-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

20 مليون جزائري في "سجن العزوبية"

العزوف عن الزواج في الجزائر..


ـ الشيخ. ب ـ

من الناحية النظرية يبدو عجيبا كيف أن رجلا مستقيما سويا يتردد في تكوين أسرة رغم أن الكرة الأرضية تحمل على ظهرها أكثر من ثلاثة ملايير امرأة.. ويردد ما يقوله كثيرون.. "أين الصالحة بينهن؟" وربما ينسى القاعدة الإلهية "الطيبات للطيبين".. ولكن الواقع يشير إلى أن أسباب العزوف الإرادي عن الزواج كثيرة، وأسباب عدم الزواج أكثر.. أما النتائج فيبدو الصمت عنها أفضل من الحديث عن فظاعتها..
قبل سنوات قالت أرقام غير رسمية أن الجزائر تضم قرابة العشرة ملايين "عانس"، ولكن هذا الرقم تعرض للتشكيك، لكون صاحبه اعتبر كل من بلغت الثامنة عشر من عمرها ولم تتزوج في خانة "العوانس"، وهو معيار غير منطقي، خصوصا أن معدل الزواج في بلادنا شهد ارتفاعا كبيرا، حتى صار بلوغ الفتاة ـ المرأة ـ سن الثلاثين دون زواج أمرا عاديا جدا، بل حتى بقاؤها دون زواج إلى غاية رحيلها من الدنيا ليس بالأمر المثير للعجب، لاسيما إن كان الأمر خارج نطاق إرادتها، وهو الغالب.. بينما يبدو الرجال، عموما، خارج دائرة العتاب والتقريع، مهما تقدمت أعمارهم، وارتفعت مقاماتهم، وزادت ثرواتهم..
"كارثة" تطارد 20 مليون جزائري!
ومع بلوغ عدد سكان الجزائر لنحو سبعة وثلاثين مليون نسمة، غالبيتهم شباب، تشير تقديرات غير دقيقة إلى أن قرابة عشرين مليون جزائري، في سن الزواج، مازالوا خارج "القفص الذهبي"، بينهم أكثر من عشرة ملايين ممن جاوزوا الثلاثين سنة، ولن نبالغ إن قلنا أن عشرين مليون جزائري "مطاردون" من طرف "العنوسة..
وبين العزوف الطوعي عن الزواج الذي بات في حد ذاته ظاهرة لافتة للنظر، وبين التأخر الاضطراري لسن الزواج، يجد كثير من الشباب أنفسهم في دائرة ما يمكن تسميته بـ"العزوبية المزمنة".
يقول أحدهم:
"إلـى وقـت قـريب للغايـة كنتُ أقـول أنّ من فضل الله عليّ وحفظه لي.. أنّهُ جلّ في عُلاه.. منّ عليّ بـمـوفـور الصحّـة والـعـافـيـة.. وأنّـه سُـبحـانـه لا يتركُـنـي ولا يـدعـُـنـي أمـرض على الإطـلاق...
حتّى أنه مـرّ عليّ سنواتٌ طوال.. تجاوزت العشر سنوات.. لم أزُر خـلالـهـا طـبـيـبـاً.. ولم أدخُل عيادَة طبيّة.. ولم أُصب بأيّ وعكة صحيّة تستدعي زيارة الطبيب...
و إن لم تخُنّي الذاكرة.. فآخـر مرّة فحصني فيهــا طبيب مـا.. كانت أيّام الطب المدرسي.. وأنـا في المتوسّطة ربّمـا...
كانَ هذا مصدر فخر وارتياح واطـمـئنـان عـميـق.. بالنّـسبـة لـي.. إلى وقت قريب...
لكن.. وكما تعلم.. فـأسـبُـوعـيّـة (أخـبـار الأسبوع) قـامـت عبر أعدادها الأخيرة على وجه الخصُوص بتخصيص صفحات تعنى بالصحّـة... عـلـى وجـه الـعـمُـوم..
و مواضيع مُهمّة.. قمّة في الرّوعة والإفادة...
لكني لا أخفيك.. أصابتني تلك المواضيع المنشورة تبـاعـاً ببعض (الـتـوسـويـس) هههه
وبعد اطلاعي على جُملة من المواضيع الصحيّـة المنشُـورة عبر الأسـبُـوعيّـة.. لم يـهـدأ لـي بـال حتى زُرتُ عيادة طبيّة منذُ حوالي شـهـريـن... وخضعتُ لفحوصـات وتـحـالـيـل مُـعـمّـقـة وشـامـلـة.. بالـشّـيء الـفـُـلانـي.. ولـيُـؤكّـد لي الطبيب غداة ذلك أني سليـم ومُعافى تماماً من أي مرض أو خلل جسماني... ولله الحمد والمنّة..
و أنّ كُل ما يـعـتـريـنـي.. هـو بعض (الـوسـاوس) والـتـوتـُر الذهـني والمعـنوي الـنـاجـم عـن مـتاعـب وضغوطات العمـل.. وظروف الحيـاة اليـوميّـة....الخ...
حتّى أنّ الجلسة معَ ذاك الطبيب تحوّلت إلى ما يُشبه الطب النّفسـي.. حين غـدا يسألُني عن بعض خصُـوصيـاتي.. وظروفي.. ويوميّاتي.. وعملي.. وحتّى أجـرتي الشّهـريّـة.. ومكان نـومـي... وأسبـاب تـأخـُـري في الزوا....الخ..
مُؤكّـداُ له أنّهـا مشاكل وظروف تمسّ شرائح وفـئـات واسعة من مُجتمعـنـا.. وليسَـت محـصـورة في شخصي أنـا وحـدي... وهذا لوحده قـد يُـهـوّنُ مـن أمـرهــا.. (و إذا عـمّـت.. خـفّـت..) بالتـأكـيـد...
أو بالمعنى الآخـر (كي تسمـع هـم خُـوك.. تـنـسـى هـمّـك..)
لا أخـفـيـك.. لـم أقـتـنع كـثـيـراً باستـنـتـاجـات ذلـك الطبيـب.. ولـم أثـق تـمـامـاً في مـا قـالـه.. على بـراعـتـه وخـبـرتـه الطـويلـة وكِـبَـر سـنّـه... وعلى الـوسـائـل الضّخـمـة والمتـطـوّرة الـتـي استـخـدمهـا فـي فحصـه لـي..
فـقـصـدتُ عيـادة أخـرى.. بـعـد ذلـك بـأيـام.. لكنّهُـم أكّـدوا لي نـفـس مـا قـالـه الطبيب الأوّل...
ووجّهـوا لي نـفـس نـصـائحـه بـالـحـرف.. والـتـي ركّـزت في مُـجـمـلـهـا على الجـانـب النفـسـي والـمـعـنـوي.. (كـضرُورة إجـتـنـاب المُـنـغّـصـات.. والسّعـي لـتحسين ظرُوفي على جميـع الأصعدة..) ونصائح أخرى من قبيل ضرورة ممارسة الرياضة.. والأكـل الـصحّـي.. خصُـوصـاً في الصبـاح (وهذا لوحده صعب للغاية) والقيام ببعض السّفريات لتغيير الأجـواء وكـسـر الروتـيـن اليـومـي... الخ....
 مُـوكّـداً لـهـُم بـدورهـم أيضـاً أنّ هـذه الظرُوف بمُنـغّـصـاتـهـا ومشـاكـلـهـا ومـسـاوئـهـا.. يستحيـلُ زوالـُـهـا...
 حسـنــاً أخـي.. أعـتـذر للغـايـة على هـذه الإطـالـة... فعلى كُلّ حـال.. علاجي الأمـثـل والـوحـيـد أعـرفـه جـيّـداً وحـقّ المعـرفة (ونُنزّل من القـُرآن ما هو شـفـاءٌ ورحمـة للمُـؤمنيـن)
والخُلاصـة.. والغـرض مـن كُـل هـذه الـمُـقـدّمـة الـمُـطـوّلـة للـغـايـة.. هـُـوَ أنّـي (كمُـتـابـع وقـاريء وفـيّ) أودُ من طاقـم الأُسـبُـوعـيّـة أن يُخصّـصـوا بعض المواضيع في الأعـداد المُقبلـة بحول الله.. تتـنـاول بـإلمـام أنـواع المخاطر والأضـرار الجسمانيّـة والمعنـويّـة الـنـاتجـة عـن (العـزوبـية المُـزمـنـة) إن صحّ الـتـعـبـيـر.. وتـأخـُـر الزواج...
آخـذيـن بـعـيـن الإعـتـبـار أصناف الـفـتـن والمُغـريـات الـتي تـكـتـسح مُـجـتـمـعـاتـنـا..
هـذا معَ الـتّـركيـز أيضـاً عـلـى مـن تمنعـهـُـم مـبـادئـهـُـم من الإقـتـراب من (الـحـرام بجميـع أنـواعـه) والـتـفـكيـر فـيـه.. رغـمَ يـُـسـره.. وسـهـُـولـة الـوقـوع فيـه..."
هذا نص رسالة وصلتني من أخ أعتز كثيرا بكونه من متابعي خربشاتي المتواضعة، وهو من قراء أسبوعية "أخبار الأسبوع"، يعرض فيها بكل عفوية، وبأسلوب مثير للإعجاب، مشكلة ملايين الجزائريين الأولى.. "العزوبية المزمنة" التي تنتشر في الجزائر انتشار النار في الهشيم، حتى بات غالبية الجزائريين، فوق العشرين، دون زواج، وإذا كانت إحصائيات غير رسمية قد أشارت، قبل سنوات، إلى أن قرابة العشرة ملايين بنت وامرأة جزائرية في سن الزواج مازالت عزباء، فإن الوضع أسوأ الآن، ويبدو أن ما لا يقل عن عشرين مليون جزائري وجزائرية يواجه العزوبية المزمنة..

أسباب مختلفة.. ونتائج كارثية
ويبدو الموضوع متشعبا كثيرا، فلو تحدثنا عن الأسباب فإننا بحاجة إلى ساعات وساعات، ولو تحدثنا عن النتائج الكارثية للظاهرة لما كفتنا الساعات والساعات..
عموما يمكن أن نتحدث عن نوعين من الأسباب التي أدت إلى محاصرة "آفة العزوبية المزمنة" لملايين الشباب، واحدة إرادية وأخرى لا إرادية، فبعض الشباب يعزفون عن الزواج بمحض إرادتهم نتيجة لمعطيات مختلفة، ولم يعد مثيرا للاستغراب أن يفاجئك شاب ثري يملك سكنا وسيارة والكثير من المال بأنه مازال، وهو على أعتاب الأربعين من العمر، يبحث عن زوجة صالحة، أو أنه لم يجد فتاة أحلامه بعد..
وغالبية الشباب والشابات اليوم بلا زواج لأسباب خارجة عن نطاق إرادتهم، وهؤلاء يمكن القول أنهم ممنوعون من الزواج إلى أجل غير مسمى، فالبنت عادة ما لا يكون مصيرها بيديها، فهي تنتظر الخاطب، ولا يمكنها أن تقوم بخطبة رجل، ولو أننا صرنا نسمع عن حكايات أغرب من الخيال عن بنات يستدرجن رجالا لأمور معينة، بهدف الزواج بعدئذ.. أما الرجال الممنوعون من الزواج، فقلة ذات اليد هي المتهم الأول بالوقوف وراء منعهم المؤقت الذي يتحول أحيانا إلى منع دائم ينتهي بوفاة "ضحيته" دون زواج!
ولم يعد غلاء المهور مشكلة الشبان الراغبين في الزواج الوحيدة، فتكاليف الزواج المختلفة تجعل المهر أمرا هينا، وشروط الزوجة المفترضة الخاصة بسكن مستقل وغيره تضع زواج بعض شبان الجزائر في خانة المستحيلات، خاصة إذا أصروا على الارتباط بمن مالت إليهن قلوبهم..
أما عن نتائج تأخر سن الزواج في الجزائر فحدث ولا حرج، فالموبقات كثيرة، وفي ظل كثرة المغريات وسهولة الوصول إلى الممنوعات والمحرمات، فإن إصابة نحو 100 جزائري بالسيدا سنويا، وسقوط مئات الفتيات في خانة "الأمهات العازبات"، والإقبال المتزايد على الإجهاض غير الشرعي، وتحول الجامعات إلى أماكن للغراميات، وزيادة الإقبال على أم الخبائث والمخدرات، مجرد عينة صغيرة من المصائب التي ابتليت بها الجزائر، في انتظار مصائب أخرى مرتقبة مع بدء تشغيل الجيل الثالث من الهاتف النقال الذي يتيح إمكانية إجراء مكالمات مرئية، ما يفتح أبواب الجحيم أمام المراهقين، وأشباههم، والمنحرفين، وما أكثرهم..

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020