تواصل الأرواح
الأرواح لا تحتاج إلى وسائل اتصال، ولذلك حين تحن روحك
لقطعة منها، أو لروح تألفها، تتواصل معها بلا هاتف ولا "إيمايل"، ولا
حديث مباشر..
ومهما تباعدت المسافات بين الأبدان، فلا شيء يقف في طريق
تقارب الأروح، فكم من روحين تفصل صاحبيهما بحار ومحيطات، وظروف قاهرة، ويلتقيان في
الصبح والمساءات..
وإذا تقاربت الأرواح لا يهم أن تتباعد الأبدان"!
بعض الناس تراهم كل يوم وربما كل ساعة، ولكنك لا تشعر
بشيء نحوهم، وبعضهم الآخر مضت سنين طويلة على آخر لقاء ومازالوا ماثلين بين عينيك
كأنك تراهم الآن.. إنها لغة الأرواح التي لا يفقهها كثيرون..
جنود مجندة..
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه معلقا مجزوما به
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا
تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ." صحيح
البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب الأرواح جنود مجندة.
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث:.. قوله: (الأرواح
جنود مجندة إلخ) قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير
والشر والصلاح والفساد، وأن الخيِّر من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل
إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت
تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت. ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب
على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام
تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم. وقال
غيره: المراد أن الأرواح أول ما خلقت خلقت على قسمين، ومعنى تقابلها أن الأجساد
التي فيها الأرواح إذا التقت في الدنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خلقت عليه
الأرواح في الدنيا إلى غير ذلك بالتعارف. قلت: ولا يعكر عليه أن بعض المتنافرين
ربما ائتلفا، لأنه محمول على مبدأ التلاقي، فإنه يتعلق بأصل الخلقة بغير سبب. وأما
في ثاني الحال فيكون مكتسبا لتجدد وصف يقتضي الألفة بعد النفرة كإيمان الكافر
وإحسان المسيء. وقوله " جنود مجندة " أي أجناس مجنسة أو جموع مجمعة، قال
ابن الجوزي: ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة
أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف
المذموم، وكذلك القول في عكسه. وقال القرطبي: الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا
لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما
اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف
نوعها وتنفر من مخالفها. ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر،
وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها.
وروي موصولا في مسند أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة
بنت عبد الرحمن قالت "كانت امرأة مزاحة بمكة فنزلت على امرأة مثلها في
المدينة، فبلغ ذلك عائشة فقالت: صدق حبي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"فذكر مثله". انتهى
والحديث قد رواه مسلم رحمه الله في صحيحه 4773 وقال
النووي رحمه الله في شرحه: قوله صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، فما
تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) قال العلماء: معناه جموع مجتمعة، أو
أنواع مختلفة. وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه، وقيل: إنها موافقة صفاتها
التي جعلها الله عليها، وتناسبها في شيمها. وقيل: لأنها خلقت مجتمعة، ثم فرقت في
أجسادها، فمن وافق بشيمه ألِفه، ومن باعده نافره وخالفه. وقال الخطابي وغيره:
تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ، وكانت الأرواح
قسمين متقابلين. فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه،
فيميل الأخيار إلى الأخيار، والأشرار إلى الأشرار.