يبدو أن فرنسا
عادت لتصبح أول تهديد لأمن الجزائر، بسبب سياساتها العقيمة في منطقة الساحل
الإفريقي، وإذا كانت باريس قد اكتشفت أنها أخطأت كثيرا في تقدير حجم الخطر الذي
يواجه جيشها في مالي، فإن الجزائر هي المتضرر الأكبر من تلك السياسة الرعناء التي جعلت
بلادنا عرضة مباشرة لخطر مئات المسلحين المنضوين تحت ألوية جماعات مختلفة..
وأطلق العديد من
الخبراء في الأيام الأخيرة صيحات تحذير من تنامي خطر الفوضى قرب الحدود الجنوبية
للجزائر، وتبدو بلادنا مطالبة بمزيد من اليقظة، خصوصا إذا علمنا أن شريطها الحدودي
الشرقي ليس في مأمن أيضا، نتيجة ما تشهده ليبيا وتونس من فوضى أمنية تنذر بعواقب
وخيمة، تضاف إليها الفوضى التي نتجت عن العبث الفرنسي في شمال مالي، لتواصل
"فافا" بذلك توريط الجزائر بكل السبل المتاحة..
ألكسي دوليان السفير الروسي في مالي أكد مؤخرا أن
هناك تجمعا كبيرا للجماعات المسلحة في المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية مؤكدا أن
هذه الجماعات لا تزال تحافظ على قوتها بالرغم من العمليات العسكرية التي استهدفت
بعضها، يأتي هذا في وقت تواصل فيه القوات الفرنسية تنفيذ مخططاتها العسكرية في الأراضي
المالية والتي بدأت تكشف عن فشل ذريع لاسيما بعد الإعلان عن التكلفة الباهظة
للعمليات خلال 15 يوما فقط، وتسرب بعض صور جرائم الإبادة العرقية التي يتعرض لها
سكان الشمال من العرب والطوارق بدعم من القوات الفرنسية والجيش المالي.
حذر ألكسي دوليان
السفير الروسي في باماكو خلال مقابلة مع إذاعة (صوت روسيا) من خطر الجماعات
المسلحة التي تنشط في الشمال المالي مؤكدا أن بعض المسلحين المنتمين إلى هذه
الجماعات والذين وصفهم بالراديكاليين قد انتقلوا إلى البلدان المجاورة مثل
موريتانيا والنيجر "وهم بانتظار اللحظة المناسبة لإعادة تجميع صفوفهم ومواصلة
أنشطتهم" –على حد تعبيره – وأوضح في ذات السياق أن بعضهم تحصن في مناطق سرية،
ونبه الدبلوماسي الروسي إلى وجود تجمع كبير للمسلحين في المناطق المتاخمة للحدود
الجزائرية، داعيا إلى ضرورة تطهير المنطقة بأكملها من هذه الجماعات، وأشار دوليان
إلى أن عملية التطهير هذه "تتطلب وقتا طويلا" مضيفا بأن الأزمة القائمة
في مالي "لم يتم التغلب عليها بالرغم من أن العملية العسكرية جاءت في
وقتها"، وأكد السفير الروسي في سياق آخر أن من وصفهم بالجماعات المتشددة
المتمركزة على الحدود مع الجزائر ما تزال تحتفظ بقوتها بالرغم من العمليات
العسكرية المشتركة التي شنت ضد بعضها.
الحصاد الفرنسي
المر
ويبدو أن التدخل
الفرنسي في مالي قد بدأ يلفظ بنتائجه السلبية لاسيما على دول الجوار التي صارت
تعاني من زحف الجماعات المسلحة إلى حدودها، هذا إلى جانب الخسائر المعتبرة التي
منيت بها خلال حربها على مالي في وقت تحاول فيه الخروج من الأزمة الاقتصادية التي
تتخبط فيها منذ مدة، حيث وصلت تكلفة الحرب الفرنسية في مالي منذ أربعة أسابيع حسب
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى حوالي 70 مليون أورو، أي حوالي مليونين
ونصف مليون أورو يوميا، واعترف الوزير الفرنسي في حوار له مع قناة "بي أف
أم" الفرنسية أول أمس الخميس أن "هذا المبلغ يشكل عبئا على الخزينة
الفرنسية، لكنه في الوقت نفسه سمح بالقضاء على عدد كبير من الإسلاميين المتطرفين
في شمال مالي"، وأكد فابيوس في ذات السياق أن فرنسا لن تبقى إلى الأبد في هذا
البلد وستبدأ في تقليص عدد جنودها تدريجيا ابتداء من شهر مارس المقبل، موضحا أن
"هذا لا يعني أن فرنسا ستغادر كليا مالي، لكنها ستسلم المشعل للجنود الماليين
والأفارقة".
وأوضح وزير الدفاع
الفرنسي جان إيف لودريان في حديثه عن تكلفة الحرب على مالي أن 50 مليون أورو من
بين 70 مليون خصصت فقط لنقل القوات الفرنسية وعتادها العسكري، وأضاف في ذات الشأن
قائلا "لقد قمنا بإيصال حوالي 1000 طن من العتاد العسكري إلى مالي في غضون 15
يوما فقط"، مؤكدا أن 5 مليون أورو قدمت كعلاوات إضافية للجنود الفرنسيين
المتواجدين هناك.
وبالرغم من
الإيضاحات التي قدمها المسؤولون الفرنسيون حول نفقات الحرب على مالي إلا أن
المختصين يرون أن المبالغ المدفوعة جد باهظة فبالرغم من امتلاك وزارة الدفاع
لحوالي 600 مليون أورو تخصصها فقط لتمويل العمليات العسكرية الفرنسية في الخارج،
إلا أن صرف 70 مليون أورو خلال شهر واحد فقط يبدو مرتفعا نوعا ما مقارنة بما تم
صرفه خلال العمليات العسكرية في ليبيا والتي دامت سبعة أشهر، وهو ما جعل الحكومة
الفرنسية تبحث عن خيار ثان لدعم عملياتها العسكرية في مالي وذلك من خلال دعم إرسال
قوات أممية لحفظ السلام وأخرى إفريقية إلى شمال البلاد، في محاولة منها لتقاسم عبء
التكاليف مع بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تحت شعار محاربة ما
يعرف بالإرهاب.
ومن جانب آخر كشفت
بعض الصور المسربة وشهادات بعض النازحين إلى دول الجوار الممارسات اللاإنسانية
والتي تحظى بدعم من القوات الفرنسية والجيش المالي كالإبادة العرقية التي يتعرض
لها سكان الشمال من العرب والطوارق، بدعم متعدد الأشكال من القوات المالية
والفرنسية، وهي الممارسات التي دفعت ببعض القوى الدولية إلى المطالبة بتسليم قضية
الشمال المالي إلى هيئة الأمم والمتحدة وترك الدول الإفريقية تتولى مهمة استعادة
استقرار البلاد وأمنها حيث أكد نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف في هذا
الإطار في تصريح له بالعاصمة الايطالية روما نهاية الأسبوع أن فرنسا لم تكن تدرك
مدى خطورة الوضع حين اندفعت بقواتها للتصدي للخطر المخيم على مالي، مضيفا أن بلاده
لا تستبعد أن تقتضي الضرورة إرسال قوات دولية إضافية إلى مالي لتشارك في الجهود
الدولية لاستعادة استقرار البلاد، مضيفا "أن روسيا لا تعارض أن تواصل فرنسا
عمليتها الهادفة إلى محاربة الإرهاب في شمال مالي"، وأكد في نفس الوقت أن
بلاده ترى أنه من الضروري أن تقوم قوات إفريقية بهذه المهمة وفقا لقرار مجلس الأمن
الدولي 2085.
مئات المسلحين قرب الجزائر
من جهته كشف وزير
الشؤون الخارجية المالي تييمان كوليبالي في حديث خص به الموقع الالكتروني (أطلس
أنفو) أنه يوجد حاليا ما بين 5500 و7000 مسلحا ينشطون في شمال مالي٬ قائلا إن هذه
المجموعات "انضم إليها شباب دون آفاق٬ بمن فيهم الشباب الصحراويون في
المخيمات"، وأبدى وزير الخارجية المالي في ذات السياق ارتياح بلاده
"لحضور فرنسا بمالي في ظل الوضع الراهن" وأضاف قائلا "لدينا امتنان
عميق واعتراف صادق بالمساعدة التي تقدمها فرنسا"، مؤكدا أن استقرار السلم في
العالم مرتبط باستقرار هذه المنطقة في مالي٬ قائلا "إذا لم نتمكن من بث
الاستقرار في هذا الجزء من شريط الساحل والصحراء٬ فسيؤدي ثمن ذلك العالم بما فيه
فرنسا وأوروبا. إن جزءا كبيرا من دفاع وأمن أوروبا يتحدد حاليا عندنا في إفريقيا
وأعداء أنظمتهم السياسية والحضارية يتواجدون عندنا. وهم أيضا أعداؤنا لأنهم
يناهضون الحرية والديمقراطية. ولهذا فإن هذا الصراع مشترك٬ حيث إن مكافحة العصابات
الكبرى والإرهاب الكبير الذي يستند إلى الاتجار في المخدرات صراع نتقاسمه
جميعا".