المفكر السعودي مازن مطبقاني في حوار صريح جدا..
"أعشق الجزائر.. ومحال أن أسيئ إليها"
* الجزائر كغيرها من بلاد العرب
والمسلمين تحتاج أن تعود إلى الإسلام وتطبّقه
* لا أعرف مفكراً عاقلاً ينصح بربيع هنا
وخريف هناك
* الربيع العربي هو الطريق إلى فلسطين
وبورما
*
يحزنني هدم آثار الرسول بدعوى التوسعة
ألقينا القبض عليه "متلبسا" بتهمة الإساءة للجزائر،
وإخراج الجزائريين من ملة الإسلام، بعد أن نشر تغريدة على موقع تويتر دعاهم فيها
إلى "استعادة العربية والإسلام"، وانتزع "حكم البراءة" بعد
"مرافعة" قصيرة أقرّ فيها بأن التعبير قد خانه، وأنه لم يقصد الإساءة
للجزائريين الذين يحب بلادهم كثيرا، وكانت تلك "الإساءة غير المقصودة"
نقطة انطلاق لحوار مطول معه.. إنه الأستاذ مازن مطبقاني، المفكر السعودي "المشاغب"
المولود بالأردن، والباحث المتخصص في الاستشراق، يقول أنه يحب الجزائر إلى درجة
أنه يشعر كما لو أنه جزائري ولا عجب بعدئذ أن يقسو في انتقاده عليها، كما يفعل
أبناؤها.. ويروي في هذا الحوار "قصته" مع الجزائر التي يزورها باستمرار
منذ سنة 1983، كما يتحدث عن رؤيته لكثير من القضايا التي تشغل العرب والمسلمين راهنا،
وفي مقدمتها "الربيع العربي"..
أجرى الحوار: الشيخ بن خليفة
* كيف يقدم مازن نفسه للقارئ
الجزائري والعربي عموما؟
ولدت في مدينة الكرك بالأردن في 3 جمادى الآخرة 1369هـ
الموافق 22 مارس 1950م (كانوا في الأردن في ذلك الحين يسجلون المواليد) وكان جدي
قد انتقل إلى الأردن في الحرب العالمية الأولى حينما أجبر فخر الدين باشا الوالي
العثماني سكان المدينة المنورة على الهجرة فيما عرف بـ(سفر برلك) وتلقيت التعليم
الابتدائي في مدينة الكرك أولاً في المدرسة الابتدائية التي كانت الدراسة فيها حتى
الصف الرابع ابتدائي، ثم انتقلت إلى مدرسة الكرك الثانوية وكانت الدراسة فيها من
الخامس ابتدائي حتى الثالث الثانوي.كنت متفوقاً في دراستي وأنافس دائماً على
الترتيب الأول في الصف حتى قام أحد المدرسين في الصف الخامس ابتدائي بمساعدة طالب
نصراني ليأخذ علامات أكثر مني انتظرته خارج المدرسة ورميت عليه الطماطم أو البندورة
كما يقول الشوام.
ثم انتقلت إلى
المدينة المنورة مع اسرتي عام 1382هـ واختبرت الشهادة الابتدائية في الدور الثاني
ذلك العام ونجحت (مازلت أحتفظ بالشهادة الابتدائية)
وكانت متوسطة عمر بن الخطاب قريبة من بيتنا في المشرفية فالتحقت بها، وسرت في دراستي من الأوائل لولا تغير طبيعة الدراسة والدراسة على أيدي المصريين والسماح بالغش في الاختبارات والاعتماد على الملخصات ثم طبيعة الحياة الاجتماعية والغربة لبعض السنوات أدت إلى تأخري قليلاً دون أن تؤثر في نفسيتي وروحي التي تتوق إلى المقاعد الأولى...
وكانت متوسطة عمر بن الخطاب قريبة من بيتنا في المشرفية فالتحقت بها، وسرت في دراستي من الأوائل لولا تغير طبيعة الدراسة والدراسة على أيدي المصريين والسماح بالغش في الاختبارات والاعتماد على الملخصات ثم طبيعة الحياة الاجتماعية والغربة لبعض السنوات أدت إلى تأخري قليلاً دون أن تؤثر في نفسيتي وروحي التي تتوق إلى المقاعد الأولى...
وكان والدي رحمه
الله يبث فيّ روح التفوق والتميز اللامحدود والطموح ومما حفظت منه قول المتنبي
يقولون لي ما أنت في كل بلدة وما تبغي أبتغي جلّ ما يُسمَى
وفي بداية المرحلة
المتوسطة كنت أتابع بعض أعداد مجلة العربي فقرأت ذات مرة مقالة للدكتور أحمد زكي
رحمه الله موضوعها ما معنى أن تكون رجلاً يشار إليك بالبنان، وكأنه كان يتحدث عن
الإبداع والتفوق حتى يصبح الشخص علماً في تخصصه. كما قرأت في مرحلة الابتدائية قصص
الأنبياء وتلك القصص لا شك تبعث في النفس حب التميز والصلاح والدعوة. ومما قرأت في
المرحلة المتوسطة كتابي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (رجال من التاريخ) و(قصص من
التاريخ)..
ولما
أنهيت المرحلة الثانوية كان طموح الشباب في سنّي أن يدرسوا الهندسة أو الطب،
وحاولت الحصول على بعثة من وزارة الدفاع لدراسة الطب ولكني فشلت وما زلت لا أعرف
سبب عدم قبولي. ولكن حصلت على بعثة لدراسة الإدارة الصناعية في الولايات المتحدة
الأمريكية ولم أكن أعرف ما الإدارة الصناعية وكان متاحاً للمبتعث أن يغير تخصصه
كما يشاء. فشرعت في دراسة المواد العلمية التي يمكن أن تقود إلى دراسة الطب أو الهندسة،
ولكن بعد أن أمضيت خمس سنوات أحاول البحث عن تخصص وعن مجال أحصل فيه على شهادة فمل
أستطع، فقررت العودة دون شهادة، ولكنّي درست اللغة الإنجليزية دراسة جيدة حتى إنني
درست العديد من المواد في الأدب الإنجليزي بل أوشكت أن أحصل على البكالوريوس.
وأتيحت لي الفرصة للحصول على شهادة من بعض الكليات التي ليس فيها علم وإنما مجرد
الحضور يكفي، ولكني رفضت والأخطر من هذا كله أنني أصبت بقناعة رفض الشهادات وأن
العلم أهم من الشهادة.
فوجئت بعد
عودتي أن المجتمع يعترف بالشهادات أكثر من اهتمامه بالعلم فكان الحصول على وظيفة
أمراً صعباً، ولولا أن سخّر الله عز وجل لي وساطة لما وجدت عملاً في الخطوط
السعودية التي اعترفت بما درست في أمريكا وكانت معرفتي باللغة الإنجليزية عاملاً
مساعداً في تطوري في تلك الوظيفة.
وهنا قررت
أن أواصل الدراسة وكان أمامي أن أتخصص في اللغة الإنجليزية أو التاريخ أو علم
الاجتماع أو الإدارة والاقتصاد فاخترت التاريخ،ومن الأمور المهمة في مسيرتي
العلمية أنني بعد رجوعي من أمريكا وجدت فراغاً في أثناء البحث عن وظيفة فبدأت
مشروع قراءة كتاب كل يوم فقرأت كتابات أبي الحسن الندوي رحمه الله ومحمد محمد حسين
وأبي الأعلى المودودي وسيد قطب ومحمد قطب وسعيد حوى ويوسف القرضاوي. فبدأت حياتي
الفكرية تتجه اتجاهاً عكس ما كنت عليه عند عودتي من أمريكا من الإعجاب بالغرب
والانبهار به.
وفي عام
1395هـ(1975) نشرت مقالة في صحيفة المدينة المنورة بعنوان (عندما تصبح القيم فريسة
للمادة) بتشجيع من الأستاذ سباعي عثمان رحمه الله (محرر الصفحة الأدبية)، ثم تشجعت
فراسلت مجلة المجتمع لنشر مقالات بعنوان (مشاهدات عائد من أمريكا) فنشرت ثلاث
حلقات بعنوان خاص لكل حلقة. وهذه المقالات جمعتها في كتاب بعنوان (رحلاتي إلى
أمريكا) وقامت بنشره مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض عام 1425هـ
واصلت الدارسة بعد
البكالوريوس للحصول على الماجستير في التاريخ الحديث، وأكرمني الله عز وجل بأن
وفقني للبحث في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية
الجزائرية فكانت فرصة لتزويدي ليس فقط بالمعلومات التاريخية بل أيضاً بثقافة شرعية
طيبة حيث قرأت كثيراً من كتابات الشيخ عبد الحميد بن باديس في مجلة الشهاب
والبصائر والسنّة والصراط، كما قرأت في كتبه (مجالس التذكير من كلام الحكيم
الخبير) وكتابه (مجالس التذكير من كلام البشير النذير).
ثم التحقت بقسم
الاستشراق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية (فرع جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية)
عام 1406هـ، وحصلت على أول درجة دكتوراه يمنحها القسم بعد معاناة طويلة مع تسجيل
الموضوع وغير ذلك وكان ذلك في رمضان 1414هـ وكانت حول المستشرق الأمريكي الجنسية
البريطاني الأصل اليهودي الملّة صهيوني النزعة.
وفي أثناء دراستي
للدكتوراة التقيت بالدكتور محمد يعقوب تركستاني الذي كنت أعشق ملحقه (ألوان من
التراث) فتوطدت الصلة بيني وبنيه فكتبت كثيراً في هذا الملحق ونشرت العديد من
المقالات فيه. كما واصلت الكتابة والتأليف وكنت كما أصف نفسي كالقطار الذي خرج عن
سكته، فنشرت الكثير حتى نشر لي سبع كتب قبل أن أحصل على الدكتوراه هي:
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في
الحركة الوطنية الجزائرية.
عبد الحميد بن باديس العالم الربّاني والزعيم
السياسي
المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق
من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر
الغرب في مواجهة
الإسلام
تحقيق كتاب نبش الهذيان
من تاريخ جرجي زيدان
أصول التنصير في
الخليج العربي
مكة المكرمة
والمدينة المنورة (دليل موجز)
* أثرت بعض الجدل والكثير من الاستياء بين عدد من متابعيك الجزائريين حين
"غرّدت" على تويتر في ردك على "أخ جزائري" قائلا: "ألا
تريد أن يستعيد اقتصادكم عافيته وتتوقف السرقات وتستعيدون العربية والإسلام؟"
هل لنا أن نعرف خلفيات هذه
التغريدة؟ وهل كنت تتوقع أن تُغضب بعض الجزائريين؟
على الرغم من أن معرفتي بالجزائر تعود
إلى عام 1403هـ (1983م) من خلال الدراسة والزيارة والمعاشرة والصحبة، لكني لم أكن
لأظن أن عبارتي يمكن أن تثير كل ذلك الغضب، وربما لديّ حدة في الرأي وحرارة في
الطباع والانفعال أشبه به الجزائريين فظننت أنهم يتحملونني كما تحملت الكثير في
زياراتي، ولكن جلّ من لا يخطئ فقد أزعجت البعض عبارتي وحُق له أن ينزعج فإني لم
أقصد بها الإساءة ولكن أردت أن أقول إن الجزائر كغيرها من بلاد العرب والمسلمين
تحتاج أن تعود إلى الإسلام وتطبّقه تطبيقاً أفضل في حياتها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية، وأن تعود للغة العربية مكانها في البلاد العربية. وقد كتبت عن الهجمة
على اللغة العربية في بلادنا ما هو أقسى مما قلته عن الجزائر..
وفي الخلاصة أن في ما قلت بعض الصحة ولا
أحتاج إلى تفصيل.
* الظاهر أن لك "قصة من الجزائر".. نود أن نعرف قصتك مع بلد
المليون ونصف مليون شهيد؟
تقدمت لقسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة
الملك عبد العزيز بجدة بموضوع عن ثورة رشيد عالي الكيلاني 1941م من الوثائق
البريطانية وبعد مدة رُفض الموضوع لزعمهم أنه تدخل في شؤون بلد عربي آخر، فاقترح
الدكتور لؤي يونس البحري (عراقي) موضوع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها
في الحركة الوطنية الجزائرية لأن الموضوع في نظره لم يبحث لأنه عمل في الجزائر
فتقدمت به بعد أيام من البحث في مكتبة الجامعة الفقيرة جداً ولكني استطعت أن أُقنع
القسم بأنه جدير بالبحث. وتمت الموافقة عليه وكنت وقتها موظفاً بالخطوط السعودية
فبدأت أول رحلة إلى الجزائر في شوال عام 1403م (يوليو 1983م) وحضرت ملتقى الفكر
السابع عشر في قسنطينة وبدأت التعرف على رجال الجمعية من أمثال حمزة بوكوشة ومحمد
صالح رمضان وعلى المغربي وأحمد حماني وأحمد بن دياب وتعرفت إلى بعض الصحفيين من
أمثال على مراح وعبد القادر ربّاني ومحمد شيوخ، وزرت المكتبة الوطنية وزرت
المكتبات التجارية واشتريت كل ما وقعت يدي عليه من كتب عن تاريخ الجزائر الحديث.
وتوالت زياراتي في كل عام مرة أو مرتين
حضرت الملتقى الواحد والعشرين في بوحنيفية بولاية معسكر وزرت البليدة وعند إنجاز
الرسالة أحضرتها شخصياً للدكتور أبو القاسم سعد الله للمراجعة النهائية ثم
للمناقشة.
وبعد حصولي على الدرجة عدت أزور الجزائر
لأحضر ملتقيات يوم العلم التي كانت تعقد كل سنة فحضرت منها ملتقيين عام
1988و1989حتى انفجرت الأحداث في الجزائر فلم أعد سوى عام 2000 في ملتقى خاص
بالاستشراق في جامعة وهران قسم الحضارة والتاريخ. ثم كان أن حضرت ملتقيين في
تلمسان أحدهما عن الاستشراق والآخر عن مالك بن نبي رحمه الله في السنة التي كانت
فيها تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية.
* متى كانت آخر زيارة لك إلى
الجزائر؟ ماذا أثار اهتمامك وانتباهك؟
آخر زيارة كانت في مايو 2012 م لحضور الملتقى
الدولي "الفكر السياسي عند الإمام الشيح عبد الحميد بن باديس" وقدمت
ورقة بعنوان (العلماء والسياسة "عبد الحميد بن باديس أنموذجاً) وكانت الزيارة
قصيرة أيام 19 و20 مايو 2012م، ولكن لفت انتباهي هذه المرة والمرات السابقة اهتمام
الجزائريين بالعلم وبالنشر والروح الإسلامية الأصيلة وهذه لمستها من أيام حضوري
لملتقيات الفكر الإسلامي منذ عام 1983م وكذلك الاشتراك بين القطاع الخاص والعام
والمؤسسات الحكومية في رعاية العلم والعلماء. وشهادتي في الجزائر مجروحة وانتقادي
للجزائر قد يكون قاسياً لأنني كما يقول الجزائريون (ولّيت جزائري) وحبك الشيء
يُعمي ويُصم، وعين الرضا عن كل عيب كليلة. فتمسك الجزائريين المتمسكين وهم ليسوا
قلة جميل ويدعو للفخر والاعتزاز.
* زرت بلدانا مسلمة عديدة. ما موقع "إسلام الجزائريين"، من
غيرهم؟
لعلي أجبت في السؤال السابق بأنني من شدة
حبي للجزائر أقول دائما ً أنا والجزائر كمن وجد قلباً خالياً فتمكنا، لم أجد المظاهر
التي ترافق السياحة من ألوان الفساد، وربما لأنني لم أرتد تلك الأماكن. لكن وضع
الجزائر جميل وأتمنى لها مزيداً من التمسك بالإسلام وباللغة العربية فمن يعرف جهاد
الجزائريين وتضحياتهم يأسف أن يرى أي ضعف في التمسك باللغة العربية، ولكن كما نقول
:كلنا في الهمّ شرق.
* علمنا أنك بصدد تأليف كتاب أو أكثر عن الجزائر.. لماذا وماذا ستكتب عن
الجزائر؟
أمضيت شهور الصيف في مدينة صغيرة في المغرب ذات
جو عليل وهادئ لاستكمال ترجمة رسالة دكتوراة عن الشيخ عبد الحميد بن باديس أنجزت
في مارس عام 1971 نبهني إليها الدكتور أبو القاسم سعد الله في أول لقاء لي به في
الجزائر وحصلت عليها وكانت من مراجعي في إعداد رسالة الماجستير لكني كنت أنتظر أن
يتصدى لها أحد أبناء الجزائر، ولكن أراد الله أن يكون هذا العمل من نصيبي فله
الحمد والمنة. وقد حثني كثيراً الأخ نصر الدين العرابة الذي يعمل في إحدى قنصليات
الجزائر على القيام بالترجمة وقد قطعت على نفسي وعداً أن أنجزها بحلول شهر سبتمبر
2012 وقد أتممتها في مدينة إفران قرب فاس في الموعد المحدد،
ولي كتاب آخر بعنوان (رحلاتي إلى المغرب
العربي :المغرب والجزائر وتونس) وقد سلّمته لناشر في الجزائر وأرجو أن يكون جاهزاً
بحلول معرض الكتاب الدولي في شهر سبتمبر هذا العام ومع ذلك فقد أقوم بطباعته هنا
في المملكة أو مصر بإذن الله.
* تنادون بربيع يشمل كل بلاد العرب. ألا تخشون تكرار سيناريوهات الفوضى
والدمار التي عشناها ونعيشها في عدة دول؟ وماذا عن ربيع الخليج العربي؟
الربيع الربيع ما أروعه من فصل يسبقه
الشتاء بأمطاره ورعده وبرقه وسيوله وربما فيضاناته ويسبقه الخريف برياحه وتساقط
أوراق الشجر ففي الربيع تتفتح الزهور وتبدأ الثمرات في التكون لفاكهة جميلة، لذلك
فالربيع مطلوب جداً ومرغوب جداً. فقد عانت وتعاني بلاد عربية كثيرة من عربدة القوة
واستبداد الطغيان والظلم ومن الأزمات الحياتية التي لا تنتهي لا نأكل مما نزرع على
الرغم من خصوبة بلادنا ويصنع أعداؤنا القماش الذي نخيط منه ملابسنا بل يصنعون أزياءنا،
وأما سلاحنا فنحن مساكين عالة على الشرق والغرب يعطوننا السلاح بأغلى الأثمان حين
يجددون سلاح قواتهم يبيعوننا سلاحاً قد أكل عليه الزمان وشرب وفي الغالب يكون
قريباً من الخردة ويشترطون علينا نقاتل من بذلك السلاح وإن احتجنا إلى قطعة غيار
التمسنا منهم بذلة وانكسار أو بأموال طائلة يضيع جزءاً منها في العمولات التي
يعدونها حراماً في بلادهم ويتعاملون بها عندنا.
الربيع يا سيدي هو الحياة والحرية
والكرامة، ودون الدخول في التفاصيل فالحرية كما علّمنا ابن باديس تؤخذ ولا تعطى
منّة من الغاصب وكان الغاصب قديما عدونا وأجنبياً وأصبح الغاصب اليوم من أبناء
جلدتنا.
أما ما يخوفوننا به من الفوضى فالحرية
لها ثمن والكرامة لها ثمن وصدق الشاعر العربي
لا
يسلم الشرف الرفيع من الأذى .. حتى تراق على جوانبه الدم
أرأيت إلى بلال بن رباح رضي الله عنه
وإلى سمية وزوجها ياسر وابنهما عمّار كم دفعوا من أجل الحرية والكرامة. لا يا سيدي
مهما كان الثمن فإنها تستحق أما ما يخوفوننا به من الفوضي فبعض الحياة موت أو بعض
الحياة حياة السائمة ليست حياة.
* بعض الدعاة والمفكرين والعلماء يدعون إلى "ربيع عربي" في
بعض الدول، ولكنه يرفضون أي ربيع في دول أخرى.. لماذا يفعلون ذلك برأيك؟
لا
أعرف مفكراً عاقلاً ينصح بربيع هنا وخريف هناك أو صيف حارق في مكان آخر فلو كان
مفكراً عاقلاً لساوى بين البلاد العربية جميعها فعندما تحرر العرب قادوا العالم
حتى قال الشاعر كنا نملك أرزاق الأرض فنعطي ونمنع كما تفعل بنا أمريكا أو روسيا
اليوم.
* في ظل تعقد المشهد السوري واستمرار إراقة دماء السوريين. ما هو الحل
في تقديركم؟
من الصعب على الإنسان أن يفكر في حل غير زوال
الطاغية وزوال كل الطغاة التي يشاهدونه ينحر الشعب السوري بلا رحمة ولا هوادة
ويدعمه كل من إيران وذراعها حزب الشيطان وروسيا والصين وفوق ذلك كله وقبله دولة
يهود يتخوفون من دولة إسلامية لا قبل لهم بها.
* ماذا عن البحرين، ولماذا يتجاهل الإعلام العربي، وبخاصة الخليجي،
الحراك الشعبي في البحرين؟
زرت البحرين قبل مدة وقبل بداية الربيع
العربي في اي مكان وسألت صديقي الصحفي في صحيفة الوقت أين يقطن الشيعة وكم تقدر
عددهم؟ فذكر لي ارتباطهم بالاحتلال البريطاني وتسلمهم مناصب مهمة في خدمة الاحتلال
وأن نسبة منهم تسللت من إيران وقويت وكبر عددهم ولكنهم يظلون أقلية، ولئن اضطهد
الشيعة فلم يكونوا وحدهم الذين عانوا ويعانون، ولكنهم أعلى صوتاً ويجدون تأييداً
خارجياً. ومع ذلك فلن أقطع برأي ما دام الإعلام يصنعه غيرنا ونحن في الغالب نتلقى
وننقل.
وبما أنني أعيش قريباً من ذلك المكان
وزرته ورأيت النفوذ الفارسي عرفت أن جزءاً من المشكلة ليس محلياً ولكنه عنف
مستورد. فإن اضطهد الشيعة فغيرهم لم يسلم من الأمر نفسه.
* أليس من المفترض أن يبدأ الربيع العربي
الحقيقي بأخلقة الحياة الاجتماعية ونشر قيم الإسلام بين الأفراد أولا قبل المطالبة
بأي تغيير سياسي؟
من الصعب أن تحدد كيف يبدأ الربيع طالما التزمت
الشعوب بالأخلاق وبالصمت حتى عاشت في صمت يشبه صمت القبور فظهر لها أن التغيير
السياسي هو المنطلق لتغيير شامل في الحياة في جميع الجوانب.
* ما تقييمك لتجربة حكم الإخوان في تونس ومصر؟
من الصعب الحكم على تجربتين ناشئتين في
أجواء عدائية من الداخل والخارج ولم يمض عليها وقت طويل، ولكني أنظر إلى تجربة
الإخوان على مدى ثمانين سنة من 1928 حين أسس حسن البنا رحمه الله الحركة وما قامت
به من جهود في حماية الهوية وفي نشر العلم وفي العمل الاجتماعي، ويقولون والفضل ما
شهدت به الأعداء فقد حضرت دورة في معهد بروكنجز بواشنطن العاصمة وتحدثت رئيسة
المعهد أو مركز صابان لدراسات الشرق الأوسط عن عمق جذور الحركة في كل من تونس ومصر
وتغلغلها إلى كل الطبقات ودقة تنظيمها، فلا تتعجلوا الحكم عليهم فقد عرفت الدول
العربية حكم العسكر طويلاً والحكم العلماني المتغرب فلتجرب الحكم الإسلامي وليكن
صندوق الانتخاب هو الفيصل. وقد أكد لي رئيس قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة
برنستون هيث لوري أن الغرب قبل كل أنواع الحكم في العالم الإسلامي ولا يتقبل أن
يصل الإسلاميون إلى الحكم.
* بصفتك متخصصا في الدراسات
الإسلامية عند المستشرقين.. هل لك أن تخبرنا ولو باختصار: كيف تُصنع صورة الإسلام
في الغرب؟ ولماذا بات الإسلام اسما لصيقا بالإرهاب؟
هذه قصة طويلة تعود إلى قرون عديدة حين نشأ
الاستشراق في احضان الكنيسة ثم انتقل الاهتمام به إلى الدوائر الاستعمارية حين بدأ
الغرب باحتلال الدول ونهب خيراتها وتغريب أبنائها وإنشاء الجامعات والمعاهد
والمدارس لمحو الهُوُية العربية الإسلامية وابتدع قضية الابتعاث التي كانت من بنات
أفكاره حتى إن الدكتور أحمد بن نعمان ذكر في حديث تلفزيوني أن ديغول حين وجد أنه
مضطر للقبول باستقلال الجزائر قدّمت فرنسا ثلاثين ألف منحة للشباب الجزائري
للدراسة في الجامعات الفرنسية.
وأما ربط الإسلام بالإرهاب فتصنع هذه
الصورة بالتعاون بين جامعات ومعاهد ودور سينما واستخبارات غربية مع أنظمة عربية
تابعة للغرب. وإلّا فكيف يوصف عمل يقوم به مسلم إرهابي ويقوم عشرات أمريكان أو غيرهم
بأعمال مماثلة ولا يُطلق عليها إرهاب.
ويستمرون في صناعة الصورة لغيابنا
المتعمد عن ساحات الحوار والنقاس والساحات الأكاديمية الغربية المنفتحة عادة لكل
الآراء لكننا لا نكلف أنفسنا في اقتحام تلك الميادين الرحبة للتأكيد أن الإرهاب
والإسلام متضادان، وأن الإسلام حقيقة هو دين السلام والعدل، ويتساءل صديق هل وجدت
في تاريخ السنّة قيام مجازر كما يفعل الشيعة وكما يفعل الغربيون منذ احتلوا أمريكا
وابادوا سكانها الأصليين في الشمال والجنوب وكما حدث في أستراليا؟
* يتعرض الإسلام في الغرب إلى حملة شعواء جعلته قرينا للإرهاب. وجاء
اعتداء بوسطن الأخير ليغذي هذه الحملة، رغم عدم توضح هوية الواقفين وراءه.. ألا
تعتقد أن بعض المنتسبين للإسلام يتحملون بعض مسؤولية هذه الحملة، وما رأيكم في فكر
"القاعدة"؟
ليس هناك مرجع علمي يوضح فكر القاعدة فكل
من يرى الغرب محتلاً مهيمناً مسيطراً لا بد من مواجهته يطلق عليه القاعدة وإني
لأتخيل هذه "القاعدة" مثل ما قال العرب الغول والعنقاء والخل الوفي من
المستحيلات.
* بعض المرجعيات الفكرية والدينية في المشرق، وخصوصا في الخليج العربي،
ترى أن الشيعة أخطر من بني صهيون.. هل أنتم مع هذا الطرح؟ وكيف يمكن إحداث التقارب
المأمول بين السنة والشيعة؟ ولماذا تتردد بعض المرجعيات الشيعية في إنكار التطاول
على الصحابة وأمهات المؤمنين برأيك؟
لن أجيب بالتفصيل يكفي ان ترجع إلى
التاريخ وترى أين وقف الشيعة منذ الدول العبيدية أو الفاطمية من الصليبيين أو من
المغول أو من الاحتلال الأوروبي، ومن دراسة عقائد الشيعة وعلاقاتهم باليهود
اعتقاداً يكفي أن تعرف ما يعتقده القوم، وكذلك انظر إلى الخرافات التي ينشرونها في
القرن الواحد والعشرين عن إمام اختفى في سرداب (يرددون عجّل الله فرجه) أو عن
عملياتهم المتوحشة في عاشوراء بضرب أنفسهم بوحشية بالسلاسل حتى جعلوا الإسلام
أضحوكة للعالم وبسؤال بسيط وماذا يفيد الحسين عليه السلام من شخص يُدمي نفسه أو يقتلها؟
* تعيش الأمة الإسلامية واحدا من عصورها العصيبة جدا، وتواجه سيلا من
الفتن التي جعلتها تتفرق طوائف وشيعا.. يقاتل بعضها بعضا.. ما مدى مسؤولية العلماء
والدعاة في تشتيت الصف الإسلامي، وما أفق هذا الوضع الصعب في تقديركم؟
العلماء يتحملون المسؤولية الأولى والكبرى
وإن لم يتحملها العلماء فليس الدهماء من يقوم بها، ليس تقليلاً من شأن أحد ولكن
العلماء هم مصابيح الأمة في ليلها الداجي وقد طالما كانت الأمة عزيزة ما قام
العلماء بمهمتهم ومسؤوليتهم. ولنتذكر أن الحكام كانوا علماء أيضا، وكانوا يقربون
العلماء ويسمعون كلامهم ورأيهم. وما ازدادت الفتن والخلافات والانشقاقات إلّا
بتخلي العلماء عن دورهم.
وفي وقت بدأ العلماء ينتقدون ويوجهون قام
بعض الحكام بالاعتقال والسجن والتعذيب وهذا معروف في سائر البلاد العربية. وعندما
مال بعض العلماء فباعوا دينهم بدنيا غيرهم وتخلوا عن مسؤوليتهم تفرقت الأمة
وتشرذمت، وهذا واضح في شتى بقاع البلاد العربية فظهر عندنا علماء (وجلد ظهرك وأخذ
مالك ) فنشروا في الأمة ثقافة الخنوع والخضوع، ونشروا ما سموه نصيحة السر (خذ
بيده) أين هو حتى آخذ بيده؟
وما
أجل العلماء أمثال العز بن عبد السلام رحمه الله وعبد الحميد بن باديس وعز الدين
القسام وما أجمل ما كتب محمود شاكر رحمه الله عن العلماء في عهد المماليك في مصر
حين فرضوا على المماليك أن يعيدوا الحقوق ويتعهدوا بعدم الظلم حين أعلنوا العصيان
المدني، لقد كانوا علماء بحق.
ولما رأى أبو حامد الغزالي العلماء قد
تخلوا عن مكانتهم خاطبهم
يا قراء البلد أنتم الملح فما يُصلح
الملح إذا الملح فسد
وقد أعلى القرآن الكريم من مكانة العلماء
في قوله تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء)
* ألا ترى أن ما يسمى بالربيع العربي قد شغلنا عن بعض القضايا الأساسية،
وفي مقدمتها فلسطين، وكذا مأساة مسلمي بورما؟
الربيع
العربي هو الطريق إلى فلسطين وبورما وغيرها ألا ترى أن الشعوب غير الحرّة التي لا
تملك خيارها ولا تملك تولية زعمائها وعزلهم لا تقدر أن تحرر شبراً. إن شعوباً
مشغولة بالبحث عن لقمة العيش وتعيش في بلاد (بحار تشكو الري وصحارى تشكو الظمأ)
وتعيش كرامة مدفونة لا يمكن أن تحارب أو تقاتل. ألم تقرأ لمّا قيل لعنترة:كُر،
قال: "العبد لا يُحسن الكر وإنما يُحسن الحلب والصر" فقيل له :"كر
وأنت حر"
* تواجه
العديد من البلدان العربية إلى هجمة تنصيرية شرسة، وتستغل بعض الجهات الكنسية،
المرخصة وغير المرخصة، جهل وفقر بعض المسلمين لحملهم على الردّة. ما المطلوب من
الحكومات لحماية أبنائها من الضلال المبين؟
عندما تحكم الغرب في حكوماتنا ومنع العمل
الخيري الإسلامي وجمّد الأرصدة وراقب العمل الإسلامي وفتح المجال أمام العمل
التنصيري الذي تدعمه الحكومات الغربية ويحقق أهدافها في الهيمنة والسيطرة على
الشعوب فراح المنصرون يستغلون كل ثغرة في بلادنا لينشروا خرافات التنصير. وقد
ترجمت يوماً ما تاريخ البعثة العربية (تمويها وإلّا فهي الأمريكية) من 1889 حتى
1974 ورأيت الصلة القوية بين التنصير والدول الغربية بل كانت الدول تفرض على
الحكام أن يقبلوا بالمنصرين ويفتحوا لهم المجال. وقد بدأت حملة في تويتر تطالب
برفع الحظر عن العمل التطوعي والنشاطات الإنسانية في المملكة.
* لاحظنا نبرة حزينة في حديثك عن عملية توسعة الحرمين المكي والمدني،
ويبدو أنك متحفظ على العملية برمتها.. ألا ترى بأن الأمر ضروري؟ وهل صحيح أن هناك
"تعديا" على بعض الآثار الإسلامية لأغراض تجارية؟
جئت إلى المدينة وأنا ابن الثانية عشرة
وسرت في شوارع المدينة وأزقتها وحاراتها استنشقت عبق الماضي الجميل والمعمار
الأنيق فجاءت البلدوزرات والرافعات لتهدم وتهدم ولا تترك أثراً حتى ما كان بعيداً
عن ساحة الحرم لتبني غابات الاسمنت المسلح فنادق النجوم الخمس لينزل فيها
الأغنياء، وقد كان بإمكانهم ترك المكان على حالة من أماكن سار فيها النبي صلى الله
عليه وسلم وصحبه وبنيت في عهد الدول الإسلامية المختلفة ليكون الحرم مصدر ثراء
وغناء لفئة قليلة. وقد كان الحل لو عقلوا بسيطاً سهلاً شبكة من المترو أو القطارات
التحتية أو الحافلات وبنوا المساكن على بعد من الحرم ونقلوا الناس حتى بالمجان إلى
ساحات الحرمين في مكة والمدينة.
ماذا تقول عندما يحتفل العالم بأي قطعة
من أثار ونحن ندمرها تدميراً حتى الجبال التي قال الله فيها (يسألونك عن الجبال،
قل ينسفها ربي نسفاً) هذا يوم القيامة ولكنهم نسفوا حتى الجبال. والأنكى من ذلك أن
لأعمال التوسعات وبناء الفنادق الضخمة أثار سيئة على البيئة والطبوغرافيا.
ما هي رسالتكم للجزائريين،
وللمسلمين في بلاد الغربة.. وللمسلمين عموما..؟
أقول للجزائريين كانت بلادكم بركة في
حياتي العلمية وحتى الشخصية فإن قسوت فإنما هي قسوة محب، أقول لهم تمسكوا بإسلامكم
الذي واجهتم به أعتى استعمار منذ الأرض المحروقة التي ابتدعها الجنرال بيجو إلى
استعمارهم الجديد الذي أخذ أشكالاً عديدة. والتمسك بالإسلام يعني أولاً أن يعرف
الإنسان أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، وأن عليهم أن يسعوا إلى عمارة
الأرض حقاً وما أبدع ابن باديس حين فسّر قول الله عز وجل (أتبنون بكل ريع آية
تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) فأكد أنها المصانع الحقيقية لصناعة الأدوات والآلات
وما ذم شيئاً إلا لما يدخله من ظلم وطغيان. أما كيف يقودوا عملية الإصلاح ففي
الجزائر من العلماء والحكماء ما يوثق بهم لقيادة الأمة.