سأل قوم موسى عليه السلام أن يأتيهم بكتاب من عند الله فخرج إلى
الطور في سبعين من خيار بني إسرائيل وصعدوا الجبل وواعدهم إلى تمام
أربعين ليلة فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة..
وقالوا: قد أخلفنا موعده فاتخذوا العجل ليعبدوه وقال لهم السامري
هذا إلهكم وإله موسى فاطمئنوا إلى قوله ونهاهم هارون وقال يا قوم إنما
فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه
عاكفين حتى يرجع إلينا موسى فلم يتبع هارون ولم يطعه في ترك عبادة
العجل إلا اثنا عشر ألفا فيما روي في الخبر وتهافت في عبادته سائرهم
وهم أكثر من ألفي ألف فلما رجع موسى ووجدهم على تلك الحال ألقى
الألواح فرفع من جملتها ستة أجزاء وبقي جزء واحد وهو الحلال والحرام
وما يحتاجون وأحرق العجل وذراه في البحر فشربوا من مائه حبا للعجل
فظهرت على شفاههم صفرة وورمت بطونهم فتابوا ولم تقبل توبتهم دون
أن يقتلوا أنفسهم فذلك قوله تعالى:
{فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}
فقاموا بالخناجر والسيوف بعضهم إلى بعض من لدن طلوع الشمس إلى
ارتفاع الضحى فقتل بعضهم بعضا لا يسأل والد عن ولده ولا ولد عن
والده ولا أخ عن أخيه ولا أحد عن أحد كل من استقبله ضربه بالسيف
وضربه الآخر بمثله حتى عج موسى إلى الله صارخا يا رباه قد فنيت
بنو إسرائيل فرحمهم الله وجاد عليهم بفضله فقبل توبة من بقى وجعل
من قتل في الشهداء.
تفسير القرطبي
قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
{54}البقرة