الحقوقي الجزائري البارز أنور
مالك
يتحدث في حوار صريح..
ـ 3 سفارات تقوم بتشييع الجزائريين
ـ النظام الإيراني يمارس الإرهاب ويتحمل مسؤولية قتل كثير
من الأبرياء
ـ الأمم المتحدة أنصفتني في قضيتي مع سلطاني.. ولكن..
ـ نحن بصدد تأسيس كيان حقوقي لمساعدة ضحايا الانتهاكات
ـ هذه الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم الإسلامي
ـ لهذه الأسباب أقف مع بلاد الحرمين.. وهذا رأيي في
التوقيفات الأخيرة بها
ـ تنحّي الملك سلمان بن عبدالعزيز مستبعد جدا
ـ هذا ما جرى ويجري في سورية.. وساعة الحسم لم تدق بعد
ـ اتهموني بالعمالة لسبعة أجهزة استخباراتية في وقت
واحد!
ـ لهذا السبب يرفض المغرب تمكين الصحراويين من تقرير
مصيرهم
أعلن الناشط الحقوقي الجزائري
البارز أنور مالك عن التحضير لتأسيس كيان حقوقي "يكون هدفه العمل على مساعدة ضحايا
الانتهاكات من أجل استرجاع حقوقهم ومحاسبة الجناة مهما كانت مكانتهم"، مشددا
على أن "العمل الحقوقي ليس معارضة سياسية ولا هو ممارسة لتصفية حسابات شخصية بل
عمل قانوني باستعمال كل الوسائل المشروعة من أجل الدفاع عن الضحايا".. وشنّ
مالك في حوار صريح خصّ به صحيفة "أخبار اليوم" الجزائرية ـ التي أتشرف بتولي
مهمة رئاسة التحرير فيها ـ هجوما شديدا على النظام الإيراني، متهما إياه بالعمل
على تشييع سكان مختلف البلدان العربية، ومنها الجزائر التي قال أن سفارات ثلاث دول
بها تعمل على نشر التشيّع على أرضها، وبرأي أنور مالك، فإن الأمن الروحي والفكري في
الجزائر صار مهددا، "ولا بديل لحمايته إلا بالمرجعية الدينية وغلق الأبواب على
دعاة الأفكار الهدامة المستوردة"، كما عرّج مالك على ما يجري في سورية، وعلى الحركية
التي تشهدها السعودية، وعلى الحملة التي تعرض لها من قبل وسائل إعلام مغربية، وعلى
قضيته مع الوزير السابق أبو جرةى سلطاني، وعلى قضايا أخرى تكتشفونها في هذا الحوار
الخاص..
أجرى الحوار:
الشيخ بن خليفة
* أصبحت معروفا للغاية في الأوساط الحقوقية العربية،
وساهمت مواقفك من بعض القضايا في تعزيز شهرتك.. كيف يقدّم أنور مالك نفسه للقارئ
الجزائري والعربي عموما؟ وما الذي يقوم به مالك إلى جانب نشاطه الحقوقي المعلوم؟
في البداية أتقدم بخالص الشكر لجريدة «أخبار اليوم» على هذه الدعوة الكريمة،
أما بالنسبة لتقديم نفسي فأنا جزائري من عائلة ثورية تشرّفت بالعمل في الجيش الوطني
الشعبي لعدة سنوات، ثم التحقت بعالم الكتابة والصحافة، حيث كتبت بعدة صحف جزائرية ودولية
وألفت العديد من الكتب، ثم توجهت إلى المجال الحقوقي بعدما أكملت دراستي في القانون
الدولي حيث عملت مع عدة منظمات عربية ودولية لحقوق الإنسان، وحاليا أنا أمين عام مساعد
لمنظمة «UTA» الدولية
وأيضا رئيس المرصد الدولي لملاحقة جرائم إيران، وأكتب في صحف عربية عن الشأن العربي
عموماً.
* لا يتوانى البعض في اتهامك بالولاء، بل وبالعمالة
أحيانا، للنظام السعودي، بسبب دفاعك المستميت عن سياساته. كيف ترد على هذه التهمة؟
طبيعي أن يتعرض الكاتب خاصة السياسي لهذه التهم، فالعالم تحول لقرية صغيرة وصار
كل من هب ودب يستطيع تشويه من يريد، أما بالنسبة لي فقد اتهموني بالعمالة لسبعة أجهزة
استخباراتية مرة واحدة، حتى قلت لهم: أستحق جائزة دولية، فما نعرفه أنّه يوجد عميل
مزدوج لجهازين فقط، ولكن أن يتواجد عميل سباعي فهذه سابقة في عالم الاستخبارات.
أما موقفي من السعودية فليست عمالة ولا ولاء ولا هو دفاع مستميت كما ورد في
سؤالكم، لقد كنت من أشد المنتقدين للمملكة العربية السعودية بناء على تقارير تحصلت
عليها بحكم عملي الحقوقي لكن لما زرتها لأول مرة في جانفي ٢٠١٣ اكتشفت حجم التضليل
الذي يمارس بحق هذه البلاد، ولما تعمقت أكثر في الصراعات الدولية والملف الإيراني رأيت
حجم المؤمرات على هذه البلاد التي فيها قبلة كل المسلمين، لذلك صرت أتصدى لفوبيا ضد
المملكة تقف خلفها إيران، خاصة لأنه يسهل لها التمدد في العالم العربي والإسلامي. أنا
لا أدافع عن سياسات حكومات بل أدافع عن أوطان فقط وبسبب مدى الكراهية التي انتشرت بحق
السعودية صار كل من يُنصفها يصورونه أنّه عميل ومرتزق وأشياء أخرى، ولكن أنا طبعي لا
أتأثر بالحملات بقدر ما تزيدني قوة في الدفاع عن ما أؤمن به ولو تصدى لي كل العالم،
وبلاد الحرمين تحتاج أن نقف معها وليس عليها، خاصة في ظروف تتكالب فيها على أمنها عدة
أطراف.
* بما أنك متتبع جيّد للشأن السعودي.. ما تعليقك
على التغييرات التي شهدها "القصر" مؤخرا، ووصول محمد بن سلمان لمنصب ولي
العهد، وهل تعتقد أن تنحي الملك سلمان بن عبد العزيز، مثلما يشاع، سيكون قريبا؟
ليس بين يديّ المعلومات الكافية حول ما حدث وكل ما نسمعه هي مجرد تأويلات وتخيلات
وكل شخص يبحث عن التأويل الذي يخدم موقفه من السعودية، ما علمته من مصادري الخاصة أن
ما حدث كان بالتوافق بين الأسرة الحاكمة وما يشاع عن الانقلاب وغيره ليس صحيحاً، فعائلة
آل سعود تعتبر أبرز عائلة حاكمة متماسكة رغم عدد الأمراء الذي يعد بالآلاف، فليومنا
لم نشهد صراعات مثلما يحدث بدول أخرى، فبالرغم من الأنباء التي تتداولها الصحف عن صراعات
وخلافات وغيرها، إلا أنني لمست عدم مصداقيتها للحد الذي تسوّق له، فطبيعي أن تكون الاختلافات
بين الأشقاء في كل العائلات لكن ليس لحد التطاحن على الملك كما يجري الترويج له.
أما ما يشاع عن تنحّي الملك سلمان بن عبدالعزيز فأعتقد أنّه مستبعد جدا فالعاهل
السعودي يمارس مهامه بصفة عادية بالرغم من سنّه المتقدم وأيضا ولي عهده هو نجله ولا
يمكن أن يفتح بابا على نفسه ويتهم بالانقلاب على أبيه بعدما أتهم بالانقلاب على ابن
عمه.
لم تذهب السعودية لهذا الخيار إلا بعزل الملك سعود في الستينيات، ولم تفعلها
مرة أخرى سواء بالتنحي أو العزل، فقد كان الملك فهد في ظروف صحية سيئة جدا إلا
أنّه بقي في الحكم وأوكلت المهام لولي عهده الملك عبدالله، وما فكروا حينها في عزله
أو تنحّيه.
أعتقد أن الدوائر التي تقف خلف دعاية تنحي الملك سلمان لديها نوايا أخرى لا
علاقة لها بواقع الحكم في المملكة العربية السعودية، والذي هو أكثر تماسكا من ذي قبل
حسب تقديري الشخصي.
* ما تعليقك على حملة التوقيفات التي طالت عددا
من المشايخ البارزين والدعاة في السعودية؟
من حيث المبدأ الحقوقي نحن نناهض التوقيف بسبب الرأي إن لم يكن تحريضا على جريمة
أو إرهاب، لكن حسب معلوماتي أن الذين تمّ توقيفهم يجري التحقيق معهم في اتهامات جنائية
لم نعرف بعد فحواها، فمن حق الدولة أن توقف من تريد من مواطنيها إن وجهت لهم اتهامات
عبر القضاء، وأنا كحقوقي ليس لي الحق أن أقول لأي دولة لا توقفي فلان أو علان، فلا
يوجد شخص أكبر من القانون سواء كان شيخا أو كاتبا أو إعلاميا، لكن من واجبي الحقوقي
متابعة مجريات القضية وحال الموقوفين من حيث سلامة الإجراءات وتمكينهم من حق الدفاع
عن أنفسهم وتوقيفهم بما لا يتنافى وكرامتهم الآدمية وغير ذلك من الشروط التي يفرضها
القانون الدولي.
شخصياً أتابع قضية الموقوفين في المملكة عبر وسائط مختلفة مثلما تابعت قضايا
أخرى من قبل وعاد أصحابها إلى بيوتهم وزرتهم وتحدثوا لي عن ما تعرضوا له، لذلك مطمئن
عن وضع الموقوفين ولدي ثقة في قيادة المملكة بأن يعامل هؤلاء بأحسن معاملة وأن إجراءات
متابعة قضاياهم ستكون سليمة ولن تطول كثيرا.
* ترى أن السعودية هي قاطرة الأمة الإسلامية،
ويرى آخرون أنّه لا يمكن لدولة توصف بالعميلة للولايات المتحدة الأمريكية أن تقود
أمة الإسلام حاليا. ما تعليقك؟
وصف الدولة السعودية بالعمالة بسبب علاقاتها الوثيقة والاستراتيجية مع الولايات
المتحدة، هو نوع من الإسفاف الذي يمارسه بعض الناس، فلو أن العلاقات بين الدول توصف
بالعمالة، لكنا أطلقنا على كل دول العالم تهمة العمالة وهي التي تتسابق على توطيد علاقاتها
مع أمريكا بصفتها القوة العظمى في العالم.
السعودية لديها أهمية استراتيجية تراهن عليها أمريكا، والعلاقات المتبادلة بين
الدولتين طبيعية وفيها منفعة للطرفين، وأعتقد أن المملكة العربية السعودية هي الدولة
الإسلامية الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم الإسلامي لما تتمتع به من قدرات استراتيجية
سواء من حيث التراث الديني أو الثروة الاقتصادية والجغرافية والديمغرافية، ومن يتحاملون
على المملكة عليهم أن يقدموا بدائل لها من غير إيران، فآغلبية من يناهضون دور السعودية
هم من يتخندقون في الحلف الإيراني، وتيقنوا أنّه لا يمكن أن يخلو الطريق لخامنئي إلا
بإزاحة السعودية من الطريق عبر هذه التهم الجزافية فقط.
* بدا كأنك وجدت بعض الحرج في اتخاذ موقف صريح
من الأزمة الخليجية و"حصار قطر"، لاسيما أن هذه الأخيرة كانت تربطك بها
علاقة طيبة على ما يبدو.. بصراحة سيد مالك، ألا تعتقد أن قطر قد تعرضت لظلم كبير
من أشقائها؟ ومن المسؤول عن تأزم العلاقات إلى هذا الحد؟ وما استشرافك لمستقبل
الأزمة؟
لا يوجد أي حرج أبدا، فالحرج المزعوم يبدو عند بعضهم بسبب ما صنعته الأزمة في
الخليج في ظل استقطاب حاد جدا، حتى انقسم الشارع العربي بين خيارين فقط، إما أن تكون
مع دول المقاطعة أو مع قطر، وكأنه لا يوجد خيار ثالث رغم أن دولا كثيرة التزمت الحياد
ومن بينها الكويت وسلطنة عمان وهما دولتان خليجيتان.
عندما استقلت من بعثة المراقبين في سورية مطلع ٢٠١٢ اتهمت بالعمالة لقطر رغم
أن استقالتي ليس لها علاقة وبأي دولة أبدا، ونفس الوجوه الذين كانوا يشتمون قطر ويهاجمونني
الآن يدافعون عنها ويتهمونني بالعمالة للسعودية. وهذا أكبر مؤشر على أن العواطف هي
التي تسيطر على الموقف والضغط الإعلامي الممارس من طرف فضائيات كبرى تساهم في إثارة
الغرائز لدى الجماهير.
لقد قررت منذ البداية أن أكون محضر خير في خلاف بين أشقاء، ويكفي أنني لم أتحدث
يوما أنني تخندقت مع هذا ضد ذاك، فأولا لا أمتلك المعلومات الكافية عن أسباب الخلاف
وكل ما عندي هو ما نسمعه في الإعلام وهذا غير كاف لجعلي أتخذ موقفاً لصالح طرف معيّن
هذا من جهة، ومن جهة أخرى الأزمة بين أشقاء في البيت الخليجي والنفخ فيها سيزيد في
حدتها رغم أنها وُلدت حادة، وسيجعل الوضع في المنطقة يتعفن أكثر لذلك أعلنت منذ البداية
دعم مبادرة أمير الكويت في حل الأزمة وهذا أفضل خيار لي كجزائري وواجبي الأخلاقي يحتم
علي أن أكون محضر حب وليس محرض حرب.
أما فيما يخص الظلم الذي أشرتم إليه فأعتقد أن من يريد الإصلاح بين الناس فالأفضل
أن لا يتهم هذا أو ذاك بالظلم بل يبحث عن قواسم مشتركة ينطلق منها لحل أزمة بين أشقاء،
ونحن كمثقفين يجب علينا أن نلعب أدوارا إيجابية في مثل هذه الأزمات.
* ما تقييمك للتعاطي الإعلامي مع أزمة الخليج.
وكيف تنظر إلى تغطية كل من قناتي العربية والجزيرة المتهمتين بالبُعد عن
الموضوعية؟
للأسف أن الإعلام لعب دورا تحريضياً وصل حد التلفيق والكذب، بل فتح الأبواب
للمحرضين وتجار الأزمات لينفخوا فيها مقابل ريع مادي، فالإعلام الذي صار همه أن يدغدغ
عواطف الجماهير ولا يهتم بالعقول هو إعلام فاسد وغير مهني ولا يستحق حتى وصفه بالإعلام
بل الإعدام أفضل.
العربية والجزيرة وغيرهما من القنوات وباقي وسائل الإعلام ظهر عليها البعد عن
الموضوعية بدرجات مختلفة، فهذا يطعن في ذاك بل وصل الحال عند بعض الصحف - مثلا – حد
المساس بالأعراض، وهذا مؤشر خطير للغاية، خاصة في الخليج العربي المعروف بتقديسه للأعراض.
التعاطي الإعلامي مع أزمة الخليج صار يخضع لأهواء شبكات التواصل الاجتماعي فالفضائيات
ما عادت تصنع الرأي العام وترقيه بل صارت تتبع ما يجري في الساحة وتمارس دغدغة مشاعره
فقط، من أجل حشد الجماهير خلف موقف معين للأسف الشديد، وهذا ما يتنافى مع المهنية والاحترافية
التي ترفعها وسائل الإعلام كشعارات.
* نقاش كبير يدور في الآونة الأخيرة بالجزائر
حول طوائف ونحل "تتربص" بمرجعية الجزائريين، تتقدمها الأحمدية، ثم
الكركرية. ما رأيك في الموضوع؟ وأي الطوائف ترها أخطر على الأمن الروحي للجزائر؟
بلا شك هناك جدل كبير يثار حول هذا الموضوع وهناك تهويل لبعض الفرق كالأحمدية
والكركرية وتهوين من فرق أخرى أخطر بكثير كالتشيّع والإلحاد والتنصير، فتشييع الجزائريين
بلغ درجة من الخطورة، حيث أن سفارة إيران صارت ترعى ذلك بصفة رسمية وبعثات من الجزائريين
تتردد على قم والنجف في إطار تجنيد رسمي لصالح الولي الفقيه تحت رعاية مخابرات الحرس
الثوري التي أرسلت أحد عناصرها للعمل بسفارتهم كملحق ثقافي ويتعلق الأمر بالمدعو أمير
الموسوي الذي لديه ارتباطات قوية مع متشيعين جزائريين قبل التحاقه بالجزائر كملحق ثقافي
للسفارة الإيرانية.
الأمر لم يقتصر على سفارة إيران بل حتى سفارات كل من العراق ولبنان تقومان بدور
منوط بها في العمل الدؤوب لتشييع الجزائريين، وهذا ما لمسناه في تقارير أمنية جزائرية
واعترافات لمتشيّعين جزائريين ومعلومات من وهناك.
الأمن الروحي والفكري في الجزائر صار مهددا، ولا بديل لحمايته إلا بالمرجعية
الدينية وغلق الأبواب على دعاة الأفكار الهدامة المستوردة التي صارت تتغلغل داخل المجتمع
الجزائري بطريقة تزرع الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
للأسف ما عشناه في التسعينيات بسبب التطرف سيتكرر لكن بحرب ليست بين جماعات
تكفيرية والجيش بل قد تصل لصراعات طائفية بين المواطنين بسبب أقليات ذات توجهات مختلفة
كالشيعة والمسيحيين وغيرهم.
وتجدر الإشارة إلى أن التشيّع في الجزائر وصل لحد التحرك من أجل إعلان طائفة
شيعية في الجزائر تابعة للولي الفقيه في طهران وتحميها القوانين الدولية كأقلية دينية،
وهذا خطر كبير على الأمن القومي الجزائري وخاصة أن عدد المتشيعين تجاوز خمسة آلاف شخص
أغلبيتهم تردّدوا على إيران وسورية والعراق ولبنان.
* تواصل احتياطات الصرف تآكلها في الجزائر،
وتدنت إلى نحو المائة مليار دولار، بعد أن لامست المائتي دولار قبل سنوات قليلة.
ما هو الحل للمعضلة الاقتصادية في الجزائر برأيك؟
معضلة اقتصادية كبيرة تعاني منها الجزائر بلا شك وهو ما اعترفت به الحكومة،
والقادم سيكون أسوأ في ظل غياب أي مؤشرات لعودة ارتفاع أسعار النفط، كما أن الحكومات
المتعاقبة فتحت مشاريع كبيرة ولم تحسب أدنى حساب للأزمات ولا لتدهور الأسعار النفطية
كما أنها لم تخلق سياسة اقتصادية تعتمد على أسواق تجارية أخرى بدل الاعتماد الكلي على
البترول.
الجزائر رغم أنها دولة بترولية إلا أنها وقعت في معضلة اقتصادية كبيرة في حين
توجد دول أخرى مثلها أو حتى لا تمتلك النفط
إلا أنها لم تقع في معضلة، والسبب يعود لتنويع مصادر الدخل ومكافحة الفساد،
فعلى الدولة الجزائرية أن تسارع باجتثاث الفساد ومحاربة المفسدين مهما كان نفوذهم وتعمل
على استرجاع الثروات الطائلة المهربة في الخارج والتي تتجاوز مائة مليار دولار من أموال
مودعة في البنوك وممتلكات عقارية وشركات ذات أسهم عالية وديون تم مسحها على دول لم
تستفد الجزائر منها في شيء.
من دون مخطط عاجل لاسترجاع الأموال ومتابعة المفسدين والمسارعة لدعم الفلاحة
والصيد البحري وغيره ستكون الجزائر على موعد إفلاس كبير سيرهنها عبر ديون لدى مؤسسات
كصندوق النقد الدولي الذي تلقى أموالا من الجزائر في فترة البحبوحة المالية.
* يُعرف عنك معارضتك لكثير من خيارات وسياسات
النظام الجزائري، لكنك على العموم توافقه في كثير من رؤاه الخارجية ومواقفه
الدبلوماسية. كيف تقيّم مواقف الجزائر الحالية من أمهات القضايا التي تصنع الحدث
عربيا، إسلاميا، وعالميا وفي مقدمتها القضية السورية؟
نحن نختلف مع النظام الجزائري في أمور كثيرة وهو اختلاف تنوع وليس تصادم، وسياسة
الجزائر الخارجية نختلف معها بخصوص بعض الملفات والسبب أن الجزائر مازالت تؤمن بقيّم
تخص سيادة الدول وعدم التدخل في شوون الآخرين والحلول السلمية بالحوار وغيره، وهذه
قيم لم تعد تنفذ من طرف العالم برمته، فالمصالح صارت ترتبط ببعضها البعض ولذلك تتنافس
الدول على إيجاد مواطئ قدم لها في الأزمات التي تعصف بالدول عبر كل الوسائل، في حين
نرى الجزائر مازالت ثابتة على سياستها القيمية حتى وصل أمر تدخل الآخرين لإشعال حرب
في ليبيا التي عادت تداعياتها السلبية على الجزائر.
التدخل صار مفروضا وهناك من يتدخل إيجابيا وهناك من يتدخل سلبيا، وعلى الجزائر
بصفتها أقوى دولة عربية في إفريقيا أن تُفعّل من دورها الايجابي الذي يجب أن يسبق الحرائق
وليس بعدما يبلغ دخانها العاصمة الجزائرية.
بالنسبة للقضية السورية كان بوسع الجزائر أن تلعب دورا كبيرا يضعها في مصاف
الكبار وأيضا تحقق السلم في سورية، فلو تدخلت بحكم علاقاتها القوية مع بشار الأسد وإيران
في بداية الأزمة لما رأينا سورية الآن محتلة من روسيا وميليشيات إيرانية متطرفة وتنظيمات
إرهابية مختلفة.
نحن نحترم خيارات دبلوماسيتنا لكن نختلف معها في تقدير بعض الأزمات فقد انتصرت
للقضية الصحراوية ونجحت في توصيلها كقضية تصفية استعمار في الأمم المتحدة، وأيضا في
تعاملها المحترم مع قضية فلسطين، لكن للأسف غابت عن قضايا أخرى كان بوسعها حلها لما
كانت مجرد أزمات بين حاكم ومحكوم وتحولت إلى مستعمرات بسبب غياب دور فاعل لأطراف ليست
لها أجندات كالدولة الجزائرية.
أتمنى شخصياً أن تعود الجزائر لسابق عهدها لما كان يحسب لمواقفها ألف حساب،
وأن تُفعّل أدوارها في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها من الدول التي تعيش أزمات
خانقة ستعود بالضرر على الجميع، سواء بتنشيط خلايا إرهابية أو تزعزع الأسواق النفطية
وهو ما تتضرر منه الجزائر أكثر من كل الدول الأخرى.
* كيف تنظرون إلى علاقة إيران بالعالم الإسلامي؟
ولماذا تكثر الحملات السياسية والإعلامية والحملات المضادة هنا وهناك؟ وهل هناك
حرب فعلية بين العرب و"الفُرس"؟
إيران تحمل مشروعا توسعيا عبر تصدير ثورتها إلى العالم الإسلامي التي لا تنجح
إلا بتخريب الدول العربية، ولذلك لعبت دورا سيئا للغاية في زعزعة آمن عدة دول كسوريا
والعراق واليمن ولبنان وبلغت حد الاحتلال العسكري بميليشيات الحرس الثوري وتوابعها،
كما تعمل على زعزعة أمن دول أخرى كالسعودية والبحرين والكويت وتتمدد عبر نشر التشيّع
لصالح وليها الفقيه في تونس والمغرب والجزائر وغيرها.
طبعا هذا الأمر الذي لم يعد خافياً بل صار واضحا ومعلنا من طرف المسؤولين الإيرانيين،
حرك حملات مضادة لها فما تنفذه أدى لمقتل الملايين من العرب عموما والسنّة بصفة أخص
وفي حروب طائفية نجسة دعمها الحرس الثوري إعلاميا وعسكريا ودبلوماسيا وسياسيا.
أما بالنسبة للحرب بين الفرس والعرب فهي في طريق الاشتعال حتى داخل إيران فهناك
عرب الأحواز المحتلة الذين يناضلون لتحرير أرضهم من الاحتلال الذين يسمونه فارسيا،
وهناك أيضا البلوش والكرد والآذاريين الذين بدورهم يحاربوه من يسمونهم الفرس. طبعا
أن لهؤلاء عذرهم فملالي إيران يتحركون على عكازين، الأول طائفي ويعتمد على التشيّع
والثاني عنصري ويعتمد على العرق الفارسي، لذلك عند مراجعة المناهج التربوية والدينية
والثقافية في إيران تلمس مدى العنصرية للعرق الفارسي والطائفية للمذهب الشيعي الجعفري
المدستر رسميا في الدستور الإيراني.
لم نصل بعد لحرب شاملة بين العرب والفرس وما يجري هي حرب طائفية بين الشيعة
والسنة غذتها ورعتها وزرعتها إيران في عدة دول، وإن لم يسارع المجتمع الدولي لكبح جماع
ملالي إيران ودعم المعارضة الإيرانية ممثلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بقيادة
مريم رجوي سيكون العالم مقبلا على حروب عرقية كبرى أطرافها العرب والفرس والأكراد والأتراك
والروم وحتى الأمازيغ في شمال إفريقيا.
* يكاد هجومك على النظام الإيراني وحملات
التشييع يكون مستمرا ويوميا، ما هي أهم مآخذك على طهران؟ وما موقع الجزائر من
مخططاتها؟
النظام الإيراني يمارس الإرهاب ويتحمل مسؤولية قتل الكثير من الأبرياء بصفة
يومية لذلك أتصدى له يوميا دفاعا عن ضحاياه، ولم يتوقف أمره على دول يحتلها بميليشيات
إرهابية بل ينشط في دول أخرى لصناعة خلايا أخرى تزعزع أمنها وتشعل الحروب الطائفية
فيها.
المآخذ على إيران كثيرة وأهمها مشروعها التخريبي من خلال نشر التشيع لصالح وليها
الفقيه وإشعال حروب في الدول ودعم الارهاب وصناعته عبر ميليشيات شيعية تابعة لها مثل
حزب الله والزينبيين والفاطميين وجيش المهدي والحشد الشعبي أو تنظيمات إرهابية محسوبة
على السنّة ساهمت في صناعتها كتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وسبق أن دعمت تنظيم « الجيا
» في الجزائر.
الجزائر صارت حالياً على رأس أولويات إيران فيما يخص الدول التي تنشر فيها التشيّع
وتعمل على صناعة طائفة تابعة لها، وقد تزايد حجم التركيز عليها وكأن إيران تسارع الزمن
لتعويض خسارتها لمواقعها في دول أخرى كسورية واليمن، يبدو هلالها الشيعي صار يمتدّ
من طهران إلى وهران.
* يصنع "استفتاء كردستان" الحدث في
الآونة الأخيرة. هل بات تقسيم العراق أمرا واقعا؟ وعلى من الدور بعد السودان
والعراق؟
لا تتدخل إيران في بلد الا وتخرّبه وتقسّمه وهذا الذي يحدث في العراق الذي لم
يقسم رسميا فقط وإن كان في الأرض مقسما فتوجد مناطق للشيعة وأخرى للسنة واقليم للأكراد
ومنطقة يسيطر عليها تنظيم داعش وحدث، بدعم من حكومة المالكي من أجل صناعة بعبع إرهابي
ينقذ نظام الأسد بتحويل ما يجري من ثورة شعبية إلى الحرب على الإرهاب وأيضا يكون ذريعة
لتطويق سنة العراق وتهجيرهم ومنعهم من الدفاع عن قضاياهم وأنفسهم.
كل المؤشرات تقول أن العراق سيتوجه نحو التقسيم رسمياً بميلاد دولة كردية ستكون
ربما «قنبلة موقوتة» في المنطقة بسبب مناهضتها من أطراف عديدة كإيران التي تريد العراق
كعكة كاملة لها وتركيا التي ترى أن كردستان ستتمدد جغرافيا نحو أكرادها بما يهدد وحدتها
الترابية وأيضا سيتمدد نحو سوريا.
في تقديري أن التقسيم صار واقعاً ومنعه عسكريا سيزيد في حدته ويفجر المنطقة
بحروب كردية وعربية وفارسية وتركية، والأفضل هو الحوار من أجل صياغة مخارج ترضي جميع
الأطراف، فلم يعد العراق دولة بل هو محافظة للولي الفقيه الإيراني وحكومته ووزاراته
مسيّرة من الحرس الثوري، وجيشه عبارة عن ميليشيات شيعية تابعة لطهران عسكريا وعقديا
وسياسيا وأمنيا وتعيث قتلا على الهوية.
* من المعلوم أنك مطلع على الملف السوري بشكل كبير،
وهناك تباين حاد في وجهات النظر بخصوص الأزمة السورية. هل لك أن تلخص لنا ما جرى
وما يجري على الأرض السورية؟
ما جرى في سورية أن أطفالا من محافظة درعا تأثروا بشعار «الشعب يريد إسقاط النظام»
الذي رفع خلال ثورات تونس ومصر واليمن، فكتبوها على حائط مدرسة فتم اعتقالهم وتعذيبهم
بنزع الأظافر وعندما احتجت عائلاتهم قوبلت بعنف وإهانة، وتمدد الأمر ووصل إلى حمص وتحولت
الأحداث من مطالب بمعاقبة الجناة في درعا إلى رحيل الأسد، وللأسف النظام واصل القمع
الذي بلغ منتهى الوحشية ولم يستمع لصوت العقل ولا قبل بنصائح دول وبعثات المراقبين
ومنها التي شاركت فيها، وواصل سياسته الأمنية التي أدت لتدهور الوضع، بل لم يكتف بذلك
بل قام الجيش بإطلاق سراح موقوفين في قضايا الإرهاب وساهمت مخابراته في تشكيل تنظيمات
وصلت حد دعم بعبع داعش.
عندما فشل في مواجهة الشعب السوري لجأ لاستيراد مقاتلين ومنظمة «حزب الله» والحرس
الثوري وصارت سورية مستنقعا للمقاتلين الأجانب من كل حدب وصوب، وبلغت وحشية النظام
السوري لدرجة استعمال السلاح الكيماوي ضد الأطفال والقصف بالطيران الحربي وصواريخ وغيره.
وطبعا عجز النظام الذي رفع شعار «الأسد أو نحرق البلد» عن القضاء على الثورة
السورية التي تجاوزت خطوط العودة، فتدخلت روسيا عسكريا ومارست القتل الجماعي ومجازر
فظيعة بحق المدنيين، وهكذا تحولت سورية إلى حلبة حروب بالوكالة وتصفّى على أرضها الخصومات
والصراعات، والسبب هو نظام الأسد الذي كان بوسعه تجنيب البلاد كل هذا الخراب ولكن التشبث
بالسلطة والعقلية الطائفية لدى عائلة الأسد المدعومة من خامنئي دمّرت البلاد والعباد.
هذا باختصار جد شديد للمشهد السوري الذي صار مأساة القرن بالفعل، ويتحمل المسؤولية
المجتمع الدولي الذي هيمنت عليه المصالح على حساب القانون الدولي ومواثيقه التي تفرض
حماية السوريين من محرقة تتحملها أخلاقيا وقانونيا دولة إيران.
* إذا كان هذا هو تشخيص الأزمة السورية وفق
رؤيتك، ما حجم الأضرار البشرية والمادية في تقديرك؟
للأسف أكثر من عشرة مليون إنسان هم ضحايا مأساة، فقد قتلوا وهجروا وعذبوا واختفوا
وملايين البيوت نسفت ومدن كاملة دمرت أيضا، فالحصيلة كارثية بمعنى الكلمة ومازال هناك
من يدافع عن نظام الأسد وإيران وروسيا ويزعم أنّه تم إنقاذ سورية من مؤامرة كونية،
ولا توجد مؤامرة خارجية بإمكانها أن تفعل في سورية كما فعل نظام الأسد الذي حوّل الجيش
السوري إلى ميليشيات طائفية تقتل على الهوية وتنهب وتعذب، وغياب الدولة صار شاملا في
أغلب البلاد ولم تبق سوى مناطق تابعة للعلويين تحت حماية من مرتزقة جلبتهم إيران من
كل حدب وصوب لقتل السوريين والدفاع عن مصالحها القائمة في المنطقة منذ حافظ الأسد.
هل
دقت ساعة الحسم والانفراج؟ وكم ستحتاج سوريا من وقت لتعود إلى كما كانت إليه في ظل
ما شهدته من دمار؟
للأسف ساعة الحسم لم تدق بعد بل تعقدت الأمور مع أزمات جديدة في دول المنطقة،
فالطرف الرئيس في حرب سورية هي إيران والتي تخوض معارك أخرى في اليمن والعراق ولبنان
في الطريق، ومن الصعب إيجاد حل إلا بتفكيك منظومة الولي الفقيه وهذا مكلف للغاية بشريا
وماديا.
أما بالنسبة لعودة سوريا إلى ما كانت عليه من قبل، سيظل الأمل قائما فقد أعيد
بناء ألمانيا واليابان في ظروف قياسية رغم الدمار الذي حل بهما، لكن المؤشرات في الواقع
تؤكد أن الطريق شاق وطويل فقضية سورية لم تعد ثورة شعبية ضد نظام حاكم بل مقاومة ضد
محتل أجنبي له أطماعه في كل المنطقة وليس سورية فقط.
* بالموازاة مع ما يجري ميدانيا، تدور حرب إعلامية
شعواء. كيف يميّز المشاهد البسيط والمتتبع "البعيد" عن ما يجري بين
الحقيقة والأكاذيب؟
أول ضحايا الحروب هي الحقيقة فكل طرف يريدها أن تكون على مقاسه، وتعقدت الأمور
أكثر فقد كان الإعلام من قبل ضعيفا جدا ولكن الآن صار كل شخص بهاتفه المحمول فضائية
متنقلة وتطورت الصورة وصار تزوير الأحداث وتمثيلها من أسهل الأمور ويستطيع شخص عادي
أن يفعلها ببرامج مجانية يحملها في حاسوبه.
لذلك التمييز بين الصدق والكذب ليس بالسهل ولكن يبقى ممكنا عندما يضع كل إنسان
خطوطا حمراء لعواطفه وأن يستعمل عقله ولا ينجر خلف كل ما يسمعه ويراه بل عليه أن يختار
مصادره، فبالرغم من كثرة المصادر المزيفة توجد مصادر لها مصداقية ويمكن من خلالها تشكيل
صورة لحد ما متكاملة عن ما يجري من أحداث.
* كيف تقيّمون الأداء الإعلامي لكبريات القنوات
الفضائية العربية؟ وما مدى مسؤوليتها عن ما جرى ويجري؟
يختلف الأداء من قناة إلى أخرى ولكن الإجماع قائم على أنّه لا توجد قناة فضائية
لا تحمل أجندة جهة معينة تمولها وتقف خلفها، لذلك المصداقية المطلقة غير موجودة ولكن
درجتها تختلف من جهة لأخرى، فهناك من تنشر السمين لساعات وتدس الغث لدقائق ويوجد العكس
أيضا.
بلا أدنى شك أن وسائل الإعلام دائما عبارة عن أدوات مستعملة، وساهمت في ما جرى
ويجري من أحداث، لكن المسؤولية الكبرى تتحملها الجهات التي تقف خلف هذه الفضائيات سواء
كانت حكومات أو لوبيات أو حركات أو تنظيمات.
* سوريا ليست القُطر العربي المريض الوحيد. كيف
تنظر إلى ما يجري في مختلف بلاد المسلمين؟ وما موقع القضية الفلسطينية حاليا ضمن
مختلف قضايا الأمة الإسلامية؟
العالم الإسلامي كله مريض وأمراضه كلها من تداعيات الورم الخبيث في المنطقة
وهو احتلال فلسطين، لذلك ما يجري في الواقع ليس دليلا على غياب القضية الفلسطينية بل
مؤشرا قاطعا على أنها مازالت قائمة وهي لب الصراع الدولي القائم.
قضية فلسطين لن تنتهي وستبقى قائمة لكن قد تغيب عن المشهد أحيانا ليس بسبب نهايتها
ولكن بسبب هيمنة تداعياتها، فقبل أن يحرر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس من الصليبيين
كان العالم مشغولا بصراعه مع الفاطميين حتى خيّل للكثيرين حينذاك أن القضية لم تعد
من الأولويات، وهذا الذي يتكرر حالياً فالحروب التي أشعلتها إيران في المنطقة شغلت
العالم الإسلامي وهذا ما يريده الصهاينة، لكن مهما كان الأمر فإن القضية الأم لم ولن
تموت، وهذا ما نستشفه من الأحداث الدولية التي صارت مترابطة ولا يمكن فك أزمة عن أخرى.
* يرى البعض أن الجزائر على قائمة الاستهداف،
وأن كابوس التقسيم يلاحقها بعد "الفراغ" من "المهمة السورية".
ما مدى دقة هذا التوصيف في رأيكم؟ وكيف يمكن لبلادنا أن تتصدى للمتربصين بها؟
لا نستبعد وجود مخططات لاستهداف الوحدة الترابية الجزائرية ويكفي وجود بعض الأصوات
الشاذة التي تصرخ في الخارج بخصوص القبائل، ولكن ربط ذلك بنهاية ملف سورية فيه الكثير
من الخطأ لأن إيران التي تشعل الحرب في سورية تنشط في الوقت نفسه في الجزائر ولو تنجح
لا قدر الله في صناعة طائفة شيعية لها داخل الجزائر ستكون إحدى أدوات الحرب النجسة
المؤدية للتقسيم قد تم زرعها في العمق الجزائري.
حاليا الجزائر لا توجد مقومات إنجاح أي مخطط تقسيمي يستهدف كيانها، الجزائريون
قد يختلفون لحد المواجهة العسكرية فيما بينهم لكن لن يقبلوا بأن يكونوا أدوات لتقسيم
بلادهم، لكن بالرغم من كل ذلك لا يعني أن لا نهتم بالأمر فلا توجد بلاد عربية ونفطية
غير مستهدفة في كيانها، كما أنّه يجب على صنّاع القرار في الجزائر العمل على اجتثاث
كل الأسباب التي تزعزع الاستقرار وتبدأ بنشر العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والحفاظ
على الحريات العامة ومكافحة الجهوية والمحسوبية وترسيخ دولة القانون التي لا تفرق بين
وزير أو فقير.
* تعرضتم سابقا لحملة إعلامية مغربية شعواء على
خلفية زيارتكم للصحراء الغربية. برأيكم لماذا يُصّر النظام المغربي على المكابرة
والعناد ويرفض تمكين الصحراويين من تقرير مصيرهم؟
نعم كانت حملة شرسة، فمنذ ٢٠١٠ وأنا أتعرض للهجوم من الإعلام المغربي في أي
مناسبة يكون لي فيها حضور إعلامي، والسبب أنني كنت أول صحافي جزائري يصل لمنطقة الداخلة
ولكن كان يظنون أني معارض لنظام الحكم وسوف أحلب في إناء المخزن لتصفية حساباتي،
كما دأب المعارضون وأشباههم، وخاب ظنهم فقد أديت واجبي الإعلامي وكشفت ما رأيت في منطقة
بعيدة عن عيون الصحافة والهيئات الدولية وتجري فيها انتهاكات كبيرة بحق الصحراويين.
لست طرفا في القضية بل مجرد شاهد جاء من الخارج ونقل للعالم ما شاهده بصدق ومصداقية،
وأؤكد لو أنني وجدت ما يجري في صالح النظام المغربي لنقلته بأمانة مطلقة.
النظام المغربي يدرك تماماً أن أي استفتاء لتقرير المصير سيكون في غير صالحه
وسيكون في صالح الصحراويين، فقد زرت الداخلة ورغم التعتيم والقمع إلا أن الصحراويين
يجمعون على تقرير مصيرهم.
المغرب يستفيد كثيرا من الثروات الطائلة التي تتواجد في الصحراء الغربية لذلك
لا يمكن أن يتخلى عنها مهما كانت الظروف، وما لمسته شخصيا أن الصحراويين بدورهم يتمسكون
بخيار تقرير مصيرهم ولن يتنازلوا عنه أبدا، وبذلك سيجد المغرب نفسه في مواجهة المجتمع
الدولي أو عودة جبهة للبوليساريو للكفاح المسلح الذي سيتضرر منه المغرب أولا وتداعياته
وخيمة على المنطقة خاصة في ظل أزمة ليبيا.
* أطلقت مؤخرا دعوة لأي شخص
تعرض لتعذيب أو أي انتهاك ويرغب في تبني قضيته أمام هيئات ومنظمات دولية بالتواصل معك..
ما أبعاد هذه المبادرة؟ وهل هي شخصية أم تدخل ضمن إطار تنظيمي معين؟
نحن بصدد تأسيس كيان حقوقي يكون هدفه العمل على مساعدة ضحايا الانتهاكات من
أجل استرجاع حقوقهم ومحاسبة الجناة مهما كانت مكانتهم، وهذا العمل التنظيمي ضمن كيان
مؤسساتي لن يكون منبرا لتصفية الحسابات مع الحكومات ولا الدول بل هدفه إحقاق الحقوق
سواء بالتعاون مع الحكومات التي تسمع لنا أو بالضغط عبر الهيئات الدولية ضد من لا يعيرنا
أي اهتمام.
العمل الحقوقي ليس معارضة سياسية ولا هو ممارسة لتصفية حسابات شخصية بل عمل
قانوني باستعمال كل الوسائل المشروعة من أجل الدفاع عن ضحايا الانتهاكات، فنحن سنتواصل
مع حكومات الدول بخصوص الشكاوى التي تصلنا فإن تمت معالجتها سنشكر من استجاب لنا وإن
رفض فأمامنا وسائل أخرى، سواء عبر الهيئات الدولية أو الإعلام.
* بالمناسبة، هل طُوي ملفكم مع السيد أبو جرة
سلطاني؟
الملف لا يزال قائما ولن يُطوى أبدا،
فقد أدانت الأمم المتحدة الدولة الجزائرية وطالبت بمحاسبة الجناة وتعويضي على الضرر
الذي تعرضت إليه، وللأسف لهذه اللحظة لم تتخذ الحكومة الجزائرية أي مبادرة وأنا مستعد
لأي شيء يبيض صورة دولتنا أمام هيئات دولية، وللأسف الشديد فإن تصرفات خاطئة من أشخاص
تحملت تبعاتها الدولة الجزائرية أمام الأمم المتحدة وستبقى تلاحقها ولن تتوقف إلا إذا
طلبت أنا سحبها بصفة رسمية، ومستعد لفعل ذلك اليوم قبل الغد إن طرحت الحكومة الجزائرية
مبادرة تحفظ حقوقي كمواطن جزائري اضطررت للجوء نحو الأمم المتحدة والقضاء الأجنبي بعدما
أغلقت في وجهي كل الأبواب.
* هل من إضافة تتفضلون بها في ختام هذا اللقاء؟
لقد كانت أسئلتكم شاملة وكاملة وأختتم الحوار بالشكر لجريدة "أخبار اليوم"
التي أتابعها دائما وهي أول صحيفة جزائرية أفتتح بها يومي وأحيانا أطلع عليها قبل النوم
بمجرد نزولها على موقعها الإلكتروني، وأشيد بجهود طاقمها في التصدي لكل المخططات التي
تستهدف بلادنا وخاصة التمدد الشيعي الذي تتابعه الصحيفة بموضوعية تستحق التقدير.