ما تعريف الإنسان؟
يعرّف إيريك إيمانويل شميت الإنسان فيقول: «إنه مجموعة
خيارات وظروف، وفي حين لا يمكن السيطرة على الظروف، تبقى الخيارات ملكه». لا وجود
لخيار سيئ وخيار جيد في الحياة، بل خيارات نتحمل مسؤوليتها وأخرى نندم عليها. أياً
كانت هذه الخيارات، لا بدّ من أن نتحمل مسؤوليتها.
لا يعني تحمّل مسؤولية خيار معين أن تكون مقيداً، إنما
هو فرصة تساعدك على اكتشاف ما يتراءى لك فكرة جيدة. وليس غريباً أن يطرح خيار معين
مجموعة خيارات أخرى، تعود إليك وحدك حرية الانتقاء بينها. المهم أن تتذكر ألا وجود
لخيار سيئ أو لنكبة وأن درايتك بأمور الحياة قد تدفعك في أوقات معينة إلى القيام
بخيارات تجدها مناسبة لتلبية بعض الحاجات. لحسن الحظّ، تسعفك حريتك أحياناً فتغيّر
بعض هذه الخيارات، علماً أن حريتك هذه لن تكون مطلقة إلا حين تغير خياراتك من دون
الشعور بالندم أو حبس نفسك في قيود خيارات معينة.
نضج وخبرة
تحتاج إلى خبرة ليس لتتعلم من خلالها كيف تختار فحسب، بل
لتدرك أن بعض الخيارات قد يؤثر بشكلٍ حتمي على مستقبلك، ونعني هنا خيارات ملموسة
ولكن بسيطة قد تكون نتائجها هائلة، كأن تختار بين تمضية سهرة مرهقة وبين القيادة،
أو خيارات حساسة على الصعيد المهني من شأنها إحداث بعض التغييرات في عملك أو تغيير
مكان عملك كلياً، أو على الصعيد العاطفي فتجد نفسك، تبعاً لها، تنفصل عن شريكك، أو
تنجب طفلاً، أو تتبنى ولداً.
تحيط التساؤلات بسعادة الإنسان وليس غريباً أن تستمع
إلى مسنين يعبّرون عن ندمهم إزاء اتجاهات
اختاروها لأسباب معينة فانتهى بهم الأمر خائبي الأمل. «لو كنت أعلم...» جملة من
الأفضل التخفيف من تكرارها قدر المستطاع، ما لم يكن تكرارها ناتجاً عن أسباب تافهة
كاختيار طبق اليوم أو لون الثياب!
دور العمر
الحظّ وليس غير الحظّ مسؤول عن الخيارات الصحيحة وعن
كيفية اتخاذها. قد يحصل أن تستفيد، بعد مرور سنوات طويلة، من خيارات اتخذتها
والعكس صحيح. هنا يؤدي عامل العمر دوراً واضحاً حتمياً، فأنت ترى الأمور ممكنة ولا
تشعر بخطورة القيام باختيار سيئ، وتعجز أحياناً عن توقع النتائج المترتبة على خيار
معين، كل ذلك حين تركب عجلة الحياة للمرة الأولى من دون أن تتسلح بخبرة ضرورية.
يقول الكاتب الإيرلندي
جوزيف أوكونور: «نملك دائماً الخيار. إننا نتيجة هذه الخيارات»، فبعد أن
تحلل ما اختبرته تحليلاً عميقاً، ستدرك بسهولة أنه لا غنى عن التفكير العميق لتجلب
أكبر قدرٍ من الحظ إلى جانبك، لذلك لا ضرر من أن تأخذ الوقت، كلّ الوقت لتفكر
وتحسب خطوتك.
قد تمرّ بأوقاتٍ تشعر فيها بأنك فقدت القدرة على الاختيار وأنك مجبر على
التقدّم علّك ترى الأمور بشكلٍ أوضح.
غالباً ما يولد الخيار مشاعر نتمنى تجنبها:
- قلق أو على الأقل أسئلة مقلقة وتردد وعودة إلى الوراء.
إلا أن التوقف عن الاختيار أمر مستحيل، وكما يقول المثل الشائع: «من لا يتقدّم،
يتراجع».
- إعلان الحداد على نفسك أو بعض نفسك، فقرار تبني ولدٍ،
على سبيل المثال، يحمل في طياته كثيراً من الإيجابية، إلا أنه يعلن، في الوقت عينه، الحداد على خصوبتك وقدرتك على الإنجاب؛ وقرار
الانفصال عن الشريك يعني الحداد على علاقةٍ بنيتها مع الآخر، إلخ.
- اتخاذ قرارات شخصية من دون الخضوع للقوانين التي
تفرضها ثقافتك أو لتأثير المقربين منك.
ولا يُخفى أن تحديات كثيرة تعترض اتخاذ خيار صائب،
وتتنوع بين التفكير في إيجابيات هذا الخيار وسلبياته وتوقع نتائجه كافةً والتفكير
بعيداً عما يفرضه الأهل. للوصول إلى قرار، يكفي أن تعلم أن الاعتماد على إدراك
حقيقي يساعدك على القيام بخيار يمنحك راحة.
بعض القواعد لمساعدتك
بالطبع، لسنا هنا بصدد الحديث عن قرارات صغيرة يومية،
إنما عن خيارات هامة وقرارات كبيرة تطرحها الأيام أمامنا. فالاختيار بين شراء
زبادي الفاكهة والزبادي الطبيعي لن يُحدِث في حياتك فرقاً يُذكر، إنما شراء مواد
عضوية بدلاً من المواد التقليدية يبقى قراراً ذا معنى من شأنه أن يحدِث تغييراً ما
في حياتك.
أنت تقرر طوال اليوم، من القرارات البسيطة على غرار
الاختيار بين الحبوب أو الخبز لتناول فطورك في الصباح، بين هذا الزي أو ذاك للخروج،
وبين وسائل النقل العام أو السيارة، الاستراحة والتوقيع على قرض واختيار طبيب،
وصولاً إلى قرارات كبيرة كالزواج أو الطلاق. ليس غريباً أن تجد نفسك مستاءً لدى
اتخاذ بعض الخيارات لا سيما أن الحرية مسؤولية كبيرة يصعب تحملّها، لذا قد تظن أنك
ستجد الراحة إن رميت أمورك على الآخرين على الأقل مؤقتاً تماماً كما كنت تفعل حين
كنت طفلاً.
هل أنت مبرمج لتكون حراً؟
لا شكّ في أنك لم تُخلق مبرمجاً لتكون حكماً حراً كاملاً.
في العقود الماضية، كان الإنسان أكثر اتكالاً على نسبه وطبقته الاجتماعية والمهنة
التي يرثها أباً عن جد وكان دور المرأة محصوراً داخل العائلة والمنزل.
اليوم، قد تكون هذه الأمور موجودة، إلا أن وسائل الإعلام
والتواصل الحديثة تنقل أخباراً عن أشخاصٍ غيروا حياتهم بفضل خياراتهم وإراداتهم،
حتى بات الإنسان مدركاً لقدراته المجهولة وإمكانية التنقل والسفر، ولقدرته الجزئية
على تغيير قدره وفقاً لإرادته: «من أراد، فعل!» وها هو القلق يطرق أبواب فكره من
جديد إذ يجد نفسه أمام مجموعةٍ جديدة من الخيارات...
في الماضي، كانت الخيارات المطروحة أمام الإنسان معدودة،
أما اليوم فأنت مجبر على اتخاذ قرارات في نواحي الحياة المختلفة ما يثير الضيق
والانزعاج ويرمي على كاهلك مسؤولية هائلة تُشعرِك بالذنب أمام الفشل.
في المقابل، يؤكد أخصائيو طبّ نفس الأطفال على أهمية فرض
بعض القيود على الطفل ليتمكن من الاختيار في ظلّ صعوبة لا بل استحالة القيام
بخيارٍ يُفرحه ويرضيه. فلو ملك الطفل حرية مطلقة للاختيار، لوجدته يرفض تناول
الطعام ما خلا الشوكولا وتغيير ملابس النوم ومغادرة باحة اللعب.
يتبيّن إذاً أن التعلّم يستند إلى إرادة الأهل الذين
يفرضون على ولدهم، طفلاً ومراهقاً، اكتشاف أمور جديدة. وفي المضمار عينه، لو كانت
الفلسفة والرياضيات في الثانويات اختيارية، لأهملها الطلاب فيفوتون على أنفسهم
التنوّع في مجال اختيارهم لاحقاً.
مواضيع تشلّك وتُقعِدك
حقق المدربون والمستشارون وأخصائيو علم النفس نجاحاً
باهراً واكتسبوا أهمية نظراً إلى حاجتنا الملحة إليهم، لا سيما حين يتعلق الأمر
بمواضيع تشلّنا وتُقعِدنا. لا شكّ في أنك
تخشى القيام بخيار سيئ بحيث لا تمانع في رمي ثقل هذا الخيار على غريب علّه يساعدك
على رؤية الأمور بوضوح، من دون أن نذكرك بالعرّافين والمنجمين الذين قد تفكّر في
اللجوء إليهم!
من ضمن الأمثلة
التي يمكن طرحها، نذكر بطاقة تقييم الكفاءات التي تحصل عليها حين تقرر مغادرة
شركةً معينة بمحض إرادتك أو رغماً عنك بحثاً عن طريق تناسبك أكثر، ولكن ماذا لو أن
هذه الطريق هي في البقاء حيث كنت؟ طبعاً إلا في الحالات التي يبدو البقاء مستحيلاً
فتجد نفسك مجبراً على اختيار الرحيل.
قواعد ذهبية لا بدّ أن تحفظها
-1 تعلّم كيف تميّز بين ما يتوجب عليك فعله وما يُفترض
بك القيام به.
-2 حدد أهدافك في الحياة والتزم بها.
-3 اتبع حدسك.
-4 توقف عن الإصغاء إلى آخر المتكلمين.
-5 لا تندم على شيء فكلّ قرار سيساعدك من دون شكّ على
التقدّم.
-6 لا تفسح في المجال أمام الظلم ليدخل حياتك نتيجة
خيارات سيئة قمت بها وتأكد أنك مخطئ حين تظن أن كلّ شيء ممكن.
-7 إعلم أن ثمة قرارات ستؤثر في حياتك على المدى الطويل،
لذلك من الأفضل التفكير ملياً فيها والابتعاد عن التسرع والاحتفاظ بحقّ اختيار
شؤونك الخاصة بنفسك فلا توكله إلى أحدٍ غيرك.
-8 ليس ضرورياً أن تختار عن الجميع، ففي بعض العائلات
يتعين على الأم أو الأب تحمّل مسؤولية كلّ شيء.
ختاماً، تذكر أن الحياة ليست نهراً طويلاً هادئاً، وأن
خياراتك كافةً حتى السيئ منها ستساعدك على التقدّم. وكما يُقال: «يتعلّم الإنسان
من أخطائه... إذاً من خياراته!»