فتنة الطائفية
يقال أن الحروب الحديثة تعتمد أساسا على دفع
عدوك إلى تدمير نفسه، ويبدو أن الصهاينة والصليبيين قد نجحوا تماما في تنفيذ هذه
القاعدة، من خلال دفع عدوهم المشترك "أمة الإسلام" على تدمير نفسه، حيث
يتقاتل أبناء الأمة الإسلامية، بدوافع وشعارات مختلفة، وتحت غطاءات طائفية بغيضة،
ويغفلون عن عدوهم المشترك.. الصهاينة والصليبيين.. والنتيجة أن الأمة الإسلامية
تُدمر ذاتيا، أبناؤها يقتلون ويهجرون.. وأعداؤها فرحون..
وقد عادت الطائفية النتنة لتلقي بقذارتها
بقوة على المشهد العربي والإسلامي اليوم، وتبدو تجلياتها واضحة جدا في
"الملعب السوري" الذي تتضح به معالم التعصب الأعمى للعقائد الطائفية،
ولا عجب حين يُرفع لواء التعصب الطائفي أن يقاتل أبناء ملة التوحيد بعضهم بعضا، وقليل
منهم من يتبنى "مذهب هابيل" فيقبل أن يكون "المظلوم القتيل"..
يقول الكاتب محمد شركي في مقال له تحت عنوان
"التعصب الأعمى للعقائد الطائفية هو سبب خراب الأمة الإسلامية":
التعصب الأعمى للعقائد الطائفية هو سبب خراب
الأمة الإسلامية محمد شركي المتأمل اليوم في واقع الأمة الإسلامية يصاب بالإحباط
الشديد لكون هذه الأمة البائسة تعرف أخطر تمزق منذ نشأتها. والسبب الكامن وراء هذا
التمزق هو آفة التعصب للعقائد الطائفية التي ولدت عبر التاريخ الإسلامي الممتد،
وتناسلت تناسل الجراثيم أو الأورام الخبيثة، وتفاقم أمرها حتى صارت الأمة الواحدة
طرائق قددا بسبب آفة التعصب للعقائد الطائفية.
والأمة اليوم فئتان كبيرتان : سنة وشيعة، وعن
هاتين الفئتين الكبيرتين تتفرع العديد من الفئات الصغرى المتعصبة عقديا لإحدى
الفئتين الكبيرتين، والمتعصبة أيضا داخل فئتها إلى عقيدة أضيق. والسمة التي تطبع
كل فئة سواء في تعصبها العقدي الأكبر أو في تعصبها العقدي الأصغر هو استعمال سلاح
تهم التكفير والتضليل التي تتراشقها الطوائف المختلفة فيما بينها على مستوى
الانتماء العقدي الأكبر والأصغر. فطائفتا السنة والشيعة الكبيرتان تكفر إحداهما
الأخرى بطريقة أو بأخرى، وتتهم الواحدة الأخرى بالضلال والزيغ عن جادة الإسلام.
وكلما تفاقم التعصب العقدي واشتد داخل الفئة الكبرى المنشطرة إلى فئات وجماعات
صغرى إلا وتفاقم معه أمر التكفير والتجريم.
وآفة التجريم والتكفير يعكسها التنابز القبيح
بين الفئتين الكبيرتين حيث يسمي الشيعة السنة نواصب، ويسمي السنة الشيعة روافض
وسمي الشيعة والسنة معا غيرهم خوارج. ولا يقف التنابز عند هذا الحد ذلك أنه كلما
ازداد التعصب للعقائد الطائفية كلما بالغ أصحابه في التنابز حتى يصير قذفا في
الأعراض والأنساب ولعنا وشتما ويترجم إلى قتل وسفقك للدماء. وواقع العالم الإسلامي
اليوم مؤسف للغاية حيث يتجلى التعصب للعقائد الطائفية حتى في الأشكال والصور،
فيكفي أن تنظر إلى شكل الشخص المسلم لتعرف نوع عصبيته من خلال شكل عماته وعباءته،
وشكل لحيته، وطريقة نظره، وطريقة تحيته، وطريقة ابتسامة.. إلى غير ذلك من الأشكال
المستضمرة لنوع التعصب العقدي الطائفي. وأكاد أعرف منكر هذا التعصب في نظر
المتعصبين أوفي طريقة ابتسامهم الماكرة، أو في طريقة تحيتهم الفاترة إذا ما تعلق
الأمر بمن ليس على عصبيتهم العقدية الطائفية. أما إذا تعلق الأمر بالمعاملة فيما
بينهم، فإنهم يبالغون في العناق والمجاملات التي توشك أن يكون عناق ومجاملات
العشاق، وبشكل يثير السخرية والضحك. وتوجه وسائل الإعلام المختلفة بعد أن صار
العالم قرية صغيرة التعصب العقدي الطائفي توجيها، فلا يكاد المرء يدير أزرار
الشبكة العنكبوتية أو الفضائيات حتى تنبعث منها رائحة التعصب العقدي الطائفي
المنتنة. ولا شغل لوسائل الإعلام هذه سوى النفخ في العصبيات العقدية الطائفية،
وتسويق التكفير والتجريم المتبادل بين الطوائف.
فهذه الطائفة تقدس الإمامة وولاية الفقيه،
وتلعن الخلافة، وعكسها تسفه الإمامة وولاية الفقيه، وثالثة تقدس ولاية الطرق
والمشايخ، وتحتقر سواها، وعكسها تسفهها ….وطائفة تقدس أضرحة الأئمة، وأخرى تقدس
أضرحة المشايخ، وثالثة تزدريها. أما طرق أداء الطقوس بين الطوائف فتختلف حسب درجة
التعصب العقدي الطائفي بين نواح وبكاء وعويل ولطم وتمسح بالجدران، وشطحات، وبين
إنكار لكل ذلك، وكل حزب بما لديهم فرحون. وتختلف الطقوس الكلامية أيضا بين تلاوات
وجوشن، وبكائيات، وأوراد، ومدائح، وترنيمات، وسباب ولعنات وشتائم.
وخلاصة القول أن الإسلام الواحد انشطر إلى
عقائد عدة على طرفي نقيض فيما بينها، أو بعبارة أدق صرنا أمام إسلام نظري قوامه
الكتاب والسنة، وأنواع متعددة من الإسلام الإجرائي قوامه التعصب العقدي الطائفي
الذي يتعمد لي أعناق آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة لتساير
التأويلات العقدية الطائفية إما لتكريسها في تسويق نوع من التعصب،أو استغلالها في
إطار تكفير وتجريم أنواع التعصب الأخرى.
وها نحن اليوم في عالم إسلامي فيه هلالان:
هلال شيعي يمتد من باكستان عبر أفغانستان ومرورا بإيران، وانتهاء بلبنان مع محاولة
عملية اكتساح عبر شرق جزيرة العرب ويمنها، وعبر جيوب في دول جنوب شرق آسيا. وهلال
سني قرنه الأعلى في أندونسيا مرورا بتركيا والشرق الأوسط، وانتهاء بالمغرب وبعض
الأقطار الإفريقية. والهلالان معا عبارة عن موزاييك بسبب خلافات التعصب العقدي
الطائفي داخل كل هلال. وبالرغم من شساعة جغرافية الهلالين الطبيعية والبشرية، فإنها
عاجزة كل العجز عن مواجهة ورم النجمة الصهيونية السداسية، وورم الصليب المتصهين.
والهلالان معا مشغولان بالتعصب للعقائد الطائفية كما خططت لهم ذلك النجمة السداسية
الصهيونية، والصليب المتصهين لصرفهم عن اجتثات ورمها من القلب النابض الذي يضخ
الدم الموبوء بفيروس الصهيونية والصليبية المتصهينة إلى لكل جسم الأمة العربية
الذي بات عليلا وفي حالة صحية متدهورة. والهلالان معا كلاهما يستعين بأعداء الأمة
على الآخر، ويفضل التحالف معهم حرصا على تعصبه العقدي الطائفي الذي لا تعدل
الخسارة فيه أية خسارة حتى لو كانت المقدسات الإسلامية.
ودماء الأمة صارت ثمنا رخيصا مقابل تحقيق
التعصب العقدي الطائفي. ومع شديد الأسف والحسرة علماء الهلالين معها منشغلون
بتكفير وتجريم بعضهم، وراءهم قطعان من البشر المردد لتكفيرهم وتجريمهم بشكل ببغاوي
مستهجن من أجل إرواء ظمأ العصبية العقدية عوض التنبه إلى خطر السكوت عن ورم
الصهيونية والصليبية المتصهينة الذي ينخر جسم الأمة نخرا غير مسبوق تاريخيا. فمتى
سيقيض الله عز وجل لهذه الأمة من العلماء والزعماء من يعالج داء التعصب العقدي
الطائفي لتصير أمة واحدة قد انجلت غشاوة التعصب عن عينها لترى جادة الإسلام الحق
بجلاء؟ ومتى سيتحول التكفير والتجريم بين الطوائف المحسوبة على الإسلام بسبب
التعصب العقدي إلى تفكير جاد في مواجهة خطر الصهيونية، والصليبية المتصهينة المحدق
بالأمة بهلاليها المنشطرة إلى أهلة تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع بسبب والأمة
عبارة عن غثاء سيل، وعبارة عن قصعة سهلة يسيرة، والأكلة ذئاب شرسة متربصة بها؟..
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف