في زمن "إصلاح المستشفيات"
قالت مقدمة برنامج "خدمات خيرية" على قناة
القرآن الكريم الإذاعية الوطنية، في حلقة بُثت مؤخرا أنها ستفاجئهم بطلب غريب،
ولكنه يعكس الواقع للأسف الشديد، وهو الطلب الذي بدا بعد "البوح" به
عاديا في زمن "إصلاح المستشفيات".
ولمن لا يعرف طبيعة الحصة المذكورة التي تحظى بنسبة
استماع عالية، فإن "خدمات خيرية" تعد جسرا يصل بين المحتاجين من المرضى
غير القادرين على اقتناء أدوية معينة، أو تجهيزات طبية، أو العاجزين عن تسديد
تكلفة عمليات جراحية معينة، وبين فاعلي الخير من ميسوري أو متوسطي الحال القادرين
على مساعدة هؤلاء المرضى.
وعادة ما يطلب المرضى المحتاجون مساعدة مالية أو مادية،
ولكن الطلب الذي قالت مقدمة البرنامج المذكور أنه غريب، يريد صاحبه أمرا من نوع
آخر..
صاحبة الطلب مواطنة لديها ابن مريض وبحاجة إلى عملية
جراحية عاجلة بمصلحة جراحة الأذن والأنف والحنجرة على مستوى مستشفى مصطفى باشا
الجامعي، وهي العملية التي تكلف ما لا يقل عن 250 مليون سنتيم لدى العيادات
الخاصة.
المواطنة التي اتصلت بإذاعة القرآن الكريم لم تطلب من
فاعلي الخير ميسوري الحال مساعدتها على جمع المبلغ المذكور لإنقاذ فلذة كبدها من خلال
القيام بالعملية الجراحية في عيادة خاصة، بل تريد أن يقوم شخص لديه
"المعريفة" بالتدخل لدى مسؤولي المصلحة المذكورة بالمستشفى المذكور
لبرمجة العملية في أقرب الآجال، بعد أن تعذر عليها ذلك نتيجة البيروقراطية التي
جعلت العملية مؤجلة إلى تاريخ غير معلوم..
وربما بدا الطلب غريبا فعلا بالنظر إلى طبيعة البرنامج،
وما ألفه مستمعوه من طلبات المرضى، ولكن بالنظر إلى طبيعة السلوكات التي تنغص
يوميات المرضى بمستشفياتنا، يبدو أن هذا النوع من الطلبات هو السائد خارج
ميكروفونات الإذاعات وبعيدا عن أستديوهاتها، وليس هناك من شخص يقصد المستشفى في
أيامنا دون البحث عن "خيط" يوصله إلى مسؤول بالمستشفى، أو بروفيسور، أو
طبيب أو "فرملي"، وقبل أن يقدم المريض ملفه الطبي للطبيب، يردد العبارة
الشهيرة "بعثني ليك فلان"، وهي العبارة المفتاحية التي تلخص مرض
المحسوبية المتفشي في مستشفياتنا بقوة.. وهو.. أخطر مرض في الجزائر!.