عن أبي بن كعب رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم
يقول
( إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس
أعلم
قال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى
الله إليه إن لي
عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب وكيف
لي به
قال تأخذ معك حوتا فتجعله بمكتل فحيثما فقدت الحوت
فهو ثم فأخذ
حوتا فجعله بمكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن
نون عليه
السلام حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما
وأضطرب
الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فأتخذ
سبيله
في
البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جريه الماء فصار عليه
مثل الطاق فلما أستيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت
فانطلقا
بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى
لفتاه آتنا
غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ولم يجد موسى
النصب
حتى
جاوز المكان الذي أمره الله به قال له فتاه :أرأيت إذ أوينا
إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان
أن أذكره
وأتخذ سبيله في البحر عجبا.قال فكان للحوت سربا
ولموسى وفتاه
عجبا فقال ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا
قال فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا
رجل مسجى
بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر وأني بأرضك السلام
فقال
أنا
موسى فقال موسى بني إسرائيل قال نعم قال أتيتك لتعلمني
مما علمت رشدا .
قال له الخَضِر: إنك -يا موسى- لن تطيق أن تصبر على
إتباعي
وملازمتي. وكيف لك الصبر على ما سأفعله من أمور تخفى
عليك
مما علمنيه الله تعالى؟قال له موسى: ستجدني إن شاء
الله صابرًا
على ما أراه منك، ولا أخالف لك أمرًا تأمرني به.
فوافق الخَضِر
وقال له: فإنْ صاحَبتني فلا تسألني عن شيء تنكره، حتى
أبيِّن لك
من أمره ما خفي عليك دون سؤال منك. فانطلقا يمشيان
على
الساحل، فمرت بهما سفينة، فطلبا من أهلها أن يركبا
معهم، فلما
ركبا قَلَعَ الخَضِر لوحًا من السفينة فخرقها، فقال
له موسى: أَخَرَقْتَ
السفينة؛ لتُغرِق أهلَها، وقد حملونا بغير أجر؟ لقد
فعلت أمرًا
منكرًا. قال له الخَضِر: لقد قلت لك من أول الأمر:
إنك لن تستطيع
الصبر على صحبتي. قال موسى معتذرًا: لا تؤاخذني
بنسياني
شرطك عليَّ، ولا تكلفني مشقةً في تعلُّمي منك، و
عاملني بيسر
ورفق. فقبل الخَضِر عذره، ثم خرجا من السفينة، فبينما
هما
يمشيان على الساحل إذ أبصرا غلامًا يلعب مع الغلمان،
فقتله
الخَضِر، فأنكر موسى عليه وقال: كيف قتلت نفسًا طاهرة
لم تبلغ
حدَّ التكليف، ولم تقتل نفسًا، حتى تستحق القتل بها؟
لقد فَعَلْتَ أمرًا
منكرًا عظيمًا. قال الخَضِر لموسى معاتبًا ومذكرًا:
ألم أقل لك إنك
لن تستطيع معي صبرًا على ما ترى من أفعالي مما لم تحط
به
خُبْرًا؟قال موسى له: إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة
فاتركني
ولا تصاحبني، قد بلغتَ العذر في شأني ولم تقصر؛ حيث
أخبرتَني
أني لن أستطيع معك صبرًا. فذهب موسى والخَضِر حتى
أتيا أهل
قرية، فطلبا منهم طعامًا على سبيل الضيافة، فامتنع
أهل القرية
عن ضيافتهما، فوجدا فيها حائطًا مائلا يوشك أن يسقط،
فعدَّل
الخَضِر مَيْلَه حتى صار مستويًا، قال له موسى: لو
شئت لأخذت
على هذا العمل أجرًا تصرفه في تحصيل طعامنا حيث لم
يضيفونا.
قال الخَضِر لموسى: هذا وقت الفراق بيني وبينك،
سأخبرك بما
أنكرت عليَّ من أفعالي التي فعلتها، والتي لم تستطع
صبرًا على
ترك السؤال عنها والإنكار عليَّ فيها. أما السفينة
التي خرقتها
فإنها كانت لأناس مساكين يعملون في البحر عليها سعيًا
وراء
الرزق، فأردت أن أعيبها بذلك الخرق؛ لأن أمامهم ملكًا
يأخذ كل
سفينة صالحة غصبًا من أصحابها. وأما الغلام الذي
قتلته فكان في
علم الله كافرًا، وكان أبوه وأمه مؤمِنَيْن، فخشينا
لو بقي الغلام حيًا
لَحمل والديه على الكفر والطغيان؛ لأجل محبتهما إياه
أو للحاجة
إليه. فأردنا أن يُبْدِل الله أبويه بمن هو خير منه
صلاحًا ودينًا وبرًا
بهما. وأما الحائط الذي عدَّلتُ مَيْلَه حتى استوى
فإنه كان لغلامين
يتيمين في القرية التي فيها الجدار، وكان تحته كنز
لهما من الذهب
والفضة، وكان أبوهما رجلا صالحًا، فأراد ربك أن
يكبَرا ويبلغا
قوتهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما، وما
فعلتُ
يا
موسى جميع الذي رأيتَني فعلتُه عن أمري ومن تلقاء نفسي،
وإنما فعلته عن أمر الله، ذلك الذي بَيَّنْتُ لك
أسبابه هو عاقبة
الأمور التي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها
والإنكار
عليَّ
فيها )
المصدر: التفسير الميسر وتفسير ابن
كثير
قال الله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى
أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ
أَمْضِيَ حُقُباً {60}
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا
حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ
سَرَباً {61}
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا
لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً
{62}
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ
فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ
وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ
أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً {63}
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى
آثَارِهِمَا قَصَصاً {64}
فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ
رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً {65}
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن
تُعَلِّمَنِ مِمَّا
عُلِّمْتَ رُشْداً {66}
قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
{67}
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى
مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً {68}
قَالَ سَتَجِدُنِي إِن
شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً
{69}
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا
تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً
{70}
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ
أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً {71}
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ
صَبْراً {72}
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا
تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً {73}
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً
فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ
نَفْسٍ
لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً {74}
قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ
مَعِي صَبْراً {75}
قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا
تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً {76}
فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ
اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن
يُضَيِّفُوهُمَا
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ
فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً
{77}
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع
عَّلَيْهِ صَبْراً {78}
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي
الْبَحْرِ
فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم
مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً
{79}
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ
فَخَشِينَا أَن
يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً {80}
فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً
مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً {81}
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ
يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ
لَّهُمَا
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ
رَبُّكَ أَنْ
يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا
كَنزَهُمَا
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ
عَنْ أَمْرِي
ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً
{82}
الكهف