-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

هل ترانا نلتقي؟


هل تـــــــرانا نلتقـــــي أم أنهــــــــا .. كانت اللقيا على أرض السراب؟!


هل ترانا نلتقي أم أنها
كانت اللقيا على أرض السراب
ثم ولت وتلاشى ظلها
واستحالت ذكريات للعذاب
هكذا أسأل قلبي كلما
طالت الأيام من بعد الغياب
وإذا طيفك يرنو باسماً
وكأني في استماع للجواب
أولم نمضي على الحق معاً
كي يعود الخير للأرض اليباب
فمضينا في طريق شائك
نتخلى فيه عن كل الرغاب
ودفنا الشوق في أعماقنا
ومضينا في رضاء واحتساب
قد تعاهدنا على السير معاً
ثم أعجلت مجيباً للذهاب
أيها الراحل عذراً في شكاتي
فإلى طيفك أنات عتاب
قد تركت القلب يدمي مثقلاً
تائهاً في الليل في عمق الضباب
وإذا أطوي وحيداً حائراً
أقطع الدرب طويلاً في اكتئاب
وإذا الليل خضم موحش
تتلاقى فيه أمواج العذاب
لم يعد يبرق في ليلي سنا
قد توارت كل أنوار الشهاب
غير أني سوف أمضي مثلما
كنت تلقاني في وجه الصعاب..

إنها قصيدة رائعة ومؤثرة للشاعرة الكبيرة أمينة قطب شقيقة العلامة الراحل "سيد قطب".. وتوصف قصة زواجها من الراحل كمال السنانيري بأنها نموذجٌ لأروع قصص الوفاء الذي يُحتذَى به؛ فقد حُكِم عليه بالسجن لمدة خمس وعشرين سنة مع الأشغال الشاقة المؤبَّدة تخفيفًا بعد حكم سابق بالإعدام.
وبعد خمس سنوات نُقل إلى مستشفى السجن، والتقى فيها "سيد قطب" الذي أرقده المرض وما ذاقه من مآسٍ داخل السجن، وتقدم يطلُب يد "أمينة" من شقيقها، وما لبث أن عرض الأمر عليها، وبعد الاستخارة وافقت رغم علْمِها أن الباقي له في السجن عشرون سنة، ثم زارته في السجن لتراه، ويتم العقد بعد ذلك، وقد بارك هذا الزواج إخوانه بالدعاء، وسخِر منه غير الإخوان، وقوِيَت رابطة المودة بينهما، رغم بقائه خلف الأسوار، وأخذت تراسله بقصائد شعرية في صورة رسائل تشدُّ من أزره وتقوِّي عزيمتَه.
وقد أعطت المثَلَ والقدوة في الصبر على البلاء والفراق والحرمان، ولو أنها طلبت الطلاق لكان من حقِّها شرعًا وقانونًا، ولكن أبَت نفسُها ذلك من فَرط ورقَّة مشاعرها، وخوفًا من أن تجمع عليه مصيبَتَين، وهي الشريكة والسند!!
وفي تلك الأثناء كان قد تمَّ الرباط بينها وبين زوجها كمال السنانيري وهو داخل السجن، وكانت التجربة عميقةً مثريةً للأحاسيس والخيال والمشاعر، ففي كل زيارة تقوم بها للسجين المجاهد الصلب تثري خيالها ومشاعرها بألوان الأحاسيس، فتضمنها قصة أو رسالة من رسائلها إليه، أو تضع الأقاصيص في مخابئها حتى يأذن الله بالخروج.
وذات يوم.. حَكَت "أمينة "لشقيقها "سيد" ما رأته وتكبَّدته من عناء السفر عند زيارة الزوج الحبيب والشقيق العزيز؛ حيث سافرت من القاهرة إلى جنوب مصر لتصل لسجن "قنا"، وشعر الأستاذ "كمال" بمدى الغبن الذي لحق بها، فقال لها:
"لقد طال الأمد، وأنا مشفِقٌ عليك من هذا العناء، وقد قلت لكِ في بدء ارتباطنا قد يُفرَج عني غدًا، وقد أمضي العشرين سنة الباقية أو ينقضي الأجل، ولا أرضَى أن أكون عقبةً في طريق سعادتك، ولكِ مطلَق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحًا في أمرِ مستقبلك من الآن، واكتبي لي ما يستقرُّ رأيُك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير".
وحال السجَّان بينهما دون أن يسمع منها ردًّا، ولكن ماذا ينتظر من عروس ذات مروءة وأخلاق عالية؟! ثم جاشت بنفسها الشاعرة الرقيقة معانٍ جمَّةٌ وصادقةٌ عبَّرت فيها قائلةً:
"لقد اخترت يا أملاً أرتقبه طريقَ الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم".. فأي امتحان لصدق المودة والحب أكبر من هذا؟!
وبعد سبعة عشر عامًا من الخِطبة الميمونة يتم الزواج، ويسعد العروسان بأحلى أيام العمر، ولم يمهلهما الطغاة، بل فرَّقوا بين الأحبة في بداية عامهما السادس من الزواج، وقيَّدوا الحبيب بالسلاسل، وألقَوه في سجون الظلم والظلام بُهتانًا وزورًا، لاقى فيها ما لاقاه من التعذيب حتى صعَدت روحُه إلى بارئها تشكو إليه ظلم العباد.
وتتساءل بلوعة بعد فراقه:
هل تـــــــرانا نلتقـــــي أم أنهــــــــا...... كانت اللقيا على أرض السراب؟!
ثم ولَّت وتلاشــــــــــــى ظلُّهــــــــا ..... واستحالت ذكــــــــــرياتٍ للعذاب
هكذا يســــــــــــــأل قلبي كلمـــــــا ..... طالت الأيام من بعــــــــــد الغياب
فإذا طيفــــــك يرنــــــو باســـــــمًا ..... وكأني في استماع للجـــــــــــواب
أولــــــم نمــــضِ على الدرب مـعًا.... كي يعــــود الخـير للأرض اليباب
فمضينا فـــــــــــي طريــــق شائك ..... نتخلى فيـــــــــــه عن كل الرغاب
ودفنَّا الشــــــــــوق فـــــي أعماقنا..... ومضينا في رضــــــــاء واحتساب
قد تعاهـــــــــــدنا على الســير معًا ..... ثم عاجلت مُجيبًا للذهــــــــــــــاب
حين نـــــــــــاداك ربٌّ منعـــــــــمٌ ..... لحياة في جنـــــــــان ورحـــــــاب
ولقــــــــــــاء فـــي نعيــــم دائــــم ..... بجنود الله مرحى بالصحــــــــــاب
قدَّموا الأرواح والعمـــــــر فـــــدا ..... مستجيبين على غــير ارتيــــــــاب.

ويمكن الاستمتاع بالاستماع إلى أنشودة "هل ترانا نلتقي" بصوت "سعد الغامدي" على الرابط:

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020