كتب رائد علم الاجتماع العربي، عبد الرحمن بن خلدون، في
مقدمته الشهيرة في القرن الرابع عشر الميلادي ـ قبل سبعة قرون ـ قائلا:
(عندما تنهار الدول
يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون
النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل.. وقارعو الطبول
والمتفيهقون (أدعياء المعرفة).. وقارئو الكفّ والطالع والنازل.. والمتسيّسون
والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون..
تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء
التدبير.. وتختلط المعاني والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل..

يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على
الانتماء.. ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين.. ويتقاذف أهل البيت
الواحد التهم بالعمالة والخيانة.. وتسري الشائعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس
والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب
والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب
وانتظار.. ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين.. ويتحول الوطن إلى محطة سفر..
والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب.. والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات.