يبدو أن الجزائريين بصدد قضاء
"أصعب رمضان" في السنوات الأخيرة، ولا يتعلق الأمر بطول مدة نهار
الصيام، فقد صاموا أيام أطول، ولا بشدة الحرّ فيه، فقد صاموا أياما أشد حرارة، ولا
بارتفاع الأسعار، فأسعار الخضر والفواكه وصلت مستويات أعلى في شهور وسنوات مضت..
وإنما يتعلق بالفضائح التي باتوا ينامون ويصحون على وقعها، وهي فضائح متنوعة، من
السياسية إلى الاقتصادية إلى الأخلاقية، إلى درجة أن البعض صار يخشى أن يكون صومه
منقوصا لأنه لا يستطيع أن يمنع نفسه من متابعة هذه الفضائح المتتالية..
الأدهى والأمّر أنه في مقابل
ردود الفعل المستنكرة، والمستهجنة لهذه الفضائح، هناك من أصبح يدرجها في خانة
"النورمال"، ويدافع عن صانعيها بطريقة "علاش شفتوه غير هو
مسكين"..
ومع أن رد الفعل لم يكن يوما
دليل قوة، بقدر ما كان دليل ضعف.. فالفعل هو دليل القوة والمبادرة، طبعا ما لم يكن
فعلا قبيحا كالأفعال التي أصبحت طاغية على المشهد الجزائري مؤخرا.. إلا أنه ـ رد
الفعل ـ يبقى دليل حياة.. حياة ضمير وروح لازال فيها شيء من الفطرة التي تأبى
الفساد والإفساد أيا كان نوعه وشكله.. ومصدره.
كثيرون يهاجمون الحكومة
والسلطات العليا في البلاد ويعتبرونها مسؤولة عن التردي الأخلاقي الذي بلغه
المجتمع، وفق منطق "إذا صلح الرأس صلح الجسد"، وقاعدة "إن الله
ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن"، وكثيرون غيرهم يهاجمون المجتمع ويعتبرونه
المسؤول عن ما حلّ به انطلاقا من أنه "كما تكونوا يُولى عليكم"، وكثيرون
آخرون يكتفون بالتفرج كأن الأمر لا يهمهم من قريب ولا بعيد..
ورغم هذا الوضع المأساوي الذي
يجعل أشد المتفائلين تفاؤلا يكاد يغرق في بحور من اليأس، فإن صور الخير الذي يفعله
كثير من الجزائريين، ومشاهد الرحمة في مطاعم الرحمة ومواقف التراحم في مساجد الرحمان،
وغيرها، تبعث الأمل في قلوب أكثر المتشائمين تشاؤما، فكلما اشتد ظلام الفساد،
اقترب فجر الصباح، عسى أن تستيقظ الجزائر يوما على واقع أفضل، بحكومة وشعب أفضل،
أو على الأقل.. أقل سوءاً..
* الشيخ بن خليفة