حُـزْناً فـي ساعةِ المَوْتِ أضْعَا      فُ سُـرُورٍ فـي سـاعَةِ الـميلادِ
خُـلِقَ  الـنّاسُ  لـلبَقَاءِ فضَلّتْ      أُمّــةٌ  يَـحْـسَبُونَهُمْ  لـلنّفادِ
إنّـما يُـنْقَلُونَ مِـنْ دارِ أعْـما      لٍ إلــى دارِ شِـقْوَةٍ أو رَشَـادِ
ضَـجْعَةُ  المَوْتِ رَقْدَةٌ يُستريحُ ال      جِـسْمُ  فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ
أبَـناتِ الـهَديلِ أسْـعِدْنَ أوْ عِدْ      نَ قَـلـيلَ الـعَـزاءِ بـالإسْعَادِ
إيـه  لـلّهِ  دَرّكُـنّ فـأنْتُنّ اللْ      لَـوَاتي  تُـحْسِنّ  حِـفْظَ الوِدادِ
مـا  نَـسيتُنّ هالِكاً في الأوانِ ال      خَـالِ أوْدَى مِـنْ قَبلِ هُلكِ إيادِ
بَـيْدَ أنّـي لا أرْتَـضِي مَا فَعَلْتُنْ      نَ وأطْـواقُـكُنّ فـي الأجْـيَادِ
فَـتَـسَلّبْنَ  وَاسْـتَعِرْنَ جَـميعاً      مـنْ قَـميصِ الدّجَى ثيابَ حِدادِ
ثُـمّ  غَـرِّدْنَ فـي المَآتِمِ وانْدُبْ      نَ بِـشَجْوٍ مَـعَ الـغَواني الخِرادِ
قَـصَدَ  الدهر  من أبي حَمزَةَ الأوْ      وَابِ مَـوْلى حِجىً وخِدن اقتصادِ
وفَـقيهاً أفـكارُهُ شِـدْنَ لـلنّعْ      مـانِ مـا لـم يَـشِدْهُ شعرُ زِيادِ
فـالـعِراقيُّ  بَـعْدَهُ لـلحِجازِىْ      يِ  قـليلُ الـخِلافِ سَهْلُ القِيادِ
وخَـطيباً  لـو قـامَ بَينَ وُحُوشٍ      عَـلّمَ  الـضّارِياتِ بِـرَّ الـنِّقَادِ
مُـستَقي  الكَفّ مِنْ قَليبِ زُجاجٍ      بِـغُرُوبِ  الـيَرَاعِ مـاءَ مِـدادِ
 ذا  بَـنَانٍ  لا تَلْمُسُ الذّهَبَ الأحْ      مَـرَ  زُهْـداً في العَسجَدِ المُستَفادِ
وَدِّعـا أيّـها الـحَفيّانِ ذاكَ الشْ      شَـخْصَ  إنّ  الـوَداعَ أيسَرُ زَادِ
واغْـسِلاهُ  بالدّمعِ  إنْ كانَ طُهْراً      وادْفِـناهُ بَـيْنَ الـحَشَى والفُؤادِ
واحْـبُوَاهُ الأكْفانَ مِنْ وَرَقِ المُصْ      حَـفِ  كِـبْراً  عن أنْفَسِ الأبْرادِ
واتْـلُوَا  الـنّعْشَ بالقِراءَةِ والتّسْ      بِـيـحِ لا بـالنّحيبِ والـتّعْدادِ
أسَـفٌ  غَـيْرُ نـافِعٍ وَاجْـتِهادٌ      لا يُـؤدّي إلـى غَـنَاءِ اجْـتِهادِ
طـالَما  أخْرَجَ الحَزينُ جَوَى الحُزْ      نِ  إلـى غَـيْرِ لائِـقٍ بـالسَّدادِ
مِـثْلَ مـا فـاتَتِ الصّلاةُ سُلَيْما      نَ فَـأنْحَى عـلى رِقـابِ الجِيادِ
وهوَ  مَنْ سُخّرَتْ لهُ الإنْسُ والجِنْ      نُ بـما صَـحّ مـن شَهادَةِ صَادِ
خـافَ غَدْرَ الأنامِ فاستَوْدَعَ الرّي      حَ  سَـليلاً  تَـغْذُوهُ دَرَّ الـعِهَادِ
وَتَـوَخّى  لَـهُ  الـنّجاةَ وَقَدْ أيْ      قَــنَ أنّ الـحِـمَامَ بـالمِرْصادِ
فَـرَمَتْهُ بـهِ عـلى جـانِبِ الكُرْ      سِـيّ أُمُّ الـلُّهَيْمِ أُخْـتُ الـنّآدِ
كـيفَ أصْبَحتَ في مَحلّكَ بعدي      يـا  جَـديراً مـنّي بحُسْنِ افتِقادِ
قـد  أقَـرّ الـطّبيبُ عَنْكَ بِعَجْزٍ      وتَـقَـضّى  تَــرَدّدُ الـعُـوّادِ
وَانْتَهَى اليأسُ مِنكَ وَاستشعَرَ الوَجْ      دُ بـأنْ لا مَـعادَ حـتى الـمعادِ
هَـجَدَ  الـسّاهرُونَ حَوْلَكَ للتمْ      ريـضِ وَيـحٌ لأعْـيُنِ الـهُجّادِ
أنـتَ  مِن  أُسْرةٍ مَضَوْا غَيرَ مَغْرُو      ريـنَ مِـنْ عَـيشَةٍ بِذاتِ ضِمادِ
لا  يُـغَيّرْكُمُ الـصّعيدُ وكـونوا      فـيهِ  مـثلَ  السّيوفِ في الأغمادِ
فَـعَزيزٌ  عَـليّ  خَـلْطُ الـلّيالي      رِمَّ أقـدامِـكُمْ بِـرِمّ الـهَوَادي
كُـنتَ خِـلّ الصِّبا فلَمّا أرادَ ال      بَـينَ وَافَـقْتَ رأيَـهُ فـي المُرادِ
ورأيـتَ  الـوَفاءَ للصّاحِبِ الأوْ      وَلِ مِـنْ شـيمَةِ الـكَريمِ الجَوادِ
وَخَـلَعْتَ  الـشّبابَ غَضّاً فَيا لَيْ      تَــكَ أَبْـلَـيْتَهُ مَـعَ الأنْـدادِ
فـاذْهَبا  خـير  ذاهـبَينِ حقيقَيْ      ن بِـسُـقْيا رَوائِــحٍ وَغَـوَادِ
ومَــراثٍ لَـوْ أنّـهُنّ دُمُـوعٌ      لـمَحَوْنَ الـسّطُورَ فـي الإنْشادِ
زُحَـلٌ  أشـرَفُ  الكَواكبِ داراً      مِـنْ  لِـقاءِ  الـرّدَى على ميعادِ
ولِـنارِ  الـمِرّيخِ مِن حَدَثانِ الدّهْ      رِ مُـطْفٍ وَإنْ عَـلَتْ فـي اتّقادِ
وَالـثَرَيّا  رَهـينَةٌ بِـافْتِراقِ الشْ      شَـمْلِ حَـتّى تُـعَدّ فـي الأفرادِ
فـليَكُنْ لِـلْمُحَسَّنِ الأجَـلُ المَمْ      دودُ رغـمـاً لآنُـفِ الـحُسّادِ
وَلْـيَطِبْ  عَـنْ  أخيهِ نَفساً وأبْنا      ء  أخـيـهِ جَـرائـحِ الأكـبادِ
وإذا  الـبَحْرُ غـاضَ عنّي ولم أرْ      وَ  فــلا رِيّ بـادّخارِ الـثِّمادِ
كُـلُّ  بَـيْتٍ للْهَدْمِ ما تَبْتَني الوَرْ      قـاءُ والـسّيّدُ الـرّفيعُ الـعِمادِ
والـفَتَى  ظاعِنٌ  ويَكفيهِ ظِلُّ السْ      سَـدْرِ  ضَرْبَ  الأطْنابِ والأوْتادِ
بـانَ  أمْـرُ  الإلَـهِ واختَلَفَ النّا      سُ فَـداعٍ إلـى ضَـلالٍ وَهَـادِ
والّـذي  حـارَتِ الـبَرِيّةُ فِـيهِ      حَـيَوَانٌ مُـسْتَحْدَثٌ مِـن جَمادِ
والـلّبيبُ الـلّبيبُ مَنْ لَيسَ يَغْترْ      رُ بِـكُـوْنٍ مَـصـيرُهُ لـلفَسادِ.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020