لم يستبعد الإعلامي الفرنسي
البارز تيري ميسان ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية في الهجوم الإرهابي الذي
استهدف مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، مبرّئا في المقابل
"الإسلاميين" من دماء الضحايا الـ12 للهجوم، وقال ميسان: "إننا
نجهل من أمر بهذه العملية المحترفة في حق مجلة شارلي إيبدو، ولكن ليس لنا ان
نتسرع. علينا تفحص جميع الافتراضات وقبولها، وأن الهدف الأكثر احتمالا في هذه
المرحلة هو أن تقسيمنا. ومدبرو هذا الفعل هم على الأرجح واشنطن".
وفي مقال حمل عنوان "من
الذي أمر بالهجوم على شارلي إيبدو؟"، قدم صاحب كتاب "11 سبتمبر..
الخديعة الكبرى" العديد من القرائن التي تنفي تهمة الهجوم على شارلي إيبدو عن
"الإسلاميين" و"الجهاديين"، مشيرا إلى أنه من غير المعقول تأكيد
تورطهم في الهجوم لمجرد ترديد المهاجمين عبارات "الله أكبر"
و"انتقمنا لمحمد"، ومؤكدا أن الطريقة التي تم تنفيذ الهجوم بها تجعل
افتراض وقوف "جهاديين" أو "مسلمين غاضبين" وراءه غير منطقي
تماما.
وفيمايلي نص مقال الإعلامي تيري ميسان:
في حين رد فرنسيون كثيرون على
الهجوم الذي اُرتكب في حق صحيفة شارلي إيبدو بالتنديد بالإسلام وبالتظاهر في
الشوارع، يلفت تيري ميسان الانتباه إلى أن التفسير الجهادي مستحيل. وبدلا من أن
يندد هو الآخر بعملية من فعل تنظيم القاعدة أو داعش، راح يعرض فرضية أخرى، أخطر
بكثير.
7 جانفي 2015، نفذ كوموندوس هجوما، في باريس،
على مقرات صحيفة شارلي إيبدو وقتل 12 شخصا. 4 ضحايا آخرون لا يزالون في حال خطرة.
على أشرطة الفيديو، نسمع
المهاجمين يهتفون "الله أكبر!"، ثم انتقموا لـ"محمد". أكدت
إحدى الشهود، وهي الرسامة "كوكو"، أنهم تبنوا انتسابهم إلى القاعدة.
بالنسبة إلى الكثير من الفرنسيين، لا يلزم أكثر من هذا كي يدينوا عملية هجومية
إسلامية.
والحال هذه، فإن هذا الافتراض
غير منطقي.
مهمة هذا
الكوموندوس لا علاقة لها بالفكر الجهادي
في الواقع، فإن أعضاء أو
مناصرين للإخوان المسلمين، للقاعدة أو لداعش، لن يكتفوا بقتل رسامين ملحدين، سيقومون
أولا بتدمير أرشيف الصحيفة امام أعينهم، مثلما فعلوا في كل عملياتهم في شمال إفريقية
والمشرق. بالنسبة إلى الجهاديين، فإن أول واجباتهم هو تدمير ما يعتقدون أنه يسيء
إلى الله، ومعاقبة "أعداء الله".
كذلك، لن يتراجعوا فورا، هربا
من الشرطة، دون إكمال مهمتهم، سيفضلون إتمام مهمتهم وإن ماتوا هناك.
إضافةً، تظهر أشرطة الفيديو
وبعض الشهود أن المهاجمين محترفون، وأنهم معتادون على استعمال أسلحتهم ولا يطلقون
النار إلا عن دراية جيدة. لم يكونوا يرتدون أثواب الجهاديين، بل زي الكوموندوس
العسكريين..
الطريقة التي أعدموا بها على
الارض شرطيا جريحا لا يشكل أي خطر عليهم تؤكد بأن مهمتهم لم تكن "الانتقام
لمحمد"، محل السخرية المفضل لتشارلي إيبدو.
هذه العملية تهدف
إلى خلق بداية لحرب أهلية
كون المهاجمين يتحدثون الفرنسية
جيدا، وأنهم قد يكونون فرنسيين حقا، لا يسمح بالجزم بأن هذا الهجوم هو حلقة
فرانكو-فرنسية. بالعكس، إن كونهم محترفين يحملنا على تمييزهم عن المدبرين
المحتملين. لا شيء يدل على أن هؤلاء فرنسيون.
ردة فعل طبيعية، ولكن من الخطأ
عقليا افتراض المرء –عندما يهاجَم- أنه يعرف مهاجميه. ان هذا أكثر منطقية عندما
يتعلق الأمر بجريمة عادية، ولكن هذا خاطئ عندما يتعلق الأمر بالسياسة الدولية.
مدبرو هذا الهجوم يعرفون بأنهم
يثيرون بذلك انقساما بين الفرنسيين المسلمين والفرنسيين غير المسلمين. لقد كانت
شارلي إيبدو متخصصة في استفزاز المسلمين، وكان معظم مسلمي فرنسا ضحايا لها بشكل
مباشر أو غير مباشر. إذا أدان مسلمو فرنسا –دون ادنى شك- هذا الهجوم، فسيصعب عليهم
الاحساس بالألم تجاه الضحايا أكثر من قراء الصحيفة. سيبدو هذا للبعض كتواطؤ مع
السفاحين.
لذلك، بدلا من اعتبار هذا
الهجوم القاتل جدا فعلا انتقاميا اسلاميا من الصحيفة التي تنشر رسوما كاريكاتورية
عن محمد، وتضاعف "صفحاتها الأولى" المعادية للمسلمين، فإنه سيكون أكثر
منطقية النظر إلى أنه اولى الحلقات لسيرورة هادفة إلى خلق حرب أهلية.
استراتيجية
"صدام الحضارات" صممت في تل أبيب وواشنطن
لا تنشد أيديولوجية واستراتيجية
الإخوان المسلمين أو القاعدة أو داعش خلق حرب أهلية في "الغرب"، بل، على
العكس، خلقها في "الشرق" والفصل –بإحكام- بين العالمين. لم يدْعُ سيد
قطب، ولا أي من خلفائه، أبدا إلى إشعال مواجهة بين المسلمين وغير المسلمين في هذين
الأخيرين.
بالعكس، فإن من صاغ استراتيجية
"صراع الحضارات" هو برنار لويس، لمجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة،
ثم عممها صاموئيل هنتنغتون، لا كاستراتيجية غزو، بل كوضع متوقع [1] يهدف إلى اقناع
الشعوب العضوة في الناتو بمواجهة حتمية تتخذ –احتياطيا- شكل "الحرب على
الإرهاب".
لا يشاد بـ"صراع
الحضارات" في القاهرة ولا الرياض أو كابول بل في واشنطن وتل أبيب.
رعاة الهجوم على مجلة شارلي
إيبدو لا يسعون إلى إرضاء الجهاديين أو حركة طالبان، بل لإرضاء المحافظين الجدد
والصقور الليبراليون.
لكي لا ننسى
السوابق التاريخية
علينا أن نتذكر أننا شهدنا في
السنوات الأخيرة أن المخابرات الامريكية او التابعة للناتو:
- أجرت في فرنسا اختبارات الآثار المدمرة
لبعض العقاقير على السكان المدنيين [2]
- دعمت منظمة الجيش السري OAS لاغتيال الرئيس شارل ديغول [3]،
- نفذت هجومات تحت ألوية زائفة على مدنيين في
دول عديدة عضوة في الناتو [4].
علينا أن نتذكر أن قائد الاركان
الأمريكي جرب وطبق، منذ تفكيك أوصال يوغوسلافيا، في بلدان عدة، استراتيجيته
"قتال الكلاب". وتشمل قتل أفراد من الطائفة التي تشكل أغلبية، وأفراد من
الأقليات، وإلقاء المسؤوليات على بعضهما، إلى ان يقتنع الجميع بأنهم مهددون
بالموت. بهذه الطريقة أشعلت واشنطن الحرب الأهلية في يوغوسلافيا، ومؤخرا في أوكرانيا
[5].
للفرنسيين أن يتذكروا أيضا أنهم
ليسوا من بادر بمكافحة الجهاديين العائدين من سورية والعراق. علاوة، وحتى يومنا
هذا، لا أحد منهم ارتكب أدنى هجوم في فرنسا. حالة مهدي نموش ليست حالة إرهابي وحيد،
بل حالة فاعل مكلف بأن يقتل في بروكسل عميلين من الموساد [6]و [7].. إن واشنطن هي
من دعا في 6 فبراير 2014، وزراء داخلية ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا (وقد
مثلها السيد فالس)، وإيطاليا، وبولونيا وبريطانيا كي يجعلوا من عودة الجهاديين
الأوروبيين قضية أمن قومي [8]. لم تعالج الصحافة الفرنسية هذه المسألة إلا بعد هذا
الاجتماع، لتبدأ السلطات بالتفاعل. تحدث جون كيري بالفرنسية لأول مرة لتوصيل رسالة
إلى الفرنسيين. ندد بهجوم على حرية التعبير (في حين أن بلده لم يتوقف منذ 1995 عن
قصف وتدمير مقرات التلفزيون التي تكشف تضليلاتها في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق
وليبيا)، واحتفى بمكافحة الظلامية.
إننا نجهل من أمر بهذه العملية
المحترفة في حق مجلة شارلي إيبدو، ولكن ليس لنا ان نتسرع. علينا تفحص جميع
الافتراضات وقبولها، وأن الهدف الأكثر احتمالا في هذه المرحلة هو أن تقسيمنا.
ومدبرو هذا الفعل هم على الأرجح واشنطن.
*
ترجمة المقال:
خالدة مختار
بوريجي
-----
هوامش:
[1] "صراع الحضارات"، تييري ميسان،
شبكة فولتير، 4 جوان 2004
[2] "عندما تجري وكالة المخابرات
المركزية تجارب على خنازير فرنسيين"، هانك. ب. آلبيرلي، .شبكة فولتير، 16
مارس 2010
[3] "عندما يرغب الـ’ستاي بيهايند’ في
استبدال ديغول"، تييري ميسان، شبكة فولتير، 10 سبتمبر 2001
[4] "الجيوش السرية للناتو"، دانيال
غانسر، منشورا دومي-لين. متوفرة فصولها على شبكة فولتير.
[5] نائب ممثل الامم المتحدة في افغانستان
يعفى من مهامه"، "هل تستطيع واشنطن إسقاط ثلاث حكومات في وقت
واحد؟"، تييري ميسان، الوطن (سورية)، شبكة فولتير، 1 أكتوبر 2009 و23 فبراير
2014.
[6] قضية نموش والمخابرات الأطلسية"، تييري
ميسان، الوطن (سورية)، شبكة فولتير، 9 جوان 2014
[7] سيُعترض على قضيتي خالد كلكال (1995)
ومحمد مهرا (2012). حالتان من "الذئاب المنفردة" متعلقتان بالجهاديين.
ولكن ليس في سورية ولا في العراق. من سوء الحظ أن تم إعدامهما في عملية قامت بها
قوات النظام يشكل يستحيل معه التحقق من النظريات الرسمية.
[8] "سورية تصبح ’قضية أمن داخلي’ في
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي"، شبكة فولتير، 8 فبراير 2014.