القصاص.. القصاص
أثار حكم الإعدام الصادر عن محكمة جنايات قسنطينة يوم
الأحد 21 جويلية 2013، ضد كل من أمين
قواسم (38 سنة) وحمزة أوبيري (21 سنة) اللذين اختطفا وقتلا الطفلين هارون بودايرة
(10 سنوات) وإبراهيم حشيش (09 سنوات)، ردود أفعال قوية في الشارع القسنطيني خاصة والجزائري
عموما حيث أعرب المواطنون عن شعورهم بالارتياح لهذا الحكم الذي اعتبروه استجابة
لمطلب العامة وتنفيذا للعدالة الحقة.
وقد هزت حادثة
مقتل الطفلين هارون وابراهيم شهر مارس الماضي، الرأي العام الجزائري والطبقة
السياسية والمجتمع المدني بالبلاد، حيث ارتفعت أصوات تطالب بتطبيق عقوبة الإعدام
على مرتكبي هذه الجرائم ضد الأطفال، فيما طالب خطباء الجمعة، في مساجد عدة، بتطبيق
القصاص على المتورطين في هذه الجرائم.
ورأى عدد من الحقوقيين في حديثهم أجراه معهم "موقع
الإذاعة الجزائرية" أن الحكم بالإعدام في قضية قتل الطفلين هارون وإبراهيم،
يأتي تنفيذا لسلطة القانون. كما وصفوه بـ"الحكم العادل الذي يعتبر في مستوى
بشاعة الجريمة" مشيرين إلى أنه "حتى وإن لم ينفذ باعتباره قرارا سياسيا
إلا ان مجرد النطق به سيشكل رادعا قويا من شأنه تقليل ظاهرة اختطاف وقتل الأبرياء
التي انتشرت بشكل مرعب في الفترة الأخيرة".
خياطي: "تنفيذ حكم الإعدام مطلب
الأغلبية"
وفي هذا الصدد يرى رئيس الهيئة الوطنية لترقية وتطوير
البحث، البروفيسور مصطفى خياطي، أن التطورات الحالية على العموم تسير نحو إلغاء
حكم الإعدام ونحن كنشطاء مجتمع مدني مع ذلك، إلا أن حالات مثل قضية اغتيال الطفلين
هارون وإبراهيم ونظرا لبشاعتها جعلت طلب الحكم بإعدام مرتكبي الجريمة يكاد يكون
تلقائيا على المستوى الوطني، لأنه الحل الوحيد لإطفاء غضب عائلتي الضحيتين ومعهما
ملايين الجزائريين الذين تأثروا بشدة جراء ماحدث، بالإضافة إلى ردع هذا النوع من
الجرائم الذي تكرر بشكل ملفت في الفترة الأخيرة والذي راح ضحيته عدد من أطفالنا.
و قال خياطي: "حتى في حال عدم تطبيق حكم الإعدام،
إلا أن مجرد النطق به سيكون كفيلا بردع كل من تسول له نفسه بارتكاب مثل هذا الفعل
الشنيع، وهو ما يفسر مطالبتنا بإصدار أحكام قاسية وصارمة في هذه القضية لا تخضع
إلى العفو".
و أضاف أنه "في حال تطبيق حكم الإعدام فعليا وهو
احتمال قائم - يقول - بالنّظر إلى الضغط الشعبي واستجابة لمطلب ملايين الجزائريين
بالقصاص، فإن ذلك سيكون عبرة ودرسا لكل من يستخف بمثل هذه البشاعة ".
وأوضح البروفيسور خياطي: كنا نطالب منذ زمن طويل
بالصرامة في هذه الأمور، ورغم التوجه العالمي بإلغاء الإعدام، إلا انه في مثل هذه
الحالات الخاصة فإن احترام الديمقراطية يفرض علينا الخضوع لمطلب الأغلبية بتنفيذ
حكم الإعدام.
قسنطيني: "المؤبد أقسى من الإعدام"
من جهته قال رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية
وحماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني: " أعتقد أن الحكم كان بمستوى الجريمة
التي ارتكبت في حق الطفلين إبراهيم وهارون، وكنا ننتظر حكم الإعدام".
وأضاف:" ما دام أن الجزائر لم تلغي بعد حكم الإعدام
فإن القضاة قاموا بدورهم على أكمل وجه في هذه القضية، أما فيما يخص تنفيذ الحكم
بإعدام المجرمين فأن هذا الجانب يحمل صبغة سياسية يملك فيها أصحاب القرار السلطة
الكافية".
و تابع في تصريح لموقع الإذاعة الجزائرية:" شخصيا
أناضل من أجل إلغاء حكم الإعدام واستبداله بالسجن المؤبد وعدم استفادة المجرم من
أية إجراءات عفو، لاعتقادي الشخصي بان الإعدام أخف بكثير من السجن المؤبد الذي يظن
الكثيرون انه أمر بسيط لكنه في الحقيقة – يقول – أكبر عقاب يمكن أن يناله المجرم،
بحيث يقضي بقية حياته مذموما من طرف المجتمع وتحت تأنيب الضمير والندم والضغط الذي
سيتعرض له من طرف باقي المساجين، فكلها عقوبات قاسية اعتقد أنها أشد وقعا وتأثيرا
من أي شيء آخر.
و أضاف أن تكرار مثل هذه الجرائم سيفرض علينا إعادة
النظر في بعض المواد القانونية وهو ما كان قد أعلن عنه الوزير الأول بعد ارتكاب
الجريمة ضد الطفلين هارون وإبراهيم بقسنطينة.
اختطاف وقتل الاطفال بلغة الأرقام
بحسب أرقام صادرة عن مصالح وزارة الداخلية والجماعات
المحلية حول تصاعد ظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر، فقد تمّ تسجيل حوالي 30 حالة
خلال الثلاثي الأوّل من العام الحالي مما أدى إلى مقتل 4 أطفال، فيما وصل عدد
الحالات إلى 221 في 2011 منها 169 حالة متعلقة بفتيات قصّر، واستقرّ الرقم عند 204
حالة اختطاف منها 107 فتاة قاصر، وذكر أن 90 بالمائة من هذه العمليات التي نفذها
أشخاص مسبوقون قضائيا تمت معالجتها في وقت قياسي من طرف مصالح الأمن.
الشذوذ والنزاعات العائلية أبرز أسباب
الظاهرة
وحول الدوافع والأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة
الخطيرة، كان وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية أكد أن التحليل
العملي لهذه الحالات يبرز أن أغلبها تتم بدافع "الاعتداء الجنسي من طرف شواذ
ومسبوقين قضائيا" وفي حالات أخرى "قليلة" نتيجة لنزاعات عائلية أو
بدافع الانتقام والأخذ بالثأر أو طلب الفدية، مؤكدا في سياق متصل بأنه في إطار
مواجهة المعاملات القاسية التي يتعرض لها الأطفال جندت المديرية العامة للأمن
الوطني 50 فرقة مكلفة بحماية الطفولة ومكافحة جنوح الشباب عبر ولايات الوطن.
تنفيذ الإعدام يبقى قرارا سياسيا
وبخصوص إمكانية إعادة العمل بتنفيذ حكم الإعدام لمّح ولد
قابلية إلى "هناك جوانب يجب أخذها بعين الاعتبار للتصدّي لها ومواجهتها بحزم
بوضع خطط فعّالة لقمع هذه الجريمة الشنعاء"، معتبرا أن حكم الإعدام
"موجود في القانون" وأنه "ربما يقتضي الأمر توسيع هذا الحكم إلى
حالات أخرى"، ليوضح ممثل الحكومة أنه بالنسبة لتجميد تنفيذ هذا الحكم في
الجزائر ليس مدرجا في القانون وإنما هو قرار سياسي "وبالتالي فإن العودة إلى
تنفيذه يحتاج كذلك إلى قرار سياسي".
تحركات الطبقة السياسية
يشار إلى أن نقاشا حادا ساد مع بداية العام الحالي بخصوص
عقوبة الإعدام مع مطالبة أطراف سياسية وفعاليات في المجتمع المدني بضرورة
"القصاص" في كل جرائم القتل التي تطال الأبرياء لوقف نزيف الاختطاف
والقتل الذي استهدف في الأشهر الماضية أطفالا في مقتبل العمر، وكلّفت الحكومة في
أواخر شهر مارس من العام الحالي مصالح وزارة العدل بإعداد تقرير مفصّل حول آليات
التعامل مع ظاهرة اختطاف وقتل الأطفال.
وقد انبثق عن أول اجتماع وزاري مجموعة عمل تضم ممثلين عن
قطاعات الصحة والعدل والتربية والأسرة والرياضة ومصالح الدرك والأمن الوطنيين،
مهمتها حصر الدوافع النفسية والاجتماعية وراء هذه الظاهرة واقتراح الحلول التي
تضمن الوقاية والتحسيس حول هذه الظاهرة وكذا التدابير العقابية الصارمة لمواجهتها،
مثلما تمّ الاتفاق على تفعيل العمل الجواري تجاه الأطفال والأولياء والمجتمع
المدني وتكثيف دوريات مصالح الأمن بالمجمعات السكنية والساحات العمومية وحول
المؤسسات التربوية مع وضع رقم اخضر للتبليغ عن الأشخاص المشتبه فيهم.
* عن موقع الإذاعة الجزائرية/ بتصرف