عبد الله بن المقفع كاتب من البصرة أصوله فارسية عمل على
ترجمة كليلة ودمنة للعربية، لديه مؤلفات عديدة أشهرها "كليلة ودمنة"،
و"الأدب الكبير" و"الأدب الصغير"، ومما جاء في بعض كتبه:
اعرف نفسك.. وعدوك
1- اعلم أن من عدوكَ من يعملُ في هلاككَ، ومنهم من يعملُ
في مصالحتكَ، ومنهم من يعملُ في البعدِ منكَ، فاعرفهم على منازلهم.
2- لا تكثرن ادعاء العلمِ في كل ما يعرضُ بينكَ وبين
أصحابكَ، فإنك من ذلك بين فضيحتينِ: إما أن ينازعوك فيما ادعيتَ فيهجمَ منكَ على
الجهالةِ والصلفِ، وإما ألا ينازعوك ويخلوا في يديك ما ادعيت من الأمورِ، فينكشفَ
منكَ التصنعُ والمَعْجَزَة.
3- عوّد نفسك الصبر على من خالفكَ من ذوي النصيحة،
والتجرع لمرارةِ قولهم وعذلهم.
4- لا تُجالسِ امرأ بغيرِ طريقتهِ، فإنكَ إن أردتَ لقاءَ
الجاهلِ بالعلمِ، والجافي بالفقهِ، والعيي بالبيانِ، لم تزد على أن تضيعَ علمكَ
وتؤذي جليسكَ بحملكَ عليهِ.
5- لست أقود جيشاً، ولا أتقلد حرباً، ولا أشير بسفك دم.
6- اجعل غاية تشبثكَ في مؤاخاةِ من تؤاخي، ومواصلةِ من
تواصلُ توطينَ نفسكَ على أنه لا سبيل لكَ إلى قطيعةِ أخيكَ.
7- اعلم أن فضلَ الفعلِ على القولِ زينة، وفضلَ القولِ
على الفعلِ هُجْنَة، وأنّ إحكامَ هذه الخَلَّة من غرائبِ الخِلال.
8- لا تعتذرن إلا إلى من يُحب أن يجد لكَ عذراً، ولا
تستعن إلا بمن يحب أن يظفركَ بحاجتكَ، ولا تُحدثنَ إلا من يرى حديثكَ مغنماً، ما
لم يغلبكَ اضطرارٌ.
9- اعلم أن مالكَ لا يغني الناسَ كلهم فاخصص به أهل
الحق، وأن كرامتك لا تطيقُ العامة كلها فتوَخَّ بها أهل الفضلِ، وأن قلبكَ لا
يتسعُ لكل شيء ففرغه للمُهِمّ.
10- إخوانَ الصدقِ هم خيرُ مكاسبِ الدنيا، هم زينةٌ في
الرخاء، وعدةٌ في الشدةِ، ومعونةٌ على خيرِ المعاشِ والمعادِ. فلا تفرطن في اكتسابهم
وابتغاء الوصلاتِ والأسبابِ إليهم.
11- لا تلتمس غلبةَ صاحبكَ والظفر عليه عند كل كلمةٍ
ورأي، ولا تجترئن على تقريعهِ بظْفِرِكَ إذا استبانَ، وحُجتكَ عليه إذا وضحت.
12- إذا تراكمت عليكَ الأعمالُ فلا تلتمسِ الرَوْح في
مدافعتها بالروغانِ منها، فإنهُ لا راحة لكَ إلا في إصدارها.
13- تعلم حسنَ الاستماعِ كما تتعلمُ حسنَ الكلامِ، ومن
حسنِ الاستماع إمهالُ المتكلمِ حتى ينقضي حديثهُ، وقلة التلفت إلى الجوابِ،
والإقبالُ بالوجهِ والنظر إلى المتكلمِ، والوعي لما يقولُ.
14- إذا اعتذر إليكَ معتذرٌ، فتلقهُ بوجهٍ مشرقٍ وبِشرٍ
ولسانٍ طلقٍ إلا أن يكونَ ممن قطيعتهُ غنيمة.
15- لا تُجالسِ امرأ بغيرِ طريقتهِ، فإنكَ إن أردتَ
لقاءَ الجاهلِ بالعلمِ، والجافي بالفقهِ، والعيي بالبيانِ، لم تزد على أن تضيعَ
علمكَ وتؤذي جليسكَ بحملكَ عليهِ ثقل مالا يعرفُ وغمكَ إياهُ بمثلِ ما يغتم بهِ
الرجلُ الفصيحُ من مخاطبةِ الأعجمي الذي لا يفقهُ عنهُ.
نعمة العقل..
ويقول الأديب "الحكيم" عبد الله بن المقفع
أيضا:
- لا عقل لمن أغفله عن آخرته ما يجد من لذة دنياه..وليس
من العقل أن يحرمه حظه من الدنيا بصره بزوالها
- من لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة
- وأمارة صحة العقل.. اختيار الأمور بالبصر وتنفيذ البصر
بالعزم.. وللعقول سجيات.. وغرائز بها تقبل الأدب وبالأدب تتنمى العقول وتزكو.
- والعقل بإذن الله هو الذي يحرز الحظ ويؤنس الغربة
وينفي الفاقة ويعرف النكرة ويثمر المكسبة ويطيب الثمرة ويوجه السوقة عند السلطان
ويستنزل للسلطان نصيحة السوقة ويكسب الصديق وينفي العدو
- وليعلم أن على العاقل أموراً إذا ضيعها حكم عقله
بمقارنة الجهال فعلى العاقل أن يعلم أن الناس مشتركون فمستوون في الحب لما يوافق
والبغض لما يؤذي وأن هذه منزلة اتفق عليها الحمقى والأكياس ثم اختلفوا بعدها في
ثلاث خصال هن جماع الثواب وجماع الخطأ وعندهن تفرقت العلماء والجهال والحزمة
والعجزة.
- ليس من الدنيا سرور يعدل صحبة الإخوان ولا فيها غم
يعدل فقدهم
- على العاقل مخاصمة نفسه ومحاسبتها والقضاء عليها
والإثابة والتنكيل بها
-أشد الفاقة عدم العقل وأشد الوحدة وحدة اللجوج ولا مال
أفضل من العقل ولا أنيس آنس من الاستشارة
- أفضل ما يورث الآباء الأبناء الثناء الحسن والأدب
النافع والإخوان الصالحون
- العجب آفة العقل واللجاجة قعود الهوى والبخل لقاح
الحرص والمراء فساد العقل والحمية سبب الجهل والأنفة توأم السفه والمنافسة أخت
العداوة
- ليست للخلة التي هي الغنى مدح إلا وهي للفقير عيب..
فإن كان شجاعاً.. سمي أهوجاً وإن كان جواداً.. سمي مفسداً.. وإن كان حليماً.. سمي
ضعيفاً وإن كان قوياً.. سمي بليداً وإن كان لسناً.. سمي مهذاراً وإن كان صموتاً..
سمي عيياً
-إن للسلطان المقسط حقاً لا يصلح لخاصة ولا عامة أمر إلا
بإرادته.. فذو اللب حقيق على أن يخلص لهم النصيحة، ويبذل لهم الطاعة ويكتم سرهم
ويزين سيرتهم ويذب بلسانه ويده عنهم....، ولا يعثر عليهم إذا رضوا عنه، ولا يتغير
عليهم إذا سخطوا عليه وأن يحمدهم على ما أصاب من خير منهم غيرهم، فإنه لا يقدر أحد
أن يصيبه بخير إلا بفاع الله عنه بهم.
- وقد يسعى إلى أبواب السلطان أجناس من الناس كثير أم
الصالح فمدعو وأما الطالح فمقتحم وأما ذو الأدب فطالب وأما من لا أدب له فمختلس
وأما القوي فمدافع وأما الضعيف فمدفوع وأما المحسن فمستثيب وأما المسيء فمستجير
فهو مجمع البر والفاجر والعالم والجاهلب والشريف والوضيع.
* من كتاب الأدب الصغير
قطعة أدبية
رائعة في وصف صديق
إني مخبرك عن صاحب.. كان أعظم الناس في عيني،
وكان رأس ما أعظمه عندي صغر الدنيا في عينه.. كان خارجاً من سلطان بطنه..
فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد وكان
خارجاً من سلطان فرجه.. فلا يدعو فلا يدعو لى ريبة ولا يستخف به رأياً ولا بدن!
وكان خارجاً من سلطان لسانه..
لا يقول.. ما لم يعلم
ولا ينازع.. فيما يعلم !
وكان خارجاً من سلطان الجهالة..
فلا يقدم أبداً.. إلا على ثقة بمنفعة
وكان أكثر دهره.. صامتاً ! فإذا نطق.. بذ
القائلين.!
كان يرى.. متضعفاً مستضعفاً
فإذا جاء الجد.. فهو الليث عادياً !!
وكان.. لا يدخل في دعوى ولا يشترك في مراء
ولا يدلي بحجة
حتى يرى.. قاضياً عادلاً وشهوداً عدولاً...
وكان.. لا لوم أحد على ما قد يكون العذر في
مثله.. حتى يعلم ما اعتذاره.!
وكان.. لا يشكو.. وجعاً إلا لمن يرجو عنده
البرء..
وكان.. لا يستشير صاحباً لا من يرجو عنده
النصيحة.!
وكان.. لا يتبرم ولا يتسخط ولا يشتهي ولا
يشتكي !
وكان.. لا ينتقم على الوليِ ولا يغفل عن
العدو
ولا يخص نفسه عن إخوانه بشيء من.. اهتمامه
وحيلته وقوته !
- أعدل السير أن تقيس الناس بنفسك فلا تأتي
إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك.
- إن وجدنا الناس قبلنا.. كانوا أعظم أجساماً
وأعظم مع أجسامهم أحلاماً وأشد مع قوتهم للأمور امتحاناً.. وأطول أعماراً وأطول
بأعمارهم للأشياء اختباراً..
* من كتاب "الأدب الكبير"
جريمة أمة
لقد كان الإحسان في مصر كثيراً في عصر الاكتتابات
والحفلات وفي العهد الذي تسجّل فيه حسنات المحسنين على صفحات الصحف تسجيلا يشهدهُ
أربعة عشر مليونا من الشهود، أما اليوم وقد أصبح كل امرئ موكولاً إلى نفسه ومسؤولاً
أمام ربه وضميره أن يتفقد جيرته وأصدقاءه وذوي رحِمِه ويتلمس موضع خلاتهم وحاجاتهم
ليسدّها، فهاهم الفقراء يموتون جوعاً بين تلال الرمال وفوق شقاق الجبال من حيث لا
رحمة ولا معين، لقد كان في استطاعة تلك المرأة المسكينة أن تسرق رغيفاً تتبلّغ به
أو درهما تبتاع به رغيفاً، فلم تفعل لأنها امرأة شريفة تفضل ان تموت بحسرتها على
أن تعيش بعارها، فما أعظم جريمة الأمة التي لا يموت فيها جوعاً غير شرفائها
وأعفّائها.
* من كتاب النظرات