نسأل الله أن يقبض الله أرواحنا غير فاتنين ومفتونين..
تروي كتب التاريخ أن ابن السماك دخل على الخليفة هارون الرشيد
يوما فاستسقى فأتى بكوز، فلما أخذه قال على رسلك يا أمير المؤمنين: لو منعت هذه
الشربة بكم كنت تشتريها.. قال: بنصف ملكي.. قال: اشرب هنأك الله تعالى، فلما شربها،
قال أسألك: لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها.. قال: بجميع ملكي.. قال:
إن ملكا قيمته شربة ماء وبولة لجدير أن لا ينافس فيه.. فبكى هارون الرشيد بكاء
شديدا!
أجل ملك لا يساوي أكثر من شربة ماء وبولة ـ أكرمكم الله
ـ لا يستحق أن يتقاتل المتقاتلون من أجله.. هذا يقاتل للبقاء فيه.. وذاك للحصول
عليه.. ولكن المتقاتلين على الملك لا يدركون أنهم يتقاتلون على شربة ماء وبولة إلا
بعد فوات الأوان.. وربما لم يدركوا ذلك أبدا..
ها هي الفتنة السورية البغيضة تذكرنا بقصة "شربة
ماء هارون"، فها هو بشار الأسد يستمسك بكل ما أوتي من قوة وبأس بمُلك زائل،
باسم الشرعية ومحاربة المخططات الصهيونية، وها هم خصومه ينازعونه على هذا الملك
نزاعا شديدا باسم الحرية ومحاربة الطغيان..
وها هي الفتنة السورية تعيد إلى أذهان المسلمين فصول
"حرب علي ومعاوية"، حين التقى المسلمون
بسيوفهم في مواجهة دموية كل طرف فيها يعتقد أنه على حق، وأن ما يفعله هو عين
الصواب، وجاءت عملية اغتيال العلامة الشيخ سعيد البوطي، وعشرات المسلمين داخل مسجد
في دمشق لتؤكد ضياع بوصلة هذه الأمة التي تفرقت وتمزقت وصار أبناؤها يقتلون بعضهم
باسم الحرية أو باسم محاربة المخططات والمؤامرات الصهيو ـ صليبية..
تُرى هل يدرك بشار الأسد الذي قُتل
الشيخ البوطي الموسوعي صاحب الـ84 سنة والستين مؤلفا بسبب التناحر على مُلكه، أن
ذلك الملك لا يساوي أكثر من شربة ماء وبولة؟.. وهل يدرك معارضوه المسلحون،
والمدعومون من أمير عاق لوالده ذلك أيضا؟
ليت المسلمين المتقاتلين في سوريا
وغيرها يتمثلون أمامهم مشهد هابيل بن سيدنا آدم عليه السلام وهو يخاطب أخاه قابيل
قائلا: "لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ
يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي
أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ
وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ"..
وليتهم يذكرون قول
نبيهم المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل
رجلٍ مسلم"..
نسأل الله أن يقبض الله أرواحنا غير فاتنين ومفتونين..
الشيخ بن خليفة