رغم إصراره على أن اشتراكه في ما يسمى بـ"هيئة
حكماء الأمّة" لا يعني وقوفه ضد الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين إلا أن
الحملة الشرسة التي يواجهها نتيجة لذلك والشبهات التي تحيط بتأسيس "هيئة
الحكماء" قد تدفع في النهاية رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ
الدكتور عبد الرزاق قسوم إلى إعلان انسحابه بعد أن كان أحد مؤسسي هذه الهيئة.
"نؤكّد على أنّنا سوف نواصل تقديم ما يمكن تقديمه
لتفعيل أهداف هذه الهيئة واستقلاليتها وإن بدت لنا أنّها قد تحيد عن هذه الأهداف
فسيكون لنا موقف آخر". هكذا تحدث الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء
المسلمين عن "هيئة حكماء الأمّة" هذه الهيئة التي تم تأسيسها في دولة
الإمارات العربية في ظروف استثنائية وبطريقة أثارت الكثير من الاستفهامات والشبهات
واعتبرها كثير من المتتبعين خطوة تم التخطيط لها بعناية بهدف ضرب الاتحاد العالمي
للعلماء المسلمين لاسيما أن النظام الإماراتي صار مصنفا في خانة الأنظمة المنبطحة
للغرب بامتياز.
توضيحات قسوم..
بمجرد الإعلان عن تأسيس هيئة للحكماء أثير جدل كبير وقيل
كلام كثير وبينما رأى البعض المبادرة إيجابية خصوصا أنها تدعو إلى تعزيز ثقافة
السلم في المجتمعات المسلمة اعتبرها كثيرون جزءا من خطة خبيثة يراد بها تحقيق
أهداف مشبوهة وهو الأمر الذي صنفه شيخ جمعية علماء الجزائر في خانة التأويل الذي تنقصه
الدقّة الإعلامية مشيرا إلى أنه يحقّ لأيّ إنسان كان أن يقرأ الأحداث كما يشاء وأن
يؤولّها حسب قناعاته وميوله "ولكن أقلّ ما يمكن الاتصاف به في مثل هذه
المواقف بناء استنتاجاته على حقائق ومعطيات تستند إلى الواقع ولذلك خاب مسعى من
يقوم بتقديم هذه المعلومات الخاطئة لأسباب عديدة" استعرضها قسوم في حوار
أجرته معه صحيفة الخبر اليومية في أربع نقاط:
أوّلًا: أنا عضو فاعل في مجلس أمناء الاتحاد العالمي
للعلماء المسلمين فلا يُعقَل أبدًا أن أشترك في هيئة يكون الهدف منها الإطاحة
بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين لأنّ هذا معناه القيام بالتّدمير الذاتي.
ثانيا: لم تقع الإشارة أبدًا خلال اجتماع هيئة حكماء
الأمّة الإسلامية بأيّ نبز أو نقد لاتحاد العلماء المسلمين لأنّ هذه الهيئة أقلّ
ما يمكن أن يُقال فيها أنّها تكمّل ما يقوم به الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هذا
الاتحاد الّذي أصبح حقيقة ثابتة تفرض نفسها على العالم العربي والإسلامي بل وعلى
العالم الإنساني وأيّ محاولة للنّيل منها ستبوء بالفشل وسنتصدّى بكلّ ما لدينا من
حزم وعزم لأيّة محاولة للنّيل من الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.
ثالثا: أنّ هذا الاجتماع لهذه الهيئة ليس وليد الصُّدفة وإنّما
جاء في أعقاب المؤتمر العالمي الّذي انعقد في شهر مارس الماضي بأبوظبي وحضره ما
يزيد عن 250 عالمًا يمثّلون 60 دولة وكان موضوعه ”مجتمع المحافظة على السِّلم” وقد
حضره ثلّة من علماء الأمّة من بينهم وفد الجزائر الّذي كان يتشكل من رئيس جمعية
العلماء وممثل وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور محمّد عيسى قبل أن يكون
وزيرًا والدكتور محمّد إيدير مشنان مستشار الوزير.
في هذا الاجتماع طرحت أسئلة من بينها ما قدّمته أنا من
أنّنا ما جئنا لهذا من أجل أن نستمع إلى أهمية السّلم في العالم الإسلامي أو في
الكتاب والسّنّة لأنّ هذا تحصيل حاصل بالنسبة للعلماء لكنّنا جئنا من أجل تفعيل
معناه وإيجاد آلية عملية لاستعادة السّلم في البلدان الّتي تعاني من اللاأمن والتصدّي
لهذا التّدمير الذاتي الّذي يتم هنا وهناك في أكثر من مكان من العالم العربي
والإسلامي وفي ضوء هذا استجاب المنظّمون لهذا المطلب وبالنسبة إلينا المنظّم
الحقيقي هو الشّيخ عبد الله بن بية العالم العامل بعلمه الّذي لا يشكك أحد في
نزاهته وإخلاصه فانبثق عن اجتماع مجمع السّلم هيئة أطلق عليها هيئة حكماء الأمّة
الإسلامية مهمّتها بذل المساعي الحميدة والعمل على فكّ النّزاعات بواسطة العلماء
بدل أن تبقى القضية بأيدي السّاسة وحدهم وقد ضمّت هذه الهيئة صفوة الأمّة ممثلة
لكلّ البلاد الإسلامية.
رابعا: أنا شخصيًا تدخّلت لتحديد الخطّ العام الّذي يجب
أن تنتهجه هذه الهيئة لخصّته في 4 نقاط هي: الاستقلالية عن أيّ تنظيم أو نظام أو
حزب الشّجاعة في إبداء المواقف وعدم الخوف من الإشارة إلى الظالم أو إلى المظلوم والموضوعية
في اتّخاذ المواقف والإنصاف في إيجاد الحلول وقد وجدت تجاوبًا فعّالًا من جانب كلّ
الأعضاء بلا استثناء ما يؤكّد استقلالية هذه الهيئة عن أيّة جهة كانت ونحن نتوق
إلى أن تستدعي بلادنا مثلًا إحدى اجتماعات هذه الهيئة في بلادنا حتّى تكسبها
الطابع الإسلامي الشّمولي وتخلصها ممّا قد يحاول البعض أن يضعها تحت نفوذها وبهذه
المناسبة نؤكّد على أنّنا سوف نواصل تقديم ما يمكن تقديمه لتفعيل أهداف هذه الهيئة
واستقلاليتها وإن بدت لنا أنّها قد تحيد عن هذه الأهداف فسيكون لنا موقف آخر.
قسوم يلمّح..
ورأى متتبعون أن طلب رئيس جمعية علماء الجزائر أن تنعقد الاجتماعات
دوريا في دول مختلفة دليل على رغبته في للنأي بالمجلس عن الاستغلال السياسي وفي
حالة عدم استقلاليته فقد لمّح إلى إمكانية انسحابه منه بقوله "إن بدت لنا
أنّها قد تحيد عن هذه الأهداف فسيكون لنا موقف آخر".
والظاهر أن ارتفاع حدة الضغط على الدكتور قسوم ومعارضة
كثيرين لمشاركته في إطلاق هيئة حكماء الأمة واتساع دائرة المعارضين لتشمل عددا من
المنتسبين إلى جمعية العلماء المسلمين ناهيك عن اتضاح الرؤية بخصوص الأهداف لخفية
والحقيقية لتأسيسها كلها أمور قد تعجل بانسحاب قسوم من "هيئة الحكماء"
المثيرة للجدل.