-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

السرعة القصوى بين العلم والقرآن

السرعة القصوى بين العلم والقرآن


 أ.د / منصور محمد حسب النبي
أستاذ الفيزياء بجامعة عين شمس والرئيس الأسبق
 لجمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في القاهرة
الكون لا يعرف السكون: لأنه يتحرك حركة دائبة بمادته وطاقته، فهو يتمدد حالياً متباعداً بمجراته(1) عن بعضها ( وسوف ينكمش مستقبلاً.... ) لدرجة أن مجرتنا تتباعد الآن عن جيرانها بسرعة تتراوح بين 600 ـ 4000 ميل / ث، علاوة على دوران شمسنا حول مركز مجرتنا بسرعة 497000 ميل / ساعة، والشمس أيضاً تجري نحو نجم النسر الواقع بسرعة 43000 ميل / ساعة، وتدور الأرض حول شمسنا مرة كل عام بسرعة 67000 ميل / ساعة، وتدور الأرض حول نفسها يومياً 1044 ميل/ ساعة....
ورغم هذه التحركات المستمرة والمنتظمة والمتداخلة لكوكب الأرض كتابع للشمس لا نشعر نحن الركاب أبداً بالدوار، ولا تتناثر أشلاؤنا من على سطح هذه السفينة الفضائية الإلهية التي نسميها الأرض، والتي تسبح بنا في الفضاء وتحملنا بهذه السرعات العالية في هدوء تام دون أن تتعثر خطاها أو نشعر بحركاتها، وكأنها ساكنة، بينما هي كما عرفنا: تمر مر السحاب، مصداقاً لقوله تعالى: ) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (.النمل: 88.. والحركة دائبة لا تنقطع كما في قوله تعالى: ) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)(.سورة إبراهيم..
إن الشمس والقمر في حركة دائبة متواصلة لا تنقطع، وكذلك الأرض في حركاتها ودورانها المستمر حول محورها بدليل تبادل الليل والنهار في هذه الآية... وهذه الحركات كلها لأجل مسمى كما في قوله تعالى: ) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) (.سورة الرعد.. والآية هنا شاملة تدل على وجود قوى الجاذبية كعمد غير مرئية، وعلى تسخير الكون كله بالجري والحركة لأجل مسمى، وعلى تدبير الأمر الذي لا ينقطع ( بدليل الفعل المضارع: يجري، ويدبر ).
والموجود بين كل سماء وأرضها كما في قوله تعالى: ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ (.سورة الطلاق: 12.. فما هو هذا الأمر بأن يا ترى؟ وهل الأمر هنا ( في السجدة: 5، الرعد 2 ) كوني أم تشريعي؟.
أعتقد ـ والله أعلم ـ أن الأمر هنا كوني، لأنه أتى في سياق وصف الجري في الكون، علاوة على استمراريته باستمرار الحركة في الكون، بينما الأمر التشريعي مؤقت ومرتبط بوقت التنزيل... وعلى كل حال فقد وعدنا الله في سورة الرعد ( 2 ) بشرح إضافي لا حق في قوله تعالى: ) يُفَصِّلُ الأيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) (.سورة الرعد..
فهل هناك آيات أخرى تصف وتفصل لنا حقائق هذا الأمر الذي يدبره الله في الكون؟.
مدخل لفهم الآية الخامسة في سورة السجدة:
يصف النبي صلى الله عليه وسلم. أمر معرفاً ( بأل ) في لفظ الأمر في الآية الخامسة من سورة السجدة، التي تبدأ بالتأكيد عن صدق الوحي الذي نزل به جبريل من رب العالمين، وعلى صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بدفع الشك والارتياب عن القرآن الكريم، المعجزة الكبرى لرسول الله الذي لا تحوم حول ساحته شبهات ولا أباطيل.... ورغم وضوح إعجاز القرآن وسطوع آياته، وإشراق بيانه، وسمو أحكامه، إنهم المشركون الرسول بأنه افترى هذا القرآن واختلقه من تلقاء نفسه!! فجاءت آية السجدة ( 5 ) لترد هذا البهتان بروائع الحجة والبرهان، فقررت ـ كما سنرى ـ في تفصيل علمي رائع الحد الأقصى للسرعة الكونية الذي لم يُعْرَف وجوده أو مقداره إلا في القرن العشرين!.... ولنتدبر معاً الآيات التالية في قوله تعالى: ) الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) (.سورة السجدة.
ونحن نعلم أن الحرف ( الم ) ـ كما أجمع أغلب المفسرين ـ تأتي للتنبيه على إعجاز القرآن، ثم تبدأ الآيات هنا لتؤكد أن الكتاب الموحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن الذي لا شك فيه لأنه من عند الله عز وجل تنزيل من رب العالمين... ويرد القرآن على الكفار ( الذين يدعون زوراً وبهتاناً أن محمد صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن وافتراه من تلقاء نفسه ) بأن القرآن هو القول الحق، والكلام الصادق المنزل من الله على محمد صلى الله عليه وسلم لينذر قوماً ما جاءهم رسول من قبله ليهتدوا إلى الحق، ويؤمنوا بالله العزيز الحميد، ثم شرع تعالى ابتداء من الآية ( 4 ) في ذكر أدلة التوحيد والإعجاز العلمي... بأن خلق الله ( الخلق هنا من العدم ) السماوات والأرض وما بينهما ( لا حظ هنا الخلق الوسيط في لفظ ما بينهما أي: بين السماء والأرض كالإشعاع الكهرومغناطيسي في ضوء مرئي وغير مرئي والجسيمات الذرية السابحة في الفضاء ) في ستة أيام.
الأيام هنا في آية السجدة ( 4 ) ليست مما نعد نحن البشر، أي: بمعنى مراحل زمنية يعلمها الله سبحانه وتعالى وقد شرحنا ذلك في مقال سابق(2)، ثم يذكر استواءه سبحانه استواء يليق بجلال عظمته من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تجسيد ومعنى ( استوى على العرش ). أي: أحاط بالكون وسيطر عليه، علماً بأن العرش أزلي بينما الكون لآجل مسمى، والعرش رمزي ومعنوي بمفهوم السلطان الإلهي الذي يدبر الأمور كلها، كونية كانت أم إنسانية، وليس لكم أيها الناس غير الله ناصر ولا شفيع يشفع لكم عنده إلا بإذنه، وهو سبحانه يتولى مصالح البشر لعلهم يتذكرون فيؤمنوا.
بعد هذه المقدمة في سورة السجدة تأتي المعجزة القرآنية التي نحن بصددها، والتي تمثل محور هذا المقال في قوله تعالى: ) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) (.سورة السجدة..
ولنبدأ ببعض التفاسير القديمة ـ غير المقبولة لخطورتها على القضية وادعائها الباطل على النبي صلى الله عليه وسلم ـ ودراستها دراسة عقدية موضوعية، ثم نعرض صفوة التفاسير بعد ذلك لعلك أخي القارىء تهتدي إلى المعجزة القرآنية على شواطىء النسبية.
أولاً: ورد في بعض كتب التفسير(3)رأي نادر غير مألوف هو أن هذه الآية تهدف لبيان عمق السماء بمسيرة خمس مئة عام، ذهاباً وأخرى مثلها إياباً، ليكون المجموع مسيرة ألف سنة، مما نعد نحن البشر بمسيرة الإبل ( باعتبارها وسيلة الركوب في الصحراء للبدو وعصر قدامى المفسرين )... وهذا تفسير مرفوض للأسباب التالية:
1ـ إنه يتعارض مع امتداد نفاذ الأمر المذكور هنا ويجعله منقطعاً، بينما التدبير والعروج دائمان ومستمران كما هو واضح في نص آية السجدة.
2ـ تحديد عمق السماء يتعارض مع القرآن الذي يؤكد توسع السماء باستمرار وأنها بأجرامها في تباعد مستمر، كما في قوله تعالى: )والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون ( 47 ) (.سورة الذاريات.
3ـ لأن السماء ليست قبة عالية ثابتة مرصعة بالنجوم حتى يحدد القرآن عمقها، وأيضاً: لفظ ( السماء ) يشمل كل ما علانا، فمن آية نقطة في هذا الكون الفسيح نبدأ قياس مسيرة 500 سنة لتحديد العمق؟ وهيهات أن نعرف مواقع النجوم، كما في قوله تعالى: )فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (.سورة الواقعة: 75 ـ 76..
فكيف يقاس ما لا يقع تحت القياس بمسيرة خمس مئة عام أو غيرها من القياس المحدود!.
4ـ فرضية وجود أرضنا في مركز الكون، بحيث يكون عمق السماء ثابتاً من كل اتجاه، وهو وهم قام كوبرنيكس بتصحيحه في القرن السادس عشر الميلادي.
5ـ وجود حرف ( ثم ) يفيد لغوياً الترتيب مع التراخي بين نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ثم عودة عروجه من الأرض إلى السماء في الطريق العكسي، وحيث أن حرف ( ثم ) أفاد اللبث في الأرض لزمن غير محدد في الآية، فكيف نقيس عمق السماء بخمس مئة عام هبوطاً وخمس مئة عام أخرى صعوداً؟ بينما بين الهبوط والصعود توجد فترة غير محدودة يدل عليها لفظ ( ثم ) في الآية وهذه الفترة غير محسوبة في هذا الحساب الغريب والتفكير العجيب لربط عمق السماء بالآية الكريمة، فأين نحن من عمق السماء؟ ومن أين نبدأ القياس؟.
6ـ لو كان عمق السماء مسيرة 500 عام كما يقولون، فبسرعة أية وسيلة تكون هذه المسيرة؟ إن راحلة الصحراء التي تعود عليها المفسرون القدماء هي الجمل، وسرعته حوالي 16 كم في الساعة بقياسنا الحالي، أي: يقطع في اليوم 200 كم ( على فرض الراحة أثناء المسير )، وعليه يكون عمق السماء بلغة هؤلاء المفسرين هو 500 × 200 × 365= 36.5 مليون كم، أي حوالي 1.4 السمافة بيننا وبين أقرب نجم لنا، وهو الشمس... فأين ذلك من عمق السماء؟!.
7ـ الذي نقيس عليه السير في السماء لا بد وأن يكون من جنسها، والإبل لا تسير في السماء ولا تعيس حياة تطول إلى ألف عام للذهاب والإياب، فضلاً عن عمر الراكب الذي يقودها.
8ـ نعلم الآن أن قطر مجرتنا مئة ألف سنة ضوئية، فما بالنا بمواقع وأبعاد المجرات الأخرى التي تبعد عنا ببلايين السنين الضوئية؟ بل وما زلنا نكتشف بعد ذلك عمقاً أكبر للسماء، وشتان بين هذين البلايين من السنين مقيسة حديثاً بمسيرة الضوء بالمقارنة بمسيرة ألف سنة بالجمل لبيان عمق السماء في نظر هؤلاء المفسرين القدماء بمقياس كسيح كمسيرة الإبل، كما يعتقدون. ومجرد التفكير بأن الآية عن عمق السماء ظن خاطىء لو كانوا يعلمون.
9ـ تكمن المشكلة في هذا التفسير الخاطىء في ما ورد في كتب التراث من أقوال شبيهة منسوبة ظلماً وادعاءً باطلاً إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الأقوال لا تصلح للاستدلال، لاضطرابها وتعارضها وضعف إسنادها، ولاصطدامها مع صريح القرآن الكريم وحقائق الواقع، نذكر منها هذا الحديث الضعيف التالي: ( إن الأرضين بين كل أرض إلى التي تليها مسيرة خمس مئة سنة، فالعليا منها على ظهر حوت... الخ ) (رواه الحاكم)... وحديث آخر غير صحيح رواه الحاكم وابن حنبل والترمذي وغيرهم: ( هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ قلنا: لا. قال: إحدى أو اثنتان أو ثلاث وسبعون. قال: وما فوقها مثل ذلك حتى عد سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة البحر، أسفله من أعلاه مثل ما بين سماء إلى السماء، ثم فوقه ثمانية أو عال ما بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء.... الخ ) (4).
( الوعل: هو تيس الجبل ).
وحديث متشابه آخر رواه للأسف، الترمذي عن الحسن عن إبراهيم!! برغم أنه حديث غريب وشاذ، يقول: ( فإن فوق ذلك سماءين، بينهما مسيرة 500 عام، حتى عد سبع سماوات، ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن فوق ذلك العرش(5)، وبينه وبين السماء بعدما بين السماءين، ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم... قال: فإنها الأرض، ثم قال: هل تدرون ما الذي بعد ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة 500 سنة، حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمس مئة سنة، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله(6).
ورغم غرابة هذه الأحاديث فقد امتلأت بها كتب التفسير، للأسف الشديد، برغم قول بعضهم إنها أحاديث غريبة... فما الداعي من ذكر هذه الأقوال منسوبة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى؟؟!.
والسؤال الآن: ما الذي دفع ببعض المفسرين للتوهم بأن المراد من آية السجدة ( 5 ) بيان عمق السماء وتحديد المسافة بين الأرض والسماء؟ والجواب على ذلك: بأن التوهم الخاطىء يحدث فقط لو اعتبرنا الضمير في لفظ: ( مقداره ) عائداً على اليوم، لا على التدبير، فيصبح معنى الآية: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه كل التدبير في يوم كان مقداره ألف سنة. وعليه: فإن مسيرة الألف سنة في نظرهم هي مسافة النزول والصعود بين السماء والأرض، فيكون عمقها نصف المقدار أي: 500 سنة ذهاباً وخمس مئة سنة إياباً، وتنتهي المسيرة والتدبير والعروج ويتوقف الأمر في نظرهم....!! بينما الأمر في آية السجدة ( 5 ) دائم! ورغم هذا التوهم الخاطىء عند البعض، فلقد تبين لدى معظم المفسرين المتدبرين لهذه الآية ما يلي:
1ـ اليوم لا يستوعب كل التدبير، لأن ذلك يتعارض مع استمرار وامتداد أمر الله تعالى، ويجعل الأمر بهذا التفكير الخاطىء أمراً منقطعاً، وذلك لا يليق بصفات الله، ويتعارض مع الدوام والاستمرار المستفاد من ورود الفعل ( يدبر ويعرج ) في صبغة المضارع، بل ويتعارض مع الوجود الدائم للخلق الوسيط المعبر عنه بين السماء والأرض في لفظ: ( وما بينهما )، في السجدة ( 4 )، ولفظ الأمر من السماء إلى الأرض في السجدة ( 5 ).
ولفظ الأمر في سورة الرعد ( 2 )، ولفظ الأمر الموجود دائماً بين كل سماء وأرضها في قوله تعالى: ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) (.سورة الطلاق..
2ـ حرف الجر في قوله تعالى: )في يوم ( أفاد أن اليوم المحدود ( مما نعد نحن البشر ) اشتمل على مقدار محدود من التدبير الدائم غير المحدود (لاستمراره وامتداده )، أي: حدد اليوم ولم يحدد التدبير، كقولنا مثلاً: ( ماء البحر في الكوب ) بمعنى أن بعضاً من ماء البحر في الكوب لا كل ماء البحر فيه.
وبهذا: فالسياق هنا في الآية لإعطاء عينة من التدبير والعروج لقياس سرعة معينة، ولو قلنا مثلاً: إن سرعة السيارة 100 كم / ساعة، فهل معنى هذا: أنها لن تسير سوى الساعة، وبالتالي: لن تقطع سوى 100 كم؟ كلا وألف كلا!!.
3ـ الضمير في ( مقداره ) عائد على التدبير، لا على اليوم، حيث النص الكريم ( السجدة: 5 ) بيان للسير والتدبير وليس لليوم، بهذا قال مجاهد: الضمير هنا عائد على التدبير، أي: كان مقدار التدبير في يوم ألف سنة مما تعدون.
وبهذا نستنتج أن القول بأن آية السجدة ( 5 ) بيان لعمق السماء توهم خاطء، لا دليل عليه ولا برهان، بل المراد في هذا النص الشريف دوام نفاذ الأمر والتدبير والعروج وعدم انقطاع السير وبيان لسرعة النفاذ والسير بين السماء والأرض بحد أقصى للسرعة الكونية، كما سنوضح فيما بعد.
ثانياً: توهم بعض المفسرين أن المساواة هنا زمنية وليست في المسافة المقطوعة، بمعنى أن اليوم في آية السجدة يساوي زمنياً ألف سنة مما نعد نحن البشر، وبهذا اضطروا لجعل اليوم في آية السجدة ( 5 ) يوماً أخروياً أو غيبياً ( لأنه لا يمكن أن نساوي زمنياً اليوم الدنيوي بألف سنة مما نعد )، فاعتبروا اليوم هنا يوماً من أيام الله.
وبعضهم قال: بأنه يوم القيامة بحيث يكون هذا اليوم الافتراضي بألف سنة مما نعد، وبذلك خرجوا عن روح النص الشريف، لأن وصف ( مما تدعون) من جنس ما تعودن من الأيام والسنين. فكيف يكون اليوم هنا يوم القيامة!! علاوة على أن هذا الرأي الخاطىء مردود عليه باستمرار التدبير بين السماء والأرض المعهودتين لنا في الدنيا.
ولقد فهم معظم المفسرين خطأ فكرة اليوم الأخروي أو الغيبي، وتمسكوا باليوم الدنيوي في الآية الكريمة ( السجدة / 5 )، ولهذا قالوا: إن الضمير في (مقداره ) يعود على التدبير لا على اليوم، حتى يصبح التدبير متواصلاً وغير محدد بيوم واحد. ولكن هذا اليوم هو نموذج وعينة فقط من هذا التدبير والعروج المستمر. وإن التعبير الزمني في آية السجدة ( 5 ) هو الزمن الفيزيائي الذي نعد به الأيام والسنين، أي: بالزمن المعلوم عند المخاطبين بالقرآن: ( مما تعدون ) أي: من جنس الذي تعدونه، والعرب يعدون اليوم مضبوطاً على الشمس ( يوم اقتراني )، ويعدون السنين مضبوطة على ظهور هلال القمر لقياس الشهور، وبالتالي لقياس السنين ( السنة = 12 شهراً قمرياً ).
ولفظ ( يوم ) في السجدة ( 5 ) محدود وليس مطلقاً غير محدود بدلالة وجود حرف الجر في قوله تعالى: )في يوم ( الذي يفيد ـ كما ذكرنا ـ معنى الاشتمال والوعاء، إذ أن أي وعاء لا بد وأن يكون محدوداً، لأنه المقياس الذي يتم الاتفاق عليه كمكيال، وهنا نؤكد أن المقياس الزمني المستعمل هنا هو اليوم بمعناه الكامل الذي نعرفه نحن البشر كمقياس عياري ووعاء زمني ثابت، وليس بمعنى أن النهار يطول ويقصر، وليس اليوم غيبياً أو أخروياً غير محدد، لأنه لا يصلح كوعاء، ولا بد أن يكون بمعنى اليوم الكامل المتعارف عليه بليله ونهاره بدورة الشمس الظاهرية، أي: بدورة كاملة للأرض حول محورها، وهو زمن عياري يصلح هنا كوعاء زمني ليوم كامل من أيامنا المعروفة لنا معشر البشر، والتي نعدها مع صباح كل يوم: ( مما تعدون).
التفسير الجديد لآيتي السجدة والحج:
كمدخل للتفسير الجديد  المقترح والمعتمد حديثاً في هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة، نستعرض في كتب التفسير ما يلي:
( 1 ) النص الكريم في السجدة ( 5 ) يبين حد السرعة في السماء في قوله تعالى: )في يوم كان مقداره ألف سنة (، لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد ( الزمخشري وأبو حيان ) منسوباً إلى حد استطاعة البشر في قوله تعالى: )مما تعدون (، يعني: مما يقع تحت قياسكم فيمكنكم أن تعدوه بطريقتكم التي تعهدونها في عد السنين ـ وتحصوه.
والعرب تعد السنين بسير القمر، فيكون حد السرعة في السماء مقداره مسيرة أو مسافة ألف سنة قمرية في اليوم الواحد، كما قال ابن عباس: ( سرعة سير هذا الأمر يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم )... وأكد هذا المعنى الزمخشري والقرطبي.
وهؤلاء المفسرون جميعاً كشفوا الغطاء عن المعنى الحقيقي للآية، فهي فعلاً دليل لسرعة، ونستطيع أن نفهم النص بلغة العوام عندما يأتي أعرابي أمر ليشتري طائرة مثلاً، فيقول له التاجر: إن يوم هذه الطائرة بمسيرة ألف سنة للسلحفاة، أو بمسيرة أربعة شهور للجمل، وعندئذٍ يستطيع الأعرابي تصور سرعة الطائرة، لأنه لا يعرف التعبير العلمي المستخدم حالياً بوحدة الكيلو متر /  ساعة.
والتعبير بالزمن كدلالة للمسافة والسرعة هو في حد ذاته أسلوب علمي تقدمي، فنحن الآن نقيس المسافات بين النجوم بالسنين الضوئية، كما شرحنا في البند السابق، والقرآن الكريم سبق العلم باستخدامه هذا الأسلوب الزماني في آية السجدة ( 5 )، وفي وصف سرعة الرياح المسخرة لسيدنا سليمان بقول الله تعالى: )ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر... ( 12 ) (.سورة سبأ..
أي: أن الغدو أو الرواح للريح تعادل شهراً بمسيرتكم في غدوكم أو رواحكم. أي: أن المسافة التي تقطعها الرياح في ساعة تعادل ثلاثين مرة قدر غدونا أو رواحنا، وهذا دليل على سرعة الرياح الجبارة التي كانت مسخرة لسليمان عليه السلام، ونحن نستطيع حسابها هنا من النص القرآني.
وحيث إن رواحنا أو غدونا اليومي يستغرق ( طبقاً للتعريف اللغوي ) ساعة زمنية يومياً من ساعات النهار، وأننا نسير على الأقدام حوالي 6 كم / الساعة، فإن رواح الريح أو غدوها تساوي قد رواحنا 30 مرة ( شهر كامل ) وبهذا فإن المسافة التي تقطعها الريح في ساعة واحدة ( رواح أو غدو ) = 6 × 30 = 180كم / ساعة، وهذه سرعة تصل لمرتبة ريح أعلى من الإعصار، يسميها علماء الأرصاد ( العاصفة المكتملة )، والتي تزيد سرعتها عن 350كم / ساعة علمياً، وهذا إعجاز علمي للقرآن في وصف ريح سليمان عليه السلام. والتي يؤكد القرآن سرعتها بوصفها بالعاصفة في قول الله تعالى: )ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره.... ( 81 ) ( سورة الأنبياء..
وسوف يتضح لنا أيضاً، أن نص آية السجدة ( 5 ) بيان أكيد لسرعة السير الكوني في السماء، فالنص المجيد يجعل المساواة في مقدار السير بين متحركين اثنين أحدهما سريع ( الأمر الكوني ) نقيسه على شيء آخر بطيء ( القمر ) معروف ومحدد في التعبير القرآني في هذه الآية: ).... ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( سورة السجدة.... وبهذا نصل إلى حل العقدة بمقتضى المثلية في مقدار المسير في الحالتين، واختلاف الزمنين الواردين في الآية لاختلاف السرعتين للأمر الكوني السريع من جهة، وللقمر البطيء من جهة أخرى، وعليه كما فهم المفسرون جميعاً ( إلا القليل جداً منهم ) تكون هكذا:
المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في يوم أرضي واحد = المسافة التي يقطعها القمر في مدار في ألف سنة قمرية، على اعتبار أن القمر هو الوسيلة الفلكية العلمية القرآنية والشرعية لعد الشهور والسنين، ومراعاة للوصف القرآني، مما تعدون.
( 2 ) عبارة ( كان مقداره ) في آية السجدة تحتوي على الفعل ( كان )، والذي يدل هنا كوضع قياسي على معنى الأزلية والدوام، وليس على الفعل الماضي، أي: ( كان مقداره )، أي: سيظل مقداره كذلك دائماً ودوماً تغيير بالقياس على تفسير ( كان ) في قول الله تعالى: ).... وكان الله بكل شيء محيطاً (126 ) (.سورة النساء.. والذي يفسر المفسرون بأن ( كان ) هنا بمعنى: ( وهو سبحانه دائماً كذلك ) ( فتح الباري ).
وأما لفظ ( المقدار ) فهو لغوياً بمعنى المقياس والحد ( المعجم الوسيط ـ تاج العروس )، أي: أن سرعة الأمر لا يمكن أن تزيد عن الحد الموصوف بالآية الكريمة ( لا حظ هنا الإشارة إلى المفهوم العلمي لأينشتين في الحد الأقصى للسرعة الكونية )... وبهذا فإن وصف ( كان مقداره ) تعني: أن السير في السماء له حد أقصى في سرعته، أي: أن نهاية سير الأمر الكوني في السماء محدود ولا يتجاوز سير أو مسافة ألف سنة مما تعدون في يوم واحد من أيامكم، كما أجمع الفخر الرازي، وقتادة، وابن كثير، والطبري، أن قوله تعالى: )... الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون(.سورة السجدة..
يعني: مقدار السير في ذلك اليوم يساوي مسيرة ألف سنة مما تعدون.
وقال ابن عباس: ( ولسرعة سير هذا الأمر يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم ) ( الزمخشري ـ القرطبي ).
وبهذا التوضيح الرائع لجملة التفاسير المختارة هنا يتضح الأمر أمامنا، ويتعمق المعنى العلمي في أذهاننا، كما سنرى بعد قليل في حسابات آية السجدة التي وفقني الله لإجرائها في أنوار هذه التفاسير التي جمعها تلميذي الباحث / محمد دودح، بهيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
( 3 ) وقوله تعالى: ) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) (.سورة السجدة..
يقول الفخر الرازي وصاحب فتح القدير: ليس المراد هنا انقطاع تدبير المولى سبحانه وتعالى بعد انقضاء اليوم المستخدم هنا للقياس، بل المراد منه دوام التدبير واستمراره ودوام العروج واستمراره، أي: امتداد نفاذ الأمر في الدنيا دون توقف.
وقال أبو حيان: أشار النص الكريم إلى دوام أمر الله.
وقال الألوسي: ويدل على ذلك العدول إلى المضارع، يعني في قوله تعالى ( يدبر ).. وكذلك ( يعرج )، وكذلك لفظ ( كان )، الذي يفيد الأزلية والدوام مما يحكم ببطلان توهم انقطاع التدبير أو انتهاء السير إلى مكان السماء في زمن يوم واحد فقط!.
وقال مجاهد: الضمير في ( مقداره ) عائد على التدبير أو العروج والسير، أي: كان مقدار التدبير أو العروج والسير المنقضي في يوم يساوي مسيرة ألف سنة ( أبو حيان ).
وقال الألوسي: يعني ( في يوم ) مقدار مسافة السير فيه ( ألف سنة ) للتقرير كذلك بأن اليوم في النص الشريف يستخدم كوحدة قياس ووعاء عياري، كما هو واضح في قوله تعالى في نص آخر مشابه تماماً لنص السجدة ( 5 ) هو قول الله تعالى: ).... وإنّ يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون (47)(.سورة الحج.
ويتضح هنا أن موضوع النصين القرآنيين في سورتي السجدة والحج واحد.. والمقادير فيهما واحدة، حيث قدر اليوم باعتبار مسافة السير فيه.. بألف سنة.. لاستحالة أن يكون ذلك خاصاً بالزمن، لأن اليوم في النصين من أيام الدنيا ( الطبري ـ فتح القدير ـ أبو حيان ـ القرطبي ـ نظم الدرر ـ الألوسي ـ الزمخشري ـ ابن كثير ـ زاد المسير ). ويوم الدنيا لا يساوي ـ في ذات الوقت ـ ألف سنة من سنيها ( نظم الدرر ـ الألوسي ـ الزمخشري ).
وعلى هذا فالنص الكريم في السجدة ( 5 ) لا يدل على انتهاء العروج والسير إلى مكان ـ أو انقطاع التدبير والتقدير في زمن معين، ولكنه يدل على حد السرعة في السماء، وبهذا يتضح الأمر الكوني نوراً على نور، ويتمهد الطريق ـ بفضل الله ـ للحساب في هذه المعادلة القرآنية.
( 4 ) أجمع معظم المفسرين على معادلة مسيرة اليوم بواسطة الأمر الكوني مع مسيرة القمر في ألف سنة قمرية.
فقال أبو حيان: السنة المعتبرة في هذه الشريعة هي السنة القمرية، وهذا حكم قرآني لا بديل  عنه كما في قوله تعالى: ).... والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب... ( 5 ) (.سورة يونس..
وقوله تعالى: )يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ... ( 189 ) (.سورة البقرة..
وقالوا في مجموعة التفاسير: شهور السنة القمرية مبنية على سير القمر في المنازل... فيكون معنى سير أو مسافة ـ ( ألف سنة مما تعدون ) ـ أي: مسافة ألف سنة قمرية... أو سير القمر في ألف سنة.
وبهذا: فإن الشيء الذي يقاس على سيره في ألف عام يلزم أن يكون آية عامة مشاهدة، ويكون أجله فوق الألف عام، ويسير بانتظام ومن جنس ما يسير في السماء، وهذا قطعاً ليست الإبل، وليست أيضاً فزورة يصعب حلها... إن وسيلة القياس هنا هي القمر، وهو المقياس المعياري الذي اختاره الله لتعيين حد السرعة في السماء، الذي يمكن تعيينه الآن كمسافة ألف سنة قمرية مقطوعة كحد أقصى في اليوم الواحد من أيامنا.
وهنا نبدأ ولأول مرة في إدراك أساس النسبية الخاصة من آية السجدة ( 5 ).
 حد السرعة في السماء = المسافة مسافة ألف سنة قمرية
                         الزمن    زمن اليوم الأرضي
وبهذا وصلنا من خلاصة التفاسير إلى المعادلة القرآنية الأخيرة، كتعبير رياضي عن منطوق آية السجدة ( 5 )، وسوف نتناول هذه المعادلة في البند التالي بمزيد من التفصيل والتحليل، لنثبت أن هذا الحد هو سرعة الضوء في الفراغ أو الهواء، وقدره 299792.5 كم / ث، لتتعرف على المعجزة القرآنية في أهم مبدأ فيزيائي في القرن العشرين يتم إعلانه بواسطة أينشتين عام 1905م.
( 5 ) يرى معظم المفسرين أن قوله تعالى: )... وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ( 47 ) (.سورة الحج..
هو نفسه المراد من آية السجدة ( 5 ) حيث استخدمت، أيضاً، هنا نفس الوحدات الزمنية للتعبير عن السير وقطع المسافات، فكانت ( كما شرحنا لاستحالة أن يساوي اليوم عندنا ألف سنة زمنياً ) للدلالة على سرعة عامة وشاملة، أي: سرعة كونية في ملك الله تعالى لا تزيد عن مسافة ألف سنة مما تعدون في اليوم الواحد من أيامكم.
قال ابن العربي: لفظ ( عند ) هنا تعني في ملك الله، فقوله تعالى: )عند ربك(أي: في تقديره وحكمه وملكه سبحانه وتعالى ( نظم الدرر ـ القرطبي ـ الشوكاني ) واستخدام نفس وحدات القياس ( اليوم والألف سنة ) في النصين الشريفين في السجدة ( 5 ) والحج ( 47 ) يدل على أن الموصوف فيهما واحد، وأن كليهما يدل على نفس الحد الأقصى للسرعة الكونية.
وقال الطبري: إن قوله تعالى: ).... وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ( سورة الحج.
هو سواء مثل نص السجدة ( 5 ).
والمعنى في الحج ( 47 ): يخبرونا بأن الله ـ جل وعلا ـ قد قضى بهذا القانون في ملكه، وحكم به وقدر، ولقد جاءت هذه الآية عقب عبارة تدل على استعجال الكفار لمحمد بأ يطالب من ربه وقوع العذاب بهم، كنوع من التحدي للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان الرد بهذا القانون الإلهي في قول الله تعالى: ) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) (.سورة الحج.
ووجود حرف الكاف للتشبيه هنا في لفظ كألف يدل على أن الزمن غير مراد بذاته ولكن المراد هو التعبير عن المسافة المقطوعة في يوم بواسطة شيء سريع تعادل مسافة ألف سنة لشيء آخر بطيء في ملك الله.
وهنا يتضح التعبير البليغ بإظهار القدرة والمقدرة والاقتدار الإلهي لبيان ما عند الله تعالى من سرعة عظيمة في المقدار تتضاءل عندها كل مقاييس وتصورات وخيال أهل الأرض قدر بها إلى الحد الأقصى لسير الأمور كلها في السماء، فضرب مثلاً بأكبر سرعة موجودة في الأرض والسماء، أي: بأكبر سرعة في الكون المادي المشاهد: لأمر كوني من مادة هذا الكون، فيعلمون ـ إن أدركوا ـ مدى ما عندهم من عجز وافتقار، وما عند تعالى من قدرة واقتدار، لأن الله عنده سرعات تصل إلى حدها الأقصى في سرعة الضوء في عالم الشهادة وتفوقها في عالم الغيب!!!.
( 6 ) ما هو الأمر المشار إليه في آية السجدة ( 5 ) ؟ ولماذا أتى معرفاً بأل بينما اليوم والسنة ورداً في صيغة النكرة ؟ وللجواب على ذلك نذكر قوله تعالى: )يدبر الأمر من السماء إلى الأرض (، وبهذا فإن الأمر هو موضوع التدبير، وقوله تعالى: )من السماء إلى الأرض (، بيان بمجمل التدبير وطبيعته، وقوله تعالى: )ثم يعرج إليه (. أي: يتحرك في ملكه، وبيان ـ أيضاً ـ بالفاعل المدبر، لأن الضمير في ( إليه ) عائد على المولى عز وجل، وأما قوله تعالى: )في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( 5 ) ( فهو ـ كما ذكرنا ـ بيان بسرعة هذا الأمر الكوني في الفراغ بين السماء والأرض.
وتنكير اليوم والسنة دليل على تغير قيمتها في نظام الأرض والقمر بمرور الزمن وارتباطها بهذه العلاقة القرآنية الفلكية الدائمة لهذا النظام، بينما تعريف الأمر ( بأل ) يدل على ثبات سرعته الموصوفة بين السماء والأرض في هذه العلاقة الكونية ثبوتاً مطلقاً!.
وطبيعة التدبير هنا هي بلا شك حركة دائبة وعروج مستمر لا ينقطع، فقوله عز وجل: )من السماء ( يدل على ابتداء المسير، و )إلى الأرض (يدل على منتهى المسير، والفعل ( يعرج ) موضعه السماء، ويدل على الحركة في انحناء، لأن العروج عن السير في خط مستقيم. ويعرج بمعنى يصعد أو يسير مطلقاً بغير تحديد، في ميل وانحناء أو في خطوط ملتوية، فيدل على الحركة وقطع المسافات.
ومنه تعارج: حاكي مشية الأعرج، وانعرج الشيء، وتعرج: انعطف ومال، وعرّج الثوب: خططه خطوطاً ملتوية ( المعجم الوسيط ).
وفاعل ( يعرج ) هو الأمر هنا، ويدل على وجود كوني من مادة هذا العالم المنظور. بين السماء والأرض بدلالة الاقتران الكوني هنا بين الأمر والسماء والأرض المعهودة لنا، فلا بد وأن الأمر وهو معرف بأل معهود لنا، لأن ( أل ) تأتي للعهد والجنس، وبالتالي يشمل الأمر هنا كل ما يتحرك بالسرعة الموصوفية طبقاً للمعادلة القرآنية السابق شرحها.
ولقد تبين لنا حديثاً أن أموج الجاذبية وجسيمات النبوتريتو تشاركان الضوء في السرعة القصور، والمراد بالأمر هنا هو الأمر الكوني الذي يقع تحت قياسنا فعلاً كما هو موصوف بسرعته في الآية )مما تعدون (وليس أمراً معنوياً مجازياً وليس أمراً موصوفاً ( بكن فيكون ) أي: الأمر التكويني العاجل أي: الأمر الكنى، والذي يشير إليه المولى سبحانه وتعالى في طور الخلق من العدم، وإنما الأمر هنا في أية السجدة في طور التسخير، وخاضع لسنة كونية لا تتبدل ولا تتغير، ومحدد بمقدار سير محدود من الآمر في زمن معين ودائم الثبات في سرعته طبقاً لهذا القانون الكوني الهام.
( 7 ) ليس الأمر هنا معنوياً أو مجازياً، كما فهم بعض المفسرين على أنه القضاء والقدر والثواب والعقاب يتنزل من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه سبحانه يوم القيامة ليفصل فيه، وأن هذا اليوم الأخروي يعادل ألف سنة، لشدة أهواله. لأن هذا رأي يخالف ظاهر النص: ( مما تعدون )، لأن القدر لا يخضع لحسابنا كما أن الرأي بأنه يوم إلهي بألف سنة عندنا يعد خروجاً عن النص وإخضاع للذات الإلهية للزمن!.
( 8 ) وليس الأمر هنا أمراً شرعياً بمعنى الوحي بالتكاليف الشرعية في الطاعات، فقوله تعالى: )من السماء (يدل على أن الأمر كوني، ولو كان شرعياً لقيل ( من عند الله ) بدلاً من السماء.
وقوله تعالى: )إلى الأرض (يدل على أن الأمر كوني. ولو كان شرعياً لقيل: ( إلى الإنسان ) الذي هو محل التكاليف، بدلاً من قوله تعالى: ( إلى الأرض )،ولأن الأمر الذي دبره هو الذي يعود ويعرج في السماء، ولو كان شرعياً فإنه لن يعود بل الذي يعود هو العمل به، لأنه في هذه الحالة النازل غير الطالع، أما الأمر الكوني هنا في هذا البحث هو نفسه النازل والطالع بين السماء والأرض وفي ملك الله تعالى كما أن الأمور الشرعية ليست دائمة ولكنها انتهت باكتمال التنزيل وانقطاع الوحي، بينما الأمر هنا في السجدة ( 5 ) مستمر ودائم، أي من الأمور الكونية المقيدة لسنة ثابتة دائمة في الكون بينما الأوامر الشرعية، تحملها الملائكة، وهذه لها أيضاً حد أقصى لسرعة أخرى أكبر من الموصوفة في السجدة، وذلك كما في قوله تعالى: ) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ  (.سورة المعارج.. وسوف نتناول هذا النص بالتفصيل بعد ذلك.
وبهذا يتضح أن الأمر في السجدة ليس ملائكياً لاختلاف معدل السير، وقد ذهب بعض المفسرين ـ دون دليل شرعي ـ إلى اعتبار الملائكة مدبرة لهذا الأمر في سورة السجدة استناداً لفهم خاطىء لقوله تعالى: )فالمدبرات أمراً  (.سورة النازعات.. ورغم أن هذا النص عام، والكلائكة تقوم بشؤون معينة منصوص عليها في القرآن ( مثل ملك الموت، وملائكة النصر، وملائكة العذاب، وملائكة الذكر ) كما أن الأمر في ( المدبرات أمراً ) ورد نكرة وليس المر الكوني العام في السجدة ( 5 )، كما أن الله ه الذي يدبر الأمر في آية السجدة ( 5 ) وليس الملائكة، والأسلم ترك النص القرآني على ظاهرة فالذي يعرج في السجدة ( 5 ) هو الأمر وليس الملائكة ولا داعي لمعاندة النص الشريف ومخالفة ظاهرة كما أن القرآن يميز من حيث السير بين الملائكة والأمر الكوني كما في آيتي المعارج ( 4 ) والسجدة ( 5 ) على الترتيب وكما في قوله تعالى: ) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ...(.سورة النحل.، والمفاضلة بحرف ( أو ) يدل على اختلاف معدل السير في الحالتين.
وبهذا فليس هناك دليل شرع على قيام الملائكة ـ عليهم السلام ـ بتدبير الأمر الكوني في آية السجدة ( 5 ) ولا داعي لتحميلها ومحاولة تحوير مقاصدها، وعليه فإن المراد في آية السجدة ( 5 ) بيان سنة كونية للأمر الكوني المعرف لغة، بالألف واللام، والمُعرف حالاً بالسرعة الموصوفة في حدها الأقصى، كما نلاحظ بعد ذكر الأمر في السجدة ( 5 ) ورود قوله تعالى: )الذي أحسن كل شيء خلقه....(.سورة السجدة.. فهذا الوصف العام يصيب الأمر المذكور ويشمله، لأنه شيء حادث من بعض ما خلق سبحانه وتعالى وعليه فإن ( الأمر ) الذي نحن بصدده في السجدة ( 5 ) أمر كوني قدري في عالم الأسباب، ضبط بقانون وسنة تميزه فهو وصف لبعض الأقدار الخاضعة لقانون ثابت وعام في هذا الوجود، ولقد أتقن الله كل شيء وقدره تقديراً، وكل شيء عنده بمقدار حتى في عالم الغيب.
( 9 ) يقول تعالى: ) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (.سورة المعارج..
هذا النص الكريم يبين ( كما قال المفسرون ) حداً أقصى لسرعة الملائكة والروح.
فقال ابن عباس وابن إسحاق ومنذر بن سعيد: إن العروج هنا في الدنيا وليس في الاخرة، والمعنى: أنها تعرج في يوم من أيامكم هذه، ومقدار المسافة خمسون ألف سنة ( أبو حيان والألوسي ).
وعالم الملائكة والروح لا يقع تحت القياس البشري، لكون من غير مادة هذا العالم المنظور، ولذلك وردت الآية خالية من عبارة ( مما تعدون ) وهذا دليل على دقة القرآن الكريم وصدق روايته... ولقد أشارت الآية هنا إلى حد أقصى جديد يفوق الحد المنصوص عليه في آية السجدة بخمسين ضعفاً... على الفرض أن اليوم من أيامنا والسنة من سنينا في ( المعارج / 4)، لأننا نحن المخاطبون بالقرآن، وأما خلو هذا النص الشريف من عبارة ( مما تعدون ) فيرجع إلى أننا لن نستطيع أبداً إحصاء سرعة الملائكة والروح رغم علمنا بقيمة كل من اليوم والسنة القمرية بمقاييسنا...
وبهذا: فإن الملائكة تخترق حاجز السرعة المبين في آية السجدة ( 5 )، والخاص بعالم الشهادة، وتنطلق بسرعات أكبر في عالم الغيب، وبحد أقصى جديد مبين في آية المعارج ( 4 )، والعروج دنيوي للملائكة وليس أخروياً، كما اعتقد بعض المفسرين الذين اعتبروا الوهم والخيال اليوم في آية المعارج ( 4 ) هو يوم القيامة، والذي يساوي في نظرهم وخيالهم خمسين ألف سنة لشدة العذاب وهو العقاب في الآخرة، وهذا تفسير لا يتفق مع ظاهر النص... وعلى كل حال، فالمفسرون بشر يؤخذ من كلامهم ويرد.
ولقد أعجبني قول الألوسي رضي الله عنه في تعليقه على آية المعارج ( 4 ) قائلاً: ( وإن لم تبعد هذه السرعة الملائكية عمن وقف على سرعة الأضواء وعلم أن الله على كل شيء قدير )، فما أجمل هذا الوصف وما أروع التشبيه هنا...
وبهذا يمكننا القول بأن القرآن الكريم وضع حداً وبرزخاً للسرعة في عالم الشهادة يخضع لقياسنا وندركه في العالم الكوني المشاهد المحسوس في آية السجدة ( 5 ) بينما وضع حداً آخر للسرعة في عالم الغيب في آية المعارج ( 4 )، ولا وجه للمشككين ولا مطعن للمكذبين، ولا حجة للمستشرقين الذين يدعون ظلماً بأن هناك تعارضاً في القرآن بدعوى أن اليوم بألف سنة في السجدة (5) بينما نفس اليوم بخمسين ألف سنة في المعارج ( 4 ) ولكنهم كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه كما في قوله تعالى: ) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ..... (.سورة يونس..
وقوله سبحانه: ) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) (.سورة الشعراء..
ويا ليتهم يعلمون أن موضوع النصين الشريفين في السجدة (5) والمعارج ( 4 ) مختلف، لاختلاف المتحركين واختلاف العالمين واختلاف السرعتين.
فهذا في مقام وذاك في مقام آخر. لو كانوا يفقهون.
ويا ليتهم يعرفون الحكمة من ذكر سرعة الملائكة التي لن نستطيع قياسها.... إنه تحديد إلهي لمخلوقاته كلها يدل على أن الملائكة والروح رغم أن سرعتهم تفوق سرعة الضوء فهم من عالم الوجود المخلوق الحادث والمقدور الذي تجري عليه سنن الوجود والتقدير، ودليل على أن طلاقة القدرة لا تكون إلا لله تعالى وحده، فسرعة الملائكة محددة ومقدرة لا مطلقة بغير حدود رغم أنها تجاوزت سرعة الضوء... بل التي تجعل من برزخ سرعة الضوء مضاعفاً صحيحاً لهذه السرعة، أي: أن السرعات ستكون مثنى وثلاث ورباع من سرعة الضوء، ويزيدها الله إلى أن تصل إلى خمسين ضعفاً كما أفهم من قوله تعالى: ).... جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  (.سورة فاطر.. ولقد حدثنا الله أيضاً عن سرعات جبارة في عالم الجن.
كيف نفهم الأمر الإلهي بالضوء؟.
تحدثنا فيما سبق عن طبيعة الأمر الكوني في آية السجدة ( 5 )، والمحدد بسرعة عظمى بين السماء والأرض، والتي سوف نحسبها في البند القادم، ولكننا نود هنا التمييز بين: الأمر الكوني ـ وأمر الكينونة ـ والأمر الملائكي... فالأول يتحرك بسرعة عظمى في عالم الشهادة، والثاني لا يستغرق زمناً في تنفيذه، لأنه خاضع لقانون ( كن فيكون )، والثالث: تحمله الملائكة بسرعة عظمى أكبر في عالم الغيب ( عالم التاكيون )...
والسؤال الآن: هل الضوء أمر إلهي. والجواب: نعم. وهو أمر كوني من النوع الأول. وتمثل سرعته الحد الأقصى في عالم الشهادة، بل البرزخ الذي يفصل بين عالم الشهادة وعالم الغيب...
ولقد ورد ذكر الضوء في القرآن الكريم كأمر إلهي في قوله تعالى: ) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) (.سورة القمر..
ومعنى: إنا كل شيء خلقناه بقدر: أن كل شيء في الوجود مخلوق بمقدار محدد وحالات مقدرة وفق سنن ثابتة ومستقرة.
وقوله عز وجل: ) وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) ( بيان لهذا التقدير في نموذج من هذا الخلق ودلالة على كونية الأمر الموصوف بالضوء، أو النور.
قال الألوسي: ( كلمة بالبصر ) أي: في السير والسرعة.
وقال الطبري: كسرعة اللمح بالصبر.
وقال القاسمي: في السرعة، واللمح من الفعل ( لمح ) بمعنى لمع ورمض وأضاء... وبهذا، فاللمح بمعنى الوميض والضوء ( المعجم الوسيط ).
وعليه: فإن القرآن الكريم يقرر أن سير الضوء وسرعته بيان للسير الكوني وسرعته، والمماثلة هنا بين الضوء والأمر الكوني في المقدار والأحوال، فالأمر هنا أمر إلهي كسرعة الضوء وطبيعته وتكوينه، والآية واضحة المعاني.
يقول الفخر الرازي: اللمح بالبصر معناه البرق يخطف بالبصر ويمر به سريعاً...
وقوله تعالى: ( بالبصر ) فيه فائدة وهي غاية السرعة.
ويقول أبو حيان في البحر المحيط: ( كلمح البصر ) تشبيه بأعجل ما يحس، وهو أحسن وصف لسير الضوء في الفراغ بتمثيل حقيقي بحركة لمح البرق الخاطف... وهذه ظاهرة مرئية وعامة يدركها المخاطبون.
وخلاصة القول هنا: هي أن الضوء أحد الأوامر الإلهية.
وقوله تعالى: ) وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ ( يشير إلى تكوين الضوء من وحدات متماثلة متعاقبة مع تمثالها في مقدار السرعة....، ووردت لفظة ( واحدة ) نكره لتدل على تنوع الأمر في الشكل والهيئة.
ويقول الفخر الرازي: إن اللمح بالبصر يتكون هنا من وحدات متعاقبة، فهل يا ترى كان الرازي يقصد ما نسميه نحن كمآت الضوء؟ والمفرد: كمة، أو فوتون، وأعتقد أن هذا هو المقصود لغوياً، فالواحدة هنا ليست وصفاً للأمر كله بل وصفاً لأجزائه ووحدة تكوينه وبنائه، ونحن نقول علمياً الآن: إن واحدة تكوين الضوء هي الفوتون... والواحدة فعلاً هي مفردة الجنس التي لا تتجزأ، كما في قوله تعالى ).... فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...(.سورة النساء..
وبهذا فإن الآيتين الكريمتين: ( القمر 49، 50 ) تبين أن اللمح ( الضوء ) له واحدة تكون الوحدة الأصلية للأمر الكوني التي تحمل خصائصه ولا تتجزأ، فالاستثناء بعد النفي يفيد الحصر في قوله تعالى: )وما أمرنا إلا واحدة (، والذي يدل على أن المراد من قوله سبحانه وتعالى: ( واحدة ) الجزء من الأمر ووحدة تكوينه، لا كل الأمر، للمخالفة في الجنس فالأمر مذكر. و ( واحدة ) مؤنث، لأنه لو كان المراد وصف الأمر كله لقيل: )وما أمرنا إلا واحد (، حيث الصفة تتبع جنس الموصوف... وعلى هذا، فالتعبير القرآني في غاية الدقة ويدل على أن الضوء يتكون من وحدات نسميها الآن علمياً بالفوتونات (photons).
نستنتج مما سبق قرآنياً أن الضوء أمر إلهي يتكون من وحدات لا تتجزأ، وأن سرعته تمثل غاية السرعة في هذا الوجود.
فمن أدرى محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الأوصاف للضوء والنور؟ حتى يأتي بالقول الجامع البليغ؟ والخبر الحق في قوله تعالى:)وما أمر الساعة إلا كلمح البصر.... ( 77 ) (.سورة النحل.. وصدق الله تعالى في قوله سبحانه: )لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه.... ( 166 ) (.سورة النساء..
نعم، نزل القرآن بالعلم الإلهي... وفيما يلي أقدم المعجزة القرآنية في حساب السرعة الضوئية، كحد أقصى وكإثبات وبرهان لأعظم قانون فيزيائي كشفه أينشتين في القرن العشرين الميلادي، بينما هو مذكور في القرآن الكريم منذ القرن السادس الميلادي، وصدق الله تعالى: ) إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) (.سورة ص..
ولقد أوضحنا طبيعة الأمر في آية السجدة ( 5 ) التي تبين أن أصل الكون كله بأرضه وسمائه أمر كوني واحد محدد ومعروف،ولهذا ورد مغرفاً ( بأل ) في لفظ ( الأمر ) في قوله تعالى: ) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) (.سورة السجدة.. فقد أفاد الله تعالى هنا تحول الأمر من السماء إلى الأرض وبالعكس، مما يفيد ـ على ما أعتقد ـ تحول الطاقة إلى مادة، والمادة إلى طاقة بصفة مستمرة منذ بداية الكون وحتى نهايته، تحولاً دائماً وغير منقطع.
وتدبير الأمر في بداية الكون هو خلقه بواسطة الخالق سبحانه، وبدستور إلهي ( كن فيكون )، حيث ظهر عند الانفجار العظيم إشعاع هائل وهو (الأمر)، ملأ الكون في درجة حرارة عالية جداً، ثم عرج هذا الإشعاع في ملك الله، بالسرعة الموصوفة، متحولاً من السماء إلى الأرض، أي: من تموج إلى تجسيد ( طبقاً لقانون أينشتين ط= ك س2) ومتحولات من الأرض إلى السماء ليعرج بالسرعة القصوى من تجسيد إلى تموج، في عملية فيزيائية مستمرة وصفها أينشتين بقانونه الشهير كأعظم قانون فيزيائي في القرن العشرين الميلادي (ط= ك س2 )، أي: { الطاقة ط تساوي حاصل ضرب الكتلة ك × مربع سرعة الضوء س }.
وهكذا: فالأمر الكوني في آيتي القمر ( 49 ، 50 )، وفي آية السجدة ( 5 ) هو الضوء وأسرته وأقرانه من أمواج الجاذبية وجسيمات النيوترينو التي تتحرك جميعها في الفضاء بالسرعة القصوى س التي هي محور هذا اللقاء مع حضراتكم... حقاً، إن الأمر الموصوف سرعته بآية السجدة ( 5 ) هو أصل الكون كله، ودليل على وحدانية الخالق وقدرته. وسرعة هذا الأمر كوجوده مقدرة تقديراً. وبذلك: فهي قدر مقدور، كما في قوله تعالى: )... وكان أمر الله قدراً مقدوراً ( 38 ) (.سورة الأحزاب..
ورغم هذا يتعالى أحد الناقدين لبحثي ويطالعنا بمقال في مجلة الأزهر(7) عنوانه: ( أمر الله لا تحده سرعة الضوء )، وأشكره على هذا الكرم الحاتمي، ولكنه يتعارض مع نصوص القرآن: )وكل شيء عنده بمقدار (ولقد تم الرد عليه وعلى غيره في نفس المجلة.... ولا أدري لماذا النقد والأمر واضح كالشمس! والله نور السماوات والأرض، وصدق الله تعالى: )بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه.........( 39 ) (.سورة يونس.... ودعنا من هؤلاء، فالكون والوجود كله مظهر لهذا القدر يتجلى فيه وبمظاهر متعددة لهذا الأمر الشامل لكل شيء في الكون، كما في قوله تعالى: ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) (.سورة الحج.. )... والنجوم مسخرات بأمره.... ( 54 ) (.سورة الأعراف.. )... وكل أمر مستقر ( 3 ) (.سورة القمر..
ولقد ورد الأمر هنا بصيغة الإفراد ونكرة ليدل على كونها حالات متعددة من أمره الذي يستخدمه الله سبحانه حقيقة، لا مجازاً في التسخير والتسيير في شكل سنن كونية قائمة ومنتشرة وفي أرجاء السماوات والأرض، كالضوء وأمواج الجاذبية وغيرها من الظواهر الخاضعة لنفس القانون، رغم تعدد أشكالها في السماوات والأرض كما في قوله تعالى: )ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجه الأمر كله..... ( 133 ) (.سورة هود.
وقوله سبحانه وتعالى).... بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً... ( 31 ) (.سورة الرعد.
وقد ورد لفظ ( الأمر ) هنا مفرداً معرفاً ( بأل ) للدلالة على أنه الأمر الكوني وليس المجازي، مع التأكيد على تنوعه بألفاظ تفيد الحصر مثل: ( كله )، ( جميعاً ). وقد يأتي نكرة كما في الايات السابقة للدلالة على كونه بعض أحوال الأمر الكوني العام. وقد يأتي بصيغة الجمع ( الأمور ) في سياق وصف الكون، كما في قوله تعالى: ) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) (.سورة الحديد..
وقوله سبحانه موضحاً وجود هذا الأمر بين كل سماء وأرضها: ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) (.سورة الطلاق..
حساب سرعة الضوء مستنبطة من آيات القرآن كسرعة قصوى:
بعد استعراض التفاسير المختلفة لآية السجدة ( 5 )، فيما سبق، أود أن أوضح أن التفسير الشرعي لهذه الآية تم الاتفاق عليه في الندوة(8) التي حضرها لفيف من العلماء الشرعيين وعلماء الفيزياء والفلك، وقام الطبيب محمد دودخ باستعراض صفوة التفاسير لهذه الآية، وتم الاتفاق على أن معنى آية السجدة ( 5 ) شرعياً هو معادلة قرآنية جديدة في نظام الأرض والقمر تنص على ما يلي:
المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في الفضاء في يوم أرضي واحد بالسرعة القصوى تساوي المسافة التي يقطعها القمر على مداره الخاص حول الأرض في ألف سنة قمرية، ولقد قمت بعرض حساباتي ـ طبقاً لهذه المعادلة ـ على الندوة المذكورة بمكة المكرمة وكذا مؤتمر التوجيه الإسلامي(9) للعلوم، وفي مجلة الأزهر(10)، وفي مؤتمر موسكو(11)... وفيما يلي بيان هذه المعجزة القرآنية حسابياً:
طبقاً للمعادلة القرآنية المعتمدة شرعياً نعوض عن المسافة بحاصل ضرب السرعة في الزمن طالماً أن السرعات الواردة منتظمة وثابتة:
0 الحد الأقصى للسرعة س × زمن اليوم الأرضي = 12000 × طول المدار القمري.
0 الحد الأقصى للسرعة الكونية س = 12000 × طول المدار القمري حول الأرض
                                                 زمن اليوم الأرض
مع ملاحظة أن الرقم 12000 هو عدد الدورات القمرية حول الأرض في 12000 شهر قمري، أي: في 1000 سنة قمرية، لأن القمر يدور دورة واحدة حول الأرض كل شهر قمري.
وبالتعويض في هذه المعادلة عن طول المدار القمري حول الأرض بحاصل ضرب: متوسط الرسعة المدارية الخالص للقمر × زمن الشهر القمري
0 الحد الأقصى للسرعة الكونية س =
12000 × متوسط السرعة المدارية للقمر ع × زمن الشهر القمري ز1 
زمن اليوم الأرضي ن1 
 س =                        12000 ع1 ز1        ..... ( 1 )
                                        ن1
حيث ع1، ز1، ن1: قيم حقيقية وليست ظاهرية.
وهذه هي المعادلة القرآنية الجديدة لنظام الأرض والقمر، والمطلوب حساب الحد الأقصى للسرعة الكونية س منها بمعلومية الطرف الأيسر.
ولقد اقترحت شروطاً للتعويض في هذه المعادلة حتى يكون الحساب خالصاً نقياً بقيم حقيقية وليست ظاهرية، وذلك بالتخلص من تأثير دوران الأرض حول الشمس على الفلك الناشىء عن دوران القمر حول الأرض، أي: بالتخلص من تأثير الحركة الأولى للأرض (Heliocentric motion) على الحركة الثانية للقمر (geocentric motion) وهذا الشرط منطقي يسمح له علم الفلك، تحاشياً للتداخل، لأن كل جرم سماوي له فلكه الخاص المتداخل مع أفلاك أخرى، ولا بد من الفصل إذا أردنا أن نحسب فلك القمر وحده حول الأرض خالصاً نقياً دون حركة الأرض ومعها القمر في انحناء حول الشمس... وهذا التصحيح الذي اقترحته في هذا البحث لا بد من إدخاله كشرط أساسي وصفه أينشتين عند التعامل بالنظرية النسبية الخاصة التي تتعامل فقط مع نظم القصور الذاتي المتحركة بسرعة منتظمة في خط مستقيم دون انحناء، أي: تشترط إهمال تأثيره قوة الجذب الشمسي على النظام المستعمل هنا ( نظام الأرض والقمر ) كمعيار في المعادلة المذكورة التي تبحث الحد الأقصى للسرعة الكونية، أي: تبح عن أساس المبدأ الرئيسي للنسبية الخاصة لأينشتين التي تعتبر سرعة الضوء س ثابت مطلقاً في الفراغ التام، أي: دون أن يخضع مسار الضوء للإنحناء عند عروجه مثلاً من الأرض إلى السماء بتأثير وجود الشمس، لأن الانحناء سيغير من سرعته ويجعلها متغيرة مما يتعارض مع ثبوتها المطلق.
ولهذا: فقد ألغيت ـ في جميع حساباتي ـ تأثر دوران نظام الأرض والقمر حول الشمس على الكميات الموجودة في الطرف الأيسر ع1، ز1، ن1، والتي سنعوض فيها، بحثاً عن قيمة س.
وهذا التصحيح ضروري ولا مفر منه، لأنه شرط أساسي في النسبية الخاصة، ولا يمكن لأي عاقل أن يتغاضى عن شرط مطلوب توفره عند البحث في هذا الموضوع بالذات الذي نحسب فيه الحد الأقصى للسرعة الكونية، وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه. فكيف نقيس قيمة ثابتة مطلقة كسرعة الضوء س بمقياس قائم على نظام الأرض والقمر كمتر عياري للقياس، بينما هذا النظام يتأثر بجذب الشمس له فينحني مساره ويصبح نظاماً لا قصورياً لا تنطبق عليه النسبية الخاصة، لأنه يسير في انحناء حول الشمس؟!.
فكيف نثبت مبدأ النسبية الخاصة ونحن نطعنها من الخلف في أهم شروطها؟ لهذا، فإن المعادلة القرآنية تقتضي إدخال هذا التصحيح الضروري بإهمال جذب الشمس للنظام المستعمل في القياس ليصبح نظاماً مستقلاً، أي: بالتعامل مع فلك الأرض حول نفسها لقياس ن1 وفلك القمر حول لقياس ع1، ز1 دون تأثير دوران ( نظام الأرض والقمر معاً ) حول الشمس، عملاً بقوله تعالى: ) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) (.سورة يس..
أي: لكل جرم فلكه الخاص نقياً خالصاً.
ولا بد من إدخال التصحيح للكميات الثلاث، أي: زمن اليوم الأرضي، وزمن الشهر القمري، ومتوسط السرعة المدارية للقمر، على الترتيب، كما يلي طبقاً لشروط أينشتين (12)بإهمال جذب الشمس لنظام الأرض والقمر معاً لتحويل هذه الكميات الثلاث من ظاهرية إلى قيم حقيقية نقية كمقياس عاري لشيء مطلق ( الضوء ) يخضع لنفس الشرط أي: تصحيح المقياس لشروط القياس.
أولاً: زمن اليوم الأرضي:
هو زمن دورة الأرض حول نفسها ( حول محورها ) مرة واحدة يومياً في فلك مغزلي للأرض يتأثر زمن دورانه ( أي: زمن اليوم ) فيه بدوران الرض، في نفس الوقت، في فلكها حول الشمس، وهنا يحدث التداخل بين الفلكين، ولهذا فقد أعلن علماء الفلك أن هناك قيمتين لزمن اليوم الأرضي وهما:
أ ) اليوم الأرضي الاقتراني ( ن ) (Synodic Terrestrial day):
هو الذي نعد به الأيام، ويدعى اليوم الشمس الظاهري (apparent solar day) مقاساً بعبور الشمس ظاهرياً عبورين متتالين ومتشابهين لخط الزوال، وذلك بأن يتخيل الإنسان شمساً تدور حول الأرض في خط الاستواء السماوي ( بينما الأرض هي التي تدور حول محورها ).
وقد اتضح أن متوسط طول الفترة الزمنية بين كل عبورين متتالين هو 24 ساعة، والذي يمثل متوسط اليوم الأرضي الشمسي عبر عام كامل، وتسير عليه توقيتاتنا المدنية، وكذلك إحصاء عدد الأيام فقط. وهو زمن ظاهري وليس حقيقياً، لأنه مضبوط على الشمس دون فصل الأفلاك عن بعضها، لأنه أثناء دورة الأرض حول محورها مرة كاملة تكون الأرض قد دارت في نفس الوقت حول الشمس. لهذا: فاليوم الظاهري ن = 24 ساعة بقيمة أكبر من الحقيقة!.
 ن = 24 ساعة، ظاهرياً
ب ) اليوم الأرضي النجمي (Siderial Terrestrial day):
يعتبر العلماء النظام النجمي في قياس الزمن هو النظام الحقيقي الأساسي وليس الظاهري، وباعتراف علماء الفلك، فاليوم الأرضي النجمي ن1 أقصر من اليوم الأرضي الشمسي بمقدار 3 دقائق، 56.556 ثانية، ولذلك يتجمع هذا الفرق ليشكل ساعتين، على مدى شهر، ويصنع يوماً كاملاً على مدى العام... ولهذا نجد أن النجوم التي نشاهدها في ليلة ما في مكان معين من السماء ـ وليكن خط الزوال مثلاً ـ تأتي إلى نفس المكان بعد مرور شهر من الزمان مبكرة بساعتين.
والنظام النجمي هو النظام العلمي المعتمد في جميع أبحاث الفلك، لأن اليوم الأرضي النجمي هو فعلاً زمن الدورة الحقيقية للأرض حول محورها مضبوطاً على نجم بعيد، بالفرق بين عبورين متتالين ومتشابهين لخط الزوال بواسطة نجم معين... ويرجع السبب في اختبار النجوم في عملية حساب الزمن في الأبحاث العملية لسهولة رصدها كنقطة مضيئة ومحددة، في حين أنه يصعب رصد الشمس بدقة كافية في الزمن الظاهري الشمسي السابق لما يعتري مساحة سطح الشمس الظاهري من تغير باختلاف المسافة بينها وبين الأرض، الأمر الذي لا يسهل معه تحديد مركزها.
ولهذا: فلقد اتفق علماء الفلك على قياس زمن اليوم الأرضي بالنظام النجمي تحاشياً للخطأ الشمسي، وبذلك يتم التخلص من تداخل فلك الأرض المغزلي مع فلكها حول الشمس... ولهذا: فاليوم الأرضي النجمي هو زمن دورة الأرض حول نفسها بدقة كاملة ( دون اعتبار لانحناء مسارها ) مقيساً على نجم بعيد، ويساوي:
ن1= 23 ساعة، 56 دقيقة، 4.0906ثانية.
   = 86164.0906
وهذه القيمة معترف بها دولياً ومقاسة بالساعات الذرية، وهي التي سنعوض بها عن زمن اليوم الأرضي في المعادلة 1 لتعيين الحد الأقصى للسرعة س، ولا مفر من هذا التعويض، لأن المعادلة القرآنية معادلة علمية مضبوطة ضبطاً إلهياً، ولا يجوز مطلقاً التعويض بزمن ظاهري ( 24 ساعة ) عن اليوم الأرضي، والذي سبق أن ذكرنا عيوبه، وهو المستخدم فقط للعد وليس للحساب.
ثانياً: زمن الشهر القمري:
هو زمن دورة القمر حول الأرض مرة واحدة، ونسميها الشهر القمري، في فلك مركزه الأرض (geocentric).
ونظراً لأن هذا الفلك يتأثر يزمن دورته وفي نفس الوقت بدوران الأرض حول الشمس في فلك كرة الشمس (Heliocentic). يحدث التداخل بين الفلكين، ولهذا: فقد أعلن علماء الفلك وجود قيمتين للشهر القمري، كما يلي:
شكل ( 1 ): يوضح دورة القمر حول الأرض وبيان الشهر القمري النجمي والاقتراني والمسار الحلزوني للقمر تابعاً للأرض أثناء دورانها حول الشمس بزاوية هـ خلال شهر نجمي كامل.

الشكل رقم (1)
أ ) الشهر القمري الاقتراني ( ز ) (Synodic lunar month):
هو الفترة الزمنية التي تمضي منذ ظهور هلال القمر وحتى ظهور الهلال التالي كوحدة زمنية ظاهرية، لأنه مضبوط على الشمس، فطور الهلال يأتي مباشرة بعد اقتران القمر مع الشمس، كما بالشكل رقم ( 1 )، أي: بعد تواجده في اتجاه الشمس، لهذا تسمى الفترة من الهلال إلى الهلال بالشهر الاقتراني (synodic month) مراعياً تداخل فلك الأرض حول الشمس مع فلك القمر حول الأرض دون فصل بينهما، كما بالشكل المذكور، وبهذا: فإن الشهر الاقتراني هو الفترة الزمنية التي يصنع فيها القمر دورة حول الأرض منسوبة إلى الشمس، أو هو الفترة الزمنية بين طورين متماثلين ومتتاليين للقمر، ولهذا: فالشهر الاقتراني ظاهري لعدّ الشهور ( وليس للحساب العلمي ).
وقدره ز = 29 يوماً، 12 ساعة، 44 دقيقة، 2.9 ثانية.
         = 29.53059 يوماً أرضياً شمسياً.
ومن الجدير بالذكر هنا: أن التقويم الهجري يتخذ من رؤية الهلال بعد غروب الشمس بداية للشهر الهجري في اليوم التالي للرؤية، كما في قوله تعالى: )..... وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ... (5 ) (.سورة يونس..
وبهذا: فإن الشهر الاقتراني هو الأساس في التقويم الهجري، لأنه ظاهري ويمكن مشاهدته وإحصاؤه لكي نعد به السنين، ولما كان طول هذا الشهر هو 29.53059 يوماً أرضياً شمسياً متوسطاً، فإن الشهر القمري الهجري غما أن يكون 29 أو 30 يوماً، وكل 12 شهراً قمرياً اقترانياً ظاهرياً = عام هجري كامل، طبقاً لقوله تعالى: ) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً ......(36) (.سورة التوبة..
ولهذا فلسوف نستخدم هذه القاعدة الإلهية ( السنة = 12 شهراً ) في المعادلة القرآنية في عدد الشهور، أما زمن الشهر فلا بد من حسابه نجمياً، ولهذا يفرق القرآن بين العد والحساب، كما في الآية ( 5 ) من سورة يونس.
ب ) الشهر القمري النجمي ( ز1 ) (sidereai lunar month):
هو الفترة الزمنية الحقيقية التي يصنع فيها القمر دورة حول الأرض بالنسبة للنجوم كمرجع، وزمنه أقل من الشهر الاقتراني الظاهري بمقدار 2.20892 يوماً شمسياً، كما بالشكل رقم ( 1 ) بسبب استبعاد تأثير دوران الأرض حول الشمس على حركة القمر ليعطي:
الشهر القمري النجمي ز1 = 27.321661 يوماً أرضياً شمسياً
                       = 655.71986 ساعة
وهو الشهر المعتد علمياً في حسابات الأبحاث الفلكية ولهذا قمت باختباره للتعويض في المعادلة القرآنية كزمن حقيقي وليس ظاهرياً.
ثالثاً: متوسط السرعة المدارية للقمر:
لقد راعينا فيما سبق استخدام اليوم الأرضي النجمي ن1 والشهر القمري النجمي ز1 في حسابات آيتي السجدة والحج، وهذه ضرورة علمية لا مفر منها، لأن النظام النجمي يقيس هذين الزمنين بطريقة خالصة نقية دون تداخل مع فلك الأرض حول الشمس... وهذا ما أردت أن أطبقه أيضاً بالنسبة لسرعة القمر المدارية حول الأرض ع والتي نرصدها ونقيسها عادة ونحن على أرض  متحركة في أنحاء مختلفة في ذات الوقت، حيث تقوم معامل البحوث في وكالة ( ناسا ) الأمريكية للفضاء بإرسال نبضة رادارية أو ليزرية من الأرض لتنعكس على سطح القمر، وترتد لنحسب نصف قطر مدار القمر حول الأرض ( بُعد القمر )، وتتكرر هذه القياسات على مدار شهر قمري كامل، ونأخذ متوسط البعد ـ مع ملاحظة أن هذه القياسات تتم ونحن على أرض متحركة في مداروليست ساكنة أو متحركة بانتظام في خط مستقيم بل هي تدور ( حامل القمر معها ) حول الشمس.
ولهذا: فإن نصف القطر للمدار القمري الذي نحصل عليه يمثل قيمة ظاهرية وليست حقيقية، نظراً لتداخل الفلك القمري حول الأرض (geocentric) مع الفلك الأرضي حول الشمس (Heliocentra).
ولقد ثبت علمياً أن متوسط نصف قطر مدار القمر حول الأرض ظاهرياً ( نق ) يساوي 384264 كيلو متر، طبقاً لقياسات ( ناسا ) الأمريكية، وما دمنا قد أخذنا المتوسط، فإننا نعتبر المدار دائرياً تماماً ومحيطه يساوي 2 ط نق ( علماً بأن القمر يقترب من الأرض، حتى تكون المسافة بين مركزيهما 356000 كم ممثلة لنقطة الحضيض، ويبتعد القمر عن الأرض حتى تكون المسافة بين مركزيهما 40600 كم ممثلة لنقطة الأوج في مسار القمر الأهليجي، والذي يمكن اعتباره دائرياً بمتوسط نصف قطر نق = 384264كم ).
0 متوسط السرعة الظاهرية المدارية المقاسة ظاهرياً للقمر ع=
متوسط طول المدار الظاهري
الزمن الشهري النجمي
0 ع ( ظاهرياً ) =                     2ط نق          .......... ( معادلة 2 )
                                          ز1
حيث ط بالنسبة التقريبية ( 3.14 )، نق متوسط نصف قطر المدار.

  ع = 2 × 3.14 × 384264كم
             655.71986
    = 3682.07 كم / ساعة
وهذه القيمة معترف بها من وكالة ( ناسا ) الأمريكية كمتوسط السرعة المدارية الظاهرية للقمر مع ملاحظة أن هذا القياس لمتوسط سرعة القمر المدارية ع ثم ونحن راكبين لكوكب الأرض، أي: لسفينة فضاء إلهية تتحرك حركة دائرية في انحناء حول الشمس وبهذا، فإن القيمة الظاهرية المرصودة ع ستكون أكبر من القيمة الحقيقية ع1 نتيجة انعطاف نظام الأرض والقمر معا حول الشمس.
يقول البروفوسير ( لا نداو ) { الحائر على جائزة نوبل } في كتابه(13)( لا يمكن أن نلاحظ في مختبر ما أي اختلاف عن سلوك الأجسام الموجودة في مختبر ساكن، طالما كان هذا المختبر يتحرك بسرعة منتظمة على خط مستقيم بالنسبة للمختبر الساكن، ولكن بمجرد أن تتغير سرعة المختبر المتحرك في المقدار، تعجيلاً أو تقصيراً، أو تتغير هذه السرعة في الاتجاه ( الانعطاف )، فإن هذا ينعكس فوراً على سلوك الأجسام الموجودة في هذا المختبر ).
والمختبر هنا هو نظام ( الأرض والقمر ) المتحرك وليس الساكن، والذي ينعطف أيضاً في مساره ولا يجري في خط مستقيم.
وهذا الانعطاف ناشىء عن أثر جاذبية الشمس على هذا النظام المستخدم عيارياً في المعادلة القرآنية التي تعالج النسبية الخاصة.
وحيث إن أينشتين أوصى بحذف أثر الجاذبية على سرعة الضوء، وبالتالي: على النظام المستعمل للقياس في النسبية الخاصة حتى يصبح نظاماً قصورياً ذاتياً، فلقد لجأنا إلى حذف أثر انحناء الأرض في فلكها على السرعة المدارية المقاسة للقمر ع أي: حذف أثر جاذبية الشمس على نظام الأرض والقمر، كما لو كان هذا النظام نظاما مغلقاً معزولاً.
شكل ( 2 ): تحليل متجه السرعة المدارية ع المرصودة للقمر في الوضع الثاني عند أ ( بعد أن دارت الأرض ومعها القمر حول الشمس بزاوية قدرها هـ في شهر نجمي كامل ) لإيجاد متوسط المركبة المكافئة للسرعة المدارية ع 1 للقمر عند نقطة مماثلة أ 1 وهو يدور حول أرض ساكنة في الوضع الأول ( فرضاً ).
ملحوظة:
 
هـ =                  360× 27.321661 يوماً       = 26.92848
                               365.25636
ونظام الأرض والقمر، كما ذكرنا، نظام مستعمل هنا كمعيار للقياس في المعادلة القرآنية، ولا بد للمعيار أن يكون صحيحاً، وإلا كان القياس كله خاطئاً تماماً كما لو أحضرنا متراً من الصلب مدرجاً في درجة 20ْم مثلاً وقسنا به طول قضيب من الحديد في درجة الصفر، فلا بد من تصحيح المقياس، وبالمثل السرعة المدارية للقمر مقيسة ونحن على أرض متحركة بانعطاف فلا بد من إلغاء تأثير الانعطاف على القيمة المقيسة ع.
ولهذا: اقترحت أخذ المركبة الحقيقية ع 1 للسرعة المدارية الظاهرية للقمر ع حول الأرض، كما لو كانت الأرض ساكنة ( أو تتحرك بسرعة منتظمة في خط مستقيم ) خلال شهر قمري نجمي كامل، وذلك لإلغاء أثر الدوران ( بزاوية هـ التي تدورها الأرض خلال شهر واحد قمري ) على القيمة المقيسة ع.
ومن الشكل ( 2 ) يتضح أن:
 ع 1 ( الحقيقية )  = ع الظاهرية مضروبة في جيب تمام الزاوية هـ التي يدور بها نظام الأرض والقمر خلال شهر نجمي كامل.
 ع 1 = ع جتا هـ....... ( معادلة 3 ).
وبالتعويض عن ع من المعادلة ( 2 )
 ع 1 = 3682.07 جتا هـ
ولحساب الزاوية هـ نعلم أن الأرض تدور حول الشمس زاوية 360ْ ( دورة كاملة ) في السنة الشمسية، أي: في زمن قدره 365.2536 يوماً، وبذلك فإن الأرض تدور زاوية هـ في شهر نجمي قدره ( 27.321661 يوماً) قدرها بالتناسب.
هـ = 360 × 27.321661 = 26.92848ْ
             365.25636
وهذه القيمة واضحة على الرسم في الشكل ( 2 )، وبالتعويض عن جيب تمام هذه الزاوية في معادلة ( 3 ) ينتج السرعة المدارية للقمر ع 1 خالصة نقية دون تأثير جذب الشمس لنظام الأرض والقمر، أي: دون انعطاف هذا النظام تماماً كما صححنا الزمن بأخذ النظام النجمي بدلاً من النظام الاقتراني.
0 ع 1 = 3682.07 × جتا 26.92848ْ
        = 682.07 × 0.89157
        = 3282.82315 كم / ساعة
والفرق بين القيمة المقيسة الظاهرية ع والقيمة الحقيقية الفعالة في مدار نقي للقمر ع 1 أي: الفرق ( ع ـ ع 1 )، نشأ بسبب حركة الأرض ـ كما قلنا ـ في مدار منحن حول الشمس، وهذا يؤدي إلى دفعه قليلاً بعيداً عن الأرض فيطول مداره ( المدار الذي نقيسه فعلاً على أرض الواقع وقد استطال فعلاً نتيجة الانحناء ).
ويمكن تشبيه ذلك براكب في سيارة مسرعة تسير بسرعة ثابتة في خط مستقيم، فيجلس ساكناً على مقعده.. وعندما تنحني السيارة يميل الراكب مبتعداً عن مركز الانحناء، ولو سارت السيارة دوماً في انحناء ـ أي: في مسار دائري ـ لظل الراكب مدفوعاً دوماً إلى الخارج... وهذا هو حال القمر، ولا بد من تصحيح السرعة المقيسة ـ كما فعلنا ـ بعزل الأفلاك عن بعضها، فلكل جرم فلكه الخاص، كما في قوله تعالى: ).... كل في فلك يسبحون (33) (.سورة الأنبياء..
حساب السرعة العظمى
وفيما يلي جدول بالتصحيحات الثلاثة السابقة، كملخص قبل التعويض في المعادلة القرآنية رقم ( 1 ) لحساب السرعة العظمى:
الكمية
النظام الاقتراني (synodic) ( ظاهري)
النظام النجمي (siderual) (حقيقي)
زمن اليوم الأرضي
ن = 24 ساعة
   = 86400 ثانية
ن1 = 23 ساعة، 56 دقيقة، 4.0906 ثانية.
    = 86164.0906 ثانية
زمن الشهر القمري
ز = 29.53059يوماً اقترانياً
ز 1 = 27.321661 يوماً
اقترانياً = 655.71986 ساعة
السرعة المدارية للقمر
ع = 3682.07 كم / ساعة
ع 1 = 3282.82315 كم / ساعة
وبالنظر في الزيادات الظاهرية في النظام الاقتراني بالمقارنة بالقيم في النظام النجمي نجد أن هذه الزيادات ترجع كلها كما ذكرنا إلى حركة الأرض في مدار منحن أثناء حركتها حول نفسها وحركة القمر حولها، ولو تحرك نظام الأرض والقمر بسرعة منتظمة في خط مستقيم، أو كانت الأرض ساكنة تدور حول نفسها ولا تدور حول الشمس، لما حدث هذا الفرق في هذه الكميات الثلاث في النظامين.
ويستخدم النظام الاقتراني لعد الشهور والأيام، وبالتالي لعد السنين، أما النظام النجمي فيستخدم فقط للحساب وليس للعد.
ويشير القرآن الكريم إلى وجود فرق بين العد والحساب بقول الله تعالى: ).... والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.... ( 5 )(.سورة يونس..
فعطف سبحانه الحساب على العد ليدل لغوياً على المغايرة التي تجعلنا نستخدم هنا النظام النجمي الحقيقي للحساب بدلاً من النظام الاقتراني الظاهري المستخدم في العد فقط.
وبالتعويض عن القيم الحقيقية ن1، ز 1، ع1 ـ من الجدول السابق ـ في المعادلة رقم ( 1 ) نحصل على المطلوب س.
 الحد الأقصى للسرعة الكونية س = 12000 ع1 ز1
                                             ن1
ز س = 12000 × 3282.82315 × 655.71986
                        86164.0906
 س = 299792.5 كم / ثانية
 الحد الأقصى للسرعة الكونية س = سرعة الضوء في الفراغ.
هذه هي المعجزة القرآنية في حساب السرعة الضوئية، وفي تحقيق مبدأ النسبية الخاصة، أقدمها للبشرية كلها تبياناً لقوله تعالى: ) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) (.سورة السجدة..
وقوله تعالى: )... وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) (.سورة الحج..
هذه هي النتيجة القرآنية لسرعة الضوء في الفراغ، كحد أقصى للسرعة الكونية، وتساوي 299792.5 كم / ث مطابقة تماماً لقيمتها المعلنة دولياً (299792.458 )، كما أوضحنا من قبل.
حقاً، إنه لإعجاز مبين من رب العالمين... إنها نتيجة تتحدث عن نفسها وتقول: إن هذه الحسابات حق لو كنتم تعلمون، وأرجوا أن أكون موفقاً لإقناع المتشككين على اختلاف بواعثهم، وأقول ما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: )لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون (67) (.سورة الأنعام..
أما وقد وفقني الله للوصول إلى هذه النتيجة الباهرة: فأتلو قول الله سبحانه وتعالى: ) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) (.سورة النمل..
وبالرغم من هذه النتيجة الباهرة لأعظم قانون عرفته البشرية في القرن العشرين، ما زال هناك من يحاولون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله غالب على أمره.... وليعلموا أن هذا القانون ـ شئنا أم أبينا ـ يكمن في طبيعة الكون، ولن نحصل على سرعة أكبر من 299792.5 كم / ث كحد أقصى للسرعة الكونية... وهذه حقيقة ثبتت صحتها كمبدأ للنسبية الخاصة التي أصبحت بدورها حقيقة علمية غير قابلة للجدل أو التغير علاوة على أنها مشار إليها قرآنياً.
ونظراً لأهمية هذه المعجزة القرآنية فقد كتبت هذا البحث لأوضح ما خفي على بعض الزملاء، فالموضوع صعب وعميق، لكننا بعون الله توصلنا إلى بيان هذا الإعجاز في آيتي السجدة ( 5 ) والحج ( 47 )، لا لنرد على المنكرين والكافرين بالقرآن فحسب، بل إن بعض المسلمين يريدون لكي تطمئن قلوبهم أن يجدوا جواباً علمياً لكثير من التساؤلات حتى لا يعتريهم شعور بالنقص في حجة عقيدتهم، ولنستفيد من العلم اليقيني لنقدم الرد الصحيح على التحدي الذي يمسنا ـ نحن المسلمين ـ في صميم مصيرنا، ولنعلن أن العلم الحقيقي يتفق مع الإسلام في كل زمان.
وختاماً: فهل هناك تناقض بين آيتي السجدة ( 5 ) والمعارج ( 4 )، كما يدعي أعداء الإسلام بحجة وهمية بأن الآية الأولى أعطت اليوم بألف سنة بينما أعطت الآية الثانية نفس اليوم بخمسين ألف سنة؟.
أظنك تستطيع الرد الآن، فالأولى أعطت سرعة قدرها 299792.5 كم / ث، مساوية لسرعة الضوء في الفراغ كحد أقصى للسرعة الكونية في عالم الشهادة، بينما الآية الثانية تعطي خمسين ضعفاً لهذا الرقم للحد الأقصى للسرعة في عالم الغيب، وليس هذا هدماً لنظرية أينشتين التي تسمح بوجود سرعات أعلى من سرعة الضوء فقط في الكون المعكوس أو في عالم الغيب المتكون فرضاً من جسيمات أو أمواج التاكيون، وهذا ما سوف أتناوله بالبحث والدراسة مستقبلاً، إن شاء الله، والله ولي التوفيق...
أ.د. / منصور محمد حسب النبي 

 [1] – مجرتنا سكة التبانة تحتوي على بلايين النجوم  الشموس ، وهي على هيئة قرص، قطره 100000 سنة ضوئية، وتقع شمسنا على بعد 33000 سنة ضوئية من المركز. والكون يحتوي على بلايين المجرات، وكلها في حركة دائبة.
[2] – راجع مقالة الزمان بين العلم والقرآن  بالهدد  8  في نفس سلسلة  كتاب الإعجاز  التي تصدرها الجمعية.
[3] – هذه الدراسة الشرعية قام بها الطبيب محمد دودح  الباحث بمكة المكرمة  في البحث المسجل ضمن أبحاث هيئة الإعجاز العلمي للقرآن بمكة المكرمة، وبإشراف فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني  أمين الهيئة المذكورة  الذي طلب مني القيام بحسابات البحث باعتبار تخصصي في الفيزياء، وسافرت بنفسي إلى مكة المكرمة لعرض هذا البحث في مقر رابطة العالم الإسلامي بتاريخ 1 ـ 3 جمادى الأولى 1410هـ، لأول مرة في مؤتمر تحضيري للفيزياء الفلكية.
[4] – وقد فهم بعض المفسرين هذه الأكاذيب وسموها أسطورة الأوعال ووصفوها بأنها إسرائيليات فلماذا نحتفظ عزيز القارىء بمثل هذه الخرافات في كتب التراث؟!! وهذه مهمة خطيرة يتكفل بها الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة لتنقية التراث مما علق به من مثل هذه الإسرائيليات المنقولة من أهل الكتاب فاللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
[5] – لاحظ هنا تحديد مكان العرش، أليس هذا خرافة تتعارض مع القرآن الذي ينص على لا نهائية العرش:  وسع كرسيه السماوات والأرض ، علاوة على الأحاديث الشريفة التي تناقض هذه الإسرائيليات.
[6] – للأسف الشديد فقد حدد مكان الله، سبحانه وتعالى عما يصفونه، علاوة على التلفيق الظاهر في الرواية التي جاءت عن أبي هريرة وواضح شذوذ تلك الرواية، ويكفي مهزلة الحبل الذي يهبط على الله، فهل للمسلمين أن يحكموا العقل في مثل هذه الخرافات والأباطيل؟!.
[7] – انظر مجلة الأزهر، ذي الحجة 1413هـ  يونيو 1993 .
[8] – الندوة عقدت في مقر رابطة العالم الإسلامي بدعوة من هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في الفترة من / 1 ـ 3 / جمادى الأولى 1410هـ، وشاركت فيها بعرض الحسابات لبيان المعجزة القرآنية في حساب السرعة الضوئية.
[9] – أبحاث مؤتمر التوجيه الإسلامي للعلوم  الذي نظمته رابطة الجامعات الإسلامية بالاشتراك مع جامعة الأزهر ، والمنعقد بالقاهرة في أكتوبر 1992م. والبحث منشور في صفحة 35 في كتاب أبحاث المؤتمر.
[10] – مجلة الأزهر: إعداد جمادى الآخر ورجب وشعبان 1413هـ، بعنوان:  المعجزة القرآنية في حساب السرعة الضوئية  للمؤلف ص 904، 1083، 1211، على الترتيب.
[11] – مؤتمر الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة، المنعقد في موسكو في سبتمبر 1993، بإشراف هيئة الإعجاز العلمي في مكة المكرمة.
[12] – حاول البعض من الزملاء الذين لم يستوعبوا هذا التصحيح  لعدم إدراكهم شروط أينشتين عند تطبيق النسبية الخاصة باستبعاد تأثير الجذب العام على سرعة الضوء المطلقة  توجيه نقد لحساباتي، وقمت بالرد عليهم في مجلة الأزهر  في أعداد ربيع الأول، رمضان، شوال، ذي الحجة 1414هـ ، وهناك دليل على صحة حساباتي لا يستطيع أحد إنكاره، وهو أن النتيجة النهائية س المستنتجة من المعادلة القرآنية تساوي فعلاً الحد الأقصى للسرعة الكونية، وقدرها 2997792.5 كم / ثانية، المعترف به دولياً، إذا أدخلنا التصحيح المذكور على القيم الظاهرية المقاسة.
[13] – ما هي النظرية النسبية؟  مترجم  دار مير، موسكو، الاتحاد السوفيتي، ط6، 1986م، ص20.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020