-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

الفتوى التي قتلت مئات الحجاج!



قال الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، في مصر، إن السبب الحقيقي لوفاة أكثر من 700 حاج بإحدى طرق منى، هو الفتوى بعدم رمي الجمرات قبل صلاة الظهر، مؤكدًا أن تلك الفتوى هي مأساة حقيقية وتسببت في الحادث.
وكتب "إبراهيم" في مقال نشرته صحيفة "الوطن" المصرية:
 الرصاصة والقنبلة تقتل، وكذلك الفتوى، ولكن متى تقتل الفتوى؟ إنها تقتل حينما تعسر اليسير وتضيق ما وسعه الله على عباده، أو تنسى القواعد الفقهية العظيمة «لا ضرر ولا ضرار»، «المشقة تجلب التيسير»، «التكليف بحسب الوسع»، «الضرورات تبيح المحظورات» وكلها قواعد فقهية رائعة.
لقد كانت فتوى منع أو عدم جواز رمي الجمرات إلا بعد الزوال «أي بعد صلاة الظهر» سبباً في كل مآسي الحجيج أثناء وقبل وبعد رمي الجمرات.. بدءاً من مأساة الحجيج سنة 1990م حيث مات 1426 حاجاً نتيجة التدافع والزحام الشديد في نفق منى، حيث التقى في النفق الذاهبون لرمي الجمرات والعائدون منها في لحظة الذروة، مما أدى إلى تدافع خطير لا مثيل له أدى إلى هذا العدد الكبير من الوفيات معظمهم من كبار السن والسيدات والأطفال وضعاف البنية. وقد دفعت هذه الحادثة الخطيرة حكومة السعودية إلى بناء ثلاثة كباري علوية لرمي الجمرات تدخلها من طريق وتخرج من طريق آخر، بحيث لا يلتقي الذاهبون مع العائدين.

حوادث متكررة..
وقد كتب كثير من العلماء والفقهاء نقداً للفتوى التقليدية السابقة واطمأن الجميع أن تغييراً سيحدث على الأرض وفى عقول المفتين يحول بين تكرار الحادثة، إلا أن الحادثة تكررت في نفس التوقيت وتقريباً من نفس الأماكن وبنفس الآلية، أي الازدحام والتدافع الشديد، ثم الموت لأعداد كبيرة جاوزت هذه المرة 717 حاجاً وجرح 863.
حينما حج الرسول «صلى الله عليه وسلم» رمي الجمرات بعد الزوال فظن بعض الفقهاء أن هذا أمر توقيفي لا يجوز العدول عنه حتى لو تغير الزمان والمكان والأشخاص، أو أدى ذلك إلى موت الحجيج أو إصابتهم أو ضياع مناسك الحج على الآلاف من أقاربهم وأصدقائهم وكل من معهم، حيث ينشغلون في إجراءات الدفن والتحقيق وغيره وهذا خطأ كبير. لقد حج الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان يحج معه عدة آلاف فقط كانوا يستطيعون الرمي بسهولة في هذا التوقيت من بعد صلاة الظهر وحتى المغرب وهذا وقت ضيق جداً وخاصة في الشتاء وحار جداً في الصيف..
وكانت أمة الإسلام وقتها عددها قد لا يجاوز الربع مليون وهو يوازى سكان قرية صغيرة من قرى مصر الآن. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رخص لرعاة الغنم أن يرموا الجمرات بالليل أو في أي ساعة شاءوا، كما روى الدار قطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.. وهذه الرخصة أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم للرعاة لمصلحة الحفاظ على أغنامهم.. أليست رعاية البشر أولى.. أليست رعاية حياة الحجيج وسلامتهم أولى بأن يرخص لهم بأن يرموا الجمرات قبل الظهر وبالليل أيضاً مع رميهم من الظهر إلى المغرب؟ أي قياس يقيسه هؤلاء وأي فهم يفهمه هؤلاء الذين يصرون حتى اليوم على عدم جواز الرمي ليلاً وعدم جواز الرمي إلا بعد الزوال.

لماذا التعسير؟
هل جاءت الشريعة الغراء بالضرر أم بدفع الضرر؟ وإذا كان شعار النبي «صلى الله عليه وسلم» الذي رفعه في حجة الوداع هو «افعل ولا حرج» وهو لا يقصد به فقط الأشياء التي رخص فيها ولكنه جعلها قاعدة عامة في اليسر والتيسير ما لم يكن إثماً ومنكراً.. ألم يرد عنه في حجة الوداع «أنه ما سئل الرسول في أمر في الحج قدم ولا أُخر إلا قال للسائل: افعل ولا حرج».
فلماذا ضاقت صدور بعض المفتين المحدثين عن الرمي قبل الزوال أو ليلاً.. ولماذا تضيق صدورهم وقد أفتى بجواز الرمي قبل الزوال ثلاثة من أعظم فقهاء المسلمين وهم عطاء بن أبى رباح فقيه مكة وفقيه المناسك، وكذلك طاووس فقيه اليمن، وأبوجعفر الباقر من فقهاء وأئمة آل البيت.. وهو رأى المتأخرين من فقهاء المذاهب من الشافعية والمالكية والحنابلة.. وهو رواية عن ابن حنبل نفسه، وقد قالوا بذلك لما رأوا الزحام قد اشتد في المناسك مع كثرة عدد الحجاج.. فكيف بهؤلاء الفقهاء لو عاشوا في زماننا ورأوا جثث الحجاج تداس كل بضعة أعوام، وكيف بهم إذا علموا أن عدد الحجاج بلغ أحياناً 5 ملايين. ألا يعلم الذين يصرون على هذه الفتوى ويبلغونها للحجاج دائماً أن الأزهر الشريف أفتى منذ سنوات طويلة ومنذ أيام المفتى العظيم الشيخ حسنين مخلوف، بجواز الرمي قبل الزوال أو بالليل. ألا يعلم هؤلاء أن مفتى قطر الأسبق عبد الله بن زيد آل محمود قد أفتى بذلك في رسالة وجهها إلى علماء السعودية منذ أربعين عاماً أسماها رسالة «يسر الإسلام في المناسك»؟ ألا يدرك هؤلاء وأمثالهم في كل بلاد المسلمين أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» قد أذن لعمه العباس أن يبيت في مكة بدلاً من منى.. وفى هذا ترك لأمرين، المبيت بمنى ورمي الجمرات.. وهل ظروف العباس رضي الله أشق من ظروف هؤلاء الحجيج الذين ماتوا تحت الأقدام ولا يحتاجون إلا لمن يرخص لهم أن يرموا الجمرات في أي وقت تيسيراً عليهم ودفعاً لتلك المفاسد العظمى. إن على كل المفتين أن يدركوا «أن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأشخاص» ليست مجرد حقيقة نظرية يقرأونها في الكتب ويعجبون بفكرتها ولكنها فكرة عملية واقعية ينبغى أن ينفذوها في فتاواهم وفى حياة الناس حتى تكون الشريعة صالحة لكل زمان ومكان. إن مكان رمي الجمرات قد لا تستطيع حكومة أن تغيره كثيراً فقد تتحول الأدوار الثلاثة إلى خمسة، ولكن ذلك لن يحل المشكلة..

الحل الأساسي..
الحل الأساسي في اتساع الوقت ليشمل وقت الرمي الـ24 ساعة كاملة قبل الزوال وبعده وبالليل.. الحل هو توسيع الزمان مع محاولة توسيع المكان ما أمكن.. لأن المشكلة في توسيع المكان أن الرامي لا بد أن يقف قريباً من المرمي ليقع فيه ولا يقع بعيداً. وقد أجاز الفقيه سابق عصره أبو حنيفة النعمان، الرمي قبل الزوال يوم مغادرة الحجيج منى (النفر منها) تيسيراً عليهم. وإذا كانت الشريعة يسرت على المتعجل فلماذا لا يتم الفقهاء مهمة التيسير في زمان الرمي. أما الحجاج أنفسهم فعليهم أن يستفيدوا من رخصة «الإنابة في الرمي»..
فقد رميت أثناء حجي عن سبعة من النساء كانوا معي في الفوج منهم أمي رحمها الله.. فعلى كل النساء والأطفال وكبار السن والمرضى ألا يذهبوا بأنفسهم لرمي الجمرات وأن ينيبوا عنهم غيرهم. وقد كنت أعجب لزوجة تحمل طفلاً رضيعاً ترفض أن تنيب زوجها عنها في الرمي..
وتعاني المشقات وهى ترمي وطفلها الرضيع يصرخ من شدة الزحام والحر، رغم أننا كنا في شهر جانفي، فما بالنا بمن تفعل ذلك في ماي أو جوان أو أوت؟! فلماذا نضيق ما وسعه الله علينا؟ ولماذا نصر على أن نشق على أنفسنا؟ «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، و«إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».  

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020