-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

الوطن: أنا وأنت.. وليس: يا أنا.. يا أنت

الوطن.. هذه المفردة التي تتشبّع بها العيون عند قراءتها، وتأنس بها الأذن عند سماعها، ويذوب لها القلب حين التباهي بها، وإن الأمن في الوطن مع العافية والرِّزق، هو الملك الحقيقي والسعادة المنشودة، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه مُعافًى في بدنه عنده قُوتُ يومه فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها".
وإن الديار التي يُفقد فيها الأمن صحراءٌ قاحلة، وإن كانت ذات جناتٍ وارفةِ الظلال، وإن الأمن والإيمان قرينان، فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان، قال الشاعر:
إذا الإيمان ضـاع فلا أمـان * ولا دنيا لمـــن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين * فقد جــعل الفناء لها قرينـا
وللأسف إن بعضا من الناس أصبحوا عَلَفاً لكل ناعق، وكأنهم بقية من عصر الظلام والغابة، مشكلتهم أن يثبطوا كل عامل مجتهد، ويحطِّموا كل جميل، أعني أولئك ـ أشقياء القوم ـ الذين يحاولون إثارة دعوات كثيرة توهن العزائم بتقزيم المنجزات الوطنية، والتشكيك في كل مشروع، وتضخيم الأخطاء الفردية وتعميمها مجتمعيا وترويجها إعلاميا بهدف إفقاد ثقة المجتمع بقياداته المختلفة، مع محاولة إبعاد الشباب عن قيم الوطن والمواطنة وخلخلة قناعاتهم الإيجابية تجاه أوطانهم ومجتمعاتهم..
وإنِّني هنا لا أدافع عن أحد، ولا أقول إننا نعيش في مجتمع فاضل عادل، ولا أن ضمانات العيش والعمل والسكن مكفولة لكلّ قادر ولكلّ عاجز، ولا أنّ حوافز الخير في مجتمعنا مجتمعة، ولا حوافز الشرّ منعدمة. ولكن يجب أن نَذكر ونُذكّر أننا ولله الحمد والمنة، في نعمةٍ عظيمة حيثُ نعيش الأمن في ديارنا، وفي بيوتنا، وفي أسفارنا، لا نخافُ إلا الله سبحانه وتعالى، وهذه نعمةٌ عظيمة يجب على الجميع أن يحافظوا عليها ويُذكَروا غيرهم بها.
وإن قصة بعض الناس مع الوطن ووحدته، كقصة المرأتين مع الطفل، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّما ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَتَاهُ. فَقَالَ: ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ .. يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ". متفق عليه.
فهذا الحديث واضح وضوح الشمس و أوضح ما فيه أن الأم الحقيقية وهي الصغرى رضيت أن يؤخذ ابنها منها طالما أنه سيبقى حيّاً سليماً، وذلك من شدة حبها لها وخوفها عليه ولو أدى ذلك الإبعاد إلى حزنها الشديد، لقد ضحت هذه الأم بوجود ابنها معها في سبيل مصلحته الكامنة في بقائه على قيد الحياة ، وهذا بالطبع ما تريده كل أم..وكذلك الذين لا ينتسبون إلى الوطن، لا يمانعون من تمزيق أوصاله، والذين يحسّون بالغيرة عليه يستميتون للحفاظ عليه بأي ثمن.. فالوطن: أنا وأنت.. وليس: يا أنا.. يا أنت.
هذا وليتذكر الجميع أن الجزائر لا يدوم ـ بحول الله ـ بها للناس مكروه، قال الشيخ عبد الرحمن الثعالبي رحمه الله حين:
إنّ الجزائر في أحوالها عجب * ولا يدوم بها للناس مكروه
ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع * إلا ويُسر من الرحمن يتلوه
وهكذا ستبقى الجزائر بفضل الله إلى ما شاء الله علقما في عين كل حسود، وإثمدا في كل عين ودود..
وقُلِ: الجزائرُواصغِ إنْ ذُكِرَ اسمُها * تجد الجبابرَ.. ساجدينَ ورُكَّعا
إن الجــزائرَ..قطــعةٌ قدســيّةٌ * في الكون.. لحّنها الرصاصُ ووقّعا
فكونوا ـ أيها الجزائريون ـ في تحقيق مصالح وطنكم سُعاة، ولدرء المفاسِد عنه دُعاة، ولرخائه واستقراره حُماة، تبلغوا المجدَ وتغنَموا، وتُحقِّقوا السُّؤدَد وتنعَموا.. راعوا نظم وطنكم وقيمه، وأوفوا بجميع حقوقه، فمحبة الوطن تقتضي عدم الإتيان بما من شأنه المساس بوحدته ولحمته فالتفرقة والتشرذم ـ لأي اعتبار كانت ـ وبال ومهلكة. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
سقى الله تعالى أرجاء الجزائر المشرقة وأغصانها المورقة شآبيب الإحسان ومهدها بالأمن والإيمان، وبارك فِي أَرْضِها وسمائها وأكثر خيرها في بَرِّها ومائِها وحفظ أمنها وعقيدتها من كيد الأعداء ودسائس المغرضين، وجعلها آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020