-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

الفساد في الجزائر.. شريكان وكارثة!

بقلم: الشيخ بن خليفة
نخر الفساد مؤسسات الدولة المختلفة وسمعتها، حتى صارت المسؤولية مقترنة في أذهان كثيرين بالنهب والسلب والفساد والإفساد، وزعزعت عصابة المفسدين هيبة الدولة وثقة المواطنين في الحكومة، حتى أصبح بعض الشرفاء والخيّرين من أبناء الوطن يرون أنه من المستحيل أن يُرجى الإصلاح حاليا، وهو أمر مؤسف للغاية، ذلك أن إصلاح أي مجتمع عملية شاملة للقاعدة والقمة على حد سواء، فلا جدوى من إصلاح هنا دون هناك.. مع تباين الرؤى والتقديرات بشأن الأولويات، وهل يبدأ الإصلاح من أعلى أو من أسفل..
ولأنه لا علاج من دون وضع اليد على الداء، فلا شك أنه لا إصلاح قبل التعرف على مكامن الفساد، وبواطن الإفساد الذي يأتي على الأخضر واليابس في "الجزائر الخضراء" التي حباها الله بثروات وخيرات كبرى، يُفترض أن تكون بها ضمن أعظم البلدان في العالم اقتصادا وتنمية وفكرا وأثرا وتأثيرا..

شريكان وكارثة
تابعنا طيلة أسابيع عديدة مضت فصول محاكمة المتهمين في قضية الخليفة، محاكمة اعتبرها البعض مجرد مسرحية، ورآها آخرون دليلا على وجود إرادة سياسية، وقضائية، في مكافحة الفساد والضرب على أيدي المفسدين..
وبين هذا وذاك وبغض النظر عن الحقيقة، وبعيدا عن الجدل المثار بشأن وجود لصوص حقيقيين خارج دائرة الإدانة، بل وخارج دائرة المحاكمة أصلا.. قدّمت لنا فصول هذه المحاكمة صورة مفصلة عن بعض آليات النهب وكيفيات الإفساد التي يعتمدها المفسدون..
وربما شعر متتبعون بالارتياح، حين أدركوا أن الجزائر نجت من مأساة حقيقية، حين تجنبت مؤسسة سوناطراك وضع أموالها في بنك الخليفة.. تصوروا لو تم إيداع أموال "بقرة الجزائر الكبرى" في البنك المنهار.. ولكن هل يشعر الجزائريون بالارتياح وهم يتابعون كيف "طارت" الملايير من خزينتهم، وعبث بها السفهاء؟..
ما حصل في قضية الخليفة وكثير من قضايا الفساد المشابهة كان نتيجة لوجود شخص أو مجموعة من الأشخاص الفاسدين، لم يترددوا في ممارسة الفساد، وفي المقابل جهات مسؤولة وقفت موقف المتفرج، حتى لا نقول المتواطئ، وكل من الطرفين شريك في هذه الجريمة الشنعاء، وصدق الدكتور عبد الوهاب الطريري، القائل: "هذه المنكرات التي في مجتمعنا لم تنتشر في يوم وليلة، ولكن انتشرت لأنّ واحداً فعل، وواحداً سكت، وهما شريكان في صنع ذلك المنكر".

أيها المجتمع.. انتظر الطوفان!
يقول بعض أهل العلم المعاصرين أن في المجتمع خمس مؤسسات أساسية إن صلحت صلح المجتمع، وإن فسدت فسد، ويتعلق الأمر بكل من: الأسرة، المدرسة، الشارع، المسجد، ووسائل الإعلام..
وإذا تأملنا حال الأسرة وجدنا قدمت استقالتها منذ زمن، ولم تعد تلك الخلية التي تربي وتكوّن الفرد الصالح.. فمن الأسرة يبدأ الفساد، بل إن بعض الأمهات ـ اللائي يفترض أنهن "مدارس متنقلة" ـ يحرضن أبناءهم وبناتهم على الفسوق والعصيان وأكل المال بغير الحق، بداعي "الشطارة".. وحين تصبح الأسرة غير حريصة على أكل المال الحلال، ولا يهمها غير جمعه بكل السبل المتاحة، فاقرأ على المجتمع السلام..
وإذا نظرنا إلى الشارع أمكننا تشكيل صورة واضحة عن مدى استشراء الفساد في مجتمع بات من الصعب على المرء فيه أن يسير مرتاحا في الشارع دون أن يصل إلى سمعه كلام قبيح أو تقع عينه على مشهد غير أخلاقي من مشاهد الفساد المختلفة..
وليس حال المدرسة أفضل.. ويكفي أن تشاهد بعض أبنائنا وهم يحرقون كراريسهم في نهاية الموسم الدراسي لتدرك حجم الإخفاق الكبير للمنظومة التربوية.. إخفاق لا تتحمل مسؤوليته وزيرة القطاع الحالية وحدها، ولكن التاريخ لن يغفر لها فضائح "باك 2015" التي جعلت المدرسة الجزائرية أضحوكة في الداخل والخارج، ولا يمكن أن تنتظر الكثير من مدرسة لا يحترم التلميذ فيها أستاذة، ولا يحترم الأستاذ ـ إلا من رحم ربي ـ رسالة العلم التي يحملها..
أما إذا نظرنا إلى المسجد فنلاحظ كيف تحول قطاع كبير من الأئمة من دعاة إلى الحق ومحاربين للفساد، إلى مجرد موظفين ملتزمين بتعليمات وزارة لها حساباتها المعقدة.. ولا عجب بعدئذ أن تتحول كثير من مساجدنا من صروح حضارية إصلاحية إلى أماكن للصلاة لا غير..
ويبدو حال مؤسسات الإعلام أكثر سوءا من حال المؤسسة المسجدية، فعلى الأقل لا يأمر المسجد بالمنكر وينهى عن المعروف مثلما تفعل بعض وسائل الإعلام التي تصور الحق باطلا والباطل حقا، ومنها ما لا يتردد في محاولة ضرب أساس المجتمع الجزائري المسلم، من خلال التشكيك في ثوابته، وضرب رموز أصالته، وقد فاجأتنا بعض وسائل الإعلام العلمانية التغريبية قبل مدة بمحاولة بعث نقاش بشأن الثوابت، ولعل أبرز ثابت مستهدف هو الإسلام.. ومقابل تحامل العلمانيين على أصالة المجتمع الجزائري وإسلامه، تقف صحف وقنوات نحسبها منافحة عن الثوابت مدافعة عن القيّم موقف المتفرج أو المتخاذل، وهو ما شجع غربان التغريب، لاسيما في ظل اكتفاء السلطات بمشاهدة ما يروجه إعلام التغريب من سموم وفق مبدأ "حرية التعبير"، وهي حرية يُفترض أن تكون لها ضوابط كي لا تتحول إلى فوضى..
هذا هو حال أهم خمس مؤسسات في المجتمع، والنتيجة يعرفها الجميع.. مزيد من الفساد والإفساد الذي ينذر بكوارث على كل المستويات.. ولاشك أن مجتمعا لا ينكر المنكر لا يمكن إلا أن ينتظر طوفانا من المآسي، وتبدو الزلازل المتلاحقة التي عاشتها الجزائر في السنوات الأخيرة، و"قحط الخزينة" نتيجة أزمة أسعار النفط، والأزمات المختلفة التي يكابدها المجتمع رغم ما تملكه بلاده من ثروات، مجرد إنذارات، ونخشى أن يكون القادم أسوأ، ما لم نسارع إلى تغيير ما بأنفسنا، وما لم تسارع النخب المخلصة إلى توحيد الصفوف والرؤى بهدف الوقوف أمام "عاصفة الفساد والإفساد"..

أيتها السلطات تحركي..
"ظهر الفساد في البر والبحر".. حقيقة مؤسفة لا ينكرها أشد المتفائلين تفاؤلا، فأين الحل، وما السبيل لقهر الفساد ودحر المفسدين؟
سيف القانون ثم القانون.. هذا ما يبدو متاحا كخيار استعجالي يمكنه، على الأقل، وضع حد لمواصلة تمدد الفساد في المجتمع، فلو أن السلطات عاقبت كل مفسد في الأرض لتناقص عدد المفسدين، ولكن الإشكال الكبير هو أن الفساد عمّ بشكل غير مسبوق ونخر مختلف القطاعات، بشكل يذكرنا بعبارة منسوبة للرئيس الراحل هواري بومدين جاء فيها: "وين راه الصالح بن الصالح الذي يمكنه محاربة المفسدين؟"
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الخيّرين والمخلصين والصالحين موجودون في كل مكان وكل قطاع وكل مجال، حتى وإن بدوا "أقلية مسحوقة"، قياسا إلى "أغلبية الفساد الساحقة"، وتبقى التقديرات نسبية، لكن الثابت والمؤكد أن "الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" مثلما كان يردد بعض الخلفاء الراشدين، بمعنى أنه قد يُمنع الشخص من اقتراف المحارم بالسلطان، أكثر مما يمنع بالقرآن، فكثير من الناس إيمانهم ضعيف لا تؤثر فيهم زواجر وأوامر ونواهي القرآن، بل يقدمون على الفساد ولا يبالون، لكن متى أيقنوا أن هناك عقوبة من السلطان أو السلطات أو أجهزة الأمن والقضاء، ارتدعوا، خوفا من "العقوبة السلطانية"..
والمرجو أن يتعاون الخيّرون في كل مكان على إرساء دعائم "دولة الحق والقانون"، ويصبروا في سعيهم إلى إرسائها، فإن صدقت نواياهم وخلصت جهودهم، فإنها ستقام.. ولو بعد حين..
نسأل الله أن يرنا الحق حقا ويرزقنا اتبّاعه، وأن يرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه..

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020