حكاياتي مع حمدي بناني
فقدت الساحة الفنية الجزائرية فنانا مرموقا من عباقرة المالوف، ارتبط اسمه بعنابة كما ارتبط اسم الفرقاني بقسنطينة وأحمد وهبي بوهران وخليفي أحمد بالصحراء ومناعي بالواد والعنقا وعماري والعنقيس بالعاصمة وإيدير وآيت منقلات بالقبائل.
وبحكم استقرار عائلتي في عنابة كانت لي فرصة التعرف إلى حمدي بناني، الرمز الغنائي لعاصمة الشرق الجزائرية البحرية، وتوطدت المعرفة بعلاقاتي الأخوية مع الصديق المشترك الجنرال مصطفى بللوصيف، وكنت أحرص على أن يكون بناني هو نجم كل الحفلات التي كانت ولاية عنابة تقيمها على شرف الرؤساء الذين يزورون بلد سيدي مروان.
وعندما زار الجزائر الرئيس "سياكا ستيفنس" رئيس "سييراليون"، الذي كان الرئيس التالي لمنظمة الوحدة الإفريقية (1980) كلفني الرئيس بمرافقته في زيارة إلى عنابة، ربما لأن الشائع هو أنني من مواطني حي سيبوس، وأتصور أن الاختيار كان أساسا لأن الرئيس الضيف لم يكن يعرف إلا اللغة الإنغليزية، وهي لغتي الأجنبية الأولى.
وبعد برنامج حافل شمل زيارة أهم ما تعرفه المدينة من إنجازات أقامت الولاية على شرف الضيف ومرافقيه حفل عشاء في فندق "سرايدي" الواقع على جبل "إيدوغ"، وكان بناني هو نجم الحفل، وكعادتي في الإشراف على كل ما يتعلق بالزيارات الرئاسية قلت للفنان بأنني سأقدمه للضيف ليقول له كلمات تكريم لبلاده وتحية لشخصه، لكن بناني رفض وقال لي بكل بساطة، أنا أجيد الغناء لكنني لا أفهم في السياسة.
لم أحاول الضغط على الفنان الذي يعرف حدود إمكانياته بل احترمت ذلك فيه، وكان عليّ أن أجد حلا سريعا.
كان المترجم الجزائري المرافق بالوفد شابا ذكيا اسمه بن كريتلي، استدعيته وأمليته عدة فقرات سيترجمها للضيف، وقلت لحمدي أن كل ما عليه هو أن يقول أي كلام، على أن يكرر كلمة إفريقيا واسم سياكا أكثر من مرة في فقرات متتالية، يترك فيها للمترجم فرصة تقديم الفقرة المعدة سلفا.
واستجاب حمدي بكل بساطة لما طلبته منه، وتم اللقاء بالفعل، وكان الرئيس الضيف في قمة السعادة وهو يسمع من الفنان، عبر ترجمة بن كريتلي بأن الجزائر تنتظر الكثير على يديه في رئاسته القادمة، فهو، بجانب خبرته الرئاسية، من حكماء إفريقيا المتميزين، وبلاده تسمّي في العربية قمة الأسد (سييرا ليون) الخ الخ.
وعدنا إلى العاصمة، ويستدعيني الرئيس الشاذلي بعد سفر سياكا ستفنس ليسألني بجدية ملأتني رعبا: من هو المغني الذي تحدث مع الرئيس الضيف في عنابة ؟
وقبل أن أجيب واصل الشاذلي حديث قائلا: كان سياكا ستفنس مبهورا بذلك الفنان وقال لي: لو كان عندي رجلا مثله لعينته فورا رئيسا للحكومة.
وتنفست الصعداء وأنا أقول للرئيس: إنه حمدي بناني، وانفجر الشاذلي ضاحكا حتى بدا عاجزا عن التحكم في ضحكه، (ومعروف أن الرئيس من منطقة عنابة ويعرفها وأهلها وفنانيها جيدا).
ولا أنسى كلمات طيبة قالها سي الشاذلي عن الفنان الراحل، رحم الله الرئيس والفنان، ولا قرّت أعين الجبناء.
الدكتور محيي الدين عميمور / مستشار الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد ـ في منشور على صفحته الخاصة بموقع الفيسبوك ضمّنه شهادته عن الفنان الراحل حمدي بناني الذي توفي ـ رحمه الله ـ يوم الإثنين 21 سبتمبر 2020، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا