عتبة الدروس في البكالوريا.. هل تصبح جزءا من الماضي؟

ـ الشيخ بن خليفة ـ
وزيرنا للتربية يقول أن ما يسمى بعتبة
الدروس في امتحان البكالوريا ستصبح جزءا من الماضي بداية من الموسم القادم، وذلك
بهدف العمل على الرفع من مستوى التلاميذ، وهو اعتراف رسمي بضحالة مستوى التعليم
حاليا وبمساهمة التساهل الرسمي الكبير في هذه الضحالة..
لقد اعتاد تلاميذنا منذ سنوات على
تسهيلات كبيرة تجعل شهادة البكالوريا في متناولهم كلهم ـ إلا من أبى ـ وتحولت عتبة
الدروس إلى عتمة في رؤوس التلاميذ الذين صار في مقدورهم أن يعرفوا بشكل مسبق
بطبيعة مواضيع العديد من الاختبارات.. ولذلك وجد كثير من تلاميذ شعبة الأداب
أنفسهم تحت الصدمة وهم يطالعون أسئلة مادة الفلسفة التي لم يتوقعوها..
صدمة التلاميذ عادية جدا.. فالخوف من
الفشل صدمة والفشل صدمة مضاعفة.. ولكن تصرف هؤلاء التلاميذ بعد صدمتهم يشكل بدوره
صدمة كبرى للمتتبعين ولكل من كان يعلق على المنظومة التربوية في طبعتها الجديد ـ
طبعة بابا أحمد ـ بعض الآمال.. فحتى لو افترضنا أن القئمين على وزارة التربية
مارسوا "الحقرة" على التلاميذ، ووضعوهم أمام أسئلة لا قبل لهم بها، فإن
ذلك لا يبرر حالة التمرد والتخريب والغش الجماعي التي كانت العديد من ثانويات
القطر الوطني مسرحا..
ولا يمكن أن نجد لذلك تفسيرا معقولا
خارج رمزية "العتبة" التي تعكس حجم التساهل التربوي الذي حوّل مدارسنا
من مؤسسات للتربية إلى أماكن "للتغبية"، ومنتزهات لتمضية أحلى الأوقات..
والنتيجة "عتمة" شديدة السواد في رؤوس التلاميذ، وصداع كبير في رؤوس
المسؤولين الذين يتحملون القسط الأكبر في مسؤولية ما آلت إليه أمور مدارسنا،
وتتحمل بقية أضلاع المنظومة التربوية، من أساتذة وتلاميذ وأوليائهم، ووسائل إعلام،
ما تبقى من قسط في المسؤولية.. مسؤولية هذا الانهيار الكبير..
القشة التي قصمت ظهر البعير
من المعلوم أن انحدار المستوى العام
للتلاميذ في الجزائر ليس بالأمر الطارئ الذي ظهر فجأة في سنة 2013، بل يعود إلى
سنوات وسنوات خلت، ولكن الانحدار تحول إلى انهيار تام في الآونة الأخيرة، وأصبح
بعض الناجحين في الباك غير قادرين على بناء جملة مفيدة، وبعض خريجي الجامعات
عاجزين عن صياغة "طلب توظيف".
ويبدو أن القشة التي قصمت ظهر البعير
وسرّعت انهيار المنظومة التربوية هي الاستعمال السيء جدا للوسائط التكنولوجية
الحديثة، فبعد أن أصبحت التكنولوجيا في متناول "الجميع"، وبات الولوج
إلى شبكة الأنترنت متاحا لملايين التلاميذ، انفرط "العقد الأخلاقي"،
وخرج الجيل الحالي من المتمدرسين والمراهقين عن السيطرة، ليصبح الفايسبوك أهم
عندهم من دروسهم، وسط غياب شبه كامل لأدوات الرقابة، و"استقالة" شبه تامة
لأولياء التلاميذ.
ويضاف إلى ذلك عوامل أخرى ساهمت في
انهيار منظومتنا التربوية "المغبونة"، من أبرزها انقلاب سلم القيم في
المجتمع الذي كان يبجل العلم ويقدر المتعلمين، فأصبح لا يعترف ولا يتعامل إلا بلغة
المال.. بصرف النظر عن مصدره..
من يراقب من؟
إذا كان خلل المنظومة التربوية عميقا،
فإن العلاج يبدو بعيدا عن متناول الجزائر، على الأقل في الوقت الراهن، خصوصا إذا
علمنا أن مختلف أطراف وأطياف هذه المنظومة يواجهون تهمة "الرداءة
والتقصير"..
وزارة التربية متهمة باعتماد
"البريكولاج" وسياسة "كوّر واعط للعور" من خلال تسطير برامج
تربية غير مناسبة لتلاميذ الجزائر، ولا تلائم فئاتهم العمرية، ومتهمة أيضا بعدم
إعطاء عمال القطاع من أساتذة ومعلمين ومدراء ومفتشين ومراقبين وغيرهم حقوقهم
الاجتماعية، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على أدائهم.
ووزارة التربية متهمة أيضا
بـ"حقرة" تلاميذ وأساتذة وعمال كثير من المؤسسات التربوية الواقعة في
عمق البلاد، من خلال عدم توفير الحد الأدنى من ظروف التدريس، إلى درجة أن بعض
المدارس تغلق أبوابها حين يشتد البرد لعدم توفرها على أجهزة تدفئة..
وعمال القطاع متهمون ـ على العموم ـ
بالتقصير والإهمال ونقص الكفاءة، وتغليب مصالحهم المادية والمالية الخاصة على
مصلحة التلاميذ، بدليل تحول الدروس الخصوصية إلى تجارة رائجة تدر على أصحابها
مدخولا محترما..
والتلاميذ متهمون
بـ"التمسخير"، واللامبالاة بالدراسة، بينما يغرق أولياؤهم في
"مطاردة الخبزة"، أو في مطاردة "التشيبة" وما جاورها وقاربها
من "خبائث" تجعل الأولياء انفسهم بحاجة إلى من يراقبهم، فكيف نأمل أو
نرجو قيامهم بمهمة مراقبة أبنائهم المهددين بمستقبل مفتوح على أخطر الاحتمالات..
