-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

الإسلام في الجزائر.. إلى أين؟!



أئمة دون المستوى.. وثقة غائبة في وزارة الشؤون الدينية

الإسلام في الجزائر.. إلى أين؟!


ـ الشيخ بن خليفة ـ

توصلت نتائج دراسة حديثة حول واقع "الدين والدولة في المنطقة المغاربية" إلى أن الشأن الديني في الجزائر بحاجة إلى تصحيح كثير من الاختلالات التي تجعل الجزائريين لا يثقون في وزارة الشؤون الدينية، وفي ظل وجود نسبة كبيرة من الأئمة الذين لا يملكون المستوى المطلوب "يضطر" الجزائريون إلى البحث عن فتاوى تخص دينه ودنياه من مصادر "خارجية" تتقدمها القنوات الفضائية، والسعودية.. الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: الإسلام في الجزائر.. إلى أين؟!
صدرت حديثا دراسة قيّمة بعنوان "الدين والدولة في المنطقة المغاربية خلال سنة 2011"، أنجزها الدكتور محمد بوشيخي ونشرها مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بمدينة وجدة المغربية، وهي الدراسة التي خصص صاحبها جزءا منها للحالة الجزائرية، وتوصل إلى أن "الجانب الملفت للنظر يتمثل في حالة التسيب إزاء مقاربة "الشأن الديني" التي تخترقها مع ذلك محاولات لتأطير الرؤية الدينية للدولة، وتزايد الوعي بتقعيد السياسة الدينية، على مقومات الهوية المغاربية المشتركة، المتمثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي.

تجربة دموية.. ثم ماذا؟
في بداية عرضه للحالة الجزائرية ضمن دراسته، يقول الدكتور محمد بوشيخي أن الجزائر "عاشت تجربة دموية مع التنظيمات الإسلامية المسلحة خلال عشرية التسعينيات، خرجت منها منتصرة بقوة السلاح. وهو الانتصار الذي توج بمبادرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حول "الوئام المدني" كحل سياسي للمعضلة الجزائرية سنة 1999، عقب انتخابه رئيسا للجمهورية"، مشيرا إلى أن السنوات الأخيرة "عرفت انتعاش بعض التصورات ووجهات النظر من جهات رسمية وأخرى مدنية حول المرجعية الدينية للمجتمع وفوضى الفتاوي، مما خلف حراكا فكريا قد يفضي مستقبلا إلى انبثاق رؤية رسمية استراتيجية في تناول المسألة الدينية وارتباطها بنظام الدولة على ضوء تحديات العولمة ومستلزمات الحداثة".
وحسب الباحث المغربي، فقد تميز الإسلام الرسمي في الجزائر خلال سنة 2011 بتدخل رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، لرفض مقترح وزير الشؤون الدينية بشأن استحداث هيئة للإفتاء للقضاء على فوضى الفتاوي في البلد، مغلقا بذلك الجدل الذي خلفه المقترح الوزاري منذ سنة 2003 بالدعوة إلى خلق منصب مفتي للجمهورية، يعيّن بمرسوم رئاسي وباقتراح وزاري، مما أثار جدلا قويا في الأوساط الجزائرية، امتد لسبع سنوات، نتيجة الاعتراض الذي أبداه حينها المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة بوعمران الشيخ إزاء الموضوع.
وتشير الدراسة إلى أن وزارة الشؤون الدينية قد أطلقت على موقعها الرسمي في شبكة الانترنت خلال سنة 2010 نافدة باسم "بنك الفتوى" لتوفير الخدمة الإلكترونية في وظيفة الإفتاء وتحقيق تواصل أكبر مع طالبيها. وهو ما تسعى من خلاله أيضا إلى صد نظر المواطنين عن الفضائيات المشرقية، إذ صرح عدة فلاحي، المستشار الإعلامي لوزير الشؤون الدينية الجزائري أن "الكثير من الفتاوى التي تلقاها جزائريون من الفضائيات الدينية تسببت في تخريب بيوتهم"، نافيا أن يكون "بنك الفتوى" بديلا عن دار الإفتاء ومؤكدا أن "مشروع دار الإفتاء أكبر وأهم من التدابير التي اتخذناها وهو لا يزال قائما".
ويقول بوشيخي أن الوزير غلام الله يتفق مع رئيس المجلس العلمي الأعلى السيد بوعمران الشيخ على ضرورة ضبط الإطار المرجعي لممارسة الفتوى وحصرها في مقومات الهوية الدينية للشعب الجزائري.

ثقة غائبة.. وأئمة دون المستوى!
أولت دراسة الباحث المغربي اهتماما لتأثير المؤسسة الدينية الرسمية على الجزائريين، وأشارت إلى مداخلة باحث جزائري في الملتقى الوطني الأول حول الأمن الفكري المنظم يومي 27 و28 أفريل 2011 من طرف قسم العلوم السياسية بجامعة الجلفة، وهي المداخلة التي قدم صاحبها إحصائيات كشفت ضعف تأثير المؤسسة الدينية الرسمية التي قال عنها "أنها لا تقوم بدورها على أكمل وجه لأنها تعيش شرخا في علاقتها مع المواطن من خلال التعاملات القليلة، وعدم ثقة الكثير فيها، وتؤكد الأرقام أن 17 بالمائة من الجزائريين لا يثقون في الأئمة، 33 بالمائة يتبعون السعودية في المعتقدات، 30 بالمائة يتابعون ما تطرحه الفضائيات الدينية، و41 بالمائة يعتبرون أن الإمام لا يؤدي دوره، بينما في فئة الأئمة في حد ذاتهم ما يقارب النصف يرون في ما يقوم به وظيفة وليس رسالة و62 بالمائة منهم ليسوا في المستوى المطلوب".
وفي قراءته لهذه الأرقام، يرى الباحث بوشيخي أنها تعكس تضخم حالات التسيب التي تشهدها البلاد على مستوى المرجعية الدينية خاصة بالمساجد، كان آخرها رفض أئمة عدد من المساجد الوقوف عند عزف النشيد الوطني خلال اجتماع رسمي حضره وزير الشؤون الدينية والأوقاف سنة 2010 وهو الحادث الذي ما فتئ أن تكرر خلال سنة 2011 أيضا، بل وجد هذه المرة من يدعمه ويبرره بـ"الحجة الدينية" في شخص علي فركوس الأستاذ بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر والذي يعتبر الزعيم الروحي للتيار السلفي، وذلك في معرض رده على سؤال لموقع "إيلاف" الإلكتروني حول القرار التأديبي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف في حق الأئمة المعنيين بالأمر حيث علق على ذلك بقوله أن "القيام للنشيد الوطني سواء أكان القيام مصحوباً بالتحية والإنشاد أم بقراءة القرآن ووضع الورود والأزهار يعد مظهرًا وثنيًا منافياً لجناب التوحيد"، ونسب هذه الطقوس إلى "اليهود والنصارى" القائمة حسب وصفه على "الغلو في رؤسائهم وقادتهم".
كما شهدت الجزائر، حسب الدراسة، حالات تمرد أخرى كعدم احترام مواقيت أذان المغرب والعشاء خلال شهر رمضان، وعدم التقيد بتعليمة وزير الشؤون الدينية، التي أطلقت سنة 2010، المتعلقة بقراءة موطأ الإمام مالك في قاعات الصلاة، وانتشار الفكر التكفيري في دور العبادة. وهي ممارسات شهدتها الجزائر منذ سنوات مما حذا بوزير الشؤون الدينية والأوقاف وقتها بإصدار فتوى سنة 2007 "بتحويل صلاة الجمعة إلى صلاة ظهر في حالة عدم اعتراف خطيب الجمعة بالحكومة".
كما أشار الباحث إلى حالات أخرى كانت تقتضي وجود هيئة وطنية لإصدار الفتوى، كحالة قرار وزارة الداخلية القاضي بإلزام المواطنين بنزع الخمار وحلق اللحية في إجراءات استخراج الوثائق البيومترية، حيث أدى هذا الفراغ بالبعض إلى التماس الفتوى في سنة 2010 من مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي حرم كل إجراء يجبر المسلم على مخالفة الشرع. "في الوقت الذي أكد فيه وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله على ضرورة التزام المواطنة الجزائرية بالقانون إذا فرض عليها أن تظهر في صورة تبين ملامحها على جواز السفر البيومتري "أما إذا كان القانون يعطيها الخيار فلها الخيرة من أمرها".

انفتاح جزائري.. وتنكر مسيحي!
ويخصص الدكتور بوشيخي جزءا من دراسته للحديث عن واقع الحرية الدينية بالجزائر، ويشير إلى أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أصدرت خلال سنة 2011 كتابا بعنوان "الشعائر الدينية.. حرية ممارستها حقّ يكفله الدين والقانون"، يشتمل على مجموعة من الدراسات والأبحاث المتميزة باللغتين العربية والفرنسية التي تم تداولها في الملتقى الدولي الذي نظمته يوم 11 فيفري 2010 تحت العنوان نفسه. وذلك في سياق التأكيد الرسمي على حرية اختيار المعتقد، حيث شهد الملتقى حضورا مهما لممثلين عن الديانتين الإسلامية والمسيحية "تم خلاله إبراز الأهداف المنشودة من قانون تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين الذي بادرت بوضعه الجزائر كما تم تأكيد حرص الجزائر على احترام حرية المعتقد وسعيها إلى التمكين لمبدإ الحوار بين الديانات والحضارات".
وحسب الباحث، فإن تأتي الحركية الفكرية في تناول الاختلاف الديني تؤشر على الانفتاح الرسمي على الحضور المسيحي بالبلاد، وذلك في سياق التفاعل مع إكراهات العولمة التي صارت تفرض تنميطا ثقافيا يقوم على الاعتراف للأقليات بالحق في الوجود والتعبير. وعلى خلفية هذا الانفتاح أثنت الخارجية الأمريكية في تقريرها حول الحريات الدينية الصادر خلال سنة 2011 بالقانون الجزائري الصادر سنة 2006 المنظم لهذا المجال، إذ "أكد أن الجزائر ومن خلال المرسوم التنفيذي 06-03 يسمح لكل الناس غير المسلمين بتطبيق دياناتهم ومعتقداتهم مع احترام النظام الجزائري ومختلف القوانين الأخرى".
ويقول الباحث في دراسته أن الإشادة الأمريكية لم تثن أسقف الجزائر عبد الله غالب بدر عن توجيه سهام النقد لهذا القانون، ورسم "صورة سوداوية عن وضعية المسيحيين في الجزائر". جاءت تصريحات الأسقف في حوار مع وكالة "زينيت" المتواجدة بالعاصمة الايطالية روما، والتي تهتم بالشأن المسيحي، قال فيها إنه قانون " يحد من الممارسات الدينية كونه عمل على حصر نشاطات العبادة داخل الكنائس فقط، وجعلها لا تخرج عن مقرات الكنائس، معتبرا بأن المشكل يطرح أكثر بالنسبة للإنجيليين والبروتستانت الذين لا يملكون دورا للعبادة، وأضاف حتى نحن الكاثوليك عندما نريد تنظيم نشاط ديني خارج الكنيسة ليس بإمكاننا ذلك". كما انتقد، في التصريح نفسه، تجريم تغيير الديانة واعتناق المسيحية والعمليات التبشيرية بموجب القانون نفسه الذي يعاقب عليها بالسجن أو غرامة مالية، مؤكدا أن "هذا القانون لا يمكنه تنظيم العبادة".
وقد رد وزير الشؤون الدينية والأوقاف على هذه التصريحات بنفيه كل أشكال التضييق على الأقلية المسيحية وقال إن الجزائر "حرة في تشريعاتها كباقي دول العالم وليس من حق أحد التدخل في القوانين والتشريعات التي تسنها".
وتذكر الدراسة أن هذا السجال قد جاء في أعقاب الدعوة التي وجهتها لجنة الإصلاحات الجزائرية لمونسينيور هنري تيسيي، رئيس الأساقفة السابق بالجزائر العاصمة، لإشراكه في المُشاورات السياسية، التي تمت يوم 13 جوان 2011، أشاد على إثرها السيد لمونسينيور هنري تيسيي بالدعوة التي اعتبرها "إشارة على أن الجزائر تأمل احتضان كافة أبنائها".
وفي ختام قراءته للمشهد الديني الجزائري، سياسيا ودعويا، خلال سنة 2011، يخلص الباحث محمد بوشيخي إلى أن "الجانب الملفت للنظر يتمثل في حالة التسيب إزاء مقاربة "الشأن الديني" التي تخترقها مع ذلك محاولات لتأطير الرؤية الدينية للدولة، وتزايد الوعي بتقعيد السياسة الدينية، على مقومات الهوية المغاربية المشتركة، المتمثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي. كما أن قرار الرئيس بوتفليقة الصادر سنة 2010 المتعلق بتبني العمارة المغربية في الهندسة المعمارية لجامع الجزائر، بعد رفض تصميم سابق قال عنه أنه "لا يحمل بصمات الهندسة المعمارية التقليدية المعهودة في مساجد العالم الإسلامي"، وما يعبر عنه هذا القرار من رمزية، يحمل أكثر من دلالة على وجود نية رسمية تسعى لربط النشاط الديني في البلاد بأصوله التاريخية".
للإشارة فإن الأستاذ محمد بوشيخي، صاحب هذه الدراسة الجادة، أكاديمي مغربي حاز شهادة الدكتوراه من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بالعاصمة الفرنسية باريس (EHESS)، تحت إشراف الأستاذ أوليفيي روا (Olivier Roy) المختص في العلوم السياسية، حول موضوع "السلوك السياسي لعلماء المغرب".

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020