جاءت الفتوى التي أطلقها شيخ
التيار السلفي في الجزائر محمَّد علي فركوس، حول حكم تناول مادة
"الكاشير" لتثير ما يمكن وصفه بالفتنة في الجزائر، نتيجة للتباين
الشديدة في ردود الفعل بشأنها، رأى البعض أن تحريم "الكاشير" أمر
"مبالغ فيه"، وتمنى آخرون المزيد من الاجتهاد لإقناع الجزائريين بحكم
مثل هذا يخص مادة استهلاكية يُقبل الجزائريون على تناولها بشدة، فيما قال البعض
أنه كان أولى بالشيخ فركوس أن يوجه جهوده في مجال الإفتاء والبحث الشرعي إلى
"أمور أكثر أهمية"، وهو ما لم يتقبله آخرون اعتبروا من حق الشيخ الحديث
في كل شأن والإفتاء في أي قضية دون استصغار، ذلك أنه ليس من الهيّن أن يواصل
الجزائريون تناول طعام محرّم شرعا، وفقا للمعطيات التي يمتلكها الشيخ فركوس الذي
لا يمكن لأي كان أن يشكك في علمه.
وقد أفتى الشيخ فركوس بعدم
جواز أكل مادة الكاشير، نتيجة احتوائها ـ غالبا ـ على مادة ملونة حمراء مصنوعة من
مسحوق الخنافس، حيث قال الشيخ فركوس في فتواه المنشورة على موقعه الالكتروني الرسمي
أن "الملوِّن الغذائيُّ الأحمر المستخرَج من هذه الخنافس الذي يُرمز إليه بـE120 لا يجوز استخدامه كأحد المركَّبات
الصناعية الغذائية، ولا يجوز استهلاكه -وخاصَّةً مع طغيان لونه-، لأنَّ هذه
الخنافس معدودةٌ من الحشرات المستخبثة طبعًا عند جمهور أهل العلم".
وقد دافعت جمعية حماية
المستهلك عن فتوى الشيخ فركوس واستهجنت آراء المتحاملين عليه بدون حجة علمية ودينية،
مشيرة إلى أن الشيخ لم يحرم أكل الكاشير نهائيا ومطلقا، بل حرّم فقط الكاشير الذي
يحتوي على المادة المذكورة.
وحسب تصريح للناطق الرسمي
لجمعية حماية المستهلك سمير القصوري فإن الشيخ فركوس يكون قد بحث جيدا في الموضوع
علميا وطبيا ودينيا وأقام فتواه حول ذلك وخلاصتها أن "أكل الكاشير ليس محرما
بذاته بل إذا استعمل فيه هذا الملون الغذائي، بل وكل أكل استُعمل فيه هذا الملون
الغذائي الذي يحتوي على الخنفساء فهو محرم"، وعليه يُنصح المستهلكون عند شراء
أي منتوج غذائي لونه أحمر قراءة مكوناته بدقة فإن احتوت على المركب E120 يجب تجنبه.
النص الكامل لفتوى الشيخ فركوس عن "الكاشير":
السؤال:
بعد حظر الموادِّ الملوِّنة
التي تدخل في صناعة «الكاشير» وغيرها من الصناعات الغذائية لِما فيها من أضرارٍ
صحِّيَّةٍ، استُبدلت بمادَّةٍ هي عبارةٌ عن خنافسَ يتمُّ حرقُها، واستعمالها
يعوِّض تمامًا دور المادَّة الملوِّنة، فهل ثَمَّ حرجٌ في اعتماد هذه الطريقة في
تصنيع الكاشير وغيره؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة
والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم
الدِّين، أمَّا بعد:
فالملوِّن الغذائيُّ الأحمر
المستخرَج من هذه الخنافس الذي يُرمز إليه ﺑ: [E١٢٠] لا يجوز استخدامه كأحد
المركَّبات الصناعية الغذائية، ولا يجوز استهلاكه -وخاصَّةً مع طغيان لونه-، لأنَّ
هذه الخنافس معدودةٌ من الحشرات المستخبثة طبعًا عند جمهور أهل العلم، حيث تندرج
تحت عموم قوله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧]، فقد أكرم الله المؤمنين بالطيِّبات في قوله
تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾
[البقرة: ١٧٢]، وخاطبهم بما خاطب به الرسل عليهم الصلاة السلام حيث قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [المؤمنون: ٥١].
وخالف مالكٌ -رحمه الله- في
المسألة ورأى جواز أكل الخنفساء وغيرها من الحشرات والتداوي بها قياسًا على جواز
أكل الجراد المنصوص على جوازه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أُحِلَّتْ لَنَا
مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا
الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»، وينقل الباجيُّ –رحمه الله- هذا الحكمَ
بقوله: «قال ابن حبيبٍ: كان مالكٌ وغيره يقول: من احتاج إلى أكل شيءٍ من الخشاش
لدواءٍ أو غيره فلا بأس به إذا ذُكِّيَ كما يُذَكَّى الجراد كالخنفساء والعقرب
وبنات وردان والعُقْرُبان والجندب والزنبور واليعسوب والذَّرِّ والنمل والسوس
والحِلْم والدود والبعوض والذباب وما أشبه ذلك».
والذي يترجَّح -عندي- من
القولين السابقين هو مذهب الجمهور لقوَّته، ذلك لأنَّ الخنفساء لا تقبل التذكية إذ
لا دم لها سائل، وكلُّ ما لا يُقتدر فيه على ذكاته فحكمُه التحريم لأنه مَيْتةٌ، وقد
جاء التنصيص القرآنيُّ -جليًّا- يحرِّم الميتةَ ويأمر بتذكية ما يجوز تذكيتُه
ويقبلها، قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ
وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ
إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣].
ولا يخفى أنَّ قياس الخنفساء
وغيرِها من الحشرات على الجراد غير متَّجهٍ لأنه قياسٌ على ما خالف القياس، وما
كان خارجًا عن عموم تحريم الميتة بالنصِّ فلا يُعتبر إلحاقُه به لأنه مستثنًى ورد
على خلاف القياس عملاً بقاعدة: «مَا ثَبَتَ عَلَى خِلاَفِ القِيَاسِ فَغَيْرُهُ
عَلَيْهِ لاَ يُقَاسُ».
علمًا أنَّ مالكًا -رحمه الله-
وغيره أباحوه بشرط تذكيته، فيسمِّي اللهَ عند وخزه بالشوك وغرزه بالإبر ونحو ذلك
ويُلحقونه بالجراد في الحكم، ويغيب هذا الشرط في المادَّة ذات اللون القِرْمِزيِّ،
إذ يتمُّ حرقُها أو سحقُ جسدها وأعضائها جميعًا لاستخراج هذه المادَّة الحمراء.
فالحاصل أنَّ الملوِّن
الغذائيَّ الأحمر المستخرج من هذه الخنافس بغضِّ النظر عن خبثها وعدم قبولها
للتذكية فإنها -من جهةٍ أخرى- تسبِّب أضرارًا جسمانيةً متفاوتة الخطورة من الحساسية
للأطفال والربو وأمراضٍ مسرطنةٍ وغيرها من الأعراض والأمراض، لذلك تُمْنَع عملاً بقوله
صلَّى الله عليه وسلَّم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ».
والعلم عند الله تعالى، وآخر
دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه
وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.