الدكتور محمد بوشيخي لـ"أخبار اليوم":
"الجزائر مازالت تدفع فاتورة سنوات الدم"
ـ
ينبغي أن يعاد النظر في أجور وتكوين الأئمة
ـ الجزائر
تفتقد لاستراتيجية دينية
ـ الإسلام
ليس بيضة نخاف أن يكسرها كاريكاتير أو فيلم
ـ التدين
المؤسس على قناعات علمية نادر في المغرب العربي
ـ حسناوات
بلجيكا كشفن استمرار توظيف الدين سياسيا بالمغرب
الدكتور محمد
بوشيخي أكاديمي مغربي حاز شهادة الدكتوراه من مدرسة الدراسات العليا في العلوم
الاجتماعية بالعاصمة الفرنسية باريس من الباحثين القلائل الذين سخروا جزءا كبيرا من
وقتهم في الشهور الأخيرة لرصد معالم
التدين في المنطقة المغاربية التي تنتمي إليها الجزائر، وقد توّج هذا الاهتمام بدراسة
جادة، حملت عنوان "الدين والدولة في المنطقة المغاربية خلال سنة 2011"،
خصّص جانبا هاما منها للحديث عن الجزائر، وهو ما دفعنا إلى التواصل معه، ومحاورته.
ويشير
الدكتور بوشيخي في هذا الحوار إلى مدى حاجة الجزائر إلى استراتيجية دينية تؤطر
هويتها، وكذا إلى ضرورة إعادة الاعتبار للأئمة ومراجعة تكوينهم، مؤكدا أهمية
الإعلام الديني في المغرب العربي ورهان صناعة النجم الدعوي، ويقدم تحليلا مميزا
لقضية "تدنيس" مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء من طرف حسناوات
بلجيكيات قال أنهن فضحن، بلباسهن الفاضح، تواصل التوظيف اللاأخلاقي للدين في
السياسة، كما يتحدث عن ارتباط المغتربين الجزائريين في الخارج بدينهم وقضايا أخرى..
أجرى الحوار: الشيخ بن خليفة
* تناولتم "الحالة
الجزائرية" في دراستكم الأكاديمية التي أجريتها حول "الدين والدولة في
المنطقة المغاربية خلال سنة 2011"، وأشرتم إلى التجربة الدموية التي شهدتها
الجزائر. إلى أي مدى تعتقدون أن تلك التجربة القاسية مازالت تلقي بظلالها على
الجزائر ومجتمعها اليوم؟
تجربة دموية بالفعل تلك التي عاشتها الجزائر خلال عقد التسعينات، عصفت باستقرارها
الداخلي وأثرت على أدائها الديبلوماسي، وقد خرجت منها بخسائر بشرية ومادية مهمة والأخطر
من ذلك هو تلك الجراح التي لم تندمل بعد. ويجد هذا تفسيره في كون المقاربة التي اعتمدتها
السلطة لمعالجة الوضع اقتصرت على جانبين هما الجانب العسكري لحسم الوضع على الميدان
وفرض حضور الدولة والجانب السياسي عبر إطلاق مبادرة "الوئام المدني" لتحصيل
الشرعية وإعادة تشكيل المشهد السياسي، غير أن الغائب الأكبر في تلك المقاربة هو الجانب
الديني. لم تستثمر الدولة الحقل الديني عبر إطلاق سياسة دينية شاملة توظف خطاب الاعتدال
وترجح القراءة العقلانية للتراث الإسلامي لمزاحمة الأطروحات المبررة للعنف وتقويض أسسها
النظرية. بل على النقيض من ذلك كان لمنع الآذان على الإذاعة والتلفزة، من سنة 1994
إلى 2006 مؤشرا على هجران السلطة للحقل الديني
بدل تكثيف حضورها فيه.
كان من الممكن أن تقدم الجزائر تجربة فريدة في مجابهة الفكر العنفي والتكفيري داخل
جحره تكون نموذجا لبقية الدول الأخرى، لكن سوء تقدير النخبة الحاكمة في اعتقادي لأهمية
هذا الجانب ساهم في إعادة تشكيل الفكر التكفيري وسهل انبثاق تنظيمات مرتبطة بتنظيم
القاعدة يؤطرها جزائريون.
فالجزائر مع الأسف لا تتوفر على استراتيجية دينية تضبط ثوابت الإطار المرجعي للهوية
الدينية الجزائرية، وهي الهوية المشتركة للشعوب المغاربية، على مستوى العقيدة الأشعرية
والمذهب المالكي والسلوك الجنيدي. كما أن نخبتها في عمومها سواء السياسية أو المثقفة
لا تبدو مهتمة بفرض تلك الثوابت على مستوى الخطاب الديني بالمساجد والإفتاء والبرنامج
الدراسي... هذا اذا ما استثنينا بعض الشخصيات مثل وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف السيد
ابو عبد الله غلام الله الذي يبدوا من خلال تصريحاته وأنشطة وزارته اكثر وعيا وحماسا
لهذا الموضوع، واعتقد أن الرجل كان بإمكانه فعل الكثير لو توفرت له الأدوات المؤسساتية
والمادية لذلك.
* في دراستكم أشرتم إلى حالات مثيرة
للجدل ـ مثل رفض بعض الأئمة الوقوف للنشيد الوطني ـ قلتم أنها تستدعي وجود هيئة رسمية
للإفتاء بالجزائر.. ما هو تصوركم لهذه الهيئة، ومن ترونه جديرا بتولي مسؤولية
"مفتي الجزائر"؟
رفض الأئمة الوقوف للنشيد الوطني تكرر في الجزائر أكثر من مرة، وهناك أستاذ في
العلوم الشرعية يمارس مهامه داخل مؤسسة جامعية جزائرية قدم تفسيرا شرعيا يبرر ذلك الرفض،
وهذا في نظري يكشف عن الفجوة بين القناعات العقدية لهؤلاء الائمة وحتى العلماء من جهة
وملامح الدولة الحديثة من جهة أخرى، فالذي يرفض الوقوف للعلم الوطني يرفض بدون شك وجود
العلم ذاته كما يرفض تبعا لذلك مؤسسات الدولة القائمة من برلمان وحكومة ورئاسة وغيرها
لأنها بكل بساطة لا تتوفر على سند في القرآن والسنة ولم يعمل بها السلف الصالح. وهذه
حالة لا يمكن فصلها عن ما قلناه من قبل أي غياب استراتيجية دينية تروم التحكم في الخطاب
الديني وتحصينه من "فيروسات" التشدد والتطرف لحد التكفير ومن ذلك إطلاق برنامج
لتكوين الأئمة وإعادة النظر في البرامج القائمة ووضع هيئة وطنية لممارسة الافتاء في
قضايا الشأن العام. فهؤلاء الأئمة يعتقدون فعل الخير بفعلهم ذلك وينتظرون جزاء الله
لقاء ذلك الفعل، لأنهم يختزلون العالم في جغرافية مكة والمدينة، فتكوينهم لم يسمح لهم
بالنظر للأشياء في تاريخيتها ولم يعطهم فرصة التعامل مع الواقع من خلال سنة الله في
التغير والتطور.
لهذا كله لن يكون شخص المفتي واسمه مهما بقدر أهمية الاطار المؤسساتي الذي يشتغل
فيه، كما أن خيارات الدول الإسلامية مؤخرا والمؤسسات الدينية والمجامع الفقهية عبر
العالم تسير في اتجاه تغليب الافتاء الجماعي والتشجيع عليه نظرا لتعقد الحياة المعاصرة
وتشعبها حيث صارت تستلزم تعددا في التخصص لاستنباط الحكم الشرعي وكيفية تنزيله. إذ
لم يعد من الممكن لخريج العلوم الشرعية وحده أن يفتي في قضايا الاقتصاد مثلا بل حتى
على مستوى الشؤون الشخصية يحتاج الفقيه بجانبه إلى خبراء متخصصين في علم الاجتماع
أو علم النفس والطب لاستيعاب الظاهرة موضوع الفتوى قبل إصدارها.
* نقرأ في دراستكم رقمين مخيفين، يقول
الأول أن نصف الأئمة الجزائريين يعتقدون أنهم يمارسون وظيفة وليس رسالة والثاني أن
62 بالمائة من الأئمة عندنا دون المستوى. ما الأسباب برأيكم؟ وما هي الحلول التي تقترحونها
لمعالجة هذا الاختلال؟
هي أرقام مقلقة بالفعل.. قد تشترك في هذه الظاهرة جميع الدول الإسلامية لكن بنسب
متفاوتة، قد تتعدد الاسباب والتي يأتي على رأسها النظرة الدونية للإمام في أعين المجتمع
وهذا شيء لا يحفزه على الاهتمام برسالته كما أن محدودية راتبه الشهري وانعزاله عن دورة
الحياة الثقافية يحبط لديه العزيمة على متابعة المستجدات ومراكمة التثقيف الذاتي. وفي
اعتقادي أنه حان الوقت لمعالجة الظاهرة على صعيد العالم الإسلامي، بدل الاقتصار على
التجارب القُطرية، إذ يبدوا أن هناك ندرة في دراسة هذه الظاهرة وتتبعها على صعيد الدول
الإسلامية في شموليتها قصد تبادل الخبرات وتكثيف الجهود، فمنظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة
العالم الإسلامي ثم اتحاد العلماء المسلمين ورابطة علماء السنة فضلا عن وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية وهيئات العلماء مطالبين بمقاربة هذه الظاهرة وتوسيع دراستها لتشمل
"مواصفات الإمام وواجبه" و"دور المسجد ورسالته" و"علاقة الإمام
بالشأن العام" و"تحديات خطبة الجمعة" وغير ذلك من القضايا التي صارت
تحتم على الدول الإسلامية، وليس على الجزائر فحسب، إنتاج جيل من الأئمة واع بدوره الرسالي
في ظل تحديات الحداثة وإكراهات العولمة.
فرد الاعتبار للإمام يقتضي إعادة النظر في وضعه المادي ومراجعة رصيده المعرفي حتى
يجتمع لديه فقه الشرع وفقه الواقع وتمكينه من تكوين مستمر وحديث يعينه على فهم الحقائق
في نسبيتها. وهذا على أساس الاقتناع بأهمية الموقع الاجتماعي للإمام وبأن في ترقيته
ترقية للوعي الديني بالمجتمع، فالناس يتمثلون الدين من خلال نظرتهم إلى الامام خصوصا
أمام انحطاط الثقافة الدينية عندنا وضعف رواج الكتاب الديني.
* من
خلال دراستكم للواقع الديني بالجزائر، هل ترون أن الجزائري، بشكل عام، مسلم عن قناعة
ويقين، أم أنه مسلم لأنه وُلد في بيئة مسلمة؟ وماذا
عن أبناء المغرب العربي بشكل أعم؟
أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال يستدعي القيام بدراسات سوسيولوجية وانتروبولوجية
لفهم أنماط التدين في المجتمع وهي قليلة جدا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عموما.
وأن ارتجلت الجواب بناء على معارفي الخاصة وتأسيسا على الملاحظة والتخمين، فإني أقول
أن هناك التدين الموروث وهو الغالب، أما التدين المؤسس على قناعات علمية فلا أعتقد
شيوعه بالقدر الذي يجب أن يكون سواء في الجزائر أو في غيرها من الدول المغاربية. كما
أن النخبة الدينية من علماء وجمعيات دعوية إسلامية لا تهتم كثيرا بالجانب التنظيري
في العمل الدعوي وتقويم التدين رغم وجود بعض الكتابات التي يجب إبرازها وتطويرها مثل
اجتهادات فتحي يكن ويوسف القرضاوي والمفكر التونسي عبد المجيد النجار في كتابه
"فقه التدين" والمصري فهمي هويدي
في كتابه "التدين المنقوص" والعالم الشيعي محمد حسين فضل الله في كتابه
"خطوات على طريق الإسلام"، كما يمكن الاستفادة من نظريات علوم التربية في
تطوير العمل الدعوي وفهم أنساق التفاعل بين الداعية والمدعو.
فالتدين عندنا يمارس بشكل عفوي والعمل الدعوي الذي يقوم به الدعاة والعلماء يغلب
عليه طابع الارتجال والعفوية فيكون نجاحه مرتبطا بشخصية الداعية وكارزميته وقدرته على
استيعاب المتلقي أكثر من اعتماده على نسق حجاجي عقلاني يحمل المتلقي أي المدعو إلى
تمثل الدين في سلوكه على أساس القناعة العلمية وليس مجرد العاطفة العابرة.
* كيف ترون تأثير الحرب الغربية على
الإسلام وحملات التخويف والتنفير من الدين الحنيف على معالم التدين في الجزائر، وبلاد
المسلمين عامة؟
الإعلام يحتكم في خطه التحريري إلى حاجياته المادية المرتبطة بحجم مبيعاته، وقد
تكون المصالح الايديولوجية والسياسية للقائمين عليه وراء تعبيراته بخصوص الإسلام، من
ذلك الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) ودفاعهم عن "حرية التعبير"
بخصوص الفيلم المسيء للإسلام، واعتماده التشكيك في "القيمة الاخلاقية لرسالته"
عبر تسليط الاضواء بشكل انتقائي على اعمال الارهاب ودونية المرأة وغيرها من القضايا
لرسم صورة سوداوية وغير إنسانية عنه لدى الشعوب الغربية.
أما عن تأثير الإعلام عن التدين في بلاد المسلمين فلا أعتقد أنه يطرح مشكلا ذا
بال، فكم هي نسبة متابعة الإعلام الغربي في البلاد الإسلامية؟ وهل هذه النسبة، على
افتراض أهميتها، تنسحب أيضا على التحليلات الإخبارية والبرامج الوثائقية أم أنها تقتصر
على الأفلام الترفيهية؟ وكم هو عدد المسلمين الذين غيروا معتقدهم أو تنازلوا عن تدينهم
تحت ضغط الحملات الإعلامية الغربية؟ هذه أسئلة تحملنا على مراجعة أحكامنا حول الإعلام
الغربي، ولا ننسى أن عدة تقارير تحدثت عن ارتفاع نسبة الغربيين المعتنقين للإسلام بعد
تفجيرات 11 سبتمبر 2011، كما أن الإعلام ليست له عين واحدة في النظر إلى الإسلام إذ
يقدم أحيانا ضمن مواده برامج تعريفية بتاريخ الإسلام وحضارته والعلوم التي ولدت وازدهرت
في حاضنته وغير ذلك من المواد التي تنصف الإسلام والمسلمين وتعترف بفضلهم على العالم.
إن ما يأسف عنه حقا هو ردة فعل المسلمين اللاعقلانية عن هجمات الإعلام الغربي،
فالإسلام عقيدة وحضارة وروحانية وليس "بيضة" حتى نخاف عليها من أن يكسرها
ذلك الكاريكاتير أو هذا الفيلم، فهذه الهجمات مهما كانت وحشيتها يمكن الرد عليها بواسطة
العمل الديبلوماسي، وأن تعذر القيام به على مستوى كل دولة يمكن إلحاقه بمهام الهيئات
الاقليمية كجامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي -كما طالب البعض بذلك- لاستصدار
قرارات دولية تجرم المساس بالأديان أو حتى الدعوة لاتفاقيات دولية حول الامر. أما الرد
على الاساءة بقتل الابرياء وإطلاق الدعوات العشوائية للجهاد أو حتى تنظيم مظاهرات يصعب
التحكم فيها كما حصل مؤخرا في باكستان ومصر وغيرهما حيث انتهت بعشرات القتلى فهذا أمر
فيه استخفاف بحياة المسلم وضرب لنظام الأولويات.
وأريد هنا أن أتوقف عند نقطة أخرى لها علاقة بهذا الموضوع وسبب مباشر له وهي أنه
غالبا ما يتم النظر إلى المنتوج الإعلامي الغربي وكأنه تدبير حكومي تآمري، وهذا خطأ.
فما يقوله الإعلام عموما في بلاد الغرب يخالف ما يقوله المفكرون هناك، فهؤلاء وليس
المنابر الإعلامية هم الذين يعبرون حقيقة عن الموقف الغربي من الإسلام، ودولهم تعتمد
على خلاصاتهم في تدبير سياسياتها إزاء الإسلام. هؤلاء المفكرون لا تهيمن على كتاباتهم
"حملات التخويف والتنفير" بل لهم ميل إلى استنطاق أسباب التأخر لدى المجتمعات
الإسلامية وتشخيص العوامل الثقافية لذلك التأخر وهذه الدراسات مهما كانت تقديراتها
للإسلام، وأن كانت غير منصفة أحيانا لتشكيكها في القيمة الحضارية لرسالته، فإنها صارت
تلقى تفاعلا في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط حيث ازداد الحماس لترجمتها إلى العربية
وازداد استعداد النخبة المثقفة بما فيها الإسلامية لمناقشتها وأن بدافع نقدي، وهذا
يؤشر على وجود تحول ولو بطيء في مقاربة علاقة الإسلام بالغرب وهجر نظرية المؤامرة.
* يبدو بعض الجزائريين المغتربين في
أوروبا والغرب عموما أكثر تمسكا بتعاليم الإسلام، وأشد حرصا على تطبيق شعائره من بعض
الجزائريين المقيمين ببلادهم. ما تفسيركم لذلك؟ وما مدى استعداد الجزائري، والمغاربي
عموما، للانسلاخ عن دينه وهويته في الغرب؟
لست متأكدا بخصوص ارتفاع نسبة التدين لدى الجزائريين المغتربين مقارنة بمواطنيهم
في بلدهم الأصلي أو على الاقل هذا ما يمكنني أن أقوله بالنسبة لتدين المغاربة، إذ لا
ننسى انغماس جزء كبير من الجالية المسلمة بأوروبا في ثقافة البلد المضيف على مستوى
السلوك ونمط التفكير أيضا حتى أن احصائيات كثيرة تتحدث عن نسب جد متدنية للناطقين بالعربية
في أوساطهم مما يعني تلاشي روابطهم بالوسط الثقافي للبلد الاصلي. فالقول بأن التدين
في أوساط الجالية أهم من ذلك الذي يمارسه المواطنون الأصليون قد يكون مجرد انطباع ناجم
عن حركية المسلم المتدين، الجزائري والمغاربي عموما، في بلاد المهجر. حيث يتحول الإسلام
لديه إلى مطلب هوياتي أي إلى أداة للتعبير عن الاختلاف في مجتمع يختلف عنه عقديا فنجده
يبالغ في إبراز علامات انتمائه الديني على مستوى اللباس وترديد العبارات الدينية بالعربية
والسهر على تنشيط حضوره في الجمعيات الإسلامية كتلك المتعلقة بتدريس اللغة العربية
والقرآن الكريم وكذا الحرص على تضمين الحفلات العائلية طابعا إسلاميا كتلاوة القرآن
والمدائح النبوية والأناشيد الدينية، وهذه كلها سلوكات تعطي الانطباع بهيمنتها على
محيط الجالية نظرا لدينامية القائمين بها رغم محدودية عددهم مقارنة بحجم الجالية.
فالتدين هنا لا يطلب فقط لإشباع حاجة روحية بل أيضا لأنه يغطي حاجة نفسية، أي يتحول
إلى آلية دفاع سيكولوجية يلجأ إليها المهاجر لتعويض ما يفتقده في موطنه الأصلي خصوصا
للدفاع عن هويته أمام طوفان التغريب الذي يهدد محيطه العائلي ويؤثر على نوعية علاقاته مع أفراد أسرته.
وهي آلية يتراجع الطلب عليها بقدر نجاح سياسات الادماج التي تقوم بها الدول الغربية
حيث تراهن تلك السياسات على إقناع المهاجر أو بالأحرى أبنائه من الجيل الثاني والثالث
بل والرابع أنهم مواطنون كاملو الحقوق وأن الانتماء العرقي والديني لا يناقض الانتماء
للوطن الفرنسي أو البلجيكي أو الألماني...
فأبناء الجالية بالغرب هم أكثر عرضة لمخاطر الانسلاخ عن الدين، نظرا لارتفاع منسوب
الفتن الدنيوية في هذه الدول وشيوع الثقافة المادية وخضوعهم لتأثير مناهج تربوية تتأسس
على منهج الشك الديكارتي أو "مسح الطاولة" وبالتالي يكون تعاملهم مع الإسلام
ليس كهوية بل كمادة أو موضوع للنقد المعرفي. لكن من جهة أخرى فإن مناخ حرية الفكر والتنظيم
وتأسيس الجمعيات تعطي للمكون الإسلامي الفرصة للتعبير عن وجوده والدفاع عن معتقده،
كما أن ذات الحرية توفر للمفكرين الإسلاميين هامشا مهما للتنظير لفقه المهجر والانخراط
في مشاكل الجالية المسلمة والتفكر في همومها من ذلك كتابات طارق رمضان الذي يصر على
تقديم نفسه كأوروبي مسلم للتدليل على غياب التعارض بين الانتماء السياسي لوطن اوروبي
والانتماء الديني للإسلام.
* من خلال متابعتكم لوسائل الإعلام
الجزائرية والمغاربية. كيف تقيّمون أداءها على المستوى الديني؟ وهل ترون أنها تقوم
بواجبها في الدفاع عن الإسلام كثابت أساسي من ثوابت الأمة؟
تقوم الدولة الجزائرية بمجهودات محمودة على صعيد الإعلام الرسمي مثل برمجة الدروس
المحمدية في التلفزة الوطنية والتعريف بالموروث الديني الجزائري وبرجاله والاقتناع
مؤخرا بضرورة إطلاق قناة خاصة تعنى بالشأن الديني لدعم الإعلام السمعي والمقروء، وهذا
يحمل قيمة إضافية بدون شك، لكن لا يبدو أنه يكفي لصد الفتاوي والخطب العابرة للقارات
خصوصا وأن الإعلام الديني في الجزائر وفي الدول المغاربية الاخرى لازال عاجزا عن تقديم
البديل، ومن شأن تفعيل توصية اللقاء الأخير المنعقد في شهر سبتمبر الماضي لوزراء الأوقاف
والشؤون الإسلامية المغاربيين بنواكشط المتعلق بإحداث قناة فضائية دينية مشتركة أن
يحل جزئيا الاشكال المتعلق بالموارد المالية والبشرية.
غير أن التحدي الذي يبقى مطروحا على الإعلام الديني المغاربي يتمثل في صناعة
"نجم دعوي" إن صح التعبير، لأنه يفتقد لرموز دينية يمكنها استقطاب الأنظار
إليها، فما أكثر الدعاة عندنا ممن لهم باع طويل في العلوم الشرعية والثقافة الدينية
لكن لا تتوفر لديهم مواصفات النجومية الضرورية لدخول غمار المنافسة.
فالمواطن المغاربي لا يعرف داعية من بلده متمرن على فن الخطابة ومنهجية التواصل
أمام كاميرات التلفزة. فالدعاة الذين نعرفهم هم كلهم مشارقة يستفيدون من وجود قنوات
مستقلة ولها موارد تمويل قوية، وهم في الغالب إما سلفيون مثل عائض القرني ومحمد حسين
يعقوب لهم القدرة على اختيار الكلمات لتركيب صورة حية في ذهن المتلقي حين حديثهم بلغة
الموعظة عن حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) أو صحابته، وإما هم من صنف الدعاة الجدد مثل عمرو
خالد ممن تتوفر لهم المؤهلات الشخصية على الكلام في الدين في تماه تام مع أسلوب
"الإنجيليين الجدد"، حيث يمزجون في لغتهم بين العامية والفصحى ويحرصون على
أسلوب الترغيب بدل الترهيب، وحول هذا الموضوع هناك كتاب مهم للباحث السويسري باتريك
هاني باسم "إسلام السوق"، يتناول فيه ظاهرة الدعاة الجدد.
ويبقى مشكل آخر مرتبط بالحضور الديني في القنوات الرسمية، يتعلق بتخوف القوى الحداثية
من تحولها إلى رافد للحركات الإسلامية، وقد بدا ذلك واضحا بالمغرب من خلال السجال الذي
رافق مناقشة دفتر تحملات القطب العمومي الذي أعده مصطفى الخلفي وزير الاتصال المحسوب
على حزب العدالة والتنمية، حيث ارتفعت بعض الأصوات التقدمية منددة بمضامينه التي منعت
إشهار القمار ودعت لتأمين حضور العلماء في البرامج الحوارية وأقرت إعادة توزيع التنوع
اللغوي على مستوى التوقيت والحصص الزمنية ورفع الاذان بالقناة الثانية المعروفة بنزوعها
الحداثي الفرنكفوني، وهو السجال الذي لم ينته إلا بعد تعديله من طرف لجنة يرأسها التقدمي
نبيل بن عبد الله.
كما أن الاحتراس المبالغ فيه من طرف السلطة الحاكمة إزاء العلماء المحسوبين على
التيار الإسلامي يحول دون ظهورهم على شاشة التلفزة رغم كفاءاتهم العالية، خصوصا
وأن القطاع السمعي البصري عندنا لازال يخضع لرقابة الدولة الحديدية، هذه الرقابة التي
لم يعد لها ما يبررها أمام الاتجاه المتزايد عالميا نحو تحرير القطاع السمعي البصري
وهيمنة القنوات الدينية الأجنبية على ذوق المواطن المغاربي.
* يُفهم من خلال دراستكم أن الأحزاب
الإسلامية في الجزائر باتت غير قادرة على تكريس نزعتها إلى الدين في المجتمع، ألا تعتقدون
أن هذه الأحزاب صارت عاجزة حتى عن إقناع الجزائريين بكونها ذات توجه إسلامي بسبب تململ
قياداتها ومشاكلها الداخلية التي لا تنتهي؟
مشكلة الاحزاب الإسلامية في الجزائر كما في غيرها هي مشكلة مزدوجة: تنظيمية وفكرية.
تنظيميا يتجلى ذلك بوضوح في اختلال التوازن بين قطاعها السياسي وقطاعها الدعوي، فالمشاركة
السياسية تفرض على زعماء الحركة الإسلامية تفريغ جزء من طاقاتها البشرية للقطاع السياسي
غير أن "فتنة السياسة" واشتداد المنافسة في حلبتها يدفع بأولئك الزعماء إلى
حشد أكبر عدد من أطرها في ساحة العمل السياسي –على حساب العمل الدعوي- الشيء الذي يؤثر
على أدائها الدعوي وبالتالي يضعف من قدرتها في التأطير الديني في المجتمع بل قد يشكك
في حقيقة نواياها. أما فكريا فلأنها ما إن تعلن عن رغبتها في المشاركة السياسية حتى
تنفض يدها مما كانت تعتقده في نموذج الحكم الإسلامي وبالتالي يزداد اقترابها من نموذج
الحكم الليبرالي بقدر اقترابها من الأحزاب الاخرى في اطار تشكيل التحالفات ومراعاة
التوافقات وضرورة صياغة برامج انتخابية عملية وعلمية.
فالمشكلة تبقى ملازمة للحركة الإسلامية لارتباطها بإشكالية العلاقة بين الدعوي
والسياسي، فرغم التجارب المتراكمة في عدد من الدول الإسلامية لتجاوز ذلك الإشكال سواء
بتحول الحركة الإسلامية إلى حزب سياسي أو خلقها لحزب يمارس السياسة يخضع لمراقبتها
أو احتفاظها بعلاقة شراكة مع الحزب المنبثق عنها (نموذج التوحيد والإصلاح وحزب العدالة
والتنمية بالمغرب) فإنه لا أحد ينفي ذلك التراجع الملحوظ لدورها الدعوي حيث تأخذ المهرجانات
الخطابية مكان المواعظ التربوية في التواصل مع الناس وتنطق جرائدها بلسان المصلحة الحزبية
بدل الحاجة الروحية، كما يزيد الهم النقابي الموازي للعمل السياسي من استنزاف الجهد
الدعوي. أضف إلى ذلك أن إكراهات السياسة وملابساتها تقدم ممارسيها سواء كانوا إسلاميين
أو غيرهم كانتهازيين ووصوليين، وهو ما قد يصدم ناخبيها ويؤثر على اختيارات اتباعها،
خصوصا أن الناخب عندنا عموما أمام ضحالة الثقافة السياسية وسيادة منطق "الزعيم
المصلح والمنقذ من الضلال" لا يصوت على المشروع الانتخابي للحزب بل على الجانب
الخلقي وملامح التدين لدى مرشحيه.
* يرى متتبعون أن هناك تشابها كبيرا
جدا في مظاهر التدين بين الجزائر والمغرب، وأن الشعبين الجزائري والمغربي من أكثر شعوب
العالم تمسكا بالإسلام وحرصا على الذود عن رموزه ومقدساته. هل تساندون هذا الطرح؟
طبعا لا شك في تدين الشعبين معا، وهذا الطرح تسنده التقارير المتخصصة، وعلى مراكز
البحث والمهتمين استبيان دواعي الاقبال والنفور من الدين في المجتمع، وما مدى حضور
التيار الإسلامي بكل تلاوينه في عملية الأسلمة؟ وهل هو تدين سليم عقديا وما هي مرجعياته؟
وهل لا يتعارض مع مستلزمات الاجتماع البشري الحديث؟ وما دور الدولة والمؤسسات الرسمية
في صيانته؟
ذلك أن التدين لدى الشعبين تدين فطري وجب تأمينه من الانحراف وجعله حافزا للتقدم
والتنمية ودرأ ما قد يحوله الى عائق أمام السلم الاجتماعي وبناء الدولة الحديثة، وأعتقد
أن هناك حراك فكري مهم على صعيد النظرية الإسلامية في علاقتها بسلوك المتدين من ذلك
الاهتمام المتزايد بالنظر المقاصدي والرؤية التجديدية للشريعة عند أحمد الريسوني وراشد
الغنوشي، والجرأة في طرح النقاش حول العلوم الشرعية وضرورة إدماج العلوم الحديثة لإعادة
صياغة الخطاب الديني مع طه جابر علواني وحسن الترابي، وهناك أيضا "المركز العالمي
للتجديد والترشيد" الذي يرأسه العالم الموريتاني عبد الله بن بية الذي يبدوا منشغلا
بإكراهات التدين في عالم الحداثة والعولمة.
* شهد مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء
قبل أيام حادثة مثيرة للجدل والسخط في أن واحد، حين قامت "حسناوات" من بلجيكا
بانتهاك حرمته وتدنيسه وهن يرتدين ملابسة فاضحة. كيف قرأتم هذه "الحادثة"،
وهل ترون أن "الغضب الفايسبوكي" المعبر عنه من طرف غالبية مكونات الشعب المغربي
كاف للرد على مثل هذه الحماقات؟
اعتقد أن الصورة التي قدمها الإعلام وتناقلتها صفحات الفياسبوك لم ترفق بالنقاش
المسؤول، إذ يتعلق الأمر بعشر حسناوات بلجيكيات حضرن للمغرب في إطار مسابقة ملكة جمال
بلجيكا، وقد تم استقبالهن في سياق التعريف بالمؤهلات السياحية للمغرب. وكان من الممكن
أن ينتهي كل شيء دون أن يعلم أحد بحضورهن لولا أن جهات صحفية التقطت إحدى صورهن في
ساحة مسجد الحسن الثاني وفجرت بذلك الجدل حول انتهاك حرمة المسجد وحملت الحكومة مسؤولية
ذلك.
فالصورة سيتم توظيفها سياسيا لإرباك الحكومة، التي يسميها نفس الإعلام بالحكومة
الملتحية أو النصف ملتحية لقيادتها من طرف حزب العدالة والتنمية الإسلامي، كما سيتم
النفخ في بعض العبارات كالقول بـ"انتهاك حرمة المسجد" و"الملابس الفاضحة"
او"الغير محتشمة". فأولا مسجد الحسن الثاني كان يقدم دائما على أنه معلمة
سياحية وليس مجرد مكان عبادة، وبالتالي فإن برمجة زيارته كان شيئا منطقيا من هذه الزاوية
خصوصا وأن عددا من المؤسسات الدينية بالمملكة كالقرويين والاضرحة التاريخية تعرف تردد
السياح الغربيين باعتبارها مواقع سياحية ويأخدون صور في ساحاتها، ثانيا ملابس الحسنوات
كانت بالفعل "فاضحة" بالمعايير الشرعية، لكنها ليست غريبة عن الوسط المغربي،
يتعلق الامر ب"شورت" و"تي شورت" والإعلام الذي روج للخبر كثيرا
ما ينشر صورا من هذا القبيل، بل هو نفسه اعتبرها "فاضحة" لكنه نشرها على
صفحاته وعلق عليها بأسلوب خلقي ودافع ديني وكأن المشاهد التي يحرمها الإسلام في ساحة
المسجد يحللها على صفحات الإعلام. لكن رفع حزب العدالة والتنمية أثناء حملته الانتخابية
لشعارات أخلاقية يبرر تحامل خصومه على ضربه في هذه النقطة بالضبط مستغلين حداثة العهد
بالفيلم المسيئ للرسول (صلى الله عليه وسلم) والاستياء الذي خلفه لدى الشعب المغربي لإحراج الحكومة
وإرباكها.
فالحكومة وجدت نفسها أمام أمرين أحلاهما مر: إما أن تستنكر الحادث وحينها ستتلقى
موجة انتقاد من جانب رموز الحداثة والعناصر التقدمية واعتبارها خطرا على السياحة واقتصاد
البلاد وإما أنها ستسكت عنه وعليها حينها أن تدفع فاتورة ذلك أي تضحي بجزء من شعبيتها
وتقدم نفسها كمتنكر لشعاراتها بل وكمتواطئ على أخلاق المغاربة. وأمام التداول القوي
لتلك الصورة والتعليقات المصاحبة لها من طرف الإعلام الوطني والشباب الفيسبوكي وجدت
الحكومة مخرجا وسطا عن طريق نفي وزيرها في الاتصال أن تكون وزارته قد رخصت للتصوير
في ساحة المسجد ومعتبرا الترخيص الذي حصلت عليه الشركة المعنية بالحسناوات من المركز
السينمائي المغربي لا يشمل الحق في التصوير داخل فضاءات المسجد لأنه مكان خاص يقتضي
رخصة إدارية أخرى "من الجهة المعنية".
على أي مهما تكن تبريرات الحكومة ونوايا خصومها فإني اعتقد أن من حسنات "الحسناوات"
أنهن كشفن عن استمرار التوظيف اللاأخلاقي للرموز الدينية في الصراع السياسي كما كشفن
عن عجز المؤسسات الدينية الرسمية عن مواكبة الحادث عبر تقديم تصورها للوضع واقتراح
الحلول بشأنه. لقد حان الوقت لطرح السؤال للمعنيين بالأمر في وزارة الأوقاف والسياحة
والثقافة وغيرها من المؤسسات المعنية لإعادة تنظيم العمل السياحي في المواقع الدينية
عبر استحداث مؤسسة مختصة واستصدار إجراءات خاصة لمعالجة التقاطع بين الفضاء السياحي
والفضاء الروحي.
* تعيش الأمة الإسلامية اليوم على وقع
مجموعة من الفتن الخطيرة.. ربما تتجلى فصولها بشكل واضح في الحالة السورية. كيف تنظرون
إلى راهن ومستقبل أمة المسلمين؟
بالفعل هي فتن خطيرة تمر بها الأمة الإسلامية والحالة السورية تجلي بوضوح مأزق
خطاب التغيير وكلفته المادية والبشرية، فالمنطقة العربية والإسلامية تعيش مخاض التغيير
وفق سيناريو هيكلة "الشرق الأوسط الكبير" الذي تحدث عنه جورج بوش منذ
2004، ذلك السيناريو الذي يروم إلحاق المنطقة الإسلامية بموجة العولمة وإغراقها في
بحر القيم الحضارية الغربية. ومأزق خطاب التغيير الحاضر في سوريا في شكل حرب طاحنة،
حاضر أيضا، ولو بشكل مختلف، في ما صار يعرف بدول الربيع العربي خاصة تونس ومصر وبدرجة
أقل المغرب (الذي يعتبره البعض من بين هذه الدول ولو أن دستور 2011 رغم تقدمه فإنه
لا يحسم الخيار الديمقراطي بشكل كامل).
ومأزق خطاب التغيير في دول الربيع العربي يتجسد في انهيار ما كان يسمى بالمشروع
الحضاري الإسلامي، الذي تم التخلي عنه بمجرد وصول دعاته إلى السلطة ومعانقتهم لقيم
ليبرالية كانوا يقولون أن حركتهم ما وجدت إلا لتقويضها.
* كلمتك الأخيرة..
فحص المشهد الديني المغاربي في شموليته وضبط احداثياته
المرجعية المشتركة رافد حيوي للوحدة الاقتصادية والسياسية بالمغرب العربي، ومن
الضروري مأسسة العمل المشترك وبناء الطموح الوحدوي السياسي والاقتصادي على قاعدة الوحدة
الثقافية التي يشكل الدين أساسها المتين.