-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

لماذا تكره أشهر مجاهدة جزائرية جميلة بوحيرد الصحافة؟



كاريكاتير غيّر نظرة بطلة الجزائر إليها..

لماذا تكره جميلة بوحيرد الصحافة؟


ـ الشيخ بن خليفة ـ

إذا كان كثير من المعجبين بالثورة الجزائرية التي أهدت للجزائر لقب بلد المليون ونصف المليون شهيد يتفاجأون حين يعلمون أن المجاهدة جميلة بوحيرد حية ترزق، وهي التي توصف بـ"الشهيدة" لدى من يجهلون أنها مازالت بيننا، فإن إعلاميين كثيرون تفاجئهم ردة فعل المجاهدة الرمز التي لا تربطها علاقة ودية بالصحافة، وهو أمر لم يأت من فراغ، بل تقف وراءه قصة عمرها الآن قرابة الخمسين سنة!
كثير من الإعلاميين يتفاجأون حين يحاولون التقرب من جميلة بوحيرد ـ التي يكتب بعض المشارقة اسمها العائلي خطأ "جميلة بوحريد" ـ بغية الحصول على تصريح منها أو الفوز بحوار خاص، فتصدهم صدا وترفض أن تنبس على أسماعهم ببنت شفة، ولذلك فإن الخرجات الإعلامية ـ إن صحت تسميتها بذلك ـ لجميلة الثورة الجزائرية نادرة جدا، فلماذا تكره بوحيرد الصحافة؟

قصة عمرها نصف قرن!
صحفي مجلة "أخبار الأدب" المصرية محمد شعير ـ الذي حاز شرف "كسر صمت" جميلة بوحيرد سنة 2007 ـ نقل عن الروائي الراحل الطاهر وطار قوله أن "كراهية جميلة للصحافة لها الكثير مما يبررها".
وروى الروائي الراحل قصته مع أبرز مجاهدة جزائرية قائلا: "في عام 1964 كنت رئيسا لتحرير جريدة "الأحرار" وكانت أول جريدة أسبوعية جزائرية، وذهبت مع أحمد بن بلة ووفد كبير من المسؤولين لزيارة القاهرة، وعندما التقيت أحد الوزراء المصريين لإجراء حوار مطول معه.. فاجأني بالسؤال: هل صحيح أن جميلة بوحيرد تزوجت فرنسيا. ارتبكت أمام سؤاله، لم أكن أعرف حقيقة الأمر.. وعندما عدت إلى الجزائر تأكدت، فصدر غلاف الأحرار ويتصدره رسم كاريكاتير لجميلة وبطنها منتفخة بالحمل لطفل يرتدي برنيطة".
ويبدو أن الرسم الكاريكاتوري لم يُغضب جميلة بوحيرد فقط، وإنما دفع بها إلى كُره الصحافة ككل، حيث دخلت بعدها في قطيعة معها، ورفضت مئات الطلبات بإجراء حوارات ولقاءات صحفية معها، وحتى عندما وافقت على الحديث مع صحفي "أخبار الأدب"، فإنها فعلت معه ذلك على أساس أنه مواطن مصري وليس كصحفي، قبل أن تستغل المجلة هذا اللقاء في عددها الأخير على أنه سبق صحفي من الوزن الثقيل.
وتبقى خرجات بوحيرد نادرة جدا، وهي محافظة على "تقاليدها" في التعامل مع الصحافة، وطنية كانت أم أجنبية، في الوقت الذي يعتقد كثيرون أنها في "العالم الآخر"، وهي ما تزال حية تُرزق..

عندما كسرت بوحيرد صمتها..
قبل أن تبدأ جميلة بوحيرد، أشهر مجاهدة جزائرية، في الظهور في مناسبات نادرة تحضرها الصحافة، خلال السنوات الأخيرة، كانت قد كسرت، على نحو غير مقصود، طوق الصمت الذي ظلت تحيط به نفسها منذ الاستقلال، وهو الصمت الذي رسم علامات استفهام كبيرة حول وضعها، إلى حد أن هناك من اعتقد بأنها انتقلت إلى العالم الآخر، ووُصفت أكثر من مرة بـ"الشهيدة". بوحيرد قالت في تصريح صحفي أول من نوعه: "لم أفعل شيئا يستحق التكريم".
ونجحت مجلة أخبار الأدب المصرية في جرّ جميلة بوحيرد للحديث عن بعض القضايا، ولم تقبل بالحديث مع مبعوثها إلا بعد أن استغل جنسيته كمواطن مصري جاء ليسألها عن "الفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين أيضا ساهم في تخليدها"، فقبلت الحديث إليه كمواطن من مصر وليس كصحفي.
وتصدر رسم كبير لوجه جميلة الثورة الجزائرية الصفحة الأولى من العدد الصادر في شهر ديسمبر من سنة 2007 من المجلة التي يشرف عليها الأديب العربي الكبير جمال الغيطاني، وجاء الموضوع تحت عنوان مثير: "بعد خمسين عاما من الصمت: جميلة بوحيرد.. حوار خاص".
ومن الواضح أن مجرد الحديث مع بوحيرد هو حدث إعلامي كبير وسبق في حد ذاته، ولذلك كان العنوان على هذا النحو ولم تتم الإشارة فيه إلى مضمون هذا الحوار، الذي لم يكن في الحقيقة حوارا بالمفهوم الصحفي، بقدر ما كان عبارة عن سرد لتفاصيل "رحلة للبحث عن جميلة" التي التقاها الصحفي المصري بعد طول عناء، وانتزع منها بضع عبارات صنع منها موضوعا كبيرا استحق أن يشغل المساحة الأكبر في الصفحة الأولى من "أخبار الأدب".

رحلة البحث عن جميلة..
بدأ صحفي مجلة أخبار الأدب سرد تفاصيل رحلته بالتعبير عن المفاجأة التي صدمته حين سؤاله عن جميلة بوحيرد بعد وصوله إلى الجزائر وهي أن لا أحد يعرف شيئا عنها، "البعض يقول إنها في فرنسا، وآخرون يقولون إنها تقيم في بيت في أحد أفخم المناطق الجزائرية، وكثيرون تساءلوا: ألا تزال حية؟!
لا أثر لأي معلومة علي مواقع الإنترنت تدل عليها.. كل الخيوط تؤكد علي أن الوصول إليها مستحيل".
وذكر الصحفي المصري أن فنانة تشكيلية التقاها صدفة أعطت له هاتف ابنتها حورية، وهي "مهندسة معمارية لديها مؤسسة للفن المعماري، تشرف على ترميم مباني مدينة القصبة الشهيرة"، ووعدته الابنة بترتيب موعد مع الأم في "رحلة قادمة".
وفي الرحلة الموالية، اكتشف صحفي "أخبار الأدب" أنه نسي رقم هاتف حورية ابنة جميلة داخل كتاب، قبل أن يلتقي "مسؤولا كبيرا في وزارة الثقافة" فاجأه بأنه يملك الرقم الخاص لجميلة نفسها، ومنحه إياه بعدما اشترط عليه عدم إخباره بمصدر حصوله عليه.
وعندما اتصل الصحفي المصري هاتفيا بجميلة بوحيرد، وأطلعها على رغبته في لقائها، ردت عليه: "ما الذي ذكّر بي الصحافة والصحفيين الآن وقد كنت منسية لأكثر من خمسين عاما؟"، فقال الصحفي: "لم ننسك إطلاقا.. أعرف انك تقاطعين الصحافة والصحفيين"، فاعترفت بوحيرد بهذه "المقاطعة"، قبل أن تضيف بدبلوماسية: "لا أريد أن أتحدث لأنني لم أفعل شيئا يستحق التكريم أو الحديث عنه. ما فعلته هو الواجب الذي يمليه علي ضميري وموقفي".

"جميلة الجزائر" تجيد لهجة مصر!
ذكرت بوحيرد للصحفي المصري أنها متعبة ولديها كشوفات وتحليلات، وقد لا تجد وقتا لكي تلتقي به، وأعربت عن حبها لمصر وشعبها وشكرها لهم لما قدموه من خدمات للثورة الجزائرية، وسألت عن المخرج الشهير يوسف شاهين، مؤكدة أنها "حزينة عندما علمت بمرضه"، وكشفت أنها كانت غاضبة منه وخاصمته لفترة "ولكن هذا أمر انتهى".
ووعدت جميلة الصحفي بمحاولة لقائه، وقالت: "لا تغضب إذا لم أستطع أن ألقاك"، فطمأنها قائلا أنه لن يمارس معها مهنته، وإنما سيلتقيها ليصافحها ويعطيها نسخة مما كتبه عنها، فقالت: "بالتأكيد لو التقينا سألتقيك كمصري وليس كصحفي"، وسألت جميلة "المواطن المصري" إن كان يعرف اللهجة الجزائرية، لتكشف له أنها تعرف اللهجة المصرية وتجيد التحدث بها.
وفي اليوم التالي ، طلبها "المواطن ـ الصحفي" في الموعد المحدد فراحت تعتذر بشدة لأنها لن تستطيع مقابلته، حيث ستكون في المستشفي لمتابعة التحليلات التي تجريها، ولن يُسمح له بالحديث إليها بسبب تواجدها في مصلحة مرضى القلب الذين يحتاجون الهدوء الشديد، وطلبت منه أن ينقل رسالة شكر منها للشعب المصري على ما قدمه من خدمات للثورة الجزائرية.. "هي خدمات لن ننساها"، لتفاجئه بنيتها في زيارة غير رسمية لمصر لمكتبة الإسكندرية ستكون خطوة أولى لجولة لبعض الدول المشرق العربي الأخرى.
وظلت جميلة بوحيرد هادئة في حديثها إلى "المواطن المصري"، حتى استيقظ حسه الصحفي وسأله عن سبب غضبها من قبل على يوسف شاهين، فاستشاطت غضبا، وردت بنبرة فاجأت مبعوث "أخبار الأدب": "أنت لا تريد أن تنسي أنك صحفي.. وأنا لا أريد أن أتحدث إلي صحفيين".
واعتبرت "أخبار الأدب" بوحيرد أشهر رمز للمقاومة في الجزائر، بل هي الأشهر علي الإطلاق عندما يذكر العرب اسما لمناضلة، وقالت أنها ألهمت الشعراء، "حتى أن بعض النقاد أحصى ما يقرب من سبعين قصيدة كتبها عنها أشهر الشعراء في الوطن العربي: نزار قباني، وصلاح عبد الصبور، بدر شاكر السياب، الجواهري … وعشرات آخرين".

بوحيرد: "اتهلاو فالجزاير"
اعتبر كثير من مشاهدي التلفزيون الجزائري الكلمة التي ألقتها المجاهدة الشهيرة جميلة بوحيرد خلال تكريمها في الجزائر العامة، في ديسمبر 2010، بمناسبة مرور خمسين سنة على مظاهرات 11 ديسمبر 1960 أهم ما سمعوه خلال نشرة الثامنة لذلك اليوم، على التلفزيون الجزائري الذي اهتم كثيرا بالحديث وبتكريم أشهر مجاهدة جزائرية، وصنعت وصية بوحيرد للجزائريين الحدث في الشارع الجزائري الذي لم يتعود من قبل على سماع خطابات مباشرة من هاته المرأة التي فضلت الصمت منذ عشرات السنين، وعُرفت بعدم تحمسها للإدلاء بتصريحات من أي نوع·
واستغلت بوحيرد تكريمها بعد نصف قرن من مظاهرات ديسمبر لتوصي الجزائريين خيرا بوطنهم، ولتشدد على ضرورة تحليهم بروح ثورة نوفمبر·
وقالت المجاهدة الجزائرية الأشهر، عربيا وعالميا، أن الجزائر مازالت تنجب العظماء أمثال العربي بن مهيدي وديدوش مراد وزيغود يوسف، وغيرهم، لتختم كلامها قائلة: نوصيكم اتهلاو فالجزاير..

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020