بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي
فاجأ الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب العالم ودول المنطقة، بما فيها الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية،
بمواقفه الجديدة القاضية برفض تنفيذ بنود صفقة القرن من جانبٍ واحدٍ، والدعوة إلى
تنفيذها بالاتفاق بين الطرفين، وبالتفاوض المباشر بينهما، وحذر الجانب الإسرائيلي من
مغبة التسرع في تنفيذها، واعتبر ذلك إساءة إلى الصفقة ويعرضها للفشل، وهي الصفقة
التي أعلن عنها بنفسه وحملت اسمه، ووصفها بأنها صفقة القرن، والفرصة الأخيرة
لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأكد في حينها أنها ستفرض بالقوة،
شاء الفلسطينيون أم أبوا، ودعا الدول العربية إلى تأييدها والتعاون في تنفيذها، ذلك
أنها لا تحتاج إلى الموافقة الفلسطينية، ولكنه دعا القيادة الفلسطينية إلى التأني
وعدم التسرع في رفضها، وضبط النفس والتريث في الحكم عليها، بعد دراستها والاطلاع
عليها.
مقصودةٌ هي مواقف الرئيس
الأمريكي الجديدة التي وصفها الإسرائيليون بأنها مواقف صادمة وتصريحاتٍ محزنة، عشية
تشكيل حكومة الرأسين الإسرائيلية، التي يتوقع طرحها على الكنيست الإسرائيلي لنيل الثقة، التي تعتبر مضمونة نوعاً ما، كونها تحظى بتأييد 79 نائباً،
من اليمين الإسرائيلي والليكود، فضلاً عن أعضاء أزرق أبيض ومن ارتحل معهم من الأحزاب
الأخرى.
فهي رسالةٌ واضحةٌ إلى
الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بضرورة ضبط النفس وعدم التسرع، خاصةً إلى نتنياهو
الذي سيترأس الحكومة الإسرائيلية لثمانية عشر شهراً قادمة، لئلا يمضي في تهديداته
السابقة، وينفذ وعوده الانتخابية، إذ لم يعد مضطراً لها بعد أن تخلص من أعباء
الأحزاب اليمينية الدينية وشروطها، وائتلف مع يمين الوسط الذي يختلف معه في توقيت
الضم وانعكاساته على أمن ومستقبل الدولة العبرية، والذي يبدو أنه التحق بنتنياهو
بعد ضوءٍ أخضر أمريكي، وتفاهماتٍ وضماناتٍ أمريكية خاصةٍ.
بالتأكيد إن هذه التصريحات
الأمريكية التي يبدو فيها الخبث والمكر والخداع، لا تخدم الفلسطينيين أبداً، ولا
تتوافق معهم، ولا تأخذ بآرائهم، وليست مبنية على مواقفهم الرافضة للصفقة والمعارضة
لها، وإن بدت في شكلها أنها ترفض أحادية الحل، وتصر على التفاوض المباشر بين
الطرفين، ولكن الحقيقة أنها لخدمة للمشروع الصهيوني أولاً، وجاءت متجاوبةً مع ظروفه
الراهنة، وحريصةً على مصالحه المستقبلية وأمنه الوطني.
فالأصوات الإسرائيلية
الاستراتيجية ومعها مراكز الأبحاث الأمريكية، يرون أن أي حلٍ يفرض على الفلسطينيين
بالقوة، أو دون التشاور معهم ونيل موافقتهم، فإن مصيره الفشل، وسينعكس سلباً على
أمن إسرائيل، بغض النظر عن الحالة الفلسطينية والعربية الراهنة، التي توصف
بالمهلهلة الضعيفة.
لم يكتف دونالد ترامب
بالمواقف التي أعلنها من واشنطن، ولا بالتصريحات التي أدلى بها الناطقون باسم
البيت الأبيض، بل قرر أن يرسل وزير خارجيته مايك بومبيو إلى المنطقة نهاية الأسبوع
القادم، أي بعد أن تنال حكومة الرأسين نتنياهو وغانتس ثقة الكنيست، ليعزز لدى قادة
المنطقة وجهة نظر الإدارة الأمريكية، التي ترى إرجاء التنفيذ إلى مرحلةٍ لاحقة،
وربطها بالتفاوض المباشر بين الطرفين.
إلا أن بومبيو يطمح في زيارته
أن يلتقي بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية، إن لم يتمكن من الاجتماع مع رئيسها محمود
عباس، ولهذا فقد سبق وإدارته الزيارة بتصريحاته، عله يقنع طرفاً فلسطينياً بالجلوس
معه، وإنهاء القطيعة التي أعيت الإدارة الأمريكية عن كسرها، والتي أضعفت مبادرتها
وجعلت منها أفكاراً عامة ومشاريع إسرائيلية فقط.
أيها الفلسطينيون، سلطةً
ومعارضة، تنظيماتٍ وشخصياتٍ، أحزاباً ومستقلين، إياكم والوقوع في شراك الإدارة
الأمريكية، فهي إدارةٌ صهيونية بامتياز، وهي لا تفكر إلا في الشأن الإسرائيلي، ولا
يهمها سوى المصالح الصهيونية واليهودية، خاصةً أن الولايات المتحدة الأمريكية
مقبلة على انتخاباتٍ رئاسية في تشرين ثاني القادم، وقد أضرت أزمة وباء كورونا بالرئيس
الأمريكي دونالد ترامب، وأفقدته الكثير من مكتسباته الاقتصادية التي كان يتبجح بها.
فقد تضرر الاقتصاد
الأمريكي، وزادت نسبة البطالة، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ألـــــ 35 مليون
أمريكي، وجاءت أزمة النفط العالمية لتضرب قطاع انتاج الزيت الصخري، فضلاً عن عشرات
آلاف حالات الوفاة، ومئات آلاف المصابين بفيروس كورونا، والانتقادات القاسية التي
وجهت إلى سياسة ترامب في مواجهة فيروس كورنا، حيث بدا استخفافه وإهماله، وعدم
اتزانه واضطرابه، الأمر الذي من شأنه أن يحرمه من أصوات الناخبين الأمريكيين.
في الوقت الذي يظهر منافسه
الديمقراطي جو بايدن، تفوقاً لافتاً عليه في استطلاعات الرأي الأخيرة، ولهذا فإنه
يرهن بتصريحاته أصوات يهود أمريكا واللوبي الصهيوني والمسيحيين الإنجيليين، ليضمن
تصويتهم لصالحه، ليمضي قدماً في تنفيذ خطته في دورته القادمة.
يخطئ من يظن أن الإدارة
الأمريكية قد راجعت خطتها، وخطأت نفسها، وتريد تصحيح مواقفها أو تعديل مبادرتها،
ولهذا فهي تخاطب بمواقفها الطرفين المعنيين بالأزمة والصراع، الكيان الصهيوني
والسلطة الفلسطينية، فتريد تهدئة الأولى والحد من اندفاعها، والضغط عليها لعدم
التسرع مخافة إفساد المبادرة وفشلها، وتتطلع إلى الثانية لتقنعها ببراءة خطتها،
وصدق وساطتها، وسلامة نواياها تجاه الفلسطينيين، لأنها تريد طرفاً فلسطينياً يجلس
معها ويحاورها في الخطة، تعديلاً وتصحيحاً بما يناسب الفلسطينيين.
قدرنا نحن الفلسطينيين
والعرب أن نقع دائماً فريسة الرهانات الغربية، وضحايا الوعود السرابية، فنخدع
بمعسول الكلام ولين الخطاب، ونصدق بصبيانية الأطفال وبراءة البسطاء، أن الذئب راعي
أمين لقضيتنا، وحارس مضمون لحقوقنا، وأنه لن يخذلنا ولن يغدر بنا، وما علمنا أن
الذئاب لا تنسى طبيعتها، ولا تخفي أنيابها، ولكنها تخنس حتى تقدر، وتتوارى حتى
تتمكن، وتبقى عيونها على طريدتها حتى تنال منها، فإياكم وأن تأمنوا أمريكا من
جديد، أو أن تصدقوا كلامها وتخدعوا بمواقفها، فهي والكيان الصهيوني سواء، لا فرق
بينهما، فالأولى تخطط بخبثٍ وترعى بظلمٍ، والثاني يعتدي بعنفٍ وينفذ بحقدٍ.