-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

لماذا رفض هواري بومدين أداء العمرة قبل شهور من وفاته؟!



هل تعلم أن الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، رحمه الله، قد رفض أداء مناسك العمرة خلال تواجده في الأراضي السعودية، قبل شهور قليلة من رحيله عن الدنيا؟.. هذه الحادثة استغلها البعض للإساءة للرئيس الراحل دون أن يتبينوا الملابسات والأسباب التي حملت "الموسطاش" على اتخاذ ذلك القرار الذي فاجأ مقربيه في البداية قبل أن يفصح لهم عن دوافعه..
الدكتور محيي الدين عميمور، مستشار الرئيس بومدين، عاد بذاكرته 38 سنة إلى الوراء، ليسرد ما وقع حينها إحقاقا للحق وإزالة للالتباس الحاصل..
عميمور أوضح، في مقال نشره قبل أيام على صفحات صحيفتي "الشعب" و"صوت الأحرار"، أن زيارة بومدين للسعودية في صيف 1978، جرت في مرحلة كانت الجزائر تعاني فيها من هبوط أسعار النفط الذي تعتمد عليه في تمويل تنميتها الوطنية وفي ضمان حد معقول من الرفاهية الاجتماعية للشعب الجزائري.
وقرر الرئيس يومها أن يلتقي بالقيادة السعودية ليحاول إقناع أكبر الدول العربية المصدرة للنفط بتفادي زيادة الإنتاج بما يؤثر سلبا على الدول المنتجة.
يومها قرر بومدين عدم زيارة مكة وأداء عمرة، وحين استفسره عميمور عن القضية، رد بغضب قائلا: أنا جئت هنا لأطرح أمرا سياسيا ولم آت حاجا ولا معتمرا، جئت "ندير" سياسة.
وواصل الرئيس غضبته قائلا، وكأنه أراد أن أبلغ بقية الوفد بردة فعله: من يريد الحج أو العمرة يقوم بها من ماله الخاص ولا يستجديها من أحد، أو ينتظر أن يتكرم بها عليه أحد أيا كان.

تفاصيل الحادثة
وفيمايلي النص الكامل للمقال الذي جاء تحت عنوان "وذكّر.."، علما أنه مقال نشره الدكتور عميمور قبل بضع سنوات، وأعاد نشره قبل أيام "من باب الوفاء والتذكير بما لا يجب أن يُنسى":
قال أحدهم يوما، في معرض الإساءة للرئيس هواري بو مدين، أن الرئيس رفض، خلال زيارة قام بها إلى المملكة العربية السعودية، أداء العمرة، وكانت هذه المعلومة أمرا صُدم به شباب كثيرون كانوا يرون في الرئيس الجزائري الراحل صورة ابن الكتانية والأزهر، المتمسك بتعاليم دينه الحريص على أداء فرائضه وسننه ونوافله.
ولقد حدث الأمر فعلا وكنت من شهوده، لكن الحقيقة هنا مبتورة، وهو ما جعلني أخط هذه السطور، احتراما للأمانة التاريخية ووفاء لرجل كان غيابه ثلمة في صف الدعوة الإسلامية الواعية.
جرت زيارة الوفد الجزائري للسعودية في صيف 1978، وبعد أن غيب الموت رجلا من أعظم الرجال هو الملك فيصل طيب الله ثراه، عرف حقيقة الجزائر عند زيارته لها في بداية السبعينيات، وارتبط بعلاقة استراتيجية مع الرئيس الجزائري تجسدت في الوقوف الحازم والحاسم بجانب مصر وسوريا في حرب 1973، ثم في دعم المشروع النووي الباكستاني.
وتمت الزيارة في مرحلة كانت الجزائر تعاني فيها من هبوط أسعار النفط الذي تعتمد عليه في تمويل تنميتها الوطنية وفي ضمان حد معقول من الرفاهية الاجتماعية للشعب الجزائري، وكان معروفا أن إغراق السوق العالمية بالنفط هو السبب المباشر في انخفاض أسعاره، وبالتالي إلى نقص مداخيل البلاد التي تعتمد عليه، وفي مقدمتها الجزائر.
وقرر الرئيس يومها أن يلتقي بالقيادة السعودية ليحاول إقناع أكبر الدول العربية المصدرة للنفط بتفادي زيادة الإنتاج بما يؤثر سلبا على الدول المنتجة.
وحطت بنا الطائرة في جدة، وتفضل الإخوة السعوديين مشكورين، وكعادتهم في استقبال الوفود الرئاسية، بإعداد أسطول من السيارات ليحمل الوفد من جدة إلى مكة، على بعد أقل من 90 كيلومترا، لأداء العُمرة.
كنت أتابع رتل السيارات التي تتجمع في ساحة القصر الملكي عندما لمحت مولود حمروش، وكان يومها مديرا للتشريفات الرئاسية، فسألته عن لحظة المغادرة نحو مكة، فأجابني بأن زيارة مكة غير مطروحة، وأضاف قائلا في نرفزة لم أعهدها منه: أمامك الرئيس فناقشه في الأمر.

جئت "ندير" سياسة..
وبالفعل دخلت على الرئيس الذي كان يقرأ تقريرا من عدة صفحات، ووقفت أمامه حتى رفع رأسه ليسألني بهدوئه المعتاد: ماذا وراءك؟
وقلت له ما سمعته من مولود، فوضع الأوراق جانبا وأجابني بغضب: أنا جئت هنا لأطرح أمرا سياسيا ولم آت حاجا ولا معتمرا، جئت "ندير" سياسة.
ويواصل الرئيس غضبته قائلا، وكأنه أراد أن أبلغ بقية الوفد بردة فعله: من يريد الحج أو العمرة يقوم بها من ماله الخاص ولا يستجديها من أحد، أو ينتظر أن يتكرم بها عليه أحد أيا كان.
وتخيلت أن الرئيس أحس بأن قبوله أداء العمرة سوف يكون إضعافا لموقفه أمام السلطات السعودية التي جاء يطالبها بما قد لا ترضى عنه أو لا تقدر عليه، وتأكد لي هذا عندما استقبلنا العاهل السعودي الملك خالد بن عبد العزيز في اليوم التالي.
جلس الرئيس على يمين الملك في قاعة الاستقبال الكبرى بقصر السلام في جدة، وجلسنا نحن حولهما، وأدار الرئيس بصره في أعضاء الوفد السعودي الموجود في القاعة، ووقعت عيناه على الشيخ زكي اليماني وزير البترول السعودي.
كنت أتابع نظرات الرئيس، وعادت بي الذاكرة فورا إلى منتصف السبعينيات، عندما اختطف كارلوس وزراء النفط من اجتماعهم في فيينا، وقيل يومها أن هدفه الرئيسي كان اغتيال الشيخ اليماني وربما آخرين من وزراء البترول.

مفاوضات..
وتدخلت الجزائر يومها، وعرض وزير الطاقة الجزائري عبد السلام بلعيد على كارلوس أن يحتفظ به كرهينة بدلا من بقية الوزراء، وفي مقدمتهم اليماني، وطالت المفاوضات على متن الطائرة التي كانت قد حطت في مطار الجزائر الدولي، وأدار المفاوضات من الجانب الجزائري آنذاك وزير الخارجية عبد العزيز بو تفليقة، وانتهت الأمور بفدية مالية لا أذكر قدرها، دفعتها السعودية.
تعلقت عينا الملك خالد وبقية الحاضرين بشفتي الرئيس بو مدين، الذي حدّق للحظات في وجه الشيخ اليماني ثم قال وعلى شفته ابتسامة حار كثيرون في فهم معناها : يا شيخ زكي، ألم يكن أحسن لنا أن نترك كارلوس يريحنا منك ؟
ويجيب الشيخ اليماني على الفور: ما كان يفرق يا فخامة الرئيس.
وفهمنا جميعا، والرئيس في المقدمة طبعا، ما أراد وزير البترول السعودي قوله، وكان واضحا أنه امتلك شجاعة القول، ولو ضمنيا، بأن القرار لا يتخذ في عاصمة بلاده.
وحقيقي أننا غادرنا المملكة العربية السعودية وكلنا أسى لأننا لم نتمتع بالعمرة، لكنني أستطيع القول بأن أكثرنا شعورا بالأسى كان الرئيس بو مدين نفسه، والذي حرمه التمسك بمنطق الدولة من القيام بأمر كان دائما يحلم به، ومات بدون أن يظفر به.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020