-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

خطبة عيد الفطر

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أتاكم العيد بالأفراح فاحتفلوا واكثروا من تهاني العيد واتصلوا
وبلغوا الاهل والاصحاب تهنئة بالعيد يزهر فيها الحب والامل
أيها المسلمون: إنكم في يومٍ تبسمت لكم فيه الدنيا، أرضُها وسماؤها، شمسُها وضياؤها، صمتم وقمتم شهر رمضان المبارك ثم جئتم اليوم تسألون الله الرضا والقبول وتحمدونه على الإنعام بالتوفيق للصيام والقيام، فـ "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ". الأعراف: 43.
      عن أبي سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول : "إذا كان يوم الفطر، وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: أغدوا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمنّ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا، نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة". رواه الطبراني في المعجم الكبير.
     فبشرى لكم– أيها الصائمون– إيمانا واحتسابا، عاقبة حميدة، وقدوم على الله مفرح. تقبل الله صيامكم وقيامكم، وبارك لكم  في عيدكم، وأعاده عليكم وعلى الأمة الإسلامية في عز وتمكين ونصر وتأييد.. 
هذا واعلموا ـ عباد الله ـ إن دينكم لا يشبهه دين وشريعتكم ليس كمثلها شريعة، فأعيادنا أعياد توحيد وسنة، وأعياد غيرنا أعياد شرك وبدعة وشبهة وشهوة.
   ففرحتنا اليوم فرحة شرعية أذن الله بها، قال تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ". يونس: 58؛ فرحةٌ بما مَنَّ الله علينا وأكرمنا به من نعمة التوفيق للصيام والقيام والتمام، إنها فرحةٌ تحمل أجزل العرفان لأهلِ الحمد ومستحقِهِ، وأسمى آيات الشكر والإمتنان لأهل الشكر ومستأهله، قال تعالى: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". البقرة: 185، وقال : "للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
  هذا ـ أيها المسلمون ـ يوم الفرحة الأولى، يوم يفطر فيه الصائمون، ويفرح المؤمنون، ويكبّرون الله على ما هداهم، ولعلهم يشكرون. فيا ربنا لك الحمدُ سرًّا وجهرًا، ولك الحمدُ دومًا وكرًّا، ولك الحمد شعرًا ونثرًا... 
      اعلموا ـ أيها المسلمون ـ أن جمال العيد وبهاءه إنما يجب أن يكون على ما يرضي الله -تعالى- وعلى ما أذن به شرعاً، وأن يكون فرحاً مباحاً، لا كفرح بعض الناس – هداهم الله – يفرحون في هذا اليوم فرحاً يجعلهم يقعون في بعض المعاصي والآثام وقد يتلطخ أحدهم ـ والعياذ بالله ـ بالحرام ويتزين للعيد بما نهاه الله عنه وحرَّمَه عليه.
   فالفرح الحقيقي.. يومَ أن يفرحَ بنا الله عزَّ وجلَّ، يوم أن يفرح بنا النبيُّ ، يوم أن نُترجِم ما قاله سيِّدُنا عليٌّ رضي الله عنه، عندما دخل عليه رجلٌ في يوم عيد الفطر، فوجده يأكل طعامًا خشنًا، فقال له: يا أمير المؤمنين، تأكل طعامًا خشنًا في يوم العيد؟! فقال له الإمام عليٌّ - رضي الله عنه -: اعلمْ يا أخي، أنَّ العيد لِمَن قَبِل الله صومَه، وغفر ذنبَه، ثم قال له: اليوم لنا عِيد، وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نَعصي الله فيه فهو عندنا عِيد.
 نعم.. إنَّ العيد الحقيقي يوم أن تلتزمَ بطاعة الله، يوم أن تتمسَّك بسُنَّة رسول الله ، يوم أن تحافظ على تلاوة القرآن، يوم أن تخالِفَ نفسك وشيطانَك، وتنتصر عليهما. والفرح الحقيقي فرحك أخي المسلم، بإيمانك وتقواك، ورحم الله القائل:
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ      وَلَكِنَّ    التَّقِيَّ    هُوَ    السَّعِيدُ
فَتَقْوَى  اللَّهِ  خَيْرُ  الزَّادِ  ذُخْرًا     وَعِنْدَ    اللَّهِ    لِلْأَتْقَى     مَزِيدُ
 أيها المسلمون: وإني بقولي هذا لست أدعو إلى أن يكون العيد كشهود جنازة، ولا أن ينقلب الفرح بالعيد إلى حزن؛ ولكن لابد أن نَظهَر في أعيادنا بمظهر الأمة الواعية، ففي العيد يتعاون المسلمون على البر ويجتمعون على التقوى، وتتقارب القلوبُ على الودِّ وتلتقي على المحبة، في العيد يتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم، فيجتمعون بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر، ويتصافحون بعد انقباض. العيد فرصة لبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والعطف على الصغار. العيد فرصة للتزاور والتهادي والإصلاح بين المتخاصمين والاجتماع على المحبة والألفة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، فاسعوا إلى ذلك واجتهدوا، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
   أيها المسلمون: وحريٌّ بنا جميعاً ونحن نعيش فرحة العيد تحت ظل الأمن والإيمان في بلدنا المحروس بعين الرحمن ـ ولله الحمد والمنّةـ أن نتذاكر أموراً مهمة لا ينبغي أن تغيب عن أذهاننا في يومنا المبارك هذا، وفي كل أيامنا..
    فهذا الوطن شارك في صنعه ـ بعون الله ـ آباؤنا وأجدادنا، ويسهر عليه ـ بتوفيق من الله ـ رجال من أبناء هذا الوطن، يحفظون أمننا ومقدَّساتنا وأموالنا وأنفسنا وأهلينا. والسّاحة للصادقين المخلصين، الذين هم اليوم بأمسِّ الحاجة إلى التحامٍ قويّ واتفاقِ الكلمة والتعاونِ المطلوب في حماية الدين والعقيدة وأمن هذا البلد ورخائه.
  هذا البلد الذي يمّر اليوم بمرحلة تاريخية حساسة وفارقة في تاريخه الحديث، وهي بمثابة إعادة تأسيسٍ لدوره الريادي والحضاري في المنطقة العربية والعالم، وإن الخيّرين من هذه الأمة ليولون لهذه المرحلة أهمية بالغة، لأنها ستفرز من يشكّل الوجهة الحضارية لمستقبله، ومن هنا يفرض علينا الواجب الديني والوطني والخلقي ضرورة التحلي باليقظة والإيجابية والوعي، والبعد عن السلبية والهوى والعصبية والعاطفة، حتى يتمّ الله علينا نعمته.
إنِّي أرَى هذِي البلادَ وأهلَها  * عقداً ثميناً لا يطَالُ بسوءِ ظـنْ
علماؤها.. (نخبتها).. أبناؤها  * جُبِلُوا على حبِّ العقيدةِ والسُّنَنْ
  هذا.. وليطمئن الجميع، فإن يحدث في الجزائر هو سرُّ الله وحده، وهو سبحانه مَن يعلم ما تؤول إليه الأحوال، ولعل مَشيئته سبحانه تفوق طموح الشعب الجزائري، ويريد بهم ولهم فوق ما يطمحون.. وكذلك قال العالم الرباني سيدي عبد الرحمن الثعالبي فخر الجزائر المحروسة وصاحب تفسير الجواهر الحسان رحمه الله:
إنّ الجزائر في أحوالها عجب * ولا يدوم بها للناس مكـروه
ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع * إلا ويُسرٌ من الرحمن يتلوه
  الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.. فلنضع أيدينا بأيدي بعض، فإنها فرصة ثمينة إما لنا أو علينا، هي لنا متى أدركنا وفهمنا حقيقة التعاون على البر والتقوى، وهي علينا جميعًا متى أهملنا وفرطنا وقدمنا مصالحنا الخاصة على مصالح الأمة والدين والوطن..
       أيها المسلمون ـ اعلموا أن ربنا أَمَرنا بأن نتعاون على كل خيرٍ مباركٍ فيه عزٌّ للإسلام و أهلِه، وعلى كلّ ما فيه نفعٌ للمسلمين. جاء في تفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ". المائدة: 02، قال الماوردي: "ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبرّ وقرنه بالتقوى له، لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومَن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته". وقال ابن خُوَيْزٍ مَنْدَادُ في أحكامه: "والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه: فواجبٌ على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلّمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة، قال : "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم". ا.هـ. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله  كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
      أيها المسلمون: العيد مناسبة طيبة للتعاون على البر والتقوى، وتصفية القلوب وإزالة الشوائب عن النفوس وتنقية الخواطر مما علق بها من بغضاء أو شحناء، فلنغتنم هذه الفرصة، ولِتجَدد المحبة، وتَحُل المسامحة والعفو محلّ العتب والهجران مع جميع الناس، من الأقارب والأصدقاء والجيران، قال : "وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزاً". رواه مسلم. فسارعوا إلى إصلاح ذات بينكم، وكونوا عونًا لأنفسكم وإخوانكم على الشيطان، ولا تكونوا عونًا للشيطان على أنفسكم وإخوانكم.
      ولا يسعني في هذه الصبيحة الطيبة العطرة، صبيحة عيد الفطر إلا أن أذكركم ونفسي بالتحاب في الله والتزاور في الله، فإن للمتحابين في الله درجة عظيمة، ثبت في الحديث القدسي: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتجالسين فيّ".

  وتذكروا ـ عباد الله ـ في هذا اليوم من تعيّد معنا الأعوام الماضية، وقد حال الموت دون آمالهم، وحطم الأجل لهم الأماني.
كم كنت تعرف ممن صام في سلف * من بين أهلٍ وإخوانٍ وجيـران
أفناهم الموت واستبقاك بعـدهـمُ * حياً فما أقرب القاصي من الداني
ومعجبٍ بثيـاب العيـد يقطعهـا  * فأصبحت في غدٍ أثواب أكفـان!
   وتذكروا أيضا إخواناً لكم أقعدهم المرض في البيوت، أو همُ في المستشفيات على الأسِرَّة البيضاء يرقدون، منهم من أمضى الشهور الطويلة، لا يغمَض لهم جفن ولا يهدأ لهم بال، فهم في آلامٍ متعبة وأوجاعٍ مؤلمة، فلا تنسوهم من دعوة صالحة، أن يشفي الله مريضهم، ويزيل بأسهم، ويفرج همَّهم، ويكشف كربتهم.
فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من إتمام الصيام والقيام، وشهود هذا اليوم المبارك من أعياد الإسلام، واسألوا الله القبول.  
وكونوا يدًا واحدة في مواجهة التحديات، وجنبًا إلى جنب، وبكل ما أوتيتم من قوة ورأي وجهد في بقاء سفينة المجتمع الجزائري آمنة مطمئنة، تنعم بالسخاء والرخاء، والتنمية والازدهار، لتصبح عصية على كل اختراق، ثابتة راسخة أمام أي ريح هوجاء، قد تهب من هنا أو هناك، والله خير الحافظين. الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
   دامت الجزائر بفضل الله إلى ما شاء الله، علقما في عين كل حسود، وإثمدا في كل عين كل ودود، وسقى أرجاءها المشرقة وأغصانها المورقة شآبيب الإحسان ومهدها بالأمن واالإيمان، وبارك فِي أَرْضِها وسمائها، وأكثر خيرها في بَرِّها ومائِها، وحفظ أهلها وأمنها وعقيدتها من كيد الأعداء ودسائس المغرضين، وجعلها آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين..  اللهم وتقبل منا الصيام والقيام، واجعل شهرنا شاهدا لنا بأداء فرضك، ولا تجعلنا ممن جد واجتهد ولم يرضك، اللهم ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك ونسأل تمامها في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا. اللهم أعد علينا من بركات هذا اليوم وأعد أمثاله علينا ونحن نتمتع بالإيمان والأمن والعافية، اللهم يا قوي يا متين، انشُر الأمن والإيمانَ والتقوى بين المسلمين، وجنِّبنا وإياهم الآفات في السر والنجوى، يا كاشف كلِّ بلوى، لا إله إلا أنت يا رب العرش العظيم، اكفِنا ما أهمَّنا، وما لا نهتمُّ به، وما أنت أعلمُ به منا، وكن هَمَّنا أنت وحدَك يا أكرم الأكرمين، اللهم يا محوِّل الأحوال حوِّل حالنا وحال المسلمين أجمعين إلى أحسن حال، وعافِنا من أحوال أهل الضلال وفِعل الجهال، اللهم إنا نسألك لنا ولبلدنا وللأمة مِن خير سألك منه عبدُك ونبيك سيدنا محمد ، ونعوذ بك مما استعاذك منه عبدُك ونبينك سيدُنا محمد ، أنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بك. اللهم واجعل عيدنا سعيدا وعملنا صالحاً رشيداً، واجعل مواسم الخيرات لنا مربحا ومغنما، وأوقات البركات والنفحات إلى رحمتك طريقا وسلما. وصل اللهم على سيدنا مم د وعلى آله وصحبه أجمعين..


خطبة عيد الفطر المبارك 1440هـ بمسجد عبد اهْد بن جعفرـ سيدي بلعباس، للشيخ أبو إسماعيل خليفة، حفظه الله

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020