-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

حوار خاص مع الأستاذ منير صغير "أبو إسلام"

رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين بوهران الأستاذ منير صغير في حوار صريح:
"عزتنا في الإسلام.. وهذه رسالتي للجزائريين" 
أبو إسلام
* "الوضع الأخلاقي للشباب الجزائري يدعو للاستنفار"
* "رغم كل الانحرافات.. مازال الأمل قائما في غد أفضل"
* "فكّ الارتباط بالفرنسية.. أول مراتب إصلاح المنظومة التربوية"
* "هذا سبيل إطفاء نار الفتنة في غرداية"
* "أستغرب صمت غالبية أئمة المساجد على بعض المنكرات"
* "أنا متفائل جدا بمستقبل الجزائر والأمة الإسلامية"
* "الربيع العربي لم يكن شرا كلّه"

يدق الأستاذ منير صغير "أبو إسلام" رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بوهران ناقوس الخطر وجرس الإنذار بخصوص الوضع الأخلاقي العام للشباب الجزائري، مشيرا إلى أن حال أكثر الشباب في المتوسطات والثانويات والجامعات لا يرضي الله ورسوله ولا الصالحين من عباده، ومع ذلك يرى أن الأمل ما يزال قائما، ورصيد الفطرة سيبقى حيا في نفوس كل عاص من المسلمين والمسلمات. ويشير الشيخ "أبو إسلام" إلى أننا "في مفترق الطرق... ولا عصمة إلا بالقرآن والسنّة ولزوم غرز العلماء حقا في الشريعة وغيرها فكلها علوم وكلهم علماء.. وبالعمل الدؤوب والبذل والعطاء.. وبالوعي وتصحيح المفاهيم، والسعي نحو وحدة الصف حول المشترك من المحكمات والقطعيات ومدافعة الباطل والكفر والفساد بالعلم والعدل والحكمة والذكاء.. "
ويتأسف الأستاذ منير صغير لعدم قيام غالبية أئمة المساجد بدورهم المطلوب في إنكار كثير من المنكرات، مشيرا في المقابل إلى أنه مما لا طائل من ورائه مطالبة وزارة الشؤون الدينية بما لا تستطيعه أو لا تريده، ويتطرق محدثنا خلال إجاباته إلى مسائل أخرى، مثل التقريب بين السنة والشيعة والربيع العربي والسبيل إلى إصلاح المنظومة التربوية وإطفاء نار فتنة غرداية، وغير ذلك من الأمور الهامة التي تكتشفونها في هذا الحوار الخاص..

* أجرى الحوار: الشيخ بن خليفة *

*  كيف يقدم الشيخ منير صغير نفسه للقراء؟
ـ     أولا شكرا لكم على فتح هذه النافذة التي أطلّ من خلالها على قرائها الكرام.. ثم شخصيا أصارحك أنني لا أحب وصف الشيخ لأنه وصف كان عبر التاريخ لا يناله إلا من يستحقه ثم صار إلى أن لبسه من يستحق ومن لا يستحق وابتُذِل حتى لم يعد لكثير من حامليه في نفوس الناس تعظيم ولا توقير.. أقدّم نفسي أنني مسلم جزائري، وُلد ونشأ ودرس ما قبل الجامعة في ولاية تيارت وفي مدينة السوقر بالتحديد، ثم درست الجامعة بين وهران وتيارت، نشأت في عائلة محافظة مثل أكثر الجزائريين، وحفظت القرآن في كتاتيب المدينة، وعلى يد الشيخ الطيب حساني رحمه الله، ثم حبّبت إلي العربية وفنونها فتلقّيت من ذلك حظا جيدا كان أساسا وقاعدة متينة على يد الشيخ محمد بالسادات رحمه الله، وعلى كل حال فالمحطات والأحداث كثيرة وليس من المناسب أن يكون هذا الجواب المختصر ترجمة أو سيرة ذاتية.

* بصفتك رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بولاية وهران، كيف تقيّم أداء الجمعية، وهل تراها قادرة على القيام بواجبها الإصلاحي على الوجه المطلوب في ظل ما هو متاح لها من إمكانيات؟
ـ     أداء الجمعية في وهران وفي غيرها تتحكم فيه ظروف داخلية وخارجية، بعضها يتعلّق بالموارد البشرية والمادية للجمعية، وبعضها بالهمّة والطموح لدى أعضائها، وبعضها بمخلّفات ما عاشته الجزائر في التسعينيات، ورأيي أن أداء الجمعية يسير في منحى متصاعد منذ انطلاقها الحقيقي بعد سنة 99، أما دورها الإصلاحي فلا أشك إطلاقا أن الجمعية قادرة على القيام به وبأعلى المستويات وعلى أحسن وجه، والإمكانيات المادية لم تكن يوما ما عائقا أمام همم الرجال وطموحات المصلحين، ولا شك أن الأمر ليس سهلا ولكن لا بد مما ليس منه بدّ، والمطلوب هو: الإخلاص وفهم رسالة الجمعية وتجديد دمائها بالشباب والطاقات والكفاءات العاملة ووضوح الرؤية لدى العاملين.

* عاشت مدينة وهران قبل أسابيع حدثا رائعا يتمثل في تدشين مسجد الشيخ عبد الحميد بن باديس. ألا ترون في الإقبال الشديد لأبناء "الباهية"، وغيرهم، على الصلاة في هذا الصرح ردا على المشككين في تدين الجزائريين وكذا ردا على المسيئين لوهران الذين لا ينظرون إلا إلى ملاهيها ومغنييها؟
ـ     لقد غاظ إقبال أبناء وهران وبناتها كثيرا من الشانئين ومرضى القلوب والمرجفين واللائكيين الذين يظنون ويخيب ظنهم في كل مرة أنهم نجحوا في سلخ هذا الشعب وشبابه خاصة عن دينه: عقيدة وشريعة وأخلاقا وانتماء وهوية.. أما سمعة وهران فرأيي الشخصي أن هناك دوائر في الإعلام ولدى بعض الجمعيات والتيارات السياسية داخل الوطن وخارجه تستهدف انتماء وهران إلى الإسلام وتاريخه بتقديمها مدينة متوسطية ذات أصل إسباني ثم الاشتغال على هذا الأمر وترسيخه وتكريسه ليصبح أمرا واقعا ومن ذلك إغراقها بالمخدرات ومهرجانات الغناء الساقط وفتح الملاهي واستضافة ما يسمّى بالفنانين وإعطاء صورة لها غير تلك التي يراها ويعيشها الناس في واقعهم.. والقاعدة عندهم: اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس...وقد كادوا يصدقون..

* تعد أحد أقلام صحيفة البصائر، لسان حال الجمعية. ألا ترون أن هذه الصحيفة "محقورة" إعلاميا وجماهيريا، قياسا إلى صيتها التاريخي والرسالة التي يُفترض أن تؤديها؟
ـ     في الحقيقة لم أنشر في البصائر إلا مقالا واحدا.. والمأمول أن يكون المنشور فيها أكثر وأجود، و"البصائر" ليست مجرّد جريدة بل هي رمز من رموز مقاومة المسخ والسلخ عن الدين والهوية التي كانت تسعى إليها فرنسا، ومن مشكلات البصائر شحّ التمويل وضعف موارد الإشهار وصعوبة التوزيع غير أنني أؤكد لك أن الجريدة تشهد في السنة الأخيرة خطّة جديدة كلها تجديد وإبداع وتغيير إيجابي في الشكل والمضمون ومثل هذه الإنجازات لا تتم بين يوم وليلة بل تحتاج صبرا ومصابرة ومثابرة، وفي النهاية فالمشرفون على البصائر أولى بالحديث عنها وعن رؤاها وتحدياتها من أي كان سواهم.

* من المعلوم أن جمعية العلماء كانت على "خصام" مع بعض الزوايا، بسبب محاربة الأولى للممارسات الشركية والبدع التي ارتبطت بالثانية. في المقابل يرى البعض أن الزوايا قامت بدور بارز في تحفيظ عدد كبير من الجزائريين كتاب الله. كيف يمكن التوفيق في نظرك بين تحفيظ القرآن، والبُعد عن الممارسات البدعية المنبوذة وأخطرها الشرك بالله تعالى؟ وكيف تنظر إلى راهن أوضاع الزوايا وعلاقتها بالجمعية؟
ـ     التعميم غير مناسب، والبدع ليست كلها شركا ومروقا من الدين، ودور الزوايا في المحافظة على القرآن الكريم بالجزائر لا ينكره عاقل أو مؤرخ منصف، والصراع بين الجمعية والطرقية ممثلة في بعض الزوايا – وليس كلها – له أسبابه التاريخية والموضوعية، والجمعية لا تؤسس لدين جديد، بل شعارها: الإسلام ديننا، فما كان بدعة وانحرافا أو شركا تنكره نصوص القرآن والسنة وتوارد على إنكاره العلماء الربانيون فهو بدعة وانحراف وشرك ولا يمكن للجمعية أن تحكم بصوابه واستقامته وأن تجعل الشرك توحيدا أو البدعة سنّة، فقط ما هو مطلوب هو تحرير مواضع النزاع والسعي إلى تصحيح المفاهيم والتعاون بين المصلحين جميعا على الخير دون إقرار بالباطل أو كتمان للحق أو تلبيس على الناس، والمنكرات ليست مرتبة واحدة والإنكار عليها ليس سَنَنا واحدا كذلك، والعلم والعدل مطلوب في مثل هذه المواقف، ومهمة الدعاة من جمعية العلماء ومن غيرها هي بيان الحق وتصحيح المفاهيم وليس الدخول في صراعات مع هذا أو ذاك إلا ما يقتضيه بيان الحق والردّ على الباطل بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن الحكمة الحزم والوضوح والشدّة في الردّ في مواضعها.

* تنحدر من منطقة أنجبت عددا من العلماء البارزين، يتقدمهم أستاذك الشيخ بالسادات. ماذا تقول عن هذا الرجل؟ ولماذا لم يستلم مشعله مشايخ بارزون يجمعون بين العلم والتفقه والدعوة إلى سبيل الرشاد؟
ـ     الشيخ محمد بالسادات رجل عالم بكل ما تحمله كلمة عالم من معنى، وهو خرّيج جامعة القرويين بفاس، وعلاقته بجمعية العلماء متينة قبل الثورة، وكان مرجعية فقهية في تيارت وما حولها من الولايات، وهو متمكن من علوم الآلة: نحوا وصرفا وبلاغة وفقها وأصولا، وصاحب بديهة حاضرة ونكتة طريفة، وكرم فيّاض، كان يُدرّس متون الفقه المالكي بتمكن وتفنّن ومتون النحو والصرف كذلك، وشاء الله أن يعيش في فترة انصراف من الناس عن العلوم الشرعية وأقول أن تلاميذه لم يقوموا بعلمه، ولا نشروا فضله، وحتى مكتبته العامرة بآلاف الكتب ضاعت وتفرقت ولا يعلم أحد بمصيرها، وقد استفاد من الشيخ كثيرون ولكنهم آثروا الخمول والعزلة ولم يكونوا استمرارا وامتدادا لما قام به الشيخ رحمه الله تعالى.. وحبذا لو تقوم جريدتكم الموقرة بتحقيق صحفي عن حياته وأعماله ومآثره..

* يعج المجتمع الجزائري بمظاهر الانحلال والبعد عن شريعة الله وأحكام الدين الحنيف، وفي المقابل هناك صور ومشاهد تؤكد تمسك الجزائريين بالإسلام وتعلقهم به. وسط هذه الصورة المعقدة، كيف تشخص الوضع الأخلاقي للمجتمع الجزائري؟ وما أسباب الكوارث الأخلاقية في البلاد؟ وما مدى التزام الجزائريين بأحكام الدين في تقديركم؟
ـ     المعاصي من كبائر وصغائر لا يخلو منها مجتمع مسلم، بل قد تجتمع في الرجل نفسه المعصية والطاعة والاستقامة والاعوجاج والسنة وبعض مظاهر البدعة، أما الوضع الأخلاقي العام للشباب الجزائري خاصّة فالأمر يدعو إلى الاستنفار ودقّ ناقوس الخطر وجرس الإنذار، وحال أكثر الشباب في المتوسطات والثانويات والجامعات لا يرضي الله ورسوله ولا الصالحين من عباده، وهم في النهاية ضحايا لوضع معقّد كما أشرتَ في سؤالك، ولست من هواة تبسيط النظر والتناول لمثل هذه الظواهر، ولكن الأمل ما يزال قائما، ورصيد الفطرة سيبقى حيا في نفوس كل عاص من المسلمين والمسلمات، والخطر ليس في المعاصي بحدّ ذاتها وإن كانت تحتاج التذكير والتنبيه والوعظ والتوبة، وإنما في الاستحلال لما حرّم الله وفي تشوّه مفاهيم الإيمان والإسلام والبعد عن النموذج الذي حُرم أكثر المسلمين من رؤيته والعيش في ظلاله.. والأسباب كثيرة تشترك فيها الأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام وهذه هي أخطر الثغرات التي يتسلّل منها كل انحراف عن الحقّ وبعد عن سبيل الرشاد، والجزائريون ليسوا نمطا واحدا لنحكم على مدى التزامهم بأحكام الدين فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات، وفيهم وإن كانوا قلة ملاحدة ولائكيون يعادون الدين والمتديّنين ويصطفّون إلى كل ما هو عدوّ لهما ويمكرون بالليل والنهار لصدّ الناس عن الحق ويبغونها عوجا، ومعايير الحكم تحتاج ضبطا وانضباطا فضلا عن أن مثل هذا الحكم ليس ذا فائدة كبيرة في تصحيح الأمور وإصلاح الواقع.


* ما هو علاج الأمراض الأخلاقية لأفراد مجتمعنا؟ وهل يمكن أن نتفاءل بغد "أخلاقي" أفضل؟
ـ     لا يمكن أن تكون مصلحا إذا فقدت الأمل في غد أفضل.. ولأن أسباب ما نعيشه ونراه مركّبة ومعقّدة فتفكيكها لإصلاح الواقع وتغييره أمر مطلوب، وهو عمل مركّب ومعقّد كذلك، تشترك فيه الدعوة والنصيحة وصناعة إعلام مصلح في مقابل الإعلام المفسد، وتفعيل دور الأسرة وإحياء وتجديد رسالة المسجد بعيدا عن إكراهات السياسة وتحكّم الإدارة، وان يكون للمدرسة دورها الحقيقي في التربية لا ان تكون مجرد فضاءات للحشو والتلقين، ومسؤولية الجمعيات وعلى رأسها جمعية العلماء كبيرة جدا أمام الله والتاريخ في استدراك الوضع وتصحيح الانحراف، وفي النهاية لا بد أن يجتمع السلطان والقرآن بعد أن تم فصل الدين عن الحياة بدءا بفصله عن السياسة، وإذا أريد للإسلام أن يعمل فلا بدّ له أن يحكم، فكما أن الفساد والصد عن سبيل الله وإشاعة الفواحش والشهوات ترعاه دول وأنظمة وحكومات فلا بد للصلاح والدعوة إلى الله والاستقامة على نهجه والثبات عليه أن ترعاه دولة ونظام وحكومات تؤمن به حق الإيمان لا مجرّد شعارات أو ديباجات في المواثيق الرسمية.. ويبقى الأمر بعد ذلك في حاجة إلى نقاش وتأصيل وعمل كبير جدا تنوء به الجبال الراسيات والله المستعان.

* كيف ترى واقع المنظومة التربوية عموما والمدرسة الجزائرية بوجه خاص؟ أين مواقع الخلل؟ وما سبيل الإصلاح؟
ـ     المنظومة التربوية جزء من الواقع، تستقيم باستقامته وتفسد بفساده، والمدرسة الجزائرية تشهد حالة من الغموض والاضطراب يقرّ بها حتى المسؤولون الرسميون عنها، فضلا عن غيرهم من الخبراء والملاحظين المستقلّين، ولا أحسب أن جوابا مقتضبا من حوار مطوّل يفي بغرض تشريح واقع المدرسة الجزائرية ومواقع الخلل وسبل الإصلاح فيها، فقط أذكّر أن جمعية العلماء قد نظّمت في السنوات الثلاث الأخيرة عددا من الملتقيات والندوات والأيام الدراسية حضرها من لا يُشكّ في خبرتهم وتمكّنهم في مسائل التربية والتعليم ولكن التوصيات تحتاج إلى سلطة وإلى قوة تنفيذ لا تمتلكها الجمعية ولا غيرها من الجمعيات، وأشير سريعا إلى أن أول مراتب الإصلاح هو فكّ الارتباط بالفرنسية لغة وتلقيّا وتنسيقا إداريا وفنّيا والقطيعة مع التيّارين اليساري واللائكي الذين استحوذا زمنا طويلا على كل ملفّات التعليم في جميع مستوياته، وهو أمر تقتضيه طبيعة التدافع بين الحق والباطل والفساد والإصلاح، وأن يُفتح نقاش مجتمعي عميق وجادّ بعيدا عن السياسة وعن الديماغوجية حول المنظومة التربوية بدون اية طابوهات أو قيود مسبقة إلا قيود انتماء هذا الشعب إلى الإسلام: عقيدة وشريعة وأخلاقا وانتماء وهويّة.

* مازال جرح منطقة ميزاب ينزف، ومازالت الفتنة الطائفية تنغص حياة أبناء غرداية. ما هو السبب الحقيقي للفتنة؟ وما هو علاجها المناسب في رأيكم؟
ـ     الأحداث هناك يلفّها قدر غير يسير من الغموض والضبابية، وقد حاولت أطراف كثيرة منها جمعية العلماء المسلمين أكثر من مرّة وكادت المياه أن تعود إلى مجاريها ثم فجأة يحدث ما ليس في الحسبان!! من يقف وراء ذلك؟ من يؤجج النار وينفخ فيها لتزداد اضطراما؟ من المستفيد من تعفّن الوضع هناك؟ هذا لا يمكن الإجابة عنه إلا عبر مسارات متعددة: الأول: تحقيق أمني نزيه وعادل غير متأثر بحسابات الساسة والمتنفذّين وهو مطلب ليس سهلا على الإطلاق، الثاني: مشاركة المخلصين الذين يبحثون عن مصلحة الجزائريين دون تحيّز أو استثناء من الفقهاء والمؤرخين والمجاهدين والاعيان الحقيقيين لا المصنوعين على أعين هذه الجهة أو تلك وعلماء السياسة والاجتماع، الرابع: أن ننطلق من أن الجزائر ملك للجزائريين جميعا فليس من حق أحد أن يمنع جزائريا من السكن والتملّك والتنقل والاستثمار وغيرها من الحقوق في أي شبر من الجزائر ما لم يعتدِ على ملكية غيره، الخامس: أن الجزائريين سواء في الحقوق والواجبات وليس لجهة أو طائفة أو مذهب أو عرق ميزة وأفضلية على غيره تجعل السلطة والمؤسسات الاجتماعية تحابيه وتسترضيه على حساب غيره، السادس: أن تعالج الأسباب والنتائج علاجا يحسمها ويستأصلها لا أن تُقدّم المسكنات والمهدئات والترضيات لهذا لطرف أو ذاك وتُبذل في ذلك الأموال ثم يأتي سفيه أو رويبضة لينسف الجهود كلها بحجرة يرميها أو عود ثقاب يشعل بها متجرا أو بيتا، السابع: أن نعي أن هناك دوائر ومخابر ترقب وتدرس وقد تعمل لتأجيج الوضع في غرداية وفي غيرها وعمل المخابر لا يواجه بالعفوية والارتجال والعواطف.. والحديث ذو شجون.

* قبل أسابيع، قررت وزار التجارة إبطال اشتراط وسم السلع المستوردة باللغة العربية، وهو ما اعتبره البعض إعلان حرب على اللغة العربية وهوية المجتمع الجزائري. ما رأيكم في هذه الخطوة؟ وهل يمكن القول أن مشروع التعريب يحتضر في بلادنا؟
ـ     باختصار مشروع التعريب لم ينطلق أساسا في الجزائر، وأنا أفضل توجّها آخر هو: مقاومة الفرنسية والفرنسة في الجزائر في الإدارة والتعليم والإعلام، فالفضاءات الحيوية كلها تقريبا استولت عليها الفرنسية، ولن تجد العربية مكانا لها ما لم ُتزحزح الفرنسية عن هذه الفضاءات، وقرار وزارة التجارة خلفيّته ومقرروه لا يخفون على متابع ذكي فطن، وهو حلقة من حلقات احتقار العربية وإقصائها من حياة الجزائريين وهي خطوة مرفوضة كمثيلاتها ولا فرق، غير أن البكاء على الأطلال لا يجدي، والتنديد لا يفيد كما علّمتنا التجارب، بل الفعل والفاعلية والتأثير وصناعة الواقع والمدافعة والإصرار والتضحيات هي التي تثمر في النهاية.

* ليست هذه المرة الأولى التي تثير وزارة التجارة مثل هذا الجدل والغضب أيضا، فقد تسبب قرار تحرير تجارة الخمور في "هبّة وطنية" رافضة ومستنكرة. كيف تابعت الموضوع، وما تعليقك على ما حصل؟
ـ     رغم أنني أراها قضية للإلهاء فقط، ولكن ردة الفعل كانت قويّة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أثمرت تجميد لا إلغاء القرار، واليقظة مطلوبة مع الحذر دائما من الوقوع في فخّ القضايا الصغيرة الجانبية كل أسبوع أو شهر، وإذا كان يُحمد من الجماهير والجموع مثل هذه الهبّات فإن دور العلماء والفقهاء والمصلحين أن يقدموا رؤية شاملة وقراءة بعيدة عن الأحداث اليومية كفيلة بصناعة وصياغة وعي جديد لدى الشعب الجزائري المسلم.

* هل يتعرض الإسلام إلى حرب غير معلنة في الجزائر؟ هذا التساؤل يطرحه متتبعون يستفزهم الواقع، وتستفزهم بعض القرارات الرسمية، مثل منع ارتداء الحجاب في بعض المؤسسات كالجمارك، وكذا الإصرار على النسب الربوية المحرمة في القروض الاستهلاكية وغيرها. ما رأيكم؟
ـ     ومتى توقّفت الحرب على الإسلام في الجزائر وفي غيرها؟ ومسألة الحجاب والقروض الربوية مثلها مثل قضية الخمور، لا يمكن أن يُنظر إليها إلا في إطار رؤية شاملة ومشروع إصلاحي كبير، مع الإنكار عليها والتنديد بها والمطالبة بإلغائها وفضح من يقف وراءها.. ومن يصدر مثل هذه القرارات يملك السلطة ويقبع في مفاصل اتخاذ القرار ومن يندّد ويحتجّ ويرفض لا يملك إلا الشارع أو بعض فضاءات الإعلام الجديد وشتان ما بين الفريقين!! ما أستغربه حقا هو صمت أئمة المساجد – إلا قلة منهم -على مثل هذه المنكرات التي لا اختلاف في تحريمها بالنص الثابت والقطعي وخوضهم في الحديث عن المناسبات الوطنية والدينية والحملات ذات المنفعة العامّة!!

* يشكو أئمة المساجد، من خلال نقابتين تتحدثان باسمهم، جملة من المشاكل. من خلال قربك من المؤسسة المسجدية، هل ترى انشغالاتهم مشروعة؟ وما واجب وزارة الشؤون الدينية نحوهم؟
ـ     هي انشغالات مشروعة حين يتعلّق الامر بالحقوق التي تكفلها لهم القوانين، ولكن ماذا حين نتحدّث عن واجبات الأئمة ورسالتهم في الإصلاح وتصحيح المفاهيم ومحاربة البدع والمنكرات وصناعة الوعي وربط الناس بالدين وبيان واقع الأمة من الضعف والهوان والفرقة وأسباب ذلك؟ لا شك أن الميزان مختلّ تماما بين الحقوق المشروعة والواجبات المطلوبة.. أما وزارة الشؤون الدينية فهي مصلحة حكومية ومؤسسة من مؤسسات النظام لا يمكنها أن تفعل أو تقول غير ما يُملى عليها ولا يُطلب منها أن تخرج عن سياسة الحكومة وتوجهاتها الاستراتيجية إن كان لها استراتيجية أصلا فمما لا طائل من ورائه مطالبتها بما لا تستطيعه أو لا تريده!!

* على ذكر وزارة الشؤون الدينية، يسجل متتبعون تحفظات كثيرة على أداء الوزير محمد عيسى، لاسيما في ظل مواقفه "الباردة" بخصوص قضايا مصيرية مثل التطاول على الدين والتجرؤ على الشريعة من قبل بعض السفهاء. كيف تقيّمون، من موقعكم، أداء هذا الوزير؟
ـ          لعلّ الجواب عن السؤال السابق يفي بالغرض.. فتلك وزارة وهذا وزير!!


* انقسم مفكرو وعلماء الأمة إلى ثلاثة أقسام، قسم "منحاز" للأنظمة يدافع عنها، مع الدعوة إلى إصلاحها، وقسم يضع البنزين على نار ما يسمى بالربيع العربي داعيا إلى ثورات عارمة على الأنظمة، وقسم ثالث يفضل تجنب الخوض في السياسة خشية الوقوع في الخطأ، أو لأسباب أخرى. إلى من يميل الشيخ منير صغير، وكيف يمكن للعامة التمييز بين الحق والباطل في ظل هذا الانقسام وسط من يُفترض بهم أن يكون أئمة وقادة للفكر والرأي؟
ـ        ليس العلماء هم من يصنعون الواقع ويؤثرون فيه للأسف إلا قلّة منهم، ولكل طائفة مبرراتها وتأصيلها لما تفعل وتختار، والمعيار هو أن الظلم والاستبداد والطغيان والفساد لا يمكن لمسلم فضلا عن عالم أن يقف معه أو يبحث له عن المبررات ويلوي له أعناق النصوص، والربيع العربي لم يكن شرا كلّه بل صاحبته موجة من الوعي والتحالفات تنسّمت خلاله كثير من الشعوب نسائم الحريّة بعد عقود من الاستبداد وفُتحت ملفات خطيرة واتّضحت رؤى ومواقف وعلاقات ما كان لها أن تظهر في جو الرتابة والاستقرار الكاذب الوهمي، شخصيا لن أدافع عن الظلم لأن ديني يمنعني من ذلك، ولا أدعو إلى اعتزال العلماء حين يكون الحق لائحا ودليله واضحا وللعلماء كلمتهم المسموعة ورأيهم المؤثّر، أما صب البنزين على النار فذلك أمر يحتاج إلى السؤال عمّن أوقد النار أوّلا ومن جمع التبن والحطب ومن وفّر الأسباب للنار أن تشتعل.. فالأمر ليس بالبساطة التي تسوّقها وسائل الإعلام التي وراء كل واحدة منها نظام أو مخابر أو أموال واستثمارات أو توجهات معيّنة.. نحتاج قدرا كبيرا من الانتباه والتحرّر من هيمنة وسلطة الصوت والصورة والخبر...

* ترى بعض المرجعيات الفكرية والدينية في المشرق، وخصوصا في الخليج العربي، أن الشيعة أخطر من بني صهيون.. هل أنتم مع هذا الطرح؟ وكيف يمكن إحداث التقارب المأمول بين السنة والشيعة؟ ولماذا تتردد بعض المرجعيات الشيعية في إنكار التطاول على الصحابة وأمهات المؤمنين برأيك؟
ـ       أظن أن مشروع التقريب بين السنّة والشيعة قد فشل فشلا ذريعا وسقط تماما... وهو مشروع كان يحمل بذور فشله من داخله... والمطلوب مشروع للتعايش والحسن الجوار في دائرة الأمة وإطار الإسلام العامّ، وليس مشروعا لتقريب موهوم أو اختراق للنسيج العقدي والفكري لأهل السنّة... والشيعة طائفة من الطوائف بينما أهل السنّة هم سواد الأمّة، والطائفة فيها الغلاة وفيها العقلاء ولكن التشيّع الرافضي الصفوي يبقى انحرافا وضلالا لا يشك فيه من عرف الإسلام وشمّ رائحة السنّة ودرس تاريخ الملل والنّحل والطوائف وتجرّد للحق، أما تردّد مراجع الشيعة في إنكار التطاول على الصحابة وأمّهات المؤمنين فلأن إنكار ذلك يهدم ثلث مذهبهم أو نصفه ويفقدهم مبررات المظلومية التي يدّعونها... وأذكّر هنا بمحبة أهل البيت وتولّيهم وتعظيم حق قرابتهم والإنكار على كل من آذاهم وظلمهم وتطاول عليهم فمحبتهم دين وقربة وبغضهم ضلال وبدعة.

* تشتغلون في مجال العمل الخيري من خلال جمعية تشرفون عليها. كيف تقيّمون تجربتكم، ووضع الجمعيات الخيرية في الجزائر؟ وهل تلقى الدعم المفترض، سواء من لدن السلطات أو فاعلي الخير؟
ـ     الجمعيات الفاعلة في الساحة حقا تتلقّى الدعم من الخيّرين والمحسنين وأهل البذل بينما لا تكاد تتلقى شيئا ذا بال من المال العامّ، وما ضاع من الأموال بالملايير على البايلا المحترقة في وهران دليل لكل ذي بصر وبصيرة، ويجعلنا نفهم قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما....).. أما تقييم التجربة فأفضّل أن يقيّمها غيرنا حتى لا نحابي أنفسنا ونتشبّع بما لم نُعط ونحمد أنفسنا بما لم نعمل.

* هل أنت متفائل بمستقبل الجزائر والأمة الإسلامية؟
ـ     نعم متفائل جدا...

* هل من إضافة تتكرمون بها؟
ـ     نحن على مفترق الطرق... ولا عصمة إلا بالقرآن والسنّة ولزوم غرز العلماء حقا في الشريعة وغيرها فكلها علوم وكلهم علماء.. وإلا بالعمل الدؤوب والبذل والعطاء.. وبالوعي وتصحيح المفاهيم، والسعي نحو وحدة الصف حول المشترك من المحكمات والقطعيات ومدافعة الباطل والكفر والفساد بالعلم والعدل والحكمة والذكاء... ودعوة إلى كل من يرى من نفسه أهلية وكفاءة فجمعية العلماء وفي وهران خاصة تدعوكم إليها وتفتح أبوابها لكم وترحّب بكل عامل عالم، وفضاءات التدافع وثغور الامة كثيرة فليحذر أحدنا ان يؤتى الإسلام من قِبَله.
                                                                                     
* ما هي رسالتكم للجزائريين.. وللمسلمين عموما..؟
ـ     أن نفهم جميعا وبعمق وعلم ووعي لا شعارا يُرفع وكلاما يُسمع: أن الإسلام – كلّ الإسلام - ديننا والعربية – لأنها لغة القرآن والسنّة - لغتنا والجزائر وطننا.


* ما هي كلمتك الأخيرة؟

ـ     نحن قوم أعّزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله. 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020