أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له
أرميا حين ظهرت فيهم
المعاصي: أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم
قلوباً ولا يفقهون،
وأعيناً ولا يبصرون، وآذاناً ولا يسمعون، وإني تذكرت
صلاح آبائهم،
فعطفني ذلك على أبنائهم، فسلهم كيف وجدوا غِبَّ طاعتي
، وهل سعد
أحد
ممن عصاني بمعصيتي ،
وهل شقي أحد ممن أطاعني
بطاعتي؟
فلما
بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه
وكذبوه واتهموه وقالوا: كذبت وأعظمت على الله الفرية
فتزعم أن الله
معطل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده؟ فمن
يعبده حين
لا
يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب؟! لقد أعظمت الفرية على
الله واعتراك الجنون. فأخذوه وقيدوه وسجنوه، فعند ذلك
بعث الله عليهم
بختنصر فأقبل يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم ثم حاصرهم
فكان كما
قال تعالى:
{ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ }
فلما طال بهم الحصر نزلوا على حكمه ففتحوا الأبواب
وتخللوا الأزقة
وحكم
فيهم حكم الجاهلية وبطش الجبارين، فقتل منهم الثلث وسبى الثلث
وترك الزمنى والشيوخ والعجائز، ثم وطئهم بالخيل وهدم
بيت المقدس
وساق الصبيان وأوقف النساء في الأسواق حاسرات، وقتل
المقاتلة
وخرب الحصون وهدم المساجد وحرق التوراة، وسأل عن
دانيال الذي
كان قد
كتب له الكتاب فوجدوه قد مات وأخرج أهل بيته الكتاب
إليه
وكان
فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر وميشائيل وعزرائيل وميخائيل،
فأمضى لهم ذلك الكتاب. وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من
دانيال الأكبر
ودخل بختنصر بجنوده بيت المقدس ووطئ الشام كلها وقتل
بني إسرائيل
حتى أفناهم، فلما فرغ منها انصرف راجعاً وحمل الأموال
التي كانت بها
وساق السبايا فبلغ معه عدة صبيانهم من أبناء الأحبار
والملوك تسعين
ألف غلام، وقذف الكناسات في بيت المقدس وذبح فيه
الخنازير.
قصص الأنبياء لابن كثير
قال الله تعالى:
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي
الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً {4}
فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ
عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً
مَّفْعُولاً {5}
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً {6}}
من سورة الإسراء